21. الدليل
“أبي، إنها أنا.”
بعد تناول العشاء، قصدتُ مكتب والدي.
كان، كعادته، جالسًا خلف مكتبه غارقًا في العمل.
وبينما كنت أنظر إليه منهمكًا في الأوراق، تيقنتُ من أمرٍ واحد.
‘لا بد أن سبب وفاة والدي سيكون الإفراط في العمل.’
بهذا الشكل، سيموت قبل أن يصبح هارين هو الشرير المدبر.
هززت رأسي واقتربت من مكتبه.
“آه، اجلسي هناك قليلًا.”
أشار والدي إلى الأريكة المقابلة له بعدما لاحظني.
‘يبدو أن شيئًا ما لا يسير على ما يرام.’
كان يتجهم وهو يتفحص الأوراق بين يديه.
في العادة كنت سأنتظر بهدوء دون أن أتدخل، لكن رؤيته متضايقًا جعلتني أتقدم نحوه بخفة.
“هل هذه دفاتر عائلة بارانتيس؟”
لمحت داخل المستند تفاصيل دقيقة عن المصروفات والأسماء المقابلة لها.
“أتعرِفين دفتر العائلة؟”
قالها وهو يلتفت نحوي متفاجئًا، ولا تزال ملامحه مشدودة قليلًا.
لكن هذه المرة لم يكن عبوسه بسبب الأوراق، بل بسبب استغرابه من معرفتي.
آه، صحيح، أنا في الثالثة عشرة فقط… دائمًا أنسى ذلك.
لم أتلقَّ أي تعليم في الاقتصاد، لذا من الطبيعي أن يستغرب.
“رأيت شيئًا يشبه هذا في كتاب، أحد الكتب التي أهديتَها لي عن الاقتصاد.”
حككت مؤخرة رأسي وابتسمت ببراءة، فبدأت نظراته الحادة تخف شيئًا فشيئًا.
الحمد لله، مرّت بسلام.
صحيح أن الكتاب الوحيد الذي قرأته عن الاقتصاد كان في محاضرات الجامعة، لكن لا بأس.
“إذن، هل هناك خطأ ما؟”
“ليس أمرًا كبيرًا. فقط الأرقام لا تتطابق، لذا أراجعها.”
قالها باستهانة، لكن بقاء عينيه عالقتين في الورق طويلاً دلّ على العكس.
‘من الطبيعي أن يصعب عليه فهم شيئًا هكذا، حتى أنا تتعب عيناي من النظر إليها.’
بدا واضحًا أن دفتر الحسابات الذي يراجعه كان معقدًا جدًا، حتى لشخص درس الاقتصاد، فما بالك به.
رغم أنه دفتر عائلة بارانتيس، أعرق أسرة في إمبراطورية أوتوتيا، إلا أنه بدا في فوضى تامة.
يبدو أن نظام المحاسبة هنا لا يزال بدائيًا.
“أبي، أي جزء بالتحديد لا يتطابق؟ المجموع الكلي؟”
سألت وأنا أتظاهر بالفضول الطفولي، فألقى عليّ نظرة سريعة ثم أومأ.
“نعم، المجموع لا يطابق ما يفترض أن يكون.”
“هل تحاول معرفة أي بند يسبب الخلل؟”
“صحيح، أنتِ ذكية.”
ابتسم لي بخفة، ففكرت…
‘هل يمكنني التدخل أكثر دون أن أبدو فضولية أكثر من اللازم؟’
بعد تردد قصير، نظرت إلى ملامحه المتعبة وقررت أن أساعد.
“أبي، أليس من الأسهل أن تفصل البنود ذات القيم الموجبة عن السالبة؟ ثم…”
ألقيت نظرة على الأوراق، ورسمت جدولًا بسيطًا، أقسمت فيه البنود إلى ما سيدخل من أموال وما سيخرج منها، لا مجرد موجب وسالب.
كانت كثيرة ومربكة، لكن والدي لم يمنعني.
شجعني ذلك على الاستمرار حتى أنهيت جدولًا بدائيًا يمثل الميزانية العامة لعائلة بارانتيس.
“انظر! هذا الجزء لا يطابق الرقم المكتوب هنا!”
بمجرد التنظيم، أصبح من السهل معرفة موضع الخطأ.
أشرت إلى الرقم بفخر وأنا أبتسم، فحدّق بي والدي بنظرة يصعب تفسيرها.
“…من أين تعلمتِ هذا؟”
“..…”
“لا أحد في هذا القصر يعرف طريقة كهذه.”
تبًا، بالغتُ في الحماس.
نظراته كانت حادّة كالسيف، وشعرت بقطرات العرق تتجمع على ظهري.
“آه… من كتاب؟”
“هل اشتريتُ لكِ كتابًا يعلّم هذا النوع من الحسابات؟”
“من كتاب رأيته مصادفة في القصر الإمبراطوري.”
تهربت من عينيه المقلقتين وأنا أجيب.
