“ألا تتذمّرين أبدًا من التعب وأنتِ تقطعين كلّ هذه المسافة بمفردك؟ حتّى كاهن تافه مثل هذا يتجاهلكِ، ولم يأتِ أيّ من نبلاء هذه المنطقة لتحيّتكِ!”
“حسنًا، أظنّ أنّ هناك أوامر من الإمبراطورة الاولى وراء هذا.”
ابتسمتُ بمرح.
“بما أنّنا في فترة يجب فيها مراعاة نظرة الإمبراطور، فلن يجرؤوا على إيذائي مباشرة، لكنّهم ربّما يحاولون عزلي بطرق ملتوية؟”
“إذن، هل تعتقدين أنّهم هدّدوا نبلاء هذه المنطقة قائلين: ‘إذا رحّبتم بالأميرة، فلن أترككم!’؟”
ضحك ريسيانثوس ساخرًا، كأنّه مندهش من هذه التفاهة المفرطة.
“أنا بجانبكِ، أليس كذلك؟”
فجأة، احتوتني عيناه القرمزيّتان. كانت نظرة جديدة، كأنّه يقول إنّه طالما أنا بجانبه، لن يستطيع أحد تجاهلكِ، وسيضمن ذلك بنفسه.
“آه، يا إلهي. هؤلاء الحمقى المزعجون. لا يجرؤون على النطق أمام عائلتنا، لكنّهم يظنّون أنّهم شيء كبير…”
“لا بأس! الحياة الاجتماعيّة هكذا!”
“ليس هذا ما يفترض أن تقوله أميرة، أليس كذلك؟”
“عندما تُهزم الإمبراطورة الاولى، سيهلك معها هؤلاء المتزلّفون الذين يراقبونها!”
“أوه، هذا صحيح!”
ضحك ريسيانثوس بخفّة.
“هل ستكونين أنتِ من يهزمهم؟ كم أنتِ جريئة! أم أنّكِ، لأنّني قلتُ إنّني سأحميكِ، أصبحتِ واثقة جدًا…؟”
تجنّب ريسيانثوس النظر إليّ بخجل وهو يتمتم. للحظة، رمشتُ بعينيّ، متسائلة عما يعنيه.
تجمّدت ديبي وباربرا، اللتين كانتا تستمعان إلى حديثنا داخل العربة دون قول شيء.
تمتمت ديبي بشفتيها.
‘يبدو أنّ السيد الشاب قد جنّ.’
حسنًا… أجل… نظرتُ إلى جانب وجه ريسيانثوس، الذي كان يلوي جسده بخجل، بنظرة مضطربة وقُلت.
“…حسنًا، أعني، يبدو أنّ الإمبراطورة الاولى تميل إلى استفزاز من لا ينبغي استفزازهم.”
“أوه، من لا ينبغي استفزازه؟ من تقصدين؟”
من غيرها؟ بيبي.
الأمير بريان لن يكون له شأن كبير في المستقبل.
ما يعتمد عليه هو حبّ الإمبراطور له، ودعم عائلة الإمبراطورة الاولى وبعض النبلاء، وتأييد الكاهن الأعلى ميرجيد من جانب المعبد. هذا كلّ شيء.
أما إدريان، الابن الوحيد للإمبراطورة، فيحظى بدعم ضمنيّ من الذين يؤمنون بـ”التقاليد”.
الإمبراطورة لم ترتكب شيئًا يُعاب عليها.
قدرات إدريان تتفوّق بكثير على بريان.
والأهمّ، حتّى لو حظيت الإمبراطورة الاولى بتأييد عائلتها، فهي ابنة غير شرعيّة، وهو نقطة ضعف كبيرة مقارنة بالإمبراطورة.
إذا تخلّى الإمبراطور عن كلّ شيء ودعم بريان بكلّ قوّة، فقد تتغيّر الأمور، لكن…
الإمبراطورة الاولى كليو ليست غبيّة. حتّى لو بدت قويّة الآن، فهي لا تتوقّع أن تحتفظ بنفس النفوذ بعد عشر سنوات.
