27. بداية الرواية
“لا تقولي إنّ الأمر بسبب تلك الشائعة…”
“آنسة! أنا أرى أنك أنتِ، الآنسة، كنتِ الخسارة الكبرى في تلك القصة! آه، هل يُعدّ هذا إهانة للعائلة الإمبراطورية؟”
حاولت فريل إصلاح الموقف بسرعة، ثم سارعت لتكميم فمي بيدها.
كما توقعت… رغم أنني شرحت لهما مرارًا أنّ الأمر ليس كذلك.
قبل عشر سنوات، انتشرت بين النبلاء أخبار مفاجئة عن سفر سكالين المفاجئ للدراسة في الخارج.
وبما أن الشائعات عن زواجٍ وشيك بيني وبينه كانت قد ظهرت قبل ذلك بفترة قصيرة، فقد صدّق الجميع أنه…
“لا يا فتيات، قلت لكما منذ البداية! لم يكن بيني وبين الأمير أي وعد زواج!”
الجميع يظن أنّ سكالين تخلّى عني ورحل فجأة، كما في قصص البطلات المأساويات.
لكن مهما حاولت نفي ذلك، كانت روين وفريل تنظران إليّ بعينَي شفقة، وكأنهما تريان أمامهما فتاة تعيسة الحظ.
حسنًا… فليصدّقن ما يشأن. لم أعد حتى أرغب في الشرح.
هززت رأسي مستسلمة، وقررت تهدئة نفسي بشرب الشاي.
لكن حين أمسكت الفنجان أمامي…
“آه، بالمناسبة… ألم يقولوا إنّ سمو الأمير سيعود قريبًا؟”
طَرنّ—
…ها؟
…ماذا؟
سقط الفنجان من يدي دون مقاومة، وتحطّم على الأرض.
“آنسة! هل أنتِ بخير؟!”
تحطّم الفنجان بجانب قدمي، لكنني لم أستطع الالتفات إليه أصلًا.
الآن فقط… ماذا قالت روين؟
“متى؟”
“نعم؟”
“قلتِ إن الأمير سيعود… متى بالضبط؟”
نهضت فجأة كمن أصابها المسّ، وأمسكت بكلتا يديّ روين.
بدت شديدة الارتباك وهي تحرك عينيها بسرعة قبل أن تردّ بتلعثم.
“أمم… سمعت من والدي الكونت أنه سيُقيم… حفل البلوغ قريبًا…”
“حفل البلوغ…؟”
سكالين… وحفل البلوغ…
تجعدت ملامحي بشدة بينما أحاول تذكّر شيء مألوف جدًا.
آه… لا يمكن…
“تذكّرت.”
دقّ—
“آنسة! إلى أين تذهبين؟”
تجاهلت صرخات روين وفريل خلفي، واندفعت بسرعة نحو العربة.
“إلى القصر! بسرعة، إلى القصر!”
نعم… إن كانت ذاكرتي صحيحة، فـ…
حفل بلوغ سكالين.
ذلك هو بداية الرواية الأصلية.
بمعنى آخر—
الرواية التي انتظرتها طَوال عشر سنوات… ستبدأ الآن.
***
“وجدتُها!”
ما إن عدت إلى القصر، حتى فتحت الدرج بسرعة وأخرجت منه دفتري القديم.
“إن لم تخنّي ذاكرتي، فسيكون في الصفحة الأولى…”
كنت قد كتبت في هذا الدفتر كل ما أتذكّره من أحداث الرواية فور أن تجسّدت في هذا العالم.
وبما أنني جئت إلى هنا قبل عشرة أعوام من بداية القصة، كنت أعلم أن ذاكرتي ستبهت مع مرور الوقت.
فتحت الصفحة الأولى بسرعة.
تمامًا كما توقعت.
“مكان اللقاء الأول بين البطلين… حفل بلوغ سكالين.”
قرأت العبارة بصوت عالٍ، وعادت الذكريات تتدفق بوضوح.
صحيح… حين كتبت هذا كنت أتذمّر من أن أمامي عشر سنوات طويلة بعدُ.
لم أكن أتخيل أنني سأبقى هنا فعلًا حتى ذلك اليوم.
