هذه الطفلة، حتى في حياتها السابقة، رأت الكثير من المشاهد المروّعة. مرّت بتجارب قاسية. تعرّضت للتعذيب. لكن الآن، الأمور مختلفة.
على الرغم من أنّني أصبحتُ في حالة يرثى لها، مبلّلة بالدم والعرق البارد، كانت ملابس بيبي خفيفة ومنعشة ومصنوعة من قماشٍ جميل.
ورغم أنّ شعرها أصبح فوضويًا الآن، كان قد تم تهيئته بعناية ليكون مريحًا وجميلًا، مع دبوس على شكل قطة يتدلّى منه.
حتى حذاؤها الأزرق المصنوع من جلد الغنم كان مصممًا بعناية ليناسب قدميها بدقة ويمنحها الراحة.
فهمتُ الأمر.
اليوم أيضًا، هناك أشخاص يعتنون ببيبي، يتمنّون لها السعادة، أن تسير في طريق مريح، وأن تأكل طعامًا لذيذًا، وترى أشياء جميلة.
على عكسي أنا.
“يجب أن تعودي إلى الأشخاص الذين يحبونك، بيبي.”
“…ماذا؟”
اتسعت عينا بيبي بدهشة.
* * *
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى انتشر خبر اختفاء بيبي.
فور أن جاء أحد التابعين المكلّفين بحراستها، شاحب الوجه، يخبر رايموند أنّه لا يعرف مكانها، لم يلتفت رايموند إلى الخلف.
توجّه مباشرة إلى الإمبراطور.
“لا، لا يمكنك فعل هذا! الدوق الشاب رايموند! مهما كنتَ دوقًا شاباً…”
“ابتعد.”
“لا يمكنني ذلك! هذا القصر الإمبراطوري المقدّس!”
صرخ رئيس الخدم.
“كيف تجرؤ على طلب مقابلة الإمبراطور وحدك بمثل هذا الوقاحة؟ حتى إنّ تصرّف الأمير ريسيانثوس الوقح في قصر الورد لم يُعاقب عليه بعد!”
“الوقح هو أنت، رئيس الخدم.”
تألّقت عينا رايموند الذهبيّتان بنظرة قاتلة خالية من العاطفة.
“كيف تجرؤ أنت، بمثل هذا الوضع المتدنّي، على التدخّل في رغبة وريث عائلة كاستراين في مقابلة الإمبراطور؟”
جلس رئيس الخدم مرتعبًا. بإشارة يد واحدة، كسر رايموند الباب.
على الجانب الآخر من قاعة الاستقبال الواسعة، كان الإمبراطور جالسًا على كرسيه، بوجهٍ يظهر انزعاجه الواضح.
لم ينتظر رايموند إذنًا بالدخول أو كلامًا آخر، بل تقدّم بخطوات ثابتة وتوقّف على بُعد خطوتين من الإمبراطور.
“جلالتك.”
“…ما هذا التصرّف يا دوق الشاب رايموند ؟!”
“لقد ضاع أحد أفراد عائلة كاستراين الثمينين في القصر الإمبراطوري.”
“حتى لو كنتَ تتردّد بحرّية في القصر، هل تعتقد أنّه ساحة منزلك؟ مثل والدك تمامًا، أنت وقح…”
“لو كان والدي الوقح هنا…”
ابتسم رايموند. وجهه، الذي كان خاليًا من التعبير، أضاء بابتسامة مخيفة كأنّها زهرة مصنوعة من شفرات.
“لكان قد هدم هذا القصر بحثًا عن فرد عائلته دون انتظار ردّ جلالتك.”
“…!”
“للأسف، لستُ بمستوى والدي، لذا أتيتُ لأزعج جلالتك.”
منذ البداية، عندما سمع الإمبراطور أنّ الشخص المفقود في القصر هو شخص عزيز جدًا على عائلة كاستراين، حاول تأخير مقابلة رايموند بكل الوسائل.
أراد إهانة الدوق الشاب الذي يبدو أكثر تهذيبًا من والده.
شخصٌ ثمين مفقود في القصر، ومع ذلك لن يجرؤ على إظهار مخالب، أليس كذلك؟
حاول الإمبراطور تأخير أمر البحث، وإذا أصدره، خطّط للعثور على الشخص أولًا والاحتفاظ به في القصر لبعض الوقت.
لكن رايموند تجاهل هذه الحيلة.
“لن يكون من الجيّد أن يُقال إنّ رحمة جلالتك لم تصل إلى هذا القصر الواسع، فلم تستطع إيجاد ضيفٍ تائه.”