لذلك حاولت بكلّ الطرق السيطرة على تيتانيا وهزّ عائلة كاستراين.
في الوقت الحالي، لن تتخلّى عن بيبي أبدًا.
“بيبي.”
“بيبي؟”
“ألا تعتقد أنّها ستكون حريصة على إبقاء بيبي إلى جانب بريان؟”
“ماذا؟! هل تريد إلصاق ذلك الأحمق، الذي يشبه الملفوف الممضوغ، ببيبي؟!”
قفز ريسيانثوس حرفيًا. صهل الحصان المذعور. بعد أن تجنّب ريسيانثوس السقوط بأعجوبة، قال وهو يلهث
“هل تلك المرأة المجنونة جادّة؟ تريد أخذ كنز عائلتنا؟ والأسوأ، ذلك الشابّ في مثل عمرنا، فكيف يجرؤ على التفكير في بيبي؟! هل يريد الموت؟!”
“إذا كان الأمر كذلك، فسيأمر الدوق بمعالجته فورًا!”
تدخّلت ديبي من داخل العربة بصوت مرح، كأنّها تخلّت تمامًا عن التظاهر بأنّها خادمة عاديّة. تنهّدت باربرا بنظرة مضطربة.
“حسنًا… أعني، ربّما تحاول التلاعب بهذا الشأن. كن حذرًا. إذا ألغيتُ خطوبتي، لن يكون هناك ما يمنعها.”
“ماذا؟! صاحبة السموّ، هل ستلغين خطوبتكِ؟”
صاحت ديبي بصوت مندهش. بدت باربرا بجانبها مصدومة أيضًا. آه، هذا شيء يعرفه ريسيانثوس فقط لأنّني أخبرته مباشرة.
“نعم، حسنًا، الدوق الشاب رايموند يعرف ذلك. سنناقش التفاصيل لاحقًا، لكن إذا سمع الإمبراطور أو الإمبراطورة الاولى بهذا، سيكون محرجًا، لذا احتفظوا بهذا.”
الأشخاص داخل العربة لن ينشرون هذا الخبر لصالح الإمبراطور أو الإمبراطورة الاولى، لذا لا بأس.
في تلك اللحظة، بدأت العربة تتباطأ تدريجيًا.
توقّفت العربة تمامًا.
كانت الشمس تغرب ببطء. على عكس المناظر الخضراء المليئة بالنباتات المثمرة التي كانت تعكس ثراء الجنوب، امتدّت رمال بيضاء كالتي تُرى على الشواطئ، تملأ الأفق.
في الوسط، ارتفع معبد كالجبل.
كم عمر هذا المبنى؟ كان المبنى الواسع، المبنيّ من حجر بلون الرمال، بسيطًا أكثر منه فاخرًا. تبعتُ إرشادات الكاهن كرون ودخلتُ المعبد. رحّب بي تقريبًا جميع من في المعبد.
-صاحبة العقد! ( ´╹ᗜ╹`*)
‘نعم، حسنًا، ما الأمر؟’
-أشعر بآثار خافتة للحاجز! هل ستقيمين طقس المالك؟
‘لا… آثار خافتة للحاجز؟’
-نعم، الحاجز هنا تمّ نشره بزرع شظايا من حاجز الشمال، لذا فهو خافت نسبيًا!
في هذه المرحلة، بدا سؤال السيف المزخرف “هل ستقيمين طقس المالك؟” كسؤال “هل أكلتِ؟”. أسمعه من أذن وأخرجه من الأخرى.
في عصر ندر فيه مستخدمو قوّة حاكم، أن آتي مع صديق يستخدم كلّ القوى ونخوض تجربة مخاطرة بالحياة؟ هذا لا يبدو منطقيًا.
الآن وقد فكّرتُ في الأمر، جمع أشخاص يستخدمون قوّة حاكم لـ”إثبات” شيء ما؟
يشبه طقس المالك أو طقس التكريس.
بينما كنتُ أردّ على تحيّات الناس ببساطة، أخبرني الكهنة أنّ هناك خمسة كهنة في المعبد. كرون، الكاهن الأعلى، يدير معظم الأمور، ويقسم الآخرون المهام البسيطة.
كانوا جميعًا يبتسمون بلطف ويقدّمون التمنيات الطيّبة لأميرة اسميّة مثلي دون اكتراث.
أُخبرتُ أن أرتاح اليوم، وأن طقس التكريس سيبدأ رسميًا غدًا، ثمّ دخلتُ غرفتي.
حصلت ديبي وباربرا على غرف بجواري. كانت الغرفة صغيرة تحتوي على أثاث بسيط. لو كنتُ تيتانيا الأصليّة، لكنتُ أثاريت ضجّة حول “هل هذا تجاهل لي؟” بسبب بساطة الغرفة، لكن بالنسبة لي، لم أهتمّ بحجم الغرفة، بل بحجم السرير.
وضعتُ السيف ايموجي بجانب السرير وغفوتُ فورًا.
كنتُ أظنّ أنّني نمتُ جيّدًا في العربة، لكنّني كنتُ مخطئة. على الفراش الناعم، شعرتُ أنّني سأنام بعمق بحيث لا أستيقظ حتّى لو حملني أحدهم…
حقًا،
كأنّني لن أستيقظ حتّى لو حملني أحدهم.
“…”
عندما فتحتُ عينيّ، وجدتُ نفسي في غرفة غريبة لم أرَها من قبل.
ما هذا؟
نظرتُ فورًا إلى النافذة. بين شقوق الستائر السميكة، تسرب ضوء قمر خافت. كان الظلام يعمّ الجوانب.
لم يمضِ وقت طويل منذ استلقيتُ على السرير. لكن السرير الذي استلقيتُ عليه تغيّر!
لم يكن السرير البسيط في المعبد، الذي كان ممتلئًا بي وحدي. كان سريرًا فاخرًا كما في جناح فندقيّ، يتّسع لستّة أشخاص دون نقصان.
كانت الأغطية ناعمة ومريحة للغاية. المظلّة المعلّقة بجانب أعمدة السرير كانت من قماش فاخر لدرجة أنّ الإمبراطورة الاولى كليو قد تستخدمه لملابسها. بالطبع، كان الظلام حالكًا، فلم أتمكّن إلّا من لمسه بأطراف أصابعي.
‘سيف ايموجي؟! السيف؟! هل أنتَ هناك؟! أنتَ أسوأ من كلب حراسة! إذا نقلني أحدهم إلى مكان آخر، ألم يكن يفترض أن توقظني؟!’
صرختُ في داخلي للسيف، لكنّه لم يجب. هل تركتني ديبي، التي وعدت بحمايتي، أُنقل إلى هنا دون تدخّل؟ وكيف أمن المعبد بهذا السوء؟
أم أنّهم أعدّوا غرفة فاخرة لي في المعبد متأخّرًا وحملوني إليها وأنا نائمة؟ بينما كنتُ أفكّر في كلّ الاحتمالات،
قطع صوتٌ الصمت وضرب أذنيّ.
“أنتِ هادئة جدًا بالنسبة لمن استيقظت على سرير غريب.”
كان صوتًا شابًا، لكنّه خشن كأنّه ابتلع الرماد والدخان، يتردّد في الهواء. انتفضتُ.
كان هناك شخص جالس مقابل سريري. من هناك، جاء الصوت الغريب.
“صاحبة السموّ الأميرة تيتانيا. ليس لديّ نية لإيذائكِ. أحضرتكِ هنا فقط لأنّ لديّ شيئًا يجب أن أخبركِ به.”
كح، كح، سعال متكرّر، ثمّ واصل الصوت الشابّ الكلام.
“ستؤدّين طقس التكريس في المعبد، أليس كذلك؟”
“…”
“في منتصف الطقس، هناك جزء يتطلّب تلطيخ الأثر المقدّس بدماء ملكيّة، أليس كذلك؟ ربّما بعد غدٍ.”
التعليقات لهذا الفصل " 56"