منذ متى بدأ ذلك؟
منذ متى وقف يحجب رؤيتها؟
‘ابتعد من فضلك.’
كانت كلارا تعلم أن عليها قول ذلك.
لكن، لسبب ما، لم تتحرك شفتاها.
“ماركيزة.”
في لحظة ترددها، استدار ليواجهها.
“هل نعود الآن؟”
“….”
أومأت كلارا برأسها بهدوء وهي تنظر إليه.
حتى وهي تتبعه، لم تستطع كلارا أن تلتفت لترى نهاية روفوس الأخيرة.
عندما عادت إلى المنزل، اتجهت كلارا تلقائيًا إلى غرفتها.
كانت بحاجة ماسة إلى الاستحمام.
لحسن الحظ، كانت قد أمرت المربية بتحضير الحمام قبل أيام.
وإلا…
‘آه.’
أدركت حينها متأخرةً.
المربية لم تعد موجودةً الآن.
لم تطلب من خادمة أخرى تحضير الحمام، لذا ستكون غرفتها خالية.
حينها غيرت كلارا وجهتها إلى المكتب.
لكنها سرعان ما أدركت أن هذا لم يكن خيارًا جيدًا.
في هذه الغرفة كان هناك شيء لا تريد مواجهته الآن.
صورة روفوس ميريوذر.
وجه والدها.
الشيء الذي تجنبته اليوم.
وقفت كلارا أمام القماش الأسود.
أمسكت طرفه بيدها الصغيرة، ترددت قليلاً، ثم أغمضت عينيها بقوة وسحبته بسرعة.
ثم سمعت صوتًا.
“كلارا.”
كان صوتًا حنونًا للغاية.
صوتُ والدها منذ زمن بعيد…
شعرت حينها بألم في قلبها.
لماذا تشعر بهذا؟
لقد مات ذلك الوالد منذ زمن طويل.
لذا، لم يكن هناك داعٍ لأن تشعر كلارا بحزن جديد بسبب ‘موت اليوم’.
“لكن، لماذا…”
لمست كلارا الصورة بيد مرتجفة.
“لماذا…”
اختلطت كلماتها المتمتمة باللوم.
“أنا أكرهك حقًا.”
فجأة، ضربت قبضتها المشدودة الصورة بقوة.
لم يهدأ غضبها، فأغمضت كلارا عينيها مجددًا ورفعت قبضتها عاليًا.
-تك.
لكن هذه المرة، لُفت قبضتها بشيء ناعم.
“…؟”
فتحت كلارا عينيها بصعوبة.
ثم أدركت شيئًا.
لقد كانت تبكي.
بكت لدرجة أنها لم تستطع تمييز من أمامها.
في رؤيتها الضبابية، كان هناك شيء أسود يرفرف.
للحظة، ظنت أنه دوق وينشستر.
“سيدتي الماركيزة.”
لكنها كانت أديل ميريوذر، ترتدي فستانًا أسود.
كانت تقف أمام الصورة، ممسكة بقبضة كلارا بكلتا يديها.
“لماذا…”
أنتِ هنا؟
لم تكمل سؤالها الواضح.
لأن صوت شهقاتها سبقها.
على أي حال، كان هناك شيء غريب. ليس أديل، بل كلارا نفسها.
شعرت كلارا بالفرح مجددًا بظهور أديل.
لا بد أن يكون امتدادًا لتأثير الجسر المعلق.
“حسنًا، أممم.”
قالت أديل، و هي مرتبكة قليلاً:
“لقد طرقتُ الباب أولاً. يبدو أنكِ لم تسمعي.”
بالطبع، كان ذلك متوقعًا.
لم تكن في حالة تسمح بسماعها.
“سمعتُ ضجيجًا، ففتحتُ الباب معتذرة. ظننتُ أن شيئًا خطيرًا قد حدث.”
“هكذا… إذًا.”
مسحت كلارا دموعها بسرعة بيديها.
“إنه ليس شيئًا مهمًا.”
كانت تعلم أن كلامها غير مقنع.
لكن ماذا يمكن أن تقول غير ذلك؟
‘بالمناسبة، أهو اليوم؟’
يوم مغادرة أديل.
بما أنها تحمل أوري، فلا بد أنها جاءت لإعادته قبل الرحيل.
“لا يبدو كذلك.”
“ماذا؟”
“قولكِ إنه ليس شيئًا مهمًا، كذبة، أليس كذلك؟”
“لـ-ليس صحيحًا.”
“وقولكِ هذا كذبة أخرى.”
قالت أديل ذلك ووضعت أوري في حضن كلارا.
كأنها تعلم أن كلارا بحاجة إليه.
“لا… تهتمي بي. سترحلين على أي حال، أليس كذلك؟”
“حسنًا.”
