في الصباح الباكر، كنتُ متجهة مع والدي إلى القصر الإمبراطوري.
في البداية، كان هارين معنا، لكن والدي رأى أنه من الأفضل ألا يرى الصغير ما قد يحدث، فأرسله إلى قصر ولي العهد ليبقى مع سكالين.
“إن وجدتِ صعوبة في الكلام أمام جلالته، فسأتحدث نيابةً عنكِ.”
كان والدي يحاول طمأنتي طيلة الطريق في العربة، يحدثني بلطف، ويعرض أن يكون ممثلي أمام الإمبراطور.
لو قلت إنني لست خائفة، لكنت أكذب. لكن إن لم أفعل أنا ذلك، فلن يفعله أحد.
“لا، شكرًا يا أبي، أستطيع القيام بذلك.”
ديريك رجل ماكر، لا يقدم على أي فعل يضره، وإن شعر أنني أختبئ خلف أبي، فقد يستغل ذلك ضدي.
لهذا يجب ألا أبدو ضعيفة أبدًا.
“لقد وصلنا.”
قال أبي بصوت منخفض وهو ينظر إلى المنظر المألوف أمامه.
عادةً، كانت العربة تتابع السير قليلًا حتى تصل إلى قصر ولي العهد، لكن اليوم، تمامًا كما في يوم الحفل، توقفت العربة أمام البوابة الكبرى للقصر.
نزل أولًا ومدّ يده إليّ، فأمسكت بها ونزلت.
“……هاه.”
تنفست بعمق وأنا أحدّق في القصر الإمبراطوري المهيب أمامي.
كان الهدوء يخيّم على المكان، بخلاف ما كان في ليلة الحفل السابقة.
‘لا ترتجفي. الإمبراطور رجل يراعي شعبه. حتى لو كنتُ صغيرة، ما دمتُ أملك هذا الدليل، فلن يستخفّ بكلامي.’
وفوق ذلك… الأمر يتعلق بابنه.
قبضت يدي بقوة ثم أرخيتها ببطء. بدأ التوتر في صدري يهدأ قليلًا.
“لقد أخبرتُ جلالته مسبقًا برغبتكِ، فطلبتُ لقاءً قصيرًا فقط. كوني هادئة وحدثيه بما عندك.”
رنّ صوت أبي في أذني بثبات. رفعت رأسي أنظر إليه، فأومأت ببطء.
ربما لاحظ ارتباكي، فربت على كتفي مرتين براحة يده الكبيرة.
“لا تقلقي. هذه المرة سأكون إلى جانبك طوال الوقت.”
كان لصوته ذاك الطابع الذي يجعلني أشعر بالأمان دائمًا.
وفي لحظات كهذه، يبدو حقًا كأب حنون.
“نعم، أبي.”
ابتسمت بصدق، ثم دخلت القصر معه، ما زلت أمسك بيده.
هذه ستكون المرة الأخيرة. يجب أن تكون كذلك.
لن أتدخل في أمور سكالين بعد اليوم.
***
“دوق داميان، سمعت أنك جئت بابنتك.”
“نعم، يا جلالة الإمبراطور. لقد طلبت هي أن تحظى بلقائكم.”
كان الإمبراطور، كما في الروايات، رجلًا ودودًا واسع الصدر.
حتى اللقاء لم يكن في قاعة الاستقبال الرسمية، بل في قاعة الضيوف الخاصة.
ألقى نظرة نحوي، وأنا أقف إلى جانب والدي.
‘إذًا هذا هو… والد سكالين.’
كان ضخم البنية، مهيبًا إلى درجةٍ تشعرك وكأنه قد يبتلعك بنظره فقط.
ولم يكن يشبه سكالين في شيء تقريبًا، سوى عينَيه الحمراوين.
ربما ورث سكالين ملامحه من والدته.
حين وجدتُ الإمبراطور يحدّق بي طويلًا كأنه ينتظر شيئًا، أسرعت أرفع طرف فستاني وأحيّيه كما تعلمت.
“ابنةُ أسرة بارانتيس، سيليا بارانتيس، تتشرف بتحية شمس الإمبراطورية.”
كنت قد تدربت على هذه الجملة كثيرًا حتى حفظتها عن ظهر قلب، ولحسن الحظ لم يرتجف صوتي هذه المرة.
“هاها، إذًا أنتِ ابنةُ داميان. من النادر رويتكِ، فقد كان والدك يخفيك عن الأنظار. جميلة رغم صغرك.”
“شكرًا لكم، جلالة الإمبراطور.”
كان ودودًا معي، ربما لأن أبي من المقرّبين إليه، لكن طريقته كانت دافئة حقًا.
“حسنًا، اجلسي. سمعتُ أنكِ ترغبين برؤيتي، فلنسمع ما لديكِ.”
اتكأ الإمبراطور على الأريكة الواسعة، ومع جسده الضخم انبعث صوت خافت من الوسائد تحت وزنه.
“في الحقيقة… الأمر هو…”
آه، كم هذا مرعب.
