الحلقة 31

 

“عندما كانت خطيبة العائلة الإمبراطورية الصغيرة والجاهلة تثير الفوضى وتختبر الصبر، لم تتلاشَ الحذر. فكيف إذا اختفى هذا الحذر مثل ثلج الربيع يذوب بفعل معروف واحد عرضي؟ ماذا لو كنتُ أنوي في المستقبل سرقة أسرار عائلة كاستراين؟”  

 

 

 

“أنتِ لستِ من هذا النوع…”  

 

 

“لستُ كذلك؟ ما الذي يجعلك تثق بي؟”  

 

 

رفعتُ زاوية فمي مبتسمة.  

 

 

ابتسامة تدربت عليها الأميرة تيتانيا الصغيرة أمام المرآة مرات ومرات. ابتسامة أرستقراطية تضيء العينين وتنحني زاوية الفم.  

 

 

تعبير يبرز جمالها المتألق، لكن من الواضح أنها ليست ابتسامة صادقة.  

 

 

“أنا ممتنة بصدق للمعروف الذي قدمته عائلة كاستراين من خلال هذا الحادث. بفضلكم، أستطيع الإقامة بأمان في قصر الإمبراطورة دون التورط في… أمور مزعجة.”  

 

 

“…سمو الأميرة، أنا…”  

 

 

بدأ رايموند الحديث بنبرة قلقة غير معتادة بالنسبة له، لكنني لم أتوقف.  

 

 

“لذا، أتمنى ألا تظهر عائلة كاستراين أي معروف مفرط تجاهي في المستقبل. إنه يشكل عبئًا عليّ.”  

 

 

“…!”  

 

 

عندما رأيتُ شفتيه المغلقتين بإحكام كما لو كان يرفض، هززتُ كتفيّ. كما توقعتُ.  

 

 

“حسنًا، إذن، لنجعل هذا الأمر دينًا واضحًا.”  

 

 

“دين؟”  

 

“في المستقبل، مهما طلبتُ، استجب لأمرين دون شروط. لكنني لن أطلب أمنيات غير أخلاقية تضر عائلة كاستراين مباشرة، أو تتسبب في مواقف سيئة، أو تدفع إلى ارتكاب جريمة.”  

 

 

“هل هذا كافٍ؟”  

 

 

“أن أطلب أمنيتين من عائلة كاستراين العظيمة؟ أليس ذلك أكثر من كافٍ؟”  

 

 

ضحكتُ بوقاحة. تجنّب رايموند نظرتي. لم يكن تعبير بيبي ولا رايموند جيدًا. كنتُ أعرف ذلك، لكنني لم أرفع القناع الذي ارتديته كابتسامة. كنتُ أعرف أن هذا تصرف تافه.  

 

 

لا داعي للوم رايموند.  

 

 

لا حاجة لتوبيخه لأنه لم يمنح خطيبته الإمبراطورية، التي فُرضت عليه، أي قلب صادق. لكل شخص ما يريد حمايته، وما يعتز به.  

 

 

لكن لسوء الحظ، لم يكن هناك أحد يعتز بالأميرة تيتانيا.  

 

 

لأنني أنقذتُ حياة بيبي، جاء الجميع يثيرون الضجة، يشكرونني، ويغمرونني بالهدايا. كنتُ أغار من ذلك حتى البكاء.  

 

 

أظهر الأمير إيدريان والإمبراطورة اهتمامًا متأخرًا، لكن كان ذلك كل شيء.  

 

 

أنا، نعم، الحمد لله أن ذكريات حياتي السابقة استيقظت الآن.  

 

 

على عكس الأميرة تيتانيا، كان لدي والدان أحباني. هذه الذكريات وحدها كافية لتحملي.  

 

 

قالا لي ألا ألوم الآخرين أو أغضب في المواقف غير العادلة، لكنهما سيغفران لي هذا القدر، أليس كذلك؟  

 

 

-ألا تريدين أن تكوني محبوبة؟  

 

 

تساءل شيء ما فجأة في داخلي. نفس الصوت الذي وبخني عندما ذهبتُ لإنقاذ بيبي.  

 

-حتى لو كان بهذه الطريقة، لو تزوجتِ وحافظتِ على الطرف الآخر، ألن يبقى معكِ؟  

 

أجبتُ في داخلي.  

 

لا أريد عاطفة ليست صادقة.  

 

لا أريد الشفقة ولا الرثاء.  

 

 

لا داعي لأن أكون بائسة إلى هذا الحد.  

 

في تلك اللحظة، خطر لي.  

 

في القصة الأصلية، ربما أعطت الأميرة تيتانيا بيبي السم، وهي تعلم أنها لن تكون محبوبة حتى لو اختفت بيبي.  

 

 

كان رؤية بيبي، المحبوبة إلى هذا الحد، مؤلمًا جدًا.  

 

 

كانت تغار من كل هؤلاء الأشخاص الذين سيفعلون أي شيء من أجل بيبي.  

 

 

“لذا، لا تتدخلوا في شؤوني بعد الآن بحجة أنني منقذة.”  

 

 

اخترتُ أن أضحك.  

 

 

لأن من لا يملك شيئًا يجب أن يتظاهر بالثقة على الأقل.  

 

 

* * *  

 

في العربة المتجهة إلى قصر الدوق، نظرت بيبي إلى رايموند، الذي بدا مكتئبًا بشكل نادر.  

 

 

“أخي الأكبر.”  

 

 

“…!”  

 

 

“اسمع، لم أعرف الأميرة تيتانيا منذ وقت طويل، لذا لا أعرف الكثير عن علاقتكما.”  

 

 

لكن بيبي، التي عادت بالزمن، كانت تعرف.  

 

 

لم تكن جاهلة. لهذا حاولت في هذه الحياة أن تقود إلى فسخ خطوبة آمن بين أخيها الأكبر والأميرة تيتانيا.  

 

 

نظرت بيبي إلى رايموند، الذي كان وجهه معقدًا، ونظمت أفكارها.  

 

 

كان يُقال إن الإمبراطورة الثانية إيلين مصابة بمرض عضال.  

 

 

حتى الآن، لم يُعرف اسم المرض بدقة. في المستقبل البعيد، ظهر مرضى بنفس الأعراض، واكتشف شخص ما من خلال البحث في النصوص القديمة أن هذا المرض يُسمى “مرض أرلين”.  

 

 

كان أحد الأدوية التي جربها الساحر على بيبي علاجًا لهذا المرض.  

 

 

سُمي مرض أرلين لأن العلاج يحتوي على جذر زهرة أرلين، وهي زهرة نادرة وغالية تنمو أحيانًا على منحدرات البحر.  

 

 

عند الإصابة بمرض أرلين، يفقد المريض الوزن بسرعة، ويضعف جسمه بالكامل. يصبح الجهاز الهضمي ضعيفًا باستمرار، فيصعب هضم الطعام.  

 

 

في النهاية، يتدهور الجهاز التنفسي ببطء، فيلهث المريض ويموت. كان يُعتقد أنه مرض عضال لأنه يظهر بدون سبب واضح، مع أعراض تتفاقم تدريجيًا. 

 

 

لكن، في الحقيقة، كان تسممًا؟  

 

 

وليس مرضًا؟  

 

 

‘…قيل إن الأخ الأصغر لاسفر كان مصابًا أيضًا بمرض أرلين.’

 

 

عضت بيبي شفتيها.  

 

معظم المصابين بمرض أرلين كانوا من المدنيين الذين لا يتدربون على السيف، ويقضون معظم وقتهم في أنشطة داخلية، ويُعتبرون ضعفاء جسديًا.  

 

 

في البداية، كانوا يظنون أنها نزلة برد أو إرهاق، ومع تقدم المرض ببطء، لم يتمكنوا من تخمين السبب أو الاسم، فغرقوا في اليأس.  

 

 

لاحقًا، خُمن أن المرض قد ينتج عن اختلال توازن القوى في الجسم، لكن دون معرفة السبب الحقيقي.  

 

 

السبب الذي جعل الساحر يجرب الدواء على بيبي كان لأن لاسفر كان مصابًا بالمرض آنذاك.  

 

 

لاسفر، الوحيد من إخوة عائلة كاستراين الثلاثة الذي لم يتدرب على السيف.  

 

 

بقي في أراضي العائلة، يدرس العلوم بدلاً من زيارة العاصمة، وكان جسده أضعف من إخوته. هذا كل ما كان معروفًا آنذاك.  

 

 

حتى عندما بدأ قصر الدوق بالبحث عن دواء بشكل واضح بعد إصابته، لم تُكشف معلومات إضافية.  

 

 

‘…مرض أرلين قد لا يكون مرضًا عضالًا، بل أعراض تسمم خاص.’

 

 

بعد وفاة الإمبراطورة الثانية إيلين أخيرًا، زاد عدد المصابين بالمرض. بسبب شهرتها، أطلق عليه البعض اسم “مرض الجميلات المحكومات”.  

 

 

الآن، بدا ذلك مشبوهًا.  

 

 

موقف الساحر الذي جرب علاج زهرة أرلين على بيبي دون معرفة سبب المرض الحقيقي كان مشبوهًا أيضًا.  

 

 

 

أسهل طريقة لمعرفة المزيد هي التواصل مع الإمبراطورة الثانية إيلين.  

 

 

إذا لم تكن الإمبراطورة أو الإمبراطورة الاولى كليو من أعطتها السم، بل كانت الإمبراطورة 

الثانية إيلين تتناوله طواعية…  

 

 

‘لكن، لكن…’

 

 

تذكرت بيبي وجه الأميرة تيتانيا، التي كانت تبني جدارًا بابتسامة متباعدة.  

 

 

وجهها المتعب قليلاً، كما لو أنها تخلت عن كل شيء قبل أن تستشعر موتها.  

 

 

مثلما عادت بيبي بالزمن، ربما تغير شيء في حياة الأميرة تيتانيا هذه المرة.  

 

 

ربما لهذا أظهرت موقفًا مختلفًا تجاه رايموند، الذي كانت مهووسة به، وحاولت إنقاذ بيبي. 

لكن…  

 

 

‘لا أستطيع السؤال…’

 

 

عضت بيبي طرف شفتيها.  

 

كان لدى بيبي عائلة كاستراين.  

 

 

كان لديها أشخاص يدعمونها لتفعل أي شيء. لهذا، قطعت الأميرة تيتانيا الأمر بأن تكونا “أقرب من الغرباء وأبعد من العائلة”.  

 

 

 

لإعطاء الأولوية لعائلة كاستراين، للعائلة.  

 

لا يجب أن تبتعدي عن أحبائك بسببي. لا حاجة للاختيار.  

 

 

هل سيكون نفاقًا إذا قالت إنها قلقة بصدق على الأميرة تيتانيا؟  

 

 

هل سيبدو ذلك كصدقة من شخص لديه الكثير؟  

 

 

تأملت بيبي، لكنها لم تستطع إيجاد إجابة.  

 

 

“ما نوع علاقتكِ بأختي؟”  

 

 

“…خطيبتي.”  

 

 

لكن صوته بدا مضطربًا. نعم، ربما شعر بذلك بنفسه.  

 

 

الموقف الواضح الذي أظهرته الأميرة تيتانيا اليوم لم يكن موقفًا تجاه خطيب، ولا تجاه شخص أحبته يومًا.  

 

 

بل كان، إذا أردنا الدقة، الموقف نفسه الذي أظهره رايموند تجاه الأميرة تيتانيا طوال الوقت.  

 

 

لا ينكر حقيقة الخطوبة القانونية، لكن ذلك كل شيء.  

 

 

“نحن غرباء، لا نثق ببعضنا أو نهتم أو نحب بعضنا. لا نعرف حتى إذا كنا سنصل إلى الزواج…”  

 

 

“أنا أعرف كل شيء. خدم عائلة كاستراين يعرفون أيضًا. حتى أن هناك من شكوا أن الأمر مجرد تمثيلية. لكن هذا الصوت اختفى لأنكَ غضبتَ بشدة.”  

 

 

تذكرت بيبي الماضي للحظة.