أطلق همهمة قصيرة، ثم صرف بصره عني نحو الجدول.
“هكذا إذن.”
الكتاب كان أفضل عذر يمكن أن أقدمه.
ولحسن الحظ، لم يشكّ والدي بي أكثر من ذلك، فتنفست الصعداء.
‘يجب أن أكون أكثر حذرًا لاحقًا، لا أزال في الثالثة عشرة من عمري.’
“لكن رغم أنكِ لم تري الكتاب إلا لمحة، استطعتِ تطبيق هذا بنفسك.”
التفتت نظرات والدي نحوي مجددًا.
“أحسنتِ. لقد أنجزتِ ما لم يستطع فريل فعله.”
“…….”
“سأسلّم هذا الجدول إلى فريل ليستفيد منه.”
كان السيد فريل هو المسؤول عن الشؤون المالية لعائلتنا.
وبما أن الجدول أنا من وضعه، فمن الطبيعي أنه لم يقدر على فعل مثله، ومع ذلك، شعرت بوخزة ذنب كأنني جعلته يبدو عاجزًا.
“إذن، فلننتقل إلى الحديث الآن.”
“أوه، انتهيت من عملك بالفعل يا والدي؟”
“نعم، بفضلكِ.”
مدّ يده الكبيرة وربت على رأسي.
كان عادةً صارم الملامح، لكن هذه المرة بدا في مزاج جيد على غير عادته.
لماذا يا ترى…؟
***
“إذن، تريدين مقابلة جلالة الإمبراطور.”
“نعم… إن أمكن ذلك.”
كنت أدرك أنها رغبة مبالغ فيها.
حتى مع نفوذ الدوق، من المستحيل أن يصغي الإمبراطور لطفلة في الثالثة عشرة.
لكن… ربما.
إمبراطور أوتوتيا معروف بدفئه تجاه شعبه.
“هل يمكن أن تخبريني عن السبب؟”
هذه المرة، بدا والدي جادًا حقًا. وفي ملامحه رأيت استعدادًا لأن يأخذ كلامي على محمل الجد، فشعرت براحة غريبة.
كأنه سيصدقني مهما قلت.
“…أريد أن يُمنَع ابن خال الأمير سكالين من دخول البلاد.”
“ابن خاله؟”
“نعم، ديريك فيوليت، مركيز أوتوتيا.”
ارتفع حاجبه في الحال، ثم فكّ ساقيه المتشابكتين وانحنى نحوي قليلًا.
“وكيف تعرفين هذا الرجل؟”
كما توقعت، سيسأل ذلك.
نادراً ما يعرف أحد في الإمبراطورية اسم ديريك، خصوصًا بين أبناء النبلاء.
“…سمعت عنه.”
“سمعتِ؟”
“نعم، سمعتُه يتحدث مع الأمير سكالين في المأدبة الأخيرة.”
لم أسمع حديثهما كاملًا، لكن هذا لا يهم، فمجرد معرفة طبيعة علاقتهما تكفي لجعل قصتي تبدو منطقية.
“وما الذي سمعته تحديدًا؟”
“قال إنه أحقّ بمقام ولي العهد، ثم رفع يده ليضرب الأمير، فتدخلتُ ومنعته.”
خلطت بين ما أعرفه من الحقيقة وما رأيته فعلاً.
وقف أبي من مكانه في الحال عندما سمع أنني تدخلت.
“منعته؟ هل مدّ ديريك يده عليكِ؟ ألهذا السبب اتّسخ فستانك ذلك اليوم؟”
“لا، لا! أوقفته قبل أن يؤذي أحدًا، وغادر فورًا.”
لوّحت بيدي بسرعة، فتنفّس أبي بارتياح وجلس مجددًا.
لكن في تلك اللحظة رأيت العروق تنتفخ في عنقه من شدة الانفعال.
“…رغم ذلك، ديريك ابن أخ الإمبراطورة الراحلة. لا يمكننا المطالبة بحظره من دخول البلاد دون دليل قاطع على كلامكِ.”
أمسك جبينه وكأنه يعاني من صداع.
كان على حق. محاولة الاعتداء على الأمير، والطمع في منصب ولي العهد، ذنوب تستوجب العقاب،
لكن حتى مع ذلك، هز والدي رأسه.
“حتى لو كنتِ متأكدة مما رأيتِه، فالتسرع قد يضعك في موقف صعب.”
قالها بنبرة هادئة كمن ينصح طفلته، لكن بدا واضحًا أنه لا يرغب أن أرى الإمبراطور.
ومنطقيًا، لو كنتُ مكانه، لمنعت ابنتي أيضًا.
لكن…
“وماذا لو كان في جعبتي دليل؟”
“ماذا؟”
لا يمكنني السكوت بعد الآن، ديريك لا يخيفني، بل سكالين الذي قد يصبح شريرًا هو ما يخيفني أكثر.
“إذا وجدتُ دليلًا يجعل أقوالي مؤكدة، فهل سيكون ذلك كافيًا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 21"