لماذا فعل رالف هذا بحقّ السماء؟
كانت شركة برونسون تشتري الملح بأسعارٍ باهظةٍ، ثمّ توزّعه بسعرٍ عاديّ.
هذا خسارةٌ واضحةٌ.
لو كان الماركيز السابق يتحكّم بكامل شبكة التوزيع كلاعبٍ كبيرٍ، لكان من الممكن اعتبار ذلك نوعًا من “الرشوة”.
لكن، للأسف، لم يكن لدى الماركيز السابق مثل هذه القدرة.
‘إذًا، هل كان السبب هو الحفاظ على الخطوبة؟’
نظرت أديل إلى المرآة المعلّقة على الحائط.
نصف دمها نبيل.
شعرٌ أسودٌ باهتٌ، وجسدٌ متواضعٌ.
شخصيّةٌ ليست محبوبةً.
مهما كان، فهي ليست امرأةً تستحقّ دفع مثل هذا الثمن الباهظ.
حتّى أديل نفسها تعتقد ذلك، فكيف يمكن أن يرى رالف الأمر بشكلٍ مختلفٍ؟
إذًا، لم يكن السبب هو الخطوبة.
فما الغرض الآخر إذًا؟
ربّما كان هدف رالف ليس سوى “تدمير الماركيز”؟
لكن، لم يكن لدى رالف أيّ ضغينةٍ تجاه الماركيز السابق.
بالطبع، أديل لم تكن تعرف كلّ تفاصيل ظروفه.
لكن من هو رالف برونسون؟
رجلٌ تسيطر عليه رغبةٌ جامحةٌ في أن يصبح يومًا ما جزءًا من النبلاء.
رجلٌ يمكن أن يفعل أيّ شيءٍ، حتّى التظاهر بالموت، إذا أمرته الشخصيّات الرفيعة.
“…أوه؟”
ومضت فكرةٌ في ذهن أديل.
«أيعقل أنّني لم أتلقَّ ردًّا حتّى اليوم؟»
لقد كان ينتظر بلهفةٍ تواصلًا من شخصٍ ما.
“ربّما كان هناك من يقف وراءه. لا أستطيع التأكّد، لكن…”
“من المنطقيّ التفكير بهذه الطريقة. لكن المشكلة هي…”
اتّجهت أنظارهما نحو السجلّ الضخم.
لم يكن هناك، بين كلّ تلك السجلّات، ما يشير إلى هويّة الشخص الذي يقف وراءه.
ربّما كان رالف بالفعل ذيلًا مقطوعًا بشكلٍ مثاليّ.
“لا سبيل للوصول إلى هذا الحدّ؟”
“لا.”
ابتسمت أديل.
“لا يزال هناك طريقةٌ.”
***
في اليوم التالي، عند الفجر.
استيقظ رالف برونسون من نومه، وقرأ الإشعار الذي جاء به خادمه مرّاتٍ ومرّاتٍ.
كان من فرقة التحقيق الملكيّة.
يطلبون منه الحضور اليوم والإجابة بصدقٍ على أسئلتهم.
لم يُذكر السبب.
كلّ ما كُتب هو أنّ الأمر يتعلّق بالماركيز السابق.
إذًا، الأسئلة التي سيتلقّاها ستكون واضحةً.
“ما… ما هذا؟ كيف حدث هذا؟”
لقد أخبره ذلك الشخص أنّه لن يحدث له شيءٌ.
“هذه مكيدةٌ! يحاولون تهديدي دون أيّ دليلٍ!”
لا يوجد في هذا العالم دليلٌ على أنّه دفع أموالًا إضافيّةً للماركيز.
ألم يُقل إنّ هذه الأموال لم تُسجّل حتّى في سجلّات عائلة الماركيز؟ إذًا…
‘مهلًا؟’
عندما فكّر في السجلّات، خطرت له فكرةٌ.
‘السجلّ الحقيقيّ’ الخاصّ به.
“لا، مستحيل! لا يمكن أن يكون!”