ابتسمت أديل بمرارة بعد تردد طويل.
“هذا صحيح.”
“إذا لم يكن لديكِ شيء، أرجوكِ غادري بسرعة.”
حاولت كلارا الحفاظ على تعبير هادئ قدر الإمكان.
رغم أن شفتيها كانت ترتعشان بسبب البكاء الذي لا مفر منه.
“أنا…لا أريد أن أكون معكِ.”
لذا، عانقت كلارا أوري بقوة وتحدثت ببرود.
حتى تشعر أديل بالضجر وتغادر الغرفة براحة.
“….”
لكن، خلافًا لتوقعاتها، بقيت أديل في مكانها.
نظرت إلى وجه كلارا الباكي بقلق.
“لكن أنا أريد…أن أبقى معكِ. هل سأكون عبئًا؟”
لا.
هكذا أجاب قلبها.
“نعم.”
لكن شفتاها اختارتا إجابة أخرى تلقائيًا.
ومع ذلك، أديل…
“أود اقتراح عقد، سيدتي الماركيزة.”
كررت كلامًا قالته كلارا ذات مرة.
“اجعليني وصيتكِ القانونية.”
“…!”
فغرت كلارا عينيها بدهشة ونظرت إلى أديل.
سرعان ما أصبحت رؤيتها ضبابية مجددًا.
حاولت كلارا مسح دموعها بظهر يدها.
لكن هذه المرة، أمسكت أديل وجه كلارا ومسحت دموعها بلطف بإبهامها.
“كما قلتِ، أنا ميريوذر لم أحقق شيئًا.”
تحدثت أديل بهدوء وهي تمسح دموعها.
“لذا، لستُ تابعة لأي فصيل.”
ظلت كلارا تنظر إلى أديل وشفتاها مرتعشتان.
“سيكون هناك معارضة ضدي. لكن هذا أمر لا مفر منه بغض النظر عمن يُختار.”
رفعت أديل خدي كلارا بلطف لتنظر إليها.
“لذا، اختاري الأسهل للاستخدام، أنا.”
قالت أديل إنها ستبقى إلى جانبها.
هل شعور الراحة بهذا الجواب بسبب أن قلب كلارا لا يزال على الجسر المعلق؟
أم بسبب لطف اليد التي تمسح دموعها؟
“هيك.”
حاولت كلارا الرد، لكن هذه المرة، أوقفها البكاء حقًا.
“أجيبي بهدوء. لن أذهب إلى أي مكان.”
قالت أديل ذلك وعانقت كلارا بحنان.
بعد بكاء طويل، رفعت كلارا رأسها ونظرت إلى أديل بعيون منتفخة.
رغم أنها شعرت بالراحة عندما اقترحت أديل أن تكون وصيتها، لكن عند التفكير مجددًا، شعرت بالشك.
هل تم توجيهها من قبل شخص ما في هذه الأثناء؟
“ما نيتكِ بالضبط؟ رفضتِ بشدة في السابق.”
يبدو أن أديل لم تتوقع سؤالًا مباشرًا كهذا.
ترددت أديل للحظة بوجه مصدوم.
بالتأكيد، كانت تخفي شيئًا…
“بسبب… نفسي.”
كان الهمس الذي عاد بالكاد مسموعًا.
لكنه كان مشبعًا بحزن عميق.
لدرجة أن قلب كلارا اهتز للحظة.
قبل أن يصبح الجو محرجًا، لوحت أديل بيديها بسرعة.
“لا، أعني، لأنكِ قلتِ إنكِ ستنقذين شخصًا بائسًا مثلي من خطبة سيئة!”
حسنًا، قالت ذلك بالفعل.
لكن هل كان هذا حقًا ما كانت ستقوله؟
“وقلتِ أيضًا إنكِ ستضعين اسمي في سجل النبلاء.”
أومأت كلارا برأسها.
“لا أريد أن أصبح نبيلة الآن، لكن إدراج اسمي سيساعدكِ، أليس كذلك؟”
حاليًا، عائلة الماركيز تفتقر بشدة إلى الورثة.
إذا فقدت كلارا حياتها الآن، فسيكون والد أديل هو الوريث التالي.
لكنه مطرود عمليًا، لذا من المرجح أن ينتقل اللقب إلى قريب بعيد.
لكن إذا أُدرجت أديل في السجل، ستصبح هي الماركيزة التالية (رغم أن فرص انتقال اللقب إليها ضئيلة بسبب نسبها).
“بالنسبة لمن يطمعون في لقب الماركيز، لا شيء أكثر إزعاجًا من زيادة الأهداف.”
“وماذا بعد؟ ألم تقولي إنكِ تريدين حياة بعيدة عن ميريوذر؟”
“بالطبع قلتُ ذلك! لكن…”
ترددت، ثم صرخت بعيون لامعة.
