بينما كانت العربة تشقّ طريقها نحو اللقاء مع سكالين، تذكّرتُ ما قاله لي فروين قبل أيام.
هل ستكون هذه هي المرة الثانية لي في فعالية رسمية منذ قدومي إلى هذا العالم؟
في المرة الأولى، جرى الأمر بعيداً عن إرادتي؛ فما إن مرّ وقت قصير على تجسدي في جسد سيليا حتى وجدت نفسي مسحوبة إلى هناك.
لم أستمتع بشيء يومها… بل إنني أُعدت على عَجَل إلى القصر قبل أن ألتقي بأحد، بقرار من والدي.
أذكر أنني حينها لم أشعر بشيء سوى الدهشة لكوني في القصر الإمبراطوري فحسب.
نظرتُ بطرف عيني إلى جانبي، فإذا بهارين يمارس رمي السهام في الهواء حتى داخل العربة.
“هارين.”
“همم؟”
“أظن أنّك لم تذهب إلى القصر الإمبراطوري منذ مدة، أليس كذلك؟ فأنت غالباً ما تذهب فقط إلى قصر ولي العهد.”
أمال رأسه متحيّراً. بدا أنّه لم يفهم قصدي.
“أعني… لقد مرّ وقت طويل منذ أن شاركتَ في حفل رسمي داخل القصر الإمبراطوري…”
“ليس منذ زمن طويل!”
“هاه؟”
أنا بدوري أملت رأسي متعجبة.
‘كيف ليس منذ زمن طويل؟ هل ذهب إلى القصر من دون علمي؟’
“ليس منذ زمن طويل… بل هذه المرة هي الأولى لي!”
“…الأولى؟”
أعدتُ السؤال بصدمة، فأومأ برأسه ببساطة. كان وجهه مشرقاً، بريئاً.
كيف ذلك؟ بالنسبة لي هذا ثاني حفل، فكيف يكون الأول بالنسبة له؟
حتى وأنا لستُ الأصلية، فقد شاركتُ بالفعل مرة. فهل غاب هارين في تلك المناسبة؟
بدأت أسترجع ذكريات الحفل الأول… لكنه كان في فترة صاخبة بعد تجسدي، فلم يعلق في ذاكرتي سوى ملامح أبي.
آه، يبدو أنّ هارين لم يحضر حينها.
‘لكن لماذا لم يأتِ في ذلك الوقت؟’
مرّت أشهر طويلة، وصار من المستحيل أن أسأل أحداً الآن.
لم يبقَ لي سوى التخمين… ربما كان مريضاً.
“ما بالكِ؟”
نظر إليّ مستغرباً من حيرتي. كان واضحاً أنه لا يعدّ غيابه عن ذلك الحفل أمراً مهماً.
“لا شيء.”
‘على أية حال، نحن ذاهبان معاً هذه المرة.’
لا داعي لأن أشغل نفسي أكثر.
ألقيتُ نظرة طبيعية نحوه… وفجأة تجمّدت.
“هارين! ما هذه اليد؟”
“مم؟”
“كل هذه الجروح… ما الذي حدث؟!”
أمسكت بكفه، فوجدته مليئاً بخدوش وجروح صغيرة وكبيرة.
ارتبك وهو يحكّ وجنته بيده الأخرى التي لم أتمكن من الإمساك بها.
“آه… هذه من التدريب فقط…”
“مهما كان! لا يُعقل أن تملأ يدك بكل هذه الإصابات!”
يد صغيرة ناعمة كهذه… كيف تُترك لتتشقق وتُجرح هكذا؟
شعرتُ بغصّة وأنا أحدّق فيها، فانتزع يده سريعاً وأخفاهما خلف ظهره.
“لكن… من دون تدريب هكذا، لا يمكنني أن أتغلب على الأمير سكالين. إنه بارع جداً.”
“…إذن كل هذا لأنك تريد هزيمة الأمير سكالين؟”
“بالطبع! يجب أن أبدو أفضل منه…”
آه يا هارين… لماذا تصرّ على أن تضع نفسك دوماً في موضع المنافسة معه؟
زفرتُ تنهيدة قصيرة، وشعرت بصداع يطرق رأسي.
“هارين. أنا لا أحب أن تؤذي نفسك لمجرد منافسة أحد. ما دمت تفعل هذا لا عن حبّ، بل فقط رغبة في الفوز على شخص آخر، فهذا أسوأ.”
كانت نبرتي مشبعة بالقلق والصدق.
بعض الدافع جيد… لأن هذا الطريق لن يجلب له سوى الضغط والألم.
ارتبك، وبدأت عيناه تتنقلان هنا وهناك قبل أن يومئ برأسه ببطء.
“…حسناً، يا أختي. إذا كنتِ لا تحبين ذلك، فسأتوقف. لكن… هل يمكن أن أستمر فقط لليوم؟ اليوم فحسب؟”
قالها بخجل، وهو يختلس النظر إلى وجهي. لم أتمالك نفسي من الابتسام.
صحيح… تغيّر قليلاً، لكنه ما زال ذلك الصغير الخجول اللطيف الذي أعرفه.
“نعم. لقد تدربت أسبوعاً كاملاً. إذن، اليوم سيُظهر هارين مهارة أفضل بالتأكيد.”
وهكذا، انطلقنا أنا وهارين، كلّ منا بدوافع مختلفة، نحو اللقاء مع سكالين.
للمرة الثالثة من أصل خمس.
***
“……”
“……”
“هل انشقّت السماء حتى يهطل مثل هذا المطر…؟”
رمقتُ هارين بنظرة جانبية، وهو يحدّق بصمت إلى السماء الملبّدة.