آخر مرة تحدثت فيها أمام جمع من الناس كانت في الجامعة، في عرضٍ جماعي ممل.
والآن، أمامي حاكم القارة بأكملها.
لكن لا مفرّ. لقد وصلتُ إلى هنا، ويجب أن أقول ما جئتُ من أجله.
جفّ حلقي، وارتجفت يداي، لكن كان عليّ أن أتكلم. لأن هذا وحده ما سيقودني نحو المستقبل الذي أريده.
“جلالتك. جئت لأُبلِّغك بما حدث في الحفل الذي أقيم قبل عدة أيام في القصر.”
“همم؟ الحفل؟ إذا كنتِ تقصدين ذلك الحفل الذي عُقد قبل أيام في القصر…”
تغيّر تعبير وجه الإمبراطور بشكل طفيف. شعرتُ كأن نظرته تمر عليّ من أعلى لأسفل للحظة.
“طفلة مثلكِ لا بد أنها اكتفت باللعب. ماذا تريدين أن تقولي؟”
“…صحيح. كنتُ مجرد إحدى بنات النبلاء اللواتي ترافقن آباءهن للاستمتاع بالاحتفال.”
“فما المشكلة إذن؟”
“جئت لأبلغ عن المشهد الذي رأيته في المكتبة في الطابق الثاني ذلك اليوم.”
نظرت إليه مباشرة. حدّقت بي عيناه الحمراوان الشبيهتان بعينَي سكالين، لكن الهالة التي تنبع منهما مختلفة تمامًا عن هالة سكالين.
كانت نظرة تضرب كأنك تقف على شفرة حادة.
“المكتبة في الطابق الثاني… لا أستوعب كيف صعدتِ إلى هناك أولًا. حسنًا، ماذا رأيتِ؟”
“…نعم، جلالتك. ذلك اليوم كان هناك ديريك فيوليت من إمبراطورية أوتوتيا، والأمير سكالين معًا في المكتبة.”
لم أتم حديثي بعد، لكن بمجرد أن نطقت باسميْهما تغيّر وجه الإمبراطور بسرعة. الرجل الذي كان يجلس بارتياح صار يجلس مستقيمًا. ابتسامته اختفت.
“…وماذا في ذلك؟”
“شاهدتُ ديريك فيوليت وهو يُظهِر نية إيذاء الأمير سكالين ويصرح بأنه أحق بمقعد ولي العهد.”
سردتُ جملتي المعدّة بهدوء. باستثناء أني لم أجرؤ على مواجهة نظراته فحدّقت في المائدة، كان الشرح جيدًا إلى حد كبير.
“يبدو أنكِ لا تعرفين. إنهما أقرباء. بل إن ديريك فيوليت مقيم هنا بصفته ضيف من إمبراطورية أوتوتيا الشقيقة.”
صوت الإمبراطور صار باردًا بشكل لافت. بدا وكأنه يحاول ضبط نفسه مراعاةً لصغر سني.
“ليكن في علمكِ أن كلامك الطائش قد يزعزع الصداقة بين الإمبراطوريتين، آنسة الدوقية.”
كيف لأب أن يتصرف هكذا حين يتعلق الأمر بمحاولة إيذاء ابنه…؟
نصحني كما لو كان يعلمني، ثم نظر إلى والدي بلا أي تعاطف في ملامحه.
“سأنهي هذا اللقاء هنا. لقد استمعت لطلبك، لكنني أشعر بخيبة.”
صوت أريكة الإمبراطور حين سحبها إلى الخلف أحدث صوتًا مزعجًا دلّ على سخطه.
“…حتى لو كان دليلي قاطعًا، ألن تصغي لكلامي، جلالتك؟”
“ماذا قلتِ؟”
“سألتُ إن كنتم ستأخذون أقوالي على محمل الجد إذا قدمت دليلاً قاطعًا.”
في الحقيقة كان ذلك مقامرة. إن اعتبر كلامي لعب أطفال وخرجنا الآن، فسأكون مجرد ابنة طائشة شوهت سمعة والدها. لكن إن كانت هذه آخر فرصة، فكان لا بد من المجازفة.
“أترين أن كلامي لديكِ يبدو لعبة؟”
“ليس كذلك.”
“إذًا كيف تجرئين على هذا الكلام الفاضح…!”
في تلك اللحظة أخرجتُ الشيء الذي أمسكت به بقوة في يدي اليمنى وضعتُه أمام عيني الإمبراطور. ذلك الشيء الذهبي بدا وكأنه ينتظر هذا اللحظة ليشرق.
“…ما هذا؟”
“زر كم ديريك فيوليت، وعليه رمز إمبراطورية أوتوتيا.”
ما قدمته للإمبراطور كان زر كم عليه شعار أوتوتيا. ربما سقط من على مَن كان يمسك بسُترة سكالين حين تصدى له.
“زر عليه شعار إمبراطورية أوتوتيا لا يمكن لأي شخص أن يحضره أو يصنعه بسهولة. هذا زر يملكه ديريك نفسه بوصفه الوحيد من أوتوتيا المقيم هنا.”
التعليقات لهذا الفصل " 22"