2
2. خمس مرات
قررت التوجه إلى القصر الإمبراطوري.
“آنستي، أحقا يمكننا الذهاب بمفردنا؟”
“ولم لا نستطيع؟”
“يمكننا استدعاء فرسان الحراسة في الحال!”
أرجوك تمالكي نفسك يا آنّا.
تجاوزتها وصعدت إلى العربة.
“أليس الأمير سكالين في عمر هارين نفسه؟”
“هذا صحيح… لكن…”
“وحتى هارين مسالم هادئ، فبضع كلمات طيبة ستكفي لإقناعه.”
ابتسمت لآنّا لأهدئ من مخاوفها، لكن…
“آنستي… أنا خائفة قليلا.”
تلاشت جرأتها التي كانت قبل قليل تدفعها لاقتراح تهديد الأمير أو جلب الفرسان، وما إن اقتربنا من القصر حتى اختبأت خلفي.
“يا له من قصر ضخم.”
بعد أن عبرنا الحديقة الفسيحة والزاهية، وصلنا إلى جناح الأمير، وكان أكبر بكثير مما توقعت. وبجسدي الصغير كفتاة في الثالثة عشرة، كان علي أن أرفع رأسي لأرى أعلاه كاملا.
كما هو متوقع، إنه الوحيد الذي يحمل لقب الأمير في الإمبراطورية.
وريث العرش الوحيد الذي لا يخوض أي صراعات على السلطة.
وإذا سارت الأمور على هذا النحو، فسيصبح إمبراطور هذه البلاد بلا منازع لولا وجود هارين.
في القصة الأصلية، كانت حياة هذا الأمير سالكة بلا عقبات، لولا الشرير الذي أصبح أخي في هذا العالم. أما الآن، فالأدوار انقلبت.
قالت آنّا بصوت متردد وقد تهيبت من القصر الشاهق.
“ألا ترين أن الأفضل لو أتيت بصحبة الدوق؟”
أي هراء هذا؟ لو علم والدي الدوق أن هارين تعرض لسرقة دميته التي أهديته إياها على يد الأمير، فلن تقوم في القصر قائمة.
وإذا نشب خلاف مع القصر الإمبراطوري، فإن طريق هارين إلى دور الشرير سيكون مضمونا.
“لقد وصلنا إلى هنا بالفعل، فلا مجال للتراجع!”
قبضت يدي بحماسة مصطنعة كما لو كنت أتصرف وفق عمري الحقيقي. آنّا اكتفت بالنظر إلي بقلق، وهي لا تعرف من هو سكالين ديفيدسون حقا… ولا كم هو مسالم.
“فلندخل!”
في تلك اللحظة، كنت أعتقد أننا ندخل جحر أرنب، لا عرين نمر.
“لقد أخبرنا الأمير أن السيدة سيليا بانتظاره.”
على الرغم من قدومي المفاجئ، عاملني خدم القصر بغاية الاحترام.
فحتى لو كنت ابنة دوق بارانتيس، فإن الزيارة دون موعد مسبق تعد وقاحة، لكن في القصر، الأدب راسخ في نفوس الجميع.
“شكرًا… آه… ها…”
لا ينبغي أن أناديه بالجد.
ارتبكت قليلا، فضحك الرجل المسن ذو الشعر الأبيض بلطف.
“أنا ألكسند، كبير خدم الأمير. يمكنكِ مناداتي بألكسند فقط.”
كبير الخدم؟ أليس خدم القصر من النبلاء أصلا؟ بل وكبير الخدم تحديدا لا يكون إلا ذا مكانة معتبرة بين النبلاء.
ربما اعتاد على نبلاء صغار السن يسيئون الأدب معه جهلا، لذا بادر إلى تحديد طريقة النداء بنفسه.
لكن لا يمكنني فعل ذلك. تربيتي المتمسكة بالآداب لا تسمح لي بالحديث معه بلا ألقاب.
“كلا! كيف لي أن أنادي كبير الخدم باسمه فقط؟”
“ولكن…”
“سأناديك بكبير الخدم ألكسند.”
نظر إلي قليلا، ثم ابتسم.
“إن كان ذلك يريحكِ، فليكن كما تريدين يا آنسة.”
