18. إشاعة زائفة
فوجئت بكلام هارين غير المعقول، فصرخت غاضبة.
“بالطبع لا! لا يمكن أن يحدث هذا!”
ارتعب هارين من صوتي المرتفع، ثم ما لبث أن أرخى شفتيه متذمرًا.
“لكن… إنّ الأمير سكالين… سيصبح وليَّ العهد قريبًا… وأنتِ، يا أختي ابنة الدوقية الوحيدة لإمبراطورية سيران… فطبيعي أن…”
كان يتلعثم بكلماته، ووجهه ينمّ على أنه على وشك البكاء.
‘من الواضح أنّه سمع ذلك من أحدهم… وإلا فكيف له أن يربط الأشخاص والأحداث والخلفيات بدقة كهذه؟’
“مَن قال لك هذا؟”
“ها…؟”
“مَن الذي نشر هذا الكلام؟”
لابدّ أنّه أحد أبناء العائلات النبيلة الذين حضروا الحفل.
كنت أعلم أنّ الإشاعات قد تنتشر، لكن لم أتوقع أن تنتشر بهذه السرعة.
بل والأدهى… إذا كان حتى هارين، الذي لم يحضر الحفل، قد علم بها، فإلى أي مدى وصلت إذن؟
“أيٌّ من أبناء النبلاء تفوَّه بهذه السخافات…!”
“…صاحب السمو…”
“…ماذا؟”
في تلك اللحظة التقت عيناي بعيني هارين. لقد صُدمت من الاسم الذي خرج من فمه.
أما هو فكان متفاجئًا من صراخي العالي.
أي أنّ الشخص الذي يطلق تلك الإشاعات…
“الأمير…؟ تعني الأمير سكالين؟”
“أجل…”
سكالين؟!
أيّ كلامٍ هذا؟
لم أصدّق ما سمعت، فسألته مرة أخرى، غير أنّ جوابه لم يتغير.
‘لا بدّ أنّ هناك خطأ ما…’
“هارين… ألستَ واهِمًا؟ ألم تسمع خطأً؟”
كان من الصعب عليّ أن أستوعب كون سكالين قد صار فجأة لطيفًا معي، فكيف أستوعب أنّه هو نفسه مصدر هذه الإشاعة؟
حتى لو كان قد سمعها في الحفل، لكان الأولى به أن يسعى إلى إخمادها لا نشرها.
“لا! الأمر حقيقي! لقد سمعتُه بوضوح!”
صرخ هارين هذه المرّة، وقد بدا في عينيه شيء من الغبن.
” لأنكِ أميرة الدوقية الوحيدة في الإمبراطورية، فلن تعيشي معي مستقبلًا، بل مع صاحب السمو! إنّ صاحب السمو نفسه قال هذا!”
أهذا يعني أنه قالها بهذا التفصيل؟
أنا لا أشكّ في صدق هارين، فقد يكون سكالين قال ذلك بالفعل.
لكنني واثقة أنه أضاف جملة بعد ذلك، جملة لم يسمعها هارين.
‘لكنني لا أنوي الزواج بأختك، فلا تزعجني بإشاعاتٍ كهذه.’
الأرجح أنّه قال كلامًا من هذا القبيل، إلا أنّ هارين لم يسمعه.
“أنا متأكد… لقد سمعتُه هكذا…”
بدأ كتفاه يهتزان، وامتلأت عيناه بالدموع.
يبدو أنّه انصدم بما سمع، ثم ازداد حزنه حين لم أُصدقه.
“هارين… أصدقك.”
“حقًّا؟”
“نعم. لكن لا بدّ أنّ هناك سوء فهم. سألتقي بصاحب السمو وأتأكد بنفسي.”
لم تكن كلماتي كذبًا، فأنا أصدّقه. غير أنني مقتنعة أنّه لم يسمع تتمة الحديث.
ابتسمت له بثقة، فظلّ يعضّ شفتيه قليلًا ثم أومأ برأسه.
“إذن، سأذهب لأحادث صاحب السمو قليلًا.”
نهضت مسرعةً، فإذا بـ هارين يمسك بكمّي برفق.
“أختي…”
“نعم؟”
“إذاً… لن تتزوجي صاحب السمو، أليس كذلك؟”
كانت عيناه اللامعتان متوسلتين لإجابة حاسمة. فانحنيت أنظر إليه، ثم أومأت برأسي بشدة ليطمئن.
“بالطبع لن أفعل!”
‘أنا لستُ بطلة هذه الرواية… فكيف لي أن أتزوج سكالين؟’
***
“هل عليّ أن أخبر والدي بذلك تحسّبًا…؟”
كنت في طريقي للبحث عن سكالين حين تنهدت بعمق.
كنت أعلم أنّ الكثيرين في الحفل قد يسيئون الفهم، ومن ثمّ تنتشر الأقاويل.
لكن مع انشغالي بأمر ديريك اعتبرت ذلك أمرًا تافهًا لا يستحق القلق، خصوصًا أنّها كلمات أطفال.
غير أنّ وصول تلك الإشاعة إلى هارين يعني أنها تفشت بسرعة مذهلة.
‘إذن، من أين سمع سكالين هذه الإشاعة؟’
هل التقطها في الحفل؟
لحظة… إن كان قد التقطها هناك…
‘أفلا يظنّ أنني أنا من أطلقتُها؟’
“يا إلهي…!”
