15. حفل القصر الإمبراطوري (2)
“ما هذا……؟”
سألتُ بدهشة كأنني سمعت خطأ، فرفعت لوين وجهها إليّ قائلة.
“أنا أيضًا سمعت! الزواج سيتم حين تصبحان راشدين… إذن قبل ذلك تُقام حفلة خطوبة، أليس كذلك؟”
وبلحظة، تلألأت أعينهما ببريق الفضول وهما تنتظران جوابي.
‘ما الذي تتحدثان عنه…؟’
ارتبكت أمام نظراتهما المُلِحّة، فلم أجد ما أقول. لم أستطع إدراك من أين بدأ هذا الالتباس أصلًا.
“ماذا؟”
ضحكتُ من فرط سخف كلامهما.
أردت أن أنفي الأمر وأنا أُشير برأسي استهزاءً، لكن فجأة تجمعت حولي الأنظار.
‘آه…….’
لقد نسيت أمرًا مهمًا.
نحن الآن في القاعة الكبرى للحفل. وتحديدًا في منطقة التحلية، حيث يجتمع أبناء النبلاء ليتحدثوا.
بمعنى… لم نكن وحدنا هنا. بل كان ثمة أطفال آخرون أيضًا.
“خطوبة؟ هل سموها ستخطب لسمو الأمير؟”
“يا إلهي! إنهما ثنائي رائع الجمال!”
“سموكِ…! ألا يمكن أن تدعيني إلى الحفل أيضًا؟”
“أريد أن أشارك أنا أيضًا!”
بنات نبلاء كنّ يراقبن من بعيد بدأن يقتربن شيئًا فشيئًا وقد أشعلت فضولهن كلمة الخطوبة.
نظراتهن كانت تفيض بالفضول مثل لوين وفريل.
“ما الذي يحدث هنا؟”
“آنسة الدوقية ستُعلن خطوبتها قريبًا!”
“سيُعلنون الخطوبة في هذا الحفل اليوم!”
وبين أفواه الصغيرات، صار زواجي من سكالين حقيقة مؤكدة.
لم يعد أحد يلتفت حتى إلى جوابي.
‘…أبي. هل ستتولى حل هذه المصيبة أيضًا؟’
أحسست بصداع مفاجئ يضغط على رأسي.
***
في النهاية، لم أجد إلا أن أهرب.
هربتُ دون أن أُقدّم أي تفسير.
تحولت أسئلتهن حول الزواج من سكالِين إلى توسلات بحضور حفل الخطوبة.
حتى بعدما أكدت لهن أكثر من مرة أن الأمر غير صحيح، كنّ يسمعن فقط ما يرغبن بسماعه.
‘الحق يُقال… معلمو الابتدائية يستحقون كل الاحترام.8’
فجأة تذكرت أستاذًا من طفولتي كان يكتم ضوضاء الأطفال بطرقة خفيفة على الطاولة.
كنت أظنها آنذاك مجرد حركة بديهية، لكن الآن… أدركت أنها لم تكن أمرًا سهلًا أبدًا.
استغليت الفوضى لأغادر القاعة الكبرى، متجهة إلى الطابق الثاني لأستعيد أنفاسي التي استُنزفت.
بما أن القاعة في الطابق الأول، فقد كان الطابق الثاني هادئًا شبه خالٍ من الناس.
وحتى من وُجدوا هناك لم يكونوا سوى خدم القصر أو فرسان، لكنهم بدوا مشغولين جدًا بسبب الحفل.
‘سأرتاح قليلًا هنا، ثم أعود حين يهدأ الأمر.’
في البداية فكرت بالجلوس على الدرج، لكن سرعان ما رفضت ذلك.
فهذا ليس تصرفًا يليق بابنة دوق، وفوق ذلك قد أُثقل على الخدم المنشغلين.
لذا عزمت على إيجاد مكان مناسب قليلًا في هذا الطابق.
وإن لم أجد، أعود أدراجي إلى القاعة.
ومضيتُ في الممر أكثر مما توقعت.
كنت أنوي التجول قليلًا فقط، لكنني سرعان ما وجدت نفسي أمشي طويلًا.
‘غرف كثيرة، لكن أبوابها كلها مغلقة….. وهذا طبيعي بالطبع.’
بعض الذين مررت بهم رمقوني بنظرات غريبة.
لكن بعد لحظة تردد، انصرفوا كأن لا وقت لديهم للتفكير في أمري.
“أظن أنه من الأفضل أن أعود.”
بعد أن يئست من إيجاد مكان مناسب، قررت العودة إلى القاعة.
لقد ابتعدت أكثر مما ينبغي، فلو سألني أحدهم ماذا أفعل هنا، لن أجد ما أقول.
بووم!
في تلك اللحظة بالذات، دوّى صوت ارتطام قوي.
تلاه صوت فتى يافع.
فتوقفت غريزيًا أبحث عن مصدر الصوت.
كان بجانبي باب رمادي، مفتوح قليلًا، ومنه خرج الصوت.
‘هل…… يتشاجر أحد هناك؟’
في يوم كهذا، أثناء حفل القصر الإمبراطوري… من ذا الذي يجرؤ على قتال هنا؟ هل سئم من حياته؟
ارتبكت للحظة، ثم انحنيت أنظر من خلال الفتحة الضيقة.
“……!”
رأيت وجهًا مألوفًا.
***
أصوات صاخبة علت من وراء الباب.
فألقى سكالِن نظرة عابسة.
‘ضوضاء مزعجة.’
في يوم الحفل، كان مضطرًا أن يحضر بصفته أميرًا. كان لا بد أن يكون خلف الإمبراطور ليُظهر بريقه.