أومأت وقد حسم الأمر.
“هل سيتأخر الأمير؟”
لا بأس لدي بالانتظار، لكن الحديث مع كبير الخدم ظل يلفه بعض الحرج.
“ها هو قادم في هذه اللحظة.”
ما إن أنهى جملته حتى التفت برأسه، فتبعته عيناي، وهناك…
“أوه.”
لقد كان الأمير سكالين.
حتى وهو طفل، كان مطابقا تماما لوصف الرواية: شعر فضي يلمع كأنه يسطع بالضوء، وعينان حمراوان كالياقوت، وملامح صغيرة لكنها مكتملة الجاذبية.
كل ما فيه يصرخ بأنه بطل رواية.
حتى هارين أخي يمتلك ملامح حادة لافتة، لكن من الواضح أن بعض الأطفال يولدون والوسامة تسبقهم منذ الصغر.
“آنستي… آنستي!”
أفقت من تأملي لوجه سكالين على صوت آنّا تهمس لي.
“هاه؟”
“لا تنسي لماذا جئنا.”
آه، صحيح! لقد كاد مظهره المطابق للوصف أن يجعلني أنسى هدفي.
وقفت مسرعة، ممسكة بطرفي فستاني، وانحنيت قليلا.
“سيليا بارانتيس. أظن أن هذه أول مرة نتحدث فيها وجها لوجه.”
أما قبل أن أتقمص شخصيتها…فلست أعلم .
لم يسبق لي أن التقيت بالأمير سكالين وجهًا لوجه.
في الأساس، كان من المستحيل تقريبًا أن نلتقي بأحد دون وجود وصي، لصغر سنّنا، وفوق ذلك لم يكن لدي أي سبب لمقابلته.
أما هارين، فبما أنه في العمر نفسه والجنس نفسه، كان شريكًا مثاليًا لألعاب الأمير، لكن أنا؟ ماذا سأفعل بلقاء طفل في التاسعة من عمره؟
كل ما كنت أرجوه هو أن ينشأ بسلام، ويتزوج البطلة سيران، ويحكم البلاد بعد ذلك حكمًا صالحًا.
نعم، كان هذا كل ما أتمناه، ولهذا قضيت نصف عام أعتني بهارين. فطالما أنه لا يسلك طريق الشر، فكل شيء سيكون على ما يرام.
“إذن؟ اختصري وقولي ما تريدين.”
… لكن يبدو أن الأمر ليس كما توقعت.
خلافًا لتصوراتي، كان سكالين فظًا، بل متعجرفًا.
ومهما كان شأنه كأمير، فأنا أكبر منه بأربع سنوات، وأحمل لقب الأميرة الوحيدة للإمبراطورية.
كان واقفًا بزاوية، يحدّق بي بعينيه الحمراوين القانيتين بنظرة ثقيلة.
“أليس لديكِ ما تقولينه؟”
وكأنه نفد صبره، أعاد سؤاله بنبرة ملحّة.
ولو قلت إنني لم أرتبك من هيئته لكنت كاذبة، لكنني تظاهرت بهدوء البالغين، ونطقت كلماتي بوضوح شديد.
“هارين بارانتيس، أخي الصغير، لديه دمية تنين يعتز بها كثيرًا. لقد أخذتها، أرجو أن تعيدها.”
في الحقيقة، كنت أنوي أن أنصحه ألا يكرر ذلك مستقبلًا، لكن استراتيجتي كانت التراجع خطوة لكسب الموقف.
حتى حين قابلت هارين لأول مرة، لم أرتبك إلى هذا الحد.
وقتها، شعرت وكأنني أقرأ فصلًا جانبيًا بعنوان “لا يمكن أن يكون الشرير هكذا”، أما الآن، فأشعر وكأنني أشاهد مشهدًا خفيًا لم يُنشر من نسخة سكالين.
وكما أن رؤية شرير يتحول إلى شخص طيب أقل صدمة من أن يقوم البطل بصفعي، كان هذا الموقف أشد وقعًا عليّ.
“دمية تنين؟”
أمال سكالين رأسه قليلًا، ثم بدأ يفتّش في جيبه كما لو تذكّر شيئًا.