كنتُ أسير في الطريق حين انفلت مني صراخٌ عالٍ دون أن أشعر.
إن كان سكالين قد سمع الإشاعة في قاعة الحفل، فلا بدّ أنه رآها أشبه ما تكون بأخت صديقه المزعجة وهي تصرّح جهارًا بأنّها ستتزوجه.
يا للعار!
“يجب أن ألتقي سكالين فورًا.”
عليّ أن أبدّد سوء الفهم هذا بسرعة.
‘أي زواجٍ هذا الذي يُبنى على مجرّد تقارب في المكانة الاجتماعية؟ لسنا في زمن جوسون!’
آه… تقارب، أليس كذلك…؟
***
“إلى أين مضى بحقّ؟”
ظللت أبحث عن سكالين طويلًا بعد ذلك.
لكن كما يُقال، ‘حتى الروث لا يُعثر عليه إذا احتيج إليه كدواء.’
لقد جُبت جميع الأماكن التي زرتها من قبل: الحدائق، وساحة التدريب، وحتى الإسطبلات، لكنني لم أعثر عليه.
“حتى كبير الخدم غير موجود، فلا سبيل لأن أسأله.”
كان قد اختفى هو الآخر منذ لحظة، رغم أنّه كان يكلّمني قبل قليل.
لم يبقَ حولي سوى بعض الخدم المكلّفين بمساعدتي في التنقل.
وبينما كنتُ أدور بلا هدف، وقعت عيناي على بابٍ مألوف.
“هذا… هو…”
إنّه مدخل قصر وليّ العهد حيث يقيم سكالين. وقد كان المكان الوحيد الذي لم أزره بعد، والأكثر احتمالًا أن أجد فيه هدفي.
“أ… أستأذن بالدخول؟”
ترددت قليلًا، لكنني في النهاية خطوت داخل القصر.
كانت المرة الأولى التي أدخل فيها بلا مرافقة كبير الخدم، لذا كنتُ في غاية الحذر، لكنني لم أستطع الاستسلام.
‘اليوم… لا بدّ أن أتحدث مع سكالين.’
صحيح أنّني أريد إزالة هذا الالتباس حول الإشاعة، لكن ذلك لا يعدو كونه مجرّد خطوة في الطريق.
فإن كان يلومني على ما جرى في قاعة الحفل… أو إن خاب أمله كثيرًا بعد فشل منع دخول ديريك… فسأكشف له كل خططي القادمة.
كنت قد عزمت أن أبوح له بها فقط حين ينجح التنفيذ، لكن…
لأنني أعلم كم يكره ديريك، فقد غلبني شعورٌ بالذنب تجاهه.
وبالطبع لن أخبره بذلك إلا ونحن منفردان.
وبينما كنت أخطو داخل القصر باحثة عنه، توقفت فجأة.
“ها قد وصلتْ.”
المكان الوحيد الذي أعرفه هنا، والذي دخلته من قبل…
إنه الحديقة الداخلية التي كنتُ مع سكالين فيها وحدنا.
“هل… يجوز أن أدخل؟”
ابتلعت ريقي وأنا أقبض على مقبض الباب.
المرة السابقة كنت قد دخلت برفقة هارين وتحت إرشاد كبير الخدم، أما الآن فأنا وحدي.
‘سألقي نظرة سريعة… وإن لم أجده أخرج فورًا’.
المكان في آخر الممر، ما جعلني أشعر وكأنني أقتحم خلسة.
لكن لم يكن لي سبيل آخر؛ فهو المكان الوحيد الذي أعرفه داخل القصر.
وحتى لو ضُبطت هناك، فلديّ حجّة أنني زرت المكان سابقًا.
ترددت لحظة، ثم فتحت الباب فجأة.
“ما زال… جميلاً كما كان.”
استقبلني ذلك الشجر الضخم الجميل، الذي لا أدري كيف استقر هنا أصلًا.
“صاحب… السمو؟”
أفقت من سحر المنظر وناديت سكالين، لكن لم يصلني أي رد.
التفتُّ حولي، فرأيت الأزهار المتفتحة فقط، بلا أثرٍ لأيّ شخص.
“إذن… ليس هنا أيضًا.”
فتشت المكان بعيني مرارًا دون جدوى، ثم هممت بالعودة.
ربما كان قد عاد ليلتقي هارين ثانية، فالأجدر أن أرجع من حيث أتيت.
لكن عند استدارتي…
‘القسم الأول…’.
تذكرت فجأة المسار الطويل الذي سرت فيه مع سكالين من قبل.
كان أوسع وأطول مما توقعت.
وكأن شيئًا ما يقودني، انحرفت إلى هناك.
وما هي إلا دقائق حتى وصلت إلى الطريق ذاته حيث تحدثت معه آنذاك.
استقبلتني أزهار الصيف المألوفة بوجهها البهي.
“حسنًا، إن لم أجده هنا فسأعود حالًا.”
‘يكفي أن أصل إلى أبعد مكان أعرفه’.
فالمسار الأول كنت قد مشيت فيه برفقة سكالين، لكن لم أبلغ نهايته.
كنت أواسي نفسي بهذا المنطق وأنا أتابع السير.
وهنالك… توقفت فجأة.
“…وجدتُه.”
لقد كان سكالين جالسًا القرفصاء، يتأمل الزهور.
التعليقات لهذا الفصل " 18"