منذ أن أدركت ديبي وعيها، عاشت كأداة لعائلة كاستراين، لا أكثر. كانت هي من اختارت ذلك وسعت إليه.
كانت صادقة حين قالت إنّها تحبّ الأشياء الجميلة والبرّاقة. كانت ديبي تعشق تأمّل تألّق الأشياء المتلألئة أكثر من أيّ شيء. لكن إذا صدر أمر، فإنّها قادرة على تحطيم حتّى أجمل الأشياء في العالم دون تردّد.
لكن من بين كلّ الأشخاص الذين رأتهم ديبي في حياتها، كانت الفتاة الأجمل هي…
“إذا أمرتكِ بقتل الإمبراطورة الاولى كليو والأمير بريان هذه الليلة، هل تستطيعين؟”
“قدراتي لا تكفي لذلك.”
“وماذا عن الإمبراطور؟”
“…”
“هذا محظور، أليس كذلك؟ لا يمكنكِ إيذاء أفراد عائلة كاستراين المباشرين أيضًا.”
بنظرة باردة وحاسمة، كانت تيتانيا تقيّم حدود الأداة التي استُعيرت لها وما يمكن أن تفعله.
فجأة، شعرت ديبي بالفضول.
بدت تيتانيا وكأنّها تعرف جيّدًا مدى قسوة عائلة كاستراين تجاه أعدائها. وكأنّها تعرف حدود السلاح الذي تملكه بين يديها.
كيف ذلك؟
كيف لأميرة ترعرعت في نعيم، لم تقتل أحدًا بيدها قط، أن تكون على دراية بطريقة تفكير عائلة اعتادت على رائحة دماء الوحوش وصرخات البشر الأخيرة؟
“ليس عليكِ حمايتي بشكل مطلق.”
قالت الأميرة بهدوء.
“إذا لم يكن الخطر كافيًا ليقتلني على الفور، أو إذا لم يكن من المرجّح أن يسبّب إعاقة دائمة لا يمكن شفاؤها، فليس عليكِ التصرّف بشكل مفرط تجاه أيّ تهديد أو أزمة. في الواقع، أكره أن يعرف الخصم أنّني أستعدّ لمثل هذه الأمور.”
“…هل تقصدين أن أترك التهديدات دون تدخّل؟”
“بالطبع، يجب أن تخبرينني بالوضع في الوقت المناسب. لكن لا تتدخّلي دون إذن مسبق.”
رمشت ديبي بعينيها.
كان هذا يعني ألّا تتصرّفي فورًا ما لم يكن الخطر جسيمًا، وأن تبلغي لاحقًا فقط…
لماذا؟
ألم تطلبي فارس حماية وخادمة للاستعداد للتهديدات والقيام بمهامكِ بسهولة؟
“عائلة كاستراين لن تحميني إلى الأبد، أليس كذلك؟”
كأنّها لاحظت حيرة ديبي، ضحكت الأميرة بخفّة. كانت ابتسامتها كشمعة مضاءة داخل مصباح زجاجيّ فارغ.
“تحرّكي فقط في المواقف الخطيرة حقًا. على أيّ حال، سأطلب منكِ الكثير من المهام الصغيرة.”
ألم يكن هذا الموقف مشابهًا لاستراتيجيّة التضحية باللحم لأخذ العظم؟
هل هناك داعٍ لمثل هذا اليأس؟
“لذا، دعينا لا نكذب على بعضنا.”
فجأة، أدركت ديبي.
ربّما كانت الأميرة تريد قول هذا منذ البداية.
“أهمّ شيء بالنسبة لكِ هو عائلة كاستراين، وأنا مجرّد شخص استُعرتِ له مقابل ثمن. لذا، لا تكذبي عليّ ‘من أجل عائلة كاستراين’. بالأخص، لا تقولي أشياء مثل: ‘سيدتي هي الأميرة فقط، ولن أعود أبدًا، سأحميكِ مهما حدث!’”
وهي تنظر إلى عيني الأميرة الخضراوين الشبيهتين بالزجاج، أدركت ديبي مرّة أخرى.
إنّها لا تثق بمشاعر أولئك الذين ينتمون إلى عائلة كاستراين.
إنّها تعلم أنّهم لن يختاروها أبدًا.
لذا، لا تخدعيني.
كان حاجزًا باردًا وصلبًا.
“إذا التزمتِ بهذا، سيكون العمل معًا أسهل في المستقبل، أليس كذلك؟”
أومأت ديبي برأسها بصمت.
* * *
بعد الحصول على إذن الإمبراطور، انتهت استعدادات طقس التكريس بسرعة.
في الأصل، لم يكن هناك من يملي على أميرة قاصر مثلي ما يجب تحضيره.
حتّى لو أصبح الطقس شكليًا في الآونة الأخيرة، فهو حدث يُقام سنويًا.
بما أنّ أفراد العائلة الملكيّة يسافرون إلى أقصى الجنوب وأقصى الشمال، كانت هناك مسارات محدّدة مسبقًا.
في الغالب، إذا لم تكن هناك مشاكل، يتمّ اتّباع هذه المسارات.
بالطبع، لا يمكن لأفراد العائلة الإمبراطورية أن يركبوا الخيول طوال الرحلة الطويلة، لذا كان يكفي السفر عبر طرق ممهّدة تناسب العربات.
لكن، بالطبع، كانت هناك مشاكل بسيطة.
كان سائق العربة التي سأستقلها طوال الرحلة شخصًا عيّنته عائلة كاستراين.
لكن القائد العام للوفد المتّجه إلى المعبد كان من أنصار الإمبراطورة الاولى.