لكن سكالِن كان يكره أن يكون مجرد كأس يتزين به الإمبراطور، ويكره القاعة المزدحمة.
ولذلك كان ينسل أحيانًا من الحفل خفية ليأتي إلى هذا المكان.
المكان الوحيد الذي يستطيع أن يختبئ فيه، والذي لا يجرؤ أحد على دخوله دون إذن.
كان ذلك في “مخزن الملفات” الواقع في الطابق الثاني من القصر الإمبراطوري.
‘يكفي أن أمضي بعض الوقت هنا ثم أعود.’
كان هذا المكان، الذي تصطف فيه رفوف كثيرة، مساحة تخص سكالين وحده ما لم يأتِ أحد للبحث عن الملفات.
اختبأ بين الرفوف كالمعتاد، ثم جلس على الأرض وأسند ظهره إلى الحائط.
وبينما كان يهمّ بإغفاء عينيه قليلًا، دخل أحدهم.
طَق—
انفتح الباب، الذي كان سكالين قد أغلقه، بصوت ضعيف.
وصاحب ذلك خطى ثقيلة مقتربة، توقفت أخيرًا أمام سكالين.
“كنت أتساءل أين اختفيت، فإذا بك هنا.”
تجهم وجه سكالين الذي كان مغمض العينين عند سماع الصوت المألوف.
فلم يكن هناك سوى شخص واحد قادر على أن يخاطبه بذلك القدر من السخرية.
“ديريك.”
فتح سكالين عينيه ببطء، وحدق بحدة في الرجل الواقف أمامه.
ديريك فيوليت.
ماركيز إمبراطورية أوتوتيا، وابن خال سكالين.
ورغم قرابتهما، لم يتمنَّ سكالين قط أن يزور هذا الرجل إمبراطورية سيران.
‘إذًا هذا الوغد جاء أيضًا.’
كلما جاء ديريك إلى الإمبراطورية، لم يكف عن إزعاج سكالين.
لم يُصرّح ديريك أبدًا بسبب ذلك، لكن سكالين كان يعرف.
“في كل مرة تختفي هكذا، والآن وجدتُك هنا.”
“…….”
“كيف يجرؤ من يحمل لقب أمير على الهرب من مناسبة رسمية؟”
ذلك اللقب الذي يستعمله كلما أراد مضايقته، الأمير.
وكانت الكلمة وحدها كافية لتدل على عقدة النقص التي يحملها ديريك تجاهه.
“لابد أن عمي المسكين يتألم.”
أصدر ديريك صوت “تسك” وهو ينقر بلسانه ثم هز رأسه.
ومن تصرفاته بدا واضحًا أن مجيئه لم يكن من أجل الاستمتاع بالوليمة وحسب.
“ابن مثلك هو الوريث الوحيد للإمبراطورية؟ لا بد أنه يتحسر كل ليلة.”
“…….”
“ألا يجدر به أن يستبدلك بابن أخ مثلي بدلًا من ابن عاجز مثلك؟”
هاه.
خرجت من فم سكالين هذه المرة ضحكة ساخرة أشبه بنَفَس فارغ.
فقد بات ديريك يصرّح بأطماعه علنًا، ولم يجده إلا مثيرًا للسخرية.
“كما توقعت، لم تتغير قط.”
قال سكالين بصوت بارد كأنما اعتاد على تصرفاته.
“سمعت أنك حصلت على لقب ماركيز هذه المرة.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة متعالية.
“لقد نلتَ مجدًا أكبر من قدراتك. تهانينا، هيونغ.”
(هيونغ= أخي الأكبر تقال احتراما)
ابتسم في وجهه وهو يحدق بعينيه الخضراوين.
فاحمرّ وجه ديريك وتغيّر لونه.
‘كتلة عقدة نقص.’
نظر سكالين بازدراء إلى ابن خاله الواقف أمامه.
إذ خسر ديريك في صراعات السلطة، فلم ينل سوى لقب ماركيز في النهاية.
وقد زاد حقده على سكالين، الذي سيغدو وليّ العهد من دون أي صراع على العرش، لأنه وحده صاحب الدم النقي.
“أيها الحقير الصغير!”
اشتعل ديريك غضبًا وأمسك بتلابيب سكالين.
لكن حتى وهو يهدده، لم يظهر على عيني سكالين ذرة خوف.
‘إن ضربني هنا، فلن أراه لبعض الوقت على الأقل.’
بل إنه فكّر أنه سيكون من الأفضل لو أن ديريك الغبي رفع يده وضربه فعلًا، إذ سيكف عندها عن إزعاجه.
“لكن حتى لو فعلت هذا بي، فلن تصير ولي العهد.”
“…….”
“فوالدي يكره الأغبياء أكثر من أي شيء. مثلك تمامًا، ممن لا يفرّقون بين الأمور.”
“……أيها الوغد!”
رفع ديريك ذو الخمسة عشر عامًا قبضته غاضبًا من استفزاز صبي في التاسعة فقط.
اندفع نحوه كمن سيوجه اللكمة في أي لحظة، لكن سكالين لم يتزحزح.
إذ كان يعلم أنه إن تحمل هذه المرة فقط، فلن يتمكن ديريك من زيارة الإمبراطورية لبعض الوقت.
فإن أحدث ديريك مشكلة هنا، فسيُجبر على العودة إلى أوتوتيا ويتلقى عقابًا شديدًا.
وربما يفقد حتى لقبه الذي يكرهه أكثر من الموت.
وهكذا قرر سكالين الصغير أن يترك لابن خاله صفعة واحدة هذه المرة.
غير أن…
“توقف!”
دخل أحدهم ليُفسد هذه الخطة العظيمة.
التعليقات لهذا الفصل " 15"