“المال…”
“ماذا؟”
“ليست لدي نقود. لا أستطيع حتى توظيف خادم واحد.”
“….”
“عندما فكرتُ في الأمر، شعرتُ أن المنزل الذي كنتِ ستمنحينني إياه ثمين… إذا لم أقبل هذا العرض، سأعيش في منزل مليء بالعناكب والفئران!”
يبدو أنها تنوي جني بعض المال قبل الرحيل.
“همم هذا ليس سيئًا.”
فكرت كلارا بصدق.
لو قدمت أديل اقتراحها بدافع شفقة بالغ سخيفة، لما قبلته أبدًا.
قلوب الناس تتغير.
الجميع يتغير.
والدها.
المربية.
ألم يتغيروا جميعًا؟
لكن شروط عقد مقابل مال لن تتغير مهما حدث.
وإذا حاول أحدهم خرق العقد، يمكن المطالبة بغرامة.
أحبت كلارا هذا اليقين.
لكن، هل يجب أن تقوم بهذا العقد حقًا؟
“فهمتُ نيتكِ. سأفكر في الأمر.”
“لا بأس. هل أجهزه إذًا؟”
أي تجهيز؟
“ماء الحمام. عندما يكون لديكِ مشكلة، لا شيء يضاهي نقع جسمكِ في ماء دافئ.”
“مشكلة، ماذا…”
كادت كلارا أن ترفض، لكنها تذكرت أن ‘صورة والدها’ لا تزال خلف أديل.
“حسنًا.”
كانت كلارا بحاجة إلى الاستحمام.
بعد غسل وجهها الملطخ بالدموع بالماء الدافئ، ستشعر بتحسن قليلاً.
* * *
دخلت كلارا إلى حوض الاستحمام المُعد في غرفة نومها.
وضعت أوري على كرسي بجانب الحوض مؤقتًا.
عندما لفها الماء الدافئ بدرجة حرارة مريحة، جلست أديل خلفها وبدأت تمشط شعرها ببطء.
كان الصوت الخفيف مريح.
مريح لدرجة أن عينيها أغلقتا تلقائيًا.
“يمكنكِ النوم.”
“هل كانت والدتكِ تفعل هذا لكِ أيضًا؟”
في الواقع لم تبدُ تلك المرأة رقيقة إلى هذا الحد.
“في الواقع منذ أن كنتُ في الثالثة، كنتُ أغتسل وحدي.”
“هذا قاسٍ.”
“نعم، لكن من شيءٍ واحد، تعرفين عشرةً.”
لم تكن تلك المرأة تولي أديل الكثير من الحب.
“كانت والدتي في الواقع مشغولة بحب نفسها.”
كان ذلك ينطبق على والد كلارا أيضًا.
حتى نهاية حياته، لم يفكر إلا في نفسه.
“إذن، لا بد أنكِ كنتِ تشعرين بالضغينة… تجاه والديكِ.”
سألت كلارا بحذر.
“ربما على الأرجح؟ لكن ليست ضغينة خالصة.”
“ماذا تعنين؟”
استدارت كلارا لتنظر إلى أديل.
“ربما بسبب ذكريات شيء يشبه الحب.”
ذكريات الحب.
تذكرت كلارا تلقائيًا تلك اللحظة التي جلست فيها على ركبة والدها وتعلمت عن شرف العائلة.
“حتى وأنا أحقد على والدتي بلا حدود، عندما أتذكر تلك اللحظة، يعود قلبي إلى مكانه.”
“….”
“وأحيانًا أجد نفسي أبحث وأتوقع… أن بقايا ذلك الحب الذي تلقيته في تلك الاوقات لا تزال مختبئة في مكان ما في قلب والدتي.”
“مضحك، أليس كذلك؟ لا أعرف حتى إذا كان ذلك حبًا حقيقيًا.”
قالت ذلك وهي تضحك بسخرية.
‘آه.’
وفي نفس الوقت، أدركت كلارا شيئًا.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
في مشكلة حالياً في الموقع تتعلق بأرشفة الفصول الجديدة بعد نشرها، وراح يتم حلها قريباً إن شاء الله.
وكإجراء احتياطي نرجو منكم الاحتفاظ بنسخة من الفصل بعد نشره على الأقل لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لو صار أي خلل مفاجئ.
كما نوصي بمراجعة الفصل المنشور خلال هذه الفترة للتأكد من ظهوره بشكل سليم، ومن عدم حدوث أي خلل تقني أو أرشفة خاطئة.
نعتذر عن الإزعاج، وشكراً على صبركم وتعاونكم الدائم
— إدارة الموقع Hizo Manga
التعليقات لهذا الفصل " 8"