11. المرافقة
التفتُّ إلى مصدر الصوت المألوف، فإذا بسكالين واقف هناك بوقفةٍ مائلة.
الآن…… هل يعني أنني أقبح من تلك الزهرة؟
“لنذهب، هارين.”
اقترب منا بخطواتٍ بطيئة متجاوزاً إياي، ثم وقف أمام هارين.
وكالعادة، تم تجاهلي اليوم أيضاً.
أيعني أن ذلك الوجه الذي رأيته في المرة السابقة كان مجرد وهم؟
رؤيته يمر بي مسرعاً نحو هارين، وأنا أقف أمامه مباشرة، كان يثير غيظي…
ومع ذلك أشعر ببعض الخيبة. ربما لهذا السبب تولّد في نفسي دافع غريب.
حسناً، فلنرَ من سيتفوق.
“سموّ الأمير!”
التفت إليّ سكالين بصمت، محركاً رأسه فحسب.
انعكست صورتي بخفوت في عينيه الحمراوين.
“مظهركَ اليوم أيضاً في غاية الأناقة.”
ابتسمت بوجه مشرق وأنا أحدّق في عينيه مباشرة.
في الحقيقة، كانت هذه هي الجملة نفسها التي ألقيتها عليه الأسبوع الماضي ما إن التقيته.
من بين كل كلمات المديح، كانت تلك الوحيدة التي جذبت نظره إليّ.
صحيح أنه لم يرد علي حينها، لكن لا بأس.
تجاهلي وكأني غير موجودة أمر يثير الغضب بالفعل.
لذلك ألقيتُها فقط لأكسر هذا التجاهل.
“…….”
“……أم؟”
لكن…… ما الأمر؟
كنت أظن أنه سيحوّل نظره عني كما فعل سابقاً، لكنه هذه المرة لم يشيح ببصره.
“…….”
“…….”
لثوانٍ قصيرة تبادلنا النظرات، وساد بيننا صمت غريب.
ما هذا…؟ هل أدرك أنني ألقيت المديح بلا قصد حقيقي؟
نظراته الصامتة جعلتني أشعر بالحرج، فترددت قليلاً قبل أن أنطق.
“آه، أأم… كنتُ أقصد مجرد قول ذلك فقط….”
“…أنتِ أيضاً.”
“عفواً؟”
“…أنتِ أيضاً تبدين جيدة.”
قالها سكالين بسرعة، ثم أدار رأسه فجأة ومضى بخطواتٍ سريعة إلى الأمام.
هارين الذي كان يتنقل ببصره بيني وبينه، أسرع ليلحق بسكالين على الفور.
ماذا……؟ ما الذي حدث لتلك الشخصية المتجهمة؟
***
“اليوم أيضاً أنتِ وحدكِ.”
بينما كنت جالسة عند الطاولة في الوسط أحتسي الشاي بهدوء، ظهر بجانبي كالمعتاد كبير الخدم.
“أجل، حتى إنني بدأت أعتاد على البقاء برفقة السيد ألكسند أكثر من غيره.”
“يا للأسف، فالمحادثة مع هذا العجوز لن تكون ممتعة على أي حال.”
“ذلك جزء عليّ أن أتحمله.”
فضحك عاليًا، حتى كاد صوته يملأ الغرفة بأسرها.
“يبدو أن سموّ الأميرة تزداد نضجاً يوماً بعد يوم.”
“من الطبيعي أن أكون اليوم أكثر نضجاً من البارحة.”
ضحك حتى دمعت عيناه من بساطة جوابي، ولم أتمالك نفسي من الضحك بدوري.
آه، كم أنا ممتنة لوجوده هنا.
فلولاه، لمتّ من الملل منذ زمن.
بل في الحقيقة، هو من تحدثت معه أكثر من أي أحد آخر.
“إذاً، هل من أمر مسلٍّ اليوم؟”
سألتُه وقد هدأتُ قليلاً، فمسح دموعه وفكر لبرهة، ثم قال.
“هل تودّين الذهاب إلى حيث سمو الأمير والسيد هارين؟”
سكالين وهارين إذن.
ترددت قليلاً ثم هززت رأسي.
“لا، لا بأس مع هارين، لكن سمو الأمير قد ينزعج.”
صحيح أن ما جرى قبل قليل جعله يبدو أقل حدة من السابق، لكن لا يمكن أن أطمئن.
إذ كان كلامه أشبه ما يكون بمعنى: خذي هذا واكتفي به.
“همم؟ سبق أن قلتُ لكِ، سمو الأمير لا ينزعج من وجودكِ.”
“بلى، ربما هو كذلك.”
في عيني كبير الخدم، بالطبع.
لكن بالطبع لم بهذا الجزء.
“لست أعلم كيف ستُفهم كلماتي هذه، ولكن…”
حين أبديتُ رداً فاتراً، بدا أنه تردد قليلاً قبل أن يواصل.
“هذه المرة، حتى السيد هارين يزور هذا المكان لأول مرة.”
هاه؟ وما الذي يعنيه ذلك؟
رفعت بصري إليه بعد أن وضعت كوب الشاي، فأسرّ لي بابتسامةٍ خفية كما لو أنه يروي شيئاً ممتعاً.
“هذا المكان هو مساحة خاصة بسمو الأمير، لا يريها لأحد عادة.”
“…ماذا؟”
احتجت لوهلة كي أستوعب كلامه.
وما شأني أنا بكونه يعتبر هذا المكان خاصاً؟
ربما أراد فقط أن يستعرض اتساع هذه القاعة.
فكرت باستخفاف بكلامه وأنا أرفع الكوب مجدداً.
فتنهّد تنهيدة طويلة، وكأنه محبط من رد فعلي.
“أليست تنهيدتكَ هذه مبالغاً فيها…؟”
حدجته بنظرة استنكار.
هذا محرج.
“يبد أنّ على سموكِ أن تنظر بنفسها.”
“هاه؟ لحظة فقط!”
وكأنه قد عقد العزم على شيء، أمسك بذراعي وأنا أهمّ برفع الكوب، وجذبني إلى مكانٍ آخر.
مهلاً، دعني أشرب الشاي أولاً!
وهكذا، وجدت نفسي منسحبة قسراً بيد كبير الخدم.
“سموّ الأمير.”
“ماذا؟”
رفع سكالين رأسه ببطء، وهو الذي كان ينتظر بجانب هارين الجالس يراقب الزهور كما في السابق. بدا وكأنه لم يلحظ وجودي خلف كبير الخدم بعد.
“هل يمكن لسموّكَ أن ترافق الآنسة سيليا في جولة بهذا البستان؟”
“…ماذا؟”
وفي تلك اللحظة التقت عيناي بعينيه خلف كبير الخدم.
واتسعت عيناه الحمراوان بدهشة وهو يراني.
“لقد بدا لي أن الآنسة تبدي فضولاً تجاه هذا المكان، لذا أرجو من سموّك أن تتفضل بجولة لها.”
قال ذلك ثم دفعني قليلاً بخفة نحو سكالين.
“كبير الخدم…؟”
نظرت إليه في ارتباك، فإذا به يبتسم برضا، رافعاً إبهامه نحوي.
وكأنه يقول لي: فقط اعتمدي علي.
لكن بصراحة…
لا أظن أننا نفهم بعضنا أبداً يا كبير الخدم…؟
***
“…….”
“…….”
يكاد النفس ينقطع.
ها أنا و سكالين نسير جنباً إلى جنب في البستان، كما أراد كبير الخدم.
ألقيت نظرة جانبية على سكالين الصامت إلى جواري، بينما أستعيد ما حصل للتو.
‘…لماذا أنا؟’
‘لأن سموّ الأميرة هي آنسة الدوقية الوحيدة في الإمبراطورية، وسموّ الأمير هو الأمير الوحيد.’
‘……’
‘فمن أخلاق النبلاء أن يرافق الأميرُ سيدةً ثمينة في جولةٍ كهذه.’
حاول سكالين الاعتراض على ألكسند كبير الخدم ببضع كلمات، لكنه في النهاية خسر.
وهكذا وجدت نفسي أسير بجانبه الآن.
لو كنت أعلم أن الأمر سيصبح محرجاً هكذا، لرفضت من البداية… كيف تورطت هكذا؟
تابعت السير خلفه ببطء، وهو لا ينبس بكلمة.
لو كان هارين هنا على الأقل لخفّف الجو.
لكن حين علم أنه سيكون برفقتنا، حاول اللحاق، غير أن كبير الخدم منعه.
‘إنها فرصة تعليمية لسموّ الأمير، لذا هل يمكن للسيد هارين أن يظهر بعض التفهم هذه المرة.’
مهما كان ما يسعى إليه كبير الخدم، فهذه ليست الطريقة….
تنهدتُ قصيراً، ثم رمقت سكالين بنظرة خاطفة.
قامةٌ أقصر بقليل مني، وجسد معتدل لا هو نحيل ولا ممتلئ. شعره الفضي يلمع بشدة تحت أشعة الشمس المتسللة من النوافذ.
هكذا ينبغي أن يكون مظهر أبطال الروايات إذن.
“كفّي عن التحديق.”
هل انكشف أنني أنظر إليه بطرف عيني؟
استدار فجأة إلى الوراء.
“هل لديكِ ما تقولينه؟”
عيناه الحمراوان حدّقتا فيّ بالكامل هذه المرة.
“آه، لا، ليس الأمر كذلك….”
شدة البرودة في عينيه جعلتني أعجز عن متابعة الكلام.
أي طفل في التاسعة ينظر بهذه الطريقة؟
“من هنا حتى هناك.”
“هاه؟”
“تلك المسافة هي القسم الأول.”
نظر إليّ للحظة، ثم أشار إلى الطريق الممتد أمامنا.
القسم الأول؟
اتجه بصري حيث أشار، فرأيت ثلاثة مسارات تتفرع.
“أيوجد ممرات داخل غرفة……؟”
ما هذا المكان أشبه بالمتاهة؟
كان من المفترض أن تكون هذه “غرفة” في نهاية الرواق، لكن ظهرت أمامي ثلاثة طرق غير مألوفة.
هل هذا ما يسمونه فانتازيا الرواية…… أو شيء من هذا القبيل؟
“القسم الأول، القسم الثاني، القسم الثالث. أيها ستختارين؟”
سأل سكالين مرة أخرى، وكأنه لا يبالي برد فعلي.
أليس من الطبيعي أن نستكشفها واحداً تلو الآخر؟
“يمكننا السير فيها بالترتيب، واحداً بعد الآخر…….”
“لا.”
قاطعني سكالين قائلاً.
“أنا لا أنوي رؤية كل شيء.”
وما يزال يحدّق في عيني مباشرة.
التعليقات لهذا الفصل " 11"