12. زهرة النسيان
في النهاية قررنا أن نتجول في الجزء الأول.
‘لستُ أنوي أن أرى كل شيء.’
كانت كلمات سكالين الحازمة كافية لأن تصيبني في الصميم.
هل ما قاله لي قبل قليل كان مجرد مجاملة؟
صحيح، فأنا ابنة دوق، ولا يمكنه أن يتجاهلني دومًا.
لكن شعرت وكأنني عدت إلى تلك الأيام التي كان يتجاهلني فيها تمامًا.
شعرت الحزن من جديد.
‘التقارب؟ أي تقارب؟’
ظننتُ أننا أصبحنا أقرب قليلًا… لكن يبدو أن ذلك لم يكن سوى وهم من جانبي، أشعر بالخجل أكثر.
‘هاء، حسنًا… سأستغل الأمر في التمتع بالزهور ثم أعود.’
اختفى حتى الأمل الضئيل الذي كان بداخلي، فقررت أن أستمتع فقط بما حولي دون التفكير أكثر.
ثم إن سكالين لم يقل شيئًا آخر بعد ذلك أيضًا.
“واو، كم هي متنوعة.”
حين توقفتُ عن التفكير به، دخلت الزهور بألوانها إلى عيني دفعة واحدة.
خاصة وأن معظمها بدا كأنه من الزهور التي تزهر في الأجواء المشمسة والدافئة.
بينما سرنا على طول ممر الأزهار، وقعت عيناي على زهرة الصباح، والورود، وعباد الشمس، بل حتى على الدلفينيوم النادر.
“ما أجملها!”
— بَغتةً.
اصطدمت بجسد سكالين الذي كان يسير أمامي، بعدما شغلتني الأزهار المتفتحة.
“…سمو الأمير؟”
رفعت بصري، فوجدت سكالين واقفًا جامدًا في مكانه، كأنما تجمد.
لكن ما زال أمامنا طريق لم يُستكمل بعد؟
نظرت بخفة إلى الطريق المتبقي، ثم اقتربت بحذر من جانبه.
“سمو الأمير…؟”
ناديته مرة أخرى، لكنه بدا وكأنه مسحور، شاخص البصر نحو موضع واحد، بعينين خاويتين.
“آه، تلك الزهرة…”
تتبعت نظره، فإذا بعدة سيقان من الأزهار الزرقاء الداكنة.
“إنها زهرة النسيان… لم أتوقع أن أجدها هنا أيضاً.”
اقتربت بفرح من الزهرة.
‘هل هي… زهرة يحبها؟ إنه يحدق بها منذ لحظة.’
استدرت أنظر إليه، فوجدته ما زال محدقًا بالمكان نفسه، بعينين شاردتين.
“هل سمو الأمير يحب هذه الزهرة؟”
سألت بخفة، لكن لم يأتِ أي رد.
كان يحدق فقط، صامتًا.
“…لا.”
جاءني صوته منخفضًا جدًا.
“آسفة؟ ما الذي قلتَه…؟”
“لا أحبها.”
تمتم وكأنه يحدث نفسه.
‘لا يحبها؟ إذن لماذا يحدق بها هكذا…؟’
لم أفهم إجابته، لكنني شعرت أنه ليس عليّ أن ألح بالسؤال.
“حقًا؟ أما أنا، فهي الزهرة المفضلة عندي.”
استدرت أنظر من جديد إلى زهرة النسيان المتفتحة.
مددت يدي، فاستقرت بتلاتها الصغيرة الزرقاء على راحتي، تدغدغ أصابعي بلطف.
“ولماذا؟”
سمعت فجأة صوته يسألني.
“ماذا؟”
“لماذا تعجبكِ؟”
‘لماذا؟’
حدقت فيه برهة أفكر، ما الذي ينبغي أن أقوله؟
“أممم… لأنها جميلة.”
كانت إجابتي بسيطة بعد بعض التفكير. لكن بدا أن رده لم يرضه.
“فقط لذلك؟”
“هاه…؟”
رأيت وجهه متجهمًا على نحو غير مألوف.
“أليست تلك إجابة كافية لمن يحب الزهور؟”
ابتسمت بخفة، فرأيته يطبق شفتيه فجأة، كأنه حبس شيئًا في داخله.
“…إن كان الأمر كذلك، فهناك الكثير من الزهور غيرها.”
كان ما يزال واقفًا في مكانه، ناظرًا نحوي.
‘أي إجابة يريد سماعها؟ كأنه يتمنى أن أنكر تفرّد هذه الزهرة بالذات.’
لكنني لم أرغب في أن أمنحه الجواب الذي يريد سماعه.
“صحيح، الزهور الأخرى جميلة أيضًا، لكنني أحب زهرة النسيان أكثر من غيرها.”
انحنيت قليلًا والتقطت بتلة سقطت على الأرض. ثم تقدمت نحوه ببطء، والزهرة الصغيرة في يدي.
“مع أنها صغيرة وضعيفة في ظاهرها، إلا أنها تنمو حتى بين شقوق الصخور.”
بسطت راحتي أمامه، والبتلة الزرقاء ترتجف عليها بخفة.
“أليس رائعًا وجميلًا أن زهرة صغيرة كهذه يمكنها أن تزهر في أي مكان؟”
طالت نظرات سكالين إلى البتلة الصغيرة المستقرة في يدي.
ترددت أن أسأله عما يدور في ذهنه، لكن تعبيره بدا حزينًا جدًا… فآثرت أن أصمت وأنتظر.
“سيليا.”
“نعم؟”
“لنعد الآن. أظن أن الوقت قد مرّ طويلاً.”
الكلمات التي خرجت من فمه بعدما ظلّ يحدّق بالزهور لم تكن سوى اقتراح بمغادرة المكان.
سكالين استدار مبتعدًا من دون أن يضيف شيئًا آخر.
“ماذا… نعم، حسنًا.”
صحيح أنني شعرت ببعض الأسف لعدم وصولنا إلى النهاية، لكن كما قال سكالين، لقد أضعنا الكثير من الوقت هنا.
بعد أن التقطت بعيني آخر ما حولي من أزهار، هممت باللحاق بخطاه.
“إلى حد ما.”
فجأة التفت إليّ. وفي تلك اللحظة، بدا لي أن عينيه الحمراوين قد تلألأتا بضياء خفيف.
“إجابتكِ كانت جيدة.”
“… ماذا؟”
سألته وأنا أُميل رأسي بدهشة، لكنّه أعاد وجهه بلا تردّد.
ما هذا؟ هل اعترف بي للتو؟
كان وجهه مائلًا إلى الاحمرار، وكأنه يخجل من قوله هذا.
فبدت ملامحه قريبة جدًا من وجه هارين حين يستحي، فارتسمت ابتسامة على وجهي.
مهما يكن، ما زال طفلًا.
لأول مرة بدا لي سكالين كصبي في التاسعة.
***
“هل استمتعتما بجولتكم؟”
سألنا كبير الخدم عندما لمحنا.
منذ ذلك الحين، أنا وسكالين لم نتبادل كلمة واحدة.
وكأننا لم نعد بحاجة إلى الكلام، تابعنا المسير حتى وصلنا إلى الطاولة في وسط المكان.
“نعم، كان التصميم مدهشًا، وكانت تجربة ثمينة فعلًا.”
لا أعلم بعدُ لماذا أرسلنا كبير الخدم بمفردنا، لكن على أي حال، لم يكن وقتًا سيئًا.
فقد رأيت الأزهار التي أحب.
والأهم… أنني هذه المرة شعرت فعلًا أنّني تقرّبت قليلًا من سكالين.
حين ابتسمت ابتسامة عريضة أظهرت أسناني، اتّسعت عينا كبير الخدم قليلًا قبل أن يضحك بدفء.
“يبدو أنه كان وقتًا جيدًا بالفعل. الحمد لله.”
تركت ابتسامته الودودة خلفي وجلست على الطاولة.
ثم رفعت الكوب الذي لم أستطع شربه سابقًا، عازمةً هذه المرة على أن أفرغه دفعة واحدة.
“… هل كان ممتعًا؟ من دوني؟”
كدت أبصق الشاي من فمي.
فقد كان أمامي هارين، بملامح توشك على البكاء.
***
“آنا، برأيك هل سيعجب هارين هذا؟”
“أيّ شيءٍ تهدينه سيكون جيدًا يا سيدتي.”
“لا! انظري جيدًا! ماذا عن هذا… وهذا؟”
كنت أنا وآنا في أكبر ساحة في الإمبراطورية، وذلك مع بزوغ الفجر وقبل أن يفتح بعض التجّار أبوابهم.
آنا التي لم تستطع رفض إصراري، خرجت معي منذ الفجر وهي تقاوم التثاؤب وتجيبني على عجل.
“آنا، أطلقي حكمكِ بدقة! أيّهما أفضل؟”
كنت ألوّح أمام عينيها بدميتين على هيئة وحوش صغيرة، الفرق الوحيد بينهما وجود حلقة في الذيل من عدمها.
ضجرت آنا من إلحاحي، وفتحت عينيها بتعب، ثم عقدت حاجبيها قليلًا.
“سيدتي…”
“مم…؟”
“أنت لا تنوين… شراء هذا كهدية للسيّد هارين، أليس كذلك؟”
لكنني كنت أنوي ذلك بالفعل… هل هذا غريب؟
ردّها لم يكن كما توقعت، فلم أستطع الاعتراف على الفور.
لكن… ألا يحب هارين الدمى؟ ألم يبكِ بكاءً شديدًا حين انتُزعت منه دمية التنين التي أهديته إياها؟
أومأت برأسي بخجل وأنا أتذكّر سيمي الصغير، الدميةُ التي يعتزّ بها هارين.
لكن آنا وضعت يدها على جبينها وهزّت رأسها نفيًا.
“سيدتي، إن أردتِ شيئًا، دعيني أنا أجلبه لكِ. مارأيكِ؟”
“هذا مرفوض تمامًا!”
وإلا فما الفائدة من خروجي إلى الساحة منذ الفجر!
في الحقيقة، قبل أيام قليلة، في زيارتي الثالثة للقصر الإمبراطوري، وجدت نفسي وحدي مع سكالين في الحديقة الداخلية، تاركةً هارين خلفي.
صحيح أن الموقف لم يكن بإرادتي، لكن السبب في النهاية كان أنا.
ما زلت غير قادرة على نسيان وجه هارين حين بدا محبطًا بعدما قلت إن الأمر كان ممتعًا.
لهذا أريد أن أعدّ له هدية بنفسي، عربون اعتذار وتقدير لأنه صبر وانتظر بهدوء.
ومن الطبيعي أن أختارها بنفسي.
“همم… إذن فالدمية لا تبدو مناسبة.”
بعد إجابتي الحاسمة، وضعت آنا يدها على ذقنها بتفكير، ثم نظرت حولها فجأة وأشارت إلى مكان قريب.
“سيدتي، إن كان الأمر يتعلق بهدية للسيّد الصغير، فما رأيك أن تختاري من ذلك المتجر بدلًا من متجر الدمى؟”
“من هناك؟ لا أظن أن لدى ذاك المكان شيئًا يروق هارين.”
دخلنا متجرًا عامًا أنيقًا تملؤه البضائع الثمينة.
وبما أنني دخلت، بدأت أتفحّص ما فيه، لكن مهما نظرت لم أجد ما يناسب هارين.
أليس هارين يحب الأشياء اللطيفة؟ وهو بنفسه يفعل أشياء لطيفة طوال الوقت.
بينما كنت أتمتم بضيق وأنا أنظر حولي، خاطبتني آنا بنبرة جادّة.
“سيدتي.”
“مم؟”
“الأطفال في التاسعة من عمرهم لم يعودوا يلعبون بالدمى.”
ماذا…؟
التعليقات لهذا الفصل " 12"