خرج من البيت مرتديًا ثياب النوم.
تبعه الخادم مذعورًا، لكنّه ركب الحصان واندفع نحو المدينة.
عندما وصل إلى مبنى الشركة، كان من الطبيعيّ أن يندهش الحارس والموظّفون من مظهره.
لكنّه لم ينتبه لذلك، واندفع إلى مكتبه، وسحب الخزنة.
-طق
كانت الخزنة مقفلةً.
‘ما كانت كلمة السرّ لهذا الأسبوع؟’
اللعنة، لم يتذكّر.
ركض إلى غرفة الاستراحة، وسحب ورقة كلمة السرّ من تحت السرير، ثمّ فتح الخزنة.
ظهرت سجلّاتٌ مكتظّةٌ.
عبث بها بعنفٍ.
“…لا توجد.”
السجلّ الأحدث كان مفقودًا.
“لا، مستحيل… مستحيل!”
أخرج كلّ السجلّات، وتفقّد التواريخ واحدًا تلو الآخر. لكنّه لم يجد ما يبحث عنه.
“سيّدي!”
وصل الخادم من القصر إلى المكتب.
أمسك رالف بياقته على الفور.
“السجلّ! أين سجلّي؟”
“سيّدي، فجأةً… ما الذي…”
“اللعنة! إن لم تجده الآن، فستكون ميّتًا!”
صرخ فيه بعنفٍ، ثمّ اندفع إلى الخارج مرّةً أخرى.
ركب الحصان الذي تركه، وزاد من سرعته.
لا يمكنه البقاء مكتوف اليدين.
‘إذا أخبرتُ ذلك الشخص بالوضع…’
بالتأكيد سيساعده.
ظلّ يركض عبر المدينة، غير مدركٍ أنّه لا يزال بثياب النوم.
في هذه الأثناء، كانت عربةٌ تحمل أديل والماركيزة كلارا تتبعه منذ مغادرته القصر.
لكن رالف لم ينتبه لوجودهما.
“الآن سيتّجه إلى الشخص الذي حرّضه.”
لم تُحوّل أديل عينيها عن رالف الذي كان يظهر من نافذة العربة.
في المقابل، لم تستطع الماركيزة كلارا رفع عينيها عن أديل التي تجلس أمامها.
الإشعار الذي تلقّاه رالف هذا الصباح كان مزيّفًا.
كلّ شيءٍ خطّطت له أديل.
«عندما يكتشف أنّ السجلّ مفقودٌ، سيهرع إلى الشخص الذي يقف وراءه. من أجل البقاء.»
تطوّرت الأمور كما توقّعت أديل تمامًا.
الآن، كلّ ما عليهما فعله هو مراقبة القصر الذي سيتّجه إليه رالف.
عبر الميدان الرئيسيّ، وتجاوز منطقة المتاجر، ووصل إلى حيّ الأثرياء.
بدأت أديل تتوقّع أنّه سيتوقّف أمام أحد القصور…
لكن رالف لم يُظهر أيّ علامةٍ على التباطؤ.
“إذا استمرّ على هذا المنوال…”
رفعت كلارا نظرها.
في نهاية الطريق الذي يركض فيه رالف، كان هناك القصر الملكيّ.
هل فكّرت أديل بالشيء نفسه؟ بدأ وجهها يغتمّ تدريجيًّا.
وكانت مخاوفهما في محلّها.
اندفع رالف حتّى نهاية الطريق.
وتوقّف أمام حرّاس القصر الملكيّ.
نظرت أديل و كلارا إلى بعضهما.
***
عامل الحرّاس رالف كمجنونٍ.
مهما كانت الظروف، ففي نظرهم، هو مجرّد رجلٍ بثياب نومٍ يندفع نحو القصر عند الفجر.
احتجّ بشدّةٍ مدّعيًا أنّه ليس مجنونًا، لكنّ ذلك كان حظّه.
اكتفى الحرّاس بضربه بضع ضرباتٍ.
لو لم يكن هناك هذا السوء تفاهم، لكان في السجن الآن.
تركوه مضروبًا في زاويةٍ من السور.
بينما كان يتأوّه ملقًى على الأرض، غطّاه ظلّ شخصٍ ما.
رفع رأسه فرحًا.
“…آه!”
“مرحبًا، رالف.”
كانت أديل.
تمتم “اللعنة” وأعاد رأسه إلى الأرض.
“رالف، لديّ بعض الأمور التي أريد مناقشتها معك.”
“اخرجي من هنا.”
نهض بصعوبةٍ وبصق دمًا ممزوجًا باللعاب.
“لن أتحدّث مع شخصٍ مثلكِ…”
توقّف كلامه المتهجّم بسرعةٍ.
ربّما لأنّ أديل أظهرت السجلّ أمامه.
“أنتِ!”
نهض متعثّرًا.
“هل جننتِ؟ هل تريدين الموت حقًا؟!”
لم تتزعزع أديل رغم صراخه.
“رالف.”
حاولت، بنبرةٍ هادئةٍ، تذكيره بحقيقةٍ مهمّةٍ.
لكنّه لم يعطها فرصةً للحديث.
“يا ابنة المرأةِ الحقيرة!”
صرخ بحدّةٍ وغضبٍ.
“هل تعتقدين حقًا أنّ تلك السيّدة الصغيرة النبيلة ستعتبركِ وصيةً لها؟ أنتِ التي تجري في عروقكِ دماءٌ قذرةٌ؟”
“لا.”
تفاجأ رالف بردّها الهادئ، وكأنّه توقّع أن يجرحها.
“على أيّ حال، هذه مشكلتي، فلا تقلق بشأنها. رالف، إلى أيّ مدى تورّطتَ؟”
“….”
“هل أنتَ من أغرى الماركيز السابق بالمقامرة؟”
“لا! لقد فعل ذلك بنفسه…”
أجاب دون تفكيرٍ، ثمّ عضّ شفتيه بسرعةٍ.
“إذًا، كلّ ما فعلته هو تمويل سقوطه. لماذا؟”
“هل تعتقدين أنّني سأخبركِ؟”
“سيكون من الأفضل لكَ.”
“لا تُضحكيني. لماذا أفعل؟”
“لأنّ ذلكَ الشخص سيتخلى عنك.”
لم تعرف أديل بعد من هو “ذلك الشخص”.
لكنّها أرادت أن تتحدّث وكأنّها تعرف، لعلّ رالف يكشف عن شيءٍ، حتّى لو كان دليلًا صغيرًا.
“أنتِ…”
“منذ اعتقال الماركيز السابق، انقطع التواصل معكَ، أليس كذلك؟ لم تتلقَّ حتّى رسالةً واحدةً.”
تجمّد وجه رالف فجأةً.
ربّما كان يشكّ بالفعل، لكنّه تجاهل ذلك.
“لا تُضحكيني!”
لكنّه نفى في النهاية.
بل لم يتوقّف عند ذلك.
“آه… الآن فهمتُ.”
ضحك رالف بصوتٍ مكتومٍ للحظاتٍ.
“أنتِ من سرق رسائله، أليس كذلك؟ والسجلّ أيضًا!”
هذا كلامٌ لا معنى له.
لكن عينيه لمعتا كما لو أنّه وجد أملًا أخيرًا.
“سرقتِ رسائل ذلك الشخص؟ أنتِ انتهيتِ! إنّه الإعدام!”
“هل ما زلتَ غير مدركٍ لوضعك؟”
“اصمتي!”
اندفع نحوها مرّةً أخرى.
رفع قبضته المشدودة نحو وجهها.
-بام!
رنّ صوت ضربةٍ قويّةٍ.
“آه!”
لكن الصرخة المؤلمة جاءت من رالف.
لقد ضربت أديل رأسه بدقّةٍ بحافة السجلّ.
التعليقات لهذا الفصل " 21"