“كيف تجرؤ، أيّها الشاب الذي لم يجف دمه بعد، على مخاطبتي…!”
“مهما أنكرتم، نحن كاستراين.”
ابتسم رايموند بمظهرٍ بدا مهذّبًا للوهلة الأولى.
“كاستراين لا تُفرّط أبدًا بما يخصّها.”
“…رئيس الخدم! رئيس الخدم، فورًا…!”
ترك رايموند الإمبراطور الغاضب يصرخ على رئيس الخدم، وخرج بوجهٍ بارد.
بينما كان يوشك على إصدار أوامر البحث للفرسان الذين تدفّقوا نحوه، رأى شخصًا لم يتوقّعه، فتقلّصت عيناه.
“…سمو الأمير إيدريان؟”
كان إيدريان يبدو مضطربًا بشكل غريب.
لم تكن عائلة كاستراين تجهل أنّ الأمير الثاني إيدريان يعيش في القصر مع الإمبراطورة بهدوء وحذر.
إيدريان، أكثر من أي شخص، يعلم أنّه لا ينبغي له أن يُظهر بسهولة أيّ تواصل مع أحد أفراد عائلة كاستراين الزائرين للقصر.
ومع ذلك، قال الأمير، بنبرةٍ قلقة بشكل غريب:
“أ… أشعر بشعور سيء لسبب ما. أختي، الأميرة تيتانيا، مفقودة أيضًا. حتى خدم قصر الورد لا يعرفون أين ذهبت. هل يمكنك، يا دوق الشاب رايموند ، أن تبحث عنها أيضًا أثناء تفتيشك للقصر؟”
تصلّب وجه رايموند بشكل مخيف.
نـــبـــض، نـــبـــض…
قلبه ينبض بنذير شؤم.
* * *
هذه الطفلة ذكيّة.
ذكيّة بما يكفي لتعرف وضع تيتانيا الحالي ومعاملتها.
كان رأسي يدور. شعرتُ بضعفٍ في جسدي وأطرافي ترتجف.
هل هذه أعراض فقدان الدم المفرط التي سمعتُ عنها؟
عانقتُ جسد بيبي المقاوم مجدّدًا وأمسكتُ يدها.
كان الوحش قد توقّف عن الهجوم بعد أن أصررتُ على عدم ترك جسد بيبي، لكنّه الآن يراقبنا من بعيد.
نعم، يجب أن أقنعها. يجب أن أقنع هذه الطفلة الطيّبة حتى لا تتركني بسبب شعورها بالذنب. أنا حقًا بخير.
لأنّه…
حتى لو متّ…
لن يحزن علي أحد في هذا العالم.
لكن بيبي، لديها الكثير من الأشخاص الذين يحبونها.
“…إذا كنتِ بخير، أريدكِ أن تنقلي هذه الرسالة إلى والدتي: قولي لها إنّها يمكن أن ترتاح الآن.”
لأنّه، في حياتي السابقة، هكذا قالت لي أمّي. عندما أبلغتُ عن صاحب العمل الذي كان يسرق أجور العاملين الجزئيين، فقرّر إغلاق الشركة والهرب بدلًا من دفع المستحقّات.
قالوا إنّني تسبّبتُ في خسارة الجميع لوظائفهم، وكان عليّ أن أصمت لأنّ هذا أمر شائع. عندما أُهِنتُ أمام الجميع.
شعرتُ بالظلم والغضب، وتساءلتُ إن كنتُ حقًا مخطئة، وكنتُ في حالة يرثى لها. عندها قالت أمي:
「□□، ابنتنا العزيزة التي نفخر بها. مهما فعلتِ وأينما كنتِ في هذا العالم، أنا وأبيكِ سندكِ دائمًا.」
ضمّتني بقوة، وقالت إنّها تحبّني أكثر من أي شيء في العالم.
「لا تندمي، وسيري في الطريق الذي ترينه صحيحًا. حتى لو بدا أنّ الأشرار يتغلّبون، وحتى لو كانت الحياة مليئة باليأس. أنتِ تعلمين، □□…」
لذا، أنا بخير.
لا يهمّ إن لم تحبني الإمبراطورة الثانية إيلين أو الإمبراطور.
حتى لو لم يكن هذا العالم، كان هناك أشخاص أحبّوني دون شروط، وأنا ابنتهم التي يفخرون بها.
كل ما عليّ فعله هو السير في الطريق الذي أراه صحيحًا، كما تعلّمت.
على الأقل، عشتُ حