كانت الإمبراطورة الاولى كليو تتلهّف للركض نحو الأمير بريان بوجهٍ مضطرب، لكنّ تصرّف إحدى الخادمات التي كانت إلى جانبها، وهي تمنعها، جعلها تتماسك بالكاد.
ثمّ، وهي تنظر إليّ والإمبراطور الذي ركّز انتباهه عليّ، صرّت على أسنانها بغضب.
أوه، يبدو أنّها أدركت مجرى الأمور. كان عليّ أن أبذل جهدًا كي لا أضحك.
تحدّث الإمبراطور بحيرة.
“ناداكِ؟ هذا السيف…”
“نعم، لقد أُصبتُ بجروح قاتلة وأنا أقاتل وحشًا شيطانيًّا هنا في المتاهة تحت الأرض، فلم أستيقظ.”
لم أقاتل فعليًّا، لكنّ الإمبراطور يحبّ مثل هذه القصص، لذا قرّرتُ مواءمته قليلًا. بلّلتُ شفتيّ وتابعتُ.
“ألم يجد جلالتك ذلك غريبًا؟ مهما كثرت الشائعات المريبة، لم يحدث تقريبًا أن سقط أحد في المتاهة تحت الأرض من حديقة المتاهة. لكنّني وبالصدفة، أنا وابنة عائلة دوق كاستراين بالتبنّي، سقطنا هناك!”
“أوه، أجل، هذا صحيح.”
ردّ الإمبراطور بوجهٍ مندهش، موافقًا على كلامي. واصلتُ تمثيلي بحماس، مبتلّة شفتيّ.
“في هذه المتاهة تحت الأرض، وضع أشرار يستهدفون القصر فخاخًا لجمع الوحوش الشيطانيّة!”
“ماذا؟!”
“هذا السيف يتفاعل إذا كان هناك شيء شرّير في الجوار! لذا، من الطبيعيّ أن يشعر من يمسكونه بشيء غريب. لأنّ القصر الحاليّ مليء بالأشياء الشرّيرة التي تستهدفه! لكن، يا أبي، بينما كان جسدي غير قادر على الاستيقاظ، تحدّث إليّ السيف.”
من سيصدّق أنّ سيفًا يتحدّث؟
لذلك، قرّرتُ خوض المعركة بالتحريض والتزييف بجرأة.
إذا قلتُ إنّ كلامي هراء، فليثبتوا ذلك بالدخول في غيبوبة مع السيف بأيديهم!
“كانت قوّة السيف ضعيفة، فلم يتمكّن من التحدّث بوضوح لمن هم مستيقظون، لكنّه استطاع إيصال إرادته لي وأنا نائمة. أمرني أن أستيقظ وأوقف المؤامرة التي تستهدف القصر! استيقظتُ أخيرًا هذا الفجر. آه، لم أكن أعلم أنّ الأمور ستتفاقم إلى هذا الحدّ!”
مسحتُ دمعة وأمسكتُ السيف مجدّدًا، صارخةً في داخلي.
“تألّقي!”
هالة!
ملأ النور المقدّس المتاهة الضيّقة مجدّدًا. أمام الدليل البصريّ، لم يستطع الإمبراطور، الذي لم يجرؤ على قول “أليس هذا السيف شيطانيًّا؟”، سوى تغيير الموضوع.
“لكن، لماذا بريان هنا بهذا الشكل…؟”
“الأمير بريان، للأسف…”
أدرتُ رأسي وألقيتُ نظرة خفيفة. في اللحظة المناسبة، تقدّم الكاهن الأعلى إيليا بوجه تقيّ، مقدمًا لي صندوقًا صغيرًا.
“جلالة الإمبراطور الموقّر، لقد تأكّد أنّ أدوات الصيد الخاصّة بالأمير بريان تحتوي على طعوم مغطّاة بمواد تجذب الوحوش الشيطانيّة. بل إنّنا وجدنا أشياء مماثلة في مقرّ إقامته اليوم.”
كانت عائلة دوق كاستراين تملك بعض الضمير. لم ينثروا شيئًا خطيرًا كالنفايات النوويّة مثل الإمبراطورة الاولى. كان مجرّد طُعم شائع، يُستخدم غالبًا في ساحات المعارك.
“كنتُ أحقّق رسميًّا، بموافقة جلالتك، في الأدلّة التي تشير إلى إصابة الأميرة تيتانيا بلعنة منذ أمس. جلالتك! الكاهن الأعلى مارجيد وعد بتنقية اللعنة وجاء اليوم…”
حدّقت كليو في إيليا وتابعت كلامي.
” الكاهن الأعلى إيليا، ألم تكن أنت من أقام في قصر الإمبراطورة لرعاية تيتانيا؟ ألا يبدو غريبًا أن تجد الأدلّة الآن فقط؟!”
“كلام جلالة الإمبراطورة الاولى صحيح.”
خفض إيليا رأسه بوجه حزين.
“إذا كنتُ، بحجّة رعاية المريضة، لم أكتشف شيئًا شرّيرًا في قصر الورد، فإنّ لقب الكاهن الأعلى لا يعني شيئًا. من أجل تصحيح نقصي، بدأتُ منذ الفجر اليوم بفحص القصر بأكمله لأكون مفيدًا ولو قليلًا في تحقيق جلالتك.”
توقّف إيليا قليلًا قبل أن يتابع.
“لكن، للأسف، المسؤول عن التحقيق الذي أجريتموه أمس، يا جلالة الإمبراطورة الاولى، كان مجرّد كاهن متدرّب كان يتردّد إلى القصر لرعاية صحّتكم. شخص لا يستطيع قراءة أثر من وضع الأدلّة أو متى أو كيف أُدخلت.”
كان إيليا، الذي دعم عائلة دوق كاستراين، يخطّط لاتّهام عدم قدرته على اكتشاف اللعنة، لكنّ الأمر انقلب عليه بهذه الطريقة.
قالت الإمبراطورة الاولى مرتبكة.
“ما، ما هذا الهراء؟! سواء كان متدرّبًا أو رسميًّا، ما الفرق في تنقية الشرّ؟!”
“سمعتُ أنّ الأخ الموقّر الكاهن الأعلى مارجيد سيصل إلى القصر اليوم. إذا لم يكن هذا تجاوزًا، يا جلالة الإمبراطورة الاولى، لماذا، وأنتم تعلمون أنّني أقيم بالقرب من قصر الإمبراطورة، لم تطلبوا تحقيقي أمس، واستهدفتم قصر الورد فقط، مؤكّدين أنّه لعنة، واستدعيتم الأخ مارجيد اليوم؟”
ردّت الإمبراطورة الاولى يائسة.
“لأنّ تيتانيا لم تستيقظ، وكانت هناك شائعات غريبة من قصر الورد!”
فأر صغير تحوّل في لحظة إلى حجم خنزير بريّ، ثمّ سقط ميتًا على الأرض. فقد الجميع القدرة على الكلام أمام هذا المشهد، وكان الإمبراطور الأكثر صدمة.
“ما، ما، ما هذا؟”
شرح رايموند بنبرة مهذّبة.
“لو تُرك هذا الشيء مدفونًا في الأرض لفترة طويلة، لتحوّل قصر الورد بأكمله إلى مغارة شيطانيّة لا يعيش فيها إنسان أو حيوان، بل تُولّد الوحوش الشيطانيّة. كما ترون، هذا شيء شرّير يحوّل حيوانًا بريًّا ضعيف القوّة والإرادة إلى وحش شيطانيّ بمجرّد لمسه. لو كان هناك عشب قريب، لذبل، ولو كان هناك حيوان، لتحوّل إلى وحش. لهذا السبب، شعرتُ بجوّ غريب في القصر الإمبراطوريّ، فأسرعتُ لدخوله اليوم.”
على الرغم من أنّ الإمبراطور كان يعلم أنّ رايموند كان يتردّد باستمرار إلى قصر الإمبراطورة بحجّتي، إلّا أنّ مشهد فأر بحجم كفّ اليد ينتفخ إلى حجم صبيّ ويهاجم كان صادمًا للغاية، فابيضّ وجهه.
نعم، كان يظنّ أنّ تصرّفات الإمبراطورة الاولى مجرّد خدعة بسيطة، لم يتخيّل أنّها كادت تعرّضه هو نفسه للخطر.
تحدّث رايموند إلى الإمبراطورة الاولى بنبرة باردة.
“أسأل جلالتكم، ما لون أرض قصر الورد حيث كان هذا الشيء مدفونًا؟”
“حسنًا، قصر الورد، بسبب الفوضى السابقة، احترقت حديقته وتلوّثت وأصبحت في حالة يرثى لها، فكان من الصعب تمييز لون الأرض…! نعم، هذا صحيح. ها هي رئيسة خادمات قصر الورد هناك.”
تقدّمت ناتالي، رئيسة الخادمات، وانحنت أمام الإمبراطورة االاولى.
“ألستِ المسؤولة عن قصر الورد؟ شاركتِ في عمليّة البحث عن اللعنة. إذًا، ما لون الأرض؟”
“كما قالت جلالتكم، قصر الورد في حالة سيّئة مؤخرًا، بعيدًا عن شكله الأصليّ. العشب محترق، والمواد غير المرمّمة متناثرة…”
قاطعها رايموند بنبرة جليديّة.
“سمعتُ أنّ قصر الورد أصبح مهجورًا بعد نقص الخدم وغياب سيّدته. هل من الممكن فعلًا أن يكون هذا الشيء مدفونًا بالصدفة في الأرض واكتُشف خلال تحقيق جلالتكم؟”
لو كنتُ حقًا “ملعونة” وأعاني من مصائب متتالية ولم أستيقظ، لكان قصر الورد بأكمله قد تحوّل إلى جحيم حيّ، أسود اللون، مع موت النباتات منذ زمن.
لو كان هذا الشيء، كما تدّعي الإمبراطورة الاولى، مدفونًا تحت قصر الورد لفترة طويلة، لكان الحادث قد وقع منذ زمن.
خاصّة أنّ حديقة قصر الورد المهجورة كانت مليئة بالحيوانات المتجوّلة.
لذا، الخوض أكثر في تفاصيل الموقف لن يضرّ إلّا الإمبراطورة الاولى.
لن تستطيع أبدًا الاعتراف بأنّها هي من أعدّت دليل اللعنة هذا ودفنته سرًّا ثمّ استخرجته.
التعليقات لهذا الفصل " 43"