والآن، أنسى حتى موقع أول لقاء بينهما؟
“حسنًا… لن يحدث شيء إن بدأت الرواية الآن، أليس كذلك؟”
بدأت أقرأ ما كتبته آنذاك سطرًا بسطر للتأكد.
لحسن الحظ، لم يظهر أي خطر حقيقي في بداية القصة سوى هارين.
وما دام أن هارين الحالي مختلف تمامًا عن ذلك الموجود في الرواية، فلا داعي للقلق.
“صحيح… لقد عملتُ بجهد كبير كي أمنع تحوّله إلى الشرير.”
في الرواية الأصلية، كانت العلاقة بين هارين وسكالين متوترة جدًا.
لكن الآن؟
هو فقط مشغول ولم يلتقِ به، هذا كل شيء. ليس أمرًا سيئًا، أليس كذلك؟
بالتالي، حتى لو بدأت الرواية الآن، فلن يكون هناك خطر يهدد العائلة.
“حفل بلوغ سكالين، إذن… بالتأكيد سأكون من ضمن الحاضرين.”
ما إن أنهيت قراءة الملاحظات حتى خفق قلبي بشدة من الحماس.
لقد مرّت عشر سنوات طويلة… وأخيرًا ستبدأ الرواية.
“سوران سيلياس…”
أخيرًا سألتقي ببطلة الرواية.
في الواقع، كنت أتشوق لرؤية سوران أكثر من سكالين نفسه.
تلك الفتاة الجريئة التي، رغم مكانتها المتواضعة، واجهت الأمير بشجاعة وقالت ما تؤمن به.
التي لم تنهَر أمام مضايقات هارين، بل قاومت بثبات حتى النهاية— كانت أكثر الشخصيات التي أحببتها كقارئة.
‘حتى لو كان بيننا فرق في الطبقة… ألن أتمكن من رؤيتها ولو مرة؟’
يا للأسف، لم ألتقِ بها ولو مرة واحدة حتى الآن.
بعد حفل ظهوري الأول في المجتمع، خرجت إلى المناسبات الاجتماعية مرارًا على أمل أن ألتقي بها صدفة، لكن لم أسمع حتى اسمها يُذكر.
“تُرى، كم ستكون جميلة؟”
ففي الرواية، وُصفت البطلة ‘سوران’ بأنها أجمل امرأة في هذا العالم.
يقال إن هناك من لم يرها أبدًا، لكن لا أحد رآها مرة واحدة فقط ولم يرغب في رؤيتها مجددا.
حتى سكالين قال إن وجهها لا يُملّ من النظر إليه أبدًا.
لا شك أنها ستكون محور الحديث في حفل البلوغ القادم.
فالعالم لن يترك امرأة بذلك الجمال من دون أن يُثير ضجة حولها.
“آنا!”
بمجرد أن فكرت أنني قد ألتقي سوران، شعرت بحماس غير معتاد.
رغم أن الدعوة لم تصل بعد، إلا أنه عليّ أن أجهّز فستاني مسبقًا.
ناديت آنا بصوت مرتفع من وراء الباب، فأطلت برأسها بسرعة.
“نعم، آنستي!”
“سيُقام حفل كبير قريبًا، وأريد أن أفصّل فستانًا جديدًا. هل يمكنك الاتصال بالصالون؟”
“حالًا!”
رنّ صوتها المشرق في الغرفة، كما كانت دائمًا، مفعمة بالحيوية حتى بعد مرور عشر سنوات.
‘آه، كم أنا متحمسة! ليت الحفل يُقام الآن فورًا!’
استلقيت على السرير محاوِلة تهدئة خفقان قلبي، وفجأة ظهرت آنا فوقي، تنظر إليّ من الأعلى.
“آنستي، متى أحدد الموعد؟”
“هاه؟”
“الموعد! متى تريدين ارتداء الفستان؟”
بدت متحمسة لتبدأ العمل، لكنني تجمّدت للحظة.
آه… الآن وأنا أفكر في الأمر…
‘متى حفل البلوغ أصلًا؟’
أنا لا أعرف تاريخ ميلاد سكالين.
***
حتى بعد أن قرأت دفتري الصغير ثلاث مرات، لم أجد فيه شيئًا عن تاريخ ميلاده.
من الطبيعي، فالروايات لا تذكر عادةً أعياد ميلاد الشخصيات الرئيسية.
إذًا، عليّ الانتظار حتى تصل الدعوة من القصر الإمبراطوري…
لكن لا، لحظة.
“عيد ميلاد الأمير؟”
لا حاجة للانتظار!
فشقيقي هو صديق طفولته، فما الداعي لكل هذا الالتفاف؟
ركضت فورًا إلى ساحة التدريب حيث كان هارين يشرب الماء وسألته.
لكن ما إن رآني حتى تجهم وجهه الجميل الذي كان قبل قليل مبتسمًا.
“أنت تعرف، أليس كذلك؟”
لقد كان يذهب دائمًا إلى القصر للعب معه، فمن الطبيعي أن يعرف.
أومأت بثقة، منتظرة جوابه. لكن خلافًا لتوقعي، أجاب بوجه عابس.
“كيف لي أن أعرف ذلك؟”
“هاه؟”
ثم رمى القارورة الفارغة أرضًا بنفاد صبر.
“كلاكما، كنتما صديقين تلعبان معًا كثيرا في الصغر….”
“لسنا صديقين.”
…ماذا؟
في تلك اللحظة، لمحْت في عيني هارين بريقًا حادًا غريبًا، وكأن شرارة خفيفة من القتل.
هل تخيّلت ذلك فقط؟
“أختي، سأعود للتدريب.”
“آه، حـ ، حسنًا…”
عاد لابتسامته اللطيفة ولوّح لي كالمعتاد، لكنني لم أستطع طرد الإحساس المزعج الذي خيّم عليّ.
صحيح أنه أصبح أكثر برودًا في السنوات الأخيرة، لكن اليوم تحديدًا بدا… غريبًا.
‘حقًا… كلما كبر، اختفى أثر طفولته أكثر فأكثر.’
كان في صغره لا يستطيع حتى التعبير عن غضبه…
هل هذا ما يشعر به الأهل حين يدخل أبناؤهم سن المراهقة؟ كم هو إحساس مرير.
“من أين اكتسب تلك الهالة القاتلة يا ترى؟”
تأملت ظهره وهو يبتعد، بنظرة فيها مزيج من العتب والحنين.
صحيح أنه أكثر طيبة بكثير من صورته في الرواية، لكنه حين تُطلّ منه تلك الطباع الأصلية أحيانًا، يجعلني أُصدم لا إراديًا.
“بعد الحفل، عليّ أن أراقبه أكثر قليلاً.”
كنت عائدة إلى غرفتي، غارقة في التفكير دون أن أحقق أي فائدة من حديثي معه، حينها فجأة…
سمعت صوتًا يصيح من بعيد.
“آنسة!”
“السير فراتشيل؟”
كان يركض نحوي وهو يلوّح بيده، وصوته يعلو مع كل خطوة.
كان متصببًا عرقًا من التدريب، واضح أنه كان يتدرب مع الآخرين حين رآني.
“لماذا تركض في هذا الحر؟”
“هاه، هااه… كنت أتدرب مع الفرسان من بعيد، ورأيتكِ بالصدفة! لم أركِ منذ زمن، فقلت في نفسي، لا بد أن أقدم التحية ولو للحظة!”
رغم أنفاسه اللاهثة، لم يفقد ابتسامته. بدا عليه بوضوح أنه سعيد برؤيتي، وهو يحكّ مؤخرة رأسه بخجل.
يا له من رجل لطيف فعلًا.
كلما رأيته، كان يحييني بوجه مشرق، بطباع ودودة تناقض تمامًا طبيعة عائلة بارانتيس.
لطفه وبهجته يجعلان المرء يشعر بالراحة.
وجوده كقائد لفريق الفرسان في بيتنا يمنحني ثقة أن هارين سيكون في أيدٍ أمينة.
“آنستي، ماذا تفعلين هنا بالمناسبة؟”
“آه، جئت لأقابل هارين…”
لكن فجأة، دوّى صراخ حاد من بعيد.
“مـــــــتْ!”
التعليقات لهذا الفصل " 27"