غريغوري تمبر.
من الخارج، بدا كفارس ناضج ومثير للإعجاب، لكنّه كان يعرقل الجدول بشكل خفيّ.
كانت أنفاق التنقّل الفضائيّ الموجودة بين المدن الكبرى محدودة للغاية، وبالتالي كانت مسارات الوصول إليها بسيطة.
لكن غريغوري جعلنا نأخذ طرقًا متعرّجة، حتّى اضطررنا للتخييم في الغابة. كانت ضغينة الإمبراطورة الاولى حقًا تافهة.
عندما تظاهرتُ بعدم الاعتراض وقُلتُ بمرح.
“واو، هذه أوّل مرّة أنام فيها بالخارج! أسمع صوت الحشرات!”
تصلّبت ابتسامة غريغوري قليلاً. ربّما كان يتوقّع أن أصرخ غاضبة: “كيف تجرؤ على جعل هذا الجسد النبيل يخيّم في الغابة!”
لكن بالطبع، كنتُ أحاول استفزازه.
واصلتُ الابتسام والتحمّل طوال الوقت.
بالطبع، كانت هناك مشاكل أخرى.
على سبيل المثال، ريسيانثوس، الذي يُفترض أنّه فارس الحماية الخاص بي، لم يُسمح له بركوب عربتي.
لو كان الأمر يتوقّف عند هذا، لما كان سيئًا.
لكن غريغوري وضع ريسيانثوس في المؤخّرة، مدّعيًا أنّ مهارته العالية تجعله مناسبًا لمراقبة الأعداء من هناك.
غضب ريسيانثوس .
“ما هذا الهراء؟ عربة تيتانيا في الوسط، فلماذا أكون في الخلف؟”
ردّ غريغوري بابتسامة استفزازيّة.
“هاها، سمعة السير ريسيانثوس النبيلة لا تقلّ عن مهارته. نقص الخبرة يمكن تعويضه بمهارتك، لكن حماية شخصيّة نبيلة ليست دائمًا بالأمر السهل، أليس كذلك؟”
وفي ذلك اليوم، أحرق ريسيانثوس طرف لحية غريغوري.
بعد هذه المشاجرة التي لم تكن مشاجرة بالمعنى الحرفيّ، وبينما كنتُ أتنهّد تحت أنظار الجنود المستاءة، أرسلتُ ريسيانثوس إلى المؤخّرة مؤقّتًا.
بعد كلّ هذه العقبات، تمكّنتُ أخيرًا من الوصول إلى مدينة كبرى مزوّدة بنفق تنقّل فضائيّ. لوّحتُ للجماهير التي تجمّعت لاستقبال زيارة نادرة لأحد أفراد العائلة الملكيّة، وتمكّنتُ من استخدام النفق.
كانت أنفاق التنقّل الفضائيّ نادرة للغاية.
أوّلاً، كانت أحجار المانا، نواة النفق، خاصّة جدًا. كان مطلوبًا حجر مانا بحجم رأس رجل بالغ. علاوة على ذلك، يجب أن تتطابق موجات الحجر مع الأرض. وتطلّب تصميم النفق ورسم المعادلات والبناء مبالغ وأيدٍ عاملة لا يمكن تخيّلها.
معظم أنفاق التنقّل الفضائيّ الحاليّة أُنشئت في عهد الإمبراطور الأوّل، ولم يجرؤ أحد بعده على إنشاء المزيد.
حتّى تشغيل نفق واحد يتطلّب أموالاً وأيدٍ عاملة هائلة، لكن وجود النفق بحدّ ذاته يجعل المدينة مركزًا رئيسيًا.
عندما خرجتُ من النفق ومررتُ عبر بوّابة خاصّة، أذهلتني المناظر التي رأيتها.
“أليس هذا تقريبًا أقصى الجنوب؟ يبدو كالعاصمة…”
صحيح أنّ تيتانيا نادرًا ما غادرت القصر، لكن لم يكن ذلك مستحيلاً. في عيد ميلاد الإمبراطور كلّ عام، كان أفراد العائلة الملكيّة يركبون العربات ويطوفون العاصمة، يلوّحون للناس ويوزّعون النقود الذهبيّة أو الزهور.
على الرغم من تجربتي المحدودة، كانت صورة العاصمة لا تزال عالقة في ذهني.
لكن هذه المدينة لم تكن أقلّ من العاصمة. الناس النابضون بالحياة، العربات المحمّلة بالبضائع، والشوارع المرتبة.
لكن الوجهة كانت أقصى جنوب الإمبراطوريّة.
نظرتُ بطرف عيني إلى غريغوري وهو يتحدّث مع ممثّلي المعبد الذين جاؤوا لاستقبالنا، بينما كنتُ أتفحّص المكان بعناية.
قالت باربرا، وهي تصلح ملابسي المجعّدة من الرحلة الطويلة في العربة.
“هذا لأنّ هنا يوجد نفق تنقّل فضائيّ، لذا فهي مركز الجنوب تقريبًا. يقولون إنّه لا يوجد شيء لا يمكنكِ العثور عليه في العاصمة أو في مزاد أرتولا. سمعتُ أنّ إقليم هابيليوس قريب، لكنّه ريفيّ بعض الشيء، على الرغم من أنّه مكان جيّد للعيش.”
“هل تريدين التجوّل قليلاً إذا كنتِ مهتمّة؟”
سألتني ديبي. هززتُ رأسي.
“لا، لا بأس.”
“لكن، صاحبة السموّ، سمعتُ أنّكِ نادرًا ما خرجتِ خارج القصر؟”
التعليقات لهذا الفصل " 54"