يا لحظي العاثر… في هذا التوقيت تحديداً يجب أن يهطل المطر؟
أرسلتُ نظرةً غاضبة إلى قطراته المنهمرة بلا هوادة، وكأنني ألومه على إفساد اللقاء.
“وهل سيتوقف المطر إن واصلتِ النظر إليه هكذا؟”
التفتُّ إلى مصدر الصوت، فإذا به كبير الخدم المكلّف بمرافقتنا. كان يبتسم وهو يقترب حاملاً مظلة.
“السيد كبير الخدم!”
“مرحباً بقدومكما.”
فتح المظلة ليقيَني أنا وهارين من البلل.
“هل نتوجه اليوم إلى قاعة الاستقبال؟”
“كلا، لقد أُعدّ لكما مكان أرقى بكثير.”
نفى برأسه يميناً ويساراً. فمضينا خلفه بصمت، لا نعلم إلى أين يقودنا.
مضى بعض الوقت قبل أن نتوقف أمام غرفةٍ تقع في أقصى طرف الممر في الطابق الأول.
غرفة هنا؟
بموقعها هذا لا يمكن أن تكون غرفة الأمير سكالين… نظرتُ إلى هارين بجانبي، فوجدته هو الآخر يبدُو وكأنه يراها لأول مرة.
لكنني لم أشكّ كثيراً، فمَن مثله لن يأخذنا إلى مكان غريب.
دخلنا الغرفة، وما إن تخطّيتُ العتبة حتى غلبني التساؤل.
“كبير الخدم… أهذا هو المكان الصحيح؟”
تراجعت خطوة، أتأمل المكان بعينين متوسعتين.
“هل أنت متأكد… أنّ هذا هو المكان؟”
“نعم، سيدتي. هذا هو.”
أجاب بهدوء وثقة.
أيمكن أن يُوجد مكان كهذا هنا؟ بل… هل يُعَدّ هذا أصلاً غرفة؟
رفعت بصري، فإذا بسقف عالٍ يعلو فوقنا، ومساحة واسعة لا تكاد تُرى لها نهاية.
أشجار خضراء باسقة، وأزهار متفتحة تزيّن الأرجاء… لقد كان حديقة داخلية بحق.
حديقة داخل القصر؟ هذا معقول.
لكن… ألم تكن هذه غرفة مغلقة قبل لحظات؟ كيف يتحوّل الأمر إلى حديقة يملؤها النور والهواء؟
كانت النوافذ العريضة الممتدة حتى السقف تسمح لأشعة الشمس بالانسياب داخل المكان، فينعكس دفؤها على كل زهرة ونبتة.
بل إن بعض الأزهار هنا نادرة الوجود في أي حديقة عادية.
ضحك كبير الخدم وهو يلحظ دهشتي.
“يبدو أنكم منبهرون كثيراً.”
“طبعاً… لم أتوقع أن أرى شيئاً كهذا.”
“أختي! هل يعقل أن تنمو كل هذه النباتات داخل مبنى؟”
“ربما… إن كانت العناية بها جيدة.”
ابتسمتُ له بخجل، فيما عيناه تلمعان بالفضول. حتى قبل أن أجد نفسي في جسد سيليا لم أرَ أشجاراً بهذه الضخامة داخل مبنى. بدت وكأنها تعانق الطابق الثاني بارتفاعها.
“تفضلا بالدخول. الأمير بانتظاركما.”
قادتنا خطوات أخرى إلى الداخل، فإذا بنا نغوص في هواء رطب يذكّرني بالحدائق الزجاجية.
عبق الأزهار يتناثر مع كل نسمة نتحرك معها.
سألته وأنا أتأمل الطاولات المرتبة وسط المكان.
“وأين هو الأمير؟”
كانت هناك طاولة وأربعة مقاعد معدّة بترتيب أنيق، وُضعت عليها أباريق شاي عطرة.
بدا المكان مثاليّاً لجلسة شاي، لكن سكالين لم يظهر بعد.
“يبدو أنه ابتعد قليلاً، لكنه سيعود حالاً. الرجاء الانتظار هنا.”
أشار لنا بالجلوس، فجلستُ عند الطاولة، فيما اندفع هارين بحماس نحو إحدى الأزهار.
“أختي! انظري إلى هذه! إنها رائعة!”
كان صوته مليئاً بالبهجة بعدما كان مكتئباً بسبب المطر.
“تعالي بسرعة!”
اقتربتُ منه، فإذا بأزهار صفراء زاهية تتفتح على مقربة.
“إنها… فريزيا.”
أحببتُ هذه الزهرة دائماً.
انحنيتُ بجواره أتأملها، فما كان منه إلا أن التقط إحدى بتلاتها المتساقطة ووضعها فوق رأسي.
“أتعلمين؟ لون هذه الزهرة يطابق لون شعركِ تماماً!”
“حقاً؟”
“إنها جميلة جداً… مثلكِ تماماً!”
ثم، وقد خجل من كلماته، وضع البتلة الصغيرة في كفّي وابتسم بتوتر.
يا إلهي… ما هذا؟ هل أصبح شقيقي الصغير يتقن عبارات الغزل بهذه السلاسة؟
أحسست بالارتباك. هل سيكبر هارين ليصبح باعث دموع للفتيات؟ لن يصبح الشرير هارين بل المغازل هارين!
وبينما كنتُ أضع يدي على فمي مصدومة من براعته في الكلام، جاءنا صوت مألوف من خلفنا.
“هارين… كيف تجرؤ على مقارنة زهرةٍ بسيليا؟ أليس ذلك ظلماً لجمالها؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"
♡♡♡♡