13. أبٌ وابنة في جوٍّ محرج
صدمتني كلمات آنا، فأخذت أتفحّص المعروضات بصمت.
بعد أن دققت النظر، وجدت أن المكان يضم كل شيء من الحُلي وحتى السيوف المخصصة للقتال.
“همم، وماذا عن هذا؟ إنه لطيف.”
مددت لها دمية صغيرة على شكل سلسلة مفاتيح، تصدر رنينًا خفيفًا جذابًا.
“لا.”
يا للصرامة!
آنا التي لا شك أنها أرادت إنهاء الأمر سريعًا، رفضت قطعا هذه المرة من غير حتى أن تتظاهر بالتردد. حقًا هذا قاسٍ.
“مهما بحثت، لا يبدو أن هناك شيئًا مناسبًا…”
لا أدري كم من الوقت قضيناه نتجول في المكان، إلى أن خطف بريق فضي بصري.
“آنا! ماذا عن هذا؟”
“أوه؟ هذا يبدو مناسبًا فعلًا.”
“أترين؟”
رائع! موافقة أخيرًا!
ابتسمت وأنا أنظر إلى سلسلة صغيرة تملأ راحة يدي.
هل سيعجب هارين؟
لقد اخترت سلسلة على شكل سيف فضي.
‘أليس هذا مثيرًا للسخرية؟ كنت قلقة إلى هذا الحد من أن يعود هارين إلى طبيعته، ثم أهديه سلسلة على شكل سيف؟’
منذ حديثنا معًا في العربة، لم يعد هارين إلى ساحة التدريب قط.
حتى أن قائد الفرسان الذي كان يدرّبه سأله مرارًا لماذا لا يأتي، لكنه كان يكتفي بهزّ رأسه.
كنت أشعر ببعض الذنب وكأني السبب في أنه تخلى عن شيء كان يحبه، لكن لم يكن أمامي خيار آخر.
كل هذا من أجل المستقبل…
“آه! سيدتي! أليس هذا أفضل؟ إن السيّد الصغير كان مولعًا بهذا مؤخرًا.”
أشارت آنا إلى سلسلة مفاتيح بشكل قوس، موضوعة بجانب تلك التي اخترتها.
ظنّت أنني لم أرها، فمدّتها نحوي. لكنني هززت رأسي ببطء.
“لا، أظن أنه سيفضّل هذه.”
هارين يحب السيوف أكثر من الأقواس.
صحيح أن ما أهديه ليس سيفًا حقيقيًا، بل مجرد سلسلة مفاتيح، لكن يكفيني أن يفرح بها.
“همم… إن كنتِ واثقة، فلا شك أن الأمر كذلك. فأنتِ تعرفين السيّد الصغير أكثر مني! حسنًا، فلنذهب للدفع إذن؟”
أومأت برأسي ومضيت معها نحو الصندوق. لكن عندها…
“آه، ما هذا…؟”
جذب شيء ذهبي لمعانه نظري فجأة.
***
“سننطلق الآن.”
مرّ الوقت أسرع مما توقعت، وها قد حان موعد الحفل الرسمي في القصر الإمبراطوري.
اليوم، وعلى غير العادة، لن أذهب برفقة هارين، بل مع والدي.
‘أوووه… أريد أن أذهب… أريد أن أذهب أيضًا!’
تذكرت كيف انفجر هارين صباح اليوم باكيًا ومتذمرًا.
لكن فجأة أصابته الحُمّى، فلم يستطع مرافقتنا.
ولو أنّنا رغبنا بشدة في اصطحابه، إلا أن الطبيب أصرّ على ضرورة الراحة التامة، فبقي في القصر.
أما الآن…
يا للحرج. الجو ثقيل جدًا وأنا وحدي مع والدي.
تطلعت نحوه من طرف عيني، وهو جالس في العربة مغمض العينين.
‘من حسن الحظ أنه نائم على الأقل.’
كعادته، عاد والدي في ساعة متأخرة من الليل، وهو الآن مغمض العينين طَوال الطريق.
كان ذلك يبعث قليلًا على الارتياح، لكنه أيضًا جعل الرحلة شديدة الملل.
لا شك أن جينات هذا البيت نصفها منه.
عينان زرقاوان، وشعر أسود داكن.
ملامحه تشبه هارين إلى حد التطابق، حتى ليبدو كأنه نسخة مستقبلية منه.
ومن الطبيعي أن يكون وسيمًا للغاية، فهو والد هارين بعد كل شيء.
لكن… كيف يعقل أن يكون هذا الوجه لأبٍ عنده طفلان؟
ولا أدري كم من الوقت مرّ وأنا أحدّق في النافذة شاردة.
تككك —
فجأة اهتزت العربة بقوة، فارتفع جسدي قليلًا.
“أعتذر! كان في الطريق حجر! سأتعامل معه بسرعة!”
جاء صوت قائد الفرسان من الخارج. بدا أنه أمر من حوله بسرعة لإزاحة العائق. فتوقفت العربة قليلًا.
“.…آه.”
وفي تلك اللحظة، دوّى صوت أبي المنخفض داخل العربة.
كان صوته وقد استيقظ لتوّه، غليظًا قليلًا.
‘آه، تبا.’
كنت أتمنى لو أنه لم يستيقظ حتى نصل.
كأن تنينًا محرمًا إيقاظُه قد فتح عينيه، فحين التقت عيناي بعينيه انتفض كتفي دون أن أشعر.
“…….”
“…….”
خيّم صمت خانق لبرهة.
كم هو موقف محرج.
في الحقيقة، منذ أن تجسدت في هذا الجسد، لم أقابل والدي، الدوق داميان بارانتيس، إلا نادرًا.
حتى لو صادف أن التقينا، كان يكتفي بتلقي تحيتي ثم يختفي بهدوء.
‘يبدو أنه على عكس مظهره، لطيف… لكن الجو محرج لدرجة أني لا أجد ما أقول.’
ولأنني لم أكن أعرف كيف كانت سيليا تعامل والدها من قبل، وجدت الأمر أصعب.
كنت أظن أنني تكيفت مع هذا العالم، لكن هذا كان عائقًا لم أتوقعه.
“قيل إنكِ وجدت كتابًا كنتِ ترغبين بقراءته بين الكتب الجديدة.”
“..…عفوًا؟”
وسط هذا الصمت، تكلم أبي أولًا.
“هل قرأتِه؟”
الكتاب الذي كنت أرغب في قراءته؟ هل يقصد “الأميرة شاشا”؟
ترددت قليلًا ثم حركت رأسي نافية.
“آه، لم أفعل بعد. لكنني أنوي قراءته قريبًا.”
دار حديث متكلف ومقتضب، وفجأة ركّز والدي نظره عليّ بتمعن.
“لم يمض وقت طويل منذ كنتِ تبكين لأجل المجوهرات، فمتى أصبح لكِ شغف بالكتب؟”
إذن سيليا… كانت تحب المجوهرات؟ لا عجب أني وجدت صندوقًا كبيرًا للمجوهرات بجوار طاولة الزينة.
“لقد نلتُ من المجوهرات ما يكفي حتى مللت. وصرتُ أرى الحروف الجميلة كأنها جواهر أيضًا…….”
لكن تحت وطأة نظرته الثاقبة، تلاشى صوتي تدريجيًا.
ما هذا؟ أشعر وكأني في مقابلة عمل صارمة. وما معنى جواهر مكتوبة أصلًا……
وبينما كنت ألوم نفسي على هذا الرد، انطلق ضحك خافت من أمامي.
“كما توقعت… إنها ابنة سيلفيا. حب الكتب ورثتِه عنها.”
سيلفيا؟
رفعت بصري نحوه بدهشة، فارتبك أبي للحظة ثم حوّل نظره بعيدًا.
“لعلي قلت ما لا ينبغي.”
هاه؟
سيلفيا… أليست والدة سيليا وهارين؟
لم أقل شيئًا، فقط استغربت ذكره المفاجئ لأمي، لكنه بدا وكأنه أفلتت منه كلمة لا يجب أن تُقال.
“سننطلق مجددًا!”
في تلك اللحظة، جاء صوت قائد الفرسان من خلف النافذة.
وما إن انتهى صوته حتى تحركت العربة ببطء من جديد.
“…….”
“…….”
حتى وصولنا إلى القصر الإمبراطوري، لم ينبس أحد في العربة بكلمة.
***
“لقد وصلنا.”
كِدت أختنق من شدة الإحراج طوال الطريق.
ولسبب ما، لم يتكلم أبي بعدها مطلقًا.
ولأنني شعرت بثقل الموقف، لزمتُ الصمت بدوري. وهكذا ظلّت العربة مغمورة بالصمت حتى القصر.
كنت أعلم أن الطريق طويل، لكن اليوم بدا وكأنه أطول بأضعاف.
وعندما نزلت من العربة متبعةً الدوق وأنا أتصبب عرقًا، وقع بصري على مشهد مألوف لكنه غريب في آن.
‘هل هذه هي المرة الثانية التي آتي فيها إلى القصر الإمبراطوري؟’
لقد اعتدت قليلًا على قصر ولي العهد، لكن هذا القصر الشاسع ظل غريبًا بالنسبة لي.
فبعد أن تجسدت، لم آتِ إلى هنا إلا مرة واحدة فقط.
“فلندخل.”
وبينما كنت أحدق حولي، ناداني أبي وقد سبقني نزولًا.
لما تبعته، ألقى عليّ نظرة سريعة ثم تابع طريقه متقدمًا.
“أوه، أليس هذا بيت بارانتيس؟”
“أجل… وتلك خلفه لا بد أنها ابنة الدوق، أليس كذلك؟”
“نعم، يبدو الأمر كذلك. لكن الغريب أن الابن الأصغر لا يظهر، ربما حالته ما زالت…….”
“اخفضي صوتكِ، زوجتي. ماذا لو سمعكِ أحد؟”
وبينما كنا ندخل القصر، لمحت بوضوح الهمسات والأنظار من حولنا.
لم ألتقط كل الكلمات، لكن من نظراتهم الجانبية والوشوشات، أيقنت أنهم يتحدثون عنا.
‘ما الأمر……؟’
ارتسم شعور سيئ في داخلي، فبدأت أجول ببصري بينهم.
وبمجرد أن التقت عيني بعدة أشخاص، أسرعوا بتحويل نظرهم بعيدًا عني.
“سيليا.”
وبينما كنت أتنبه لما حولي، ناداني أبي.
“نعم، أبي.”
“حين ندخل إلى قاعة الحفل الكبرى، ستجدين أعدادًا أكبر من الناس. وقد لا أستطيع البقاء بجوارك دائمًا.”
أومأت برأسي بهدوء.
لم يكن هذا غير متوقع. فقد سمعت أن أبي هو أقرب مستشاري الإمبراطور وأحد أعمدة الإمبراطورية.
وفي مثل هذه المناسبات، سيكون منشغلًا بلا توقف.
“ولو صدر عن أحدهم كلام فيه إساءة إليكِ، حينها…….”
“لا تقلق يا أبي.”
“…….”
“لن أفعل شيئًا يسيء لاسمك أبدًا!”
في صوته البارد كان يختبئ القلق، فأجبت بجدية وربتُّ على صدري مرتين وكأني أقول له أن يعتمد عليّ. عندها ضحك بخفة، ثم رفع يده الكبيرة ووضعها على رأسي.
“لا، بل افعلي ماتشائين. أي مشكلة قد تثيرينها، فسأتولى أنا حلها.”
التعليقات لهذا الفصل " 13"