“هذه؟”
على كفّه كانت هناك دمية تنين صغيرة.
ورغم أنني أهديتها لهارين منذ نصف عام، فلم أعد أذكر شكلها بدقة، لكن بما أنها تشبه تنينًا، فهي على الأرجح هي نفسها.
مددت يدي لألتقطها، لكن في اللحظة التالية اختفت من أمام عيني.
“هاه؟”
رفعت رأسي، فإذا بسكالين يسحب يده سريعًا ويعيد الدمية إلى جيبه.
“لم أقل إنني سأعيدها.”
ماذا… ماذا؟
حدّقت به بذهول، فإذا بعينيه تلمعان هذه المرة بشيء من الشقاوة، على عكس ما كان قبل قليل.
في تلك اللحظة، هرع كبير الخدم ألكسند، الذي كان يستمع من بعيد، نحونا.
“سمو الأمير! لا يجوز أخذ أشياء الغير!”
على عكس انطباعي الأول عنه، بدا وجهه صارمًا وهو يوبّخ الأمير.
سرعان ما اختفى ذلك البريق المرح من عيني سكالين.
“سمو الأمير، هذا تصرف غير لائق أبدًا. أعِدها للأميرة فورًا!”
لم ينظر سكالين إلا إلى الأرض، ولم يبد أي حركة.
أما أنا… فقد شعرت بالامتنان.
هكذا تكون التربية الصحيحة!
يجب أن أتعلم منه، فقد أحتاج ذلك عندما يدخل هارين مرحلة المراهقة.
وبينما كنت أبتسم بسعادة، قلت.
“صحيح! سمو الأمير، لا يجوز أخذ أشياء هارين. لكن، في المرة القادمة أنا…”
“أين المشكلة في أخذ لعبته فقط؟”
توقف الكلام في حلقي.
“ماذا… تقصد؟”
“فقدان شيء بلا حياة أقل حزنًا من فقدان شيء حي.”
كان صوته منخفضًا جدًا.
اقتربت قليلًا لأسمعه بوضوح.
“سيليا.”
وفجأة، قبض بيديه على وجهي، مثبتًا إياه في مستوى نظره.
“سمو الأمير، ما هذا؟”
“خمس مرات.”
“هاه؟”
ابتسم سكالين ابتسامة عريضة وهو ما زال ممسكًا بوجهي.
“تعالي إلى هنا مع هارين خمس مرات فقط.”
“إلى… هنا؟”
“نعم، هنا.”
ماذا؟ هل يدرك كم من الوقت يستغرق القدوم من قصر الدوق إلى هنا؟
رفعت عيني نحو كبير الخدم ألكسند طلبًا للمساعدة.
“سمو الأمير، ما هو أهم ما في أي صفقة، كما علّمتك؟”
كان لا يزال يوبّخه.
“حسنًا، بدلًا من ذلك، خذي هذه.”
وبدهاء، أخرج سكالين الدمية مجددًا ومدها نحوي، فهزّ كبير الخدم رأسه برضا.
وماذا عن رأيي أنا؟
شعرت وكأن كبير الخدم الذي كنت أثق به قد خانني، فبادرت لإقناع الأمير.
“لا، هذه يجب أن تعود إلينا أصلًا… أنا لا أرغب بالتدخل بينكَ وبين هارين…”
“لا أعرف كيف يمكنني أن أعبر عن امتناني لكِ يا أميرة.”
امتنان؟ الآن؟
يبدو أن كبير الخدم قد حسم أمره بخصوص زيارتي المتكررة لهذا المكان.
“خذيها، أليست هدية غالية على هارين؟”
وقبل أن أستوعب، كان سكالين قد وضع الدمية في يدي.
ما هذا؟ أشعر وكأنني… وقعت في فخ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - من هو الشرير؟ منذ 23 ساعة
- 4 - الإسطبل منذ 23 ساعة
- 3 - الأخوان منذ 23 ساعة
- 2 - خمس مرات منذ 23 ساعة
- 1 - مقدمة، هل هذه هي الرواية التي أعرفها؟ 2025-08-14
التعليقات لهذا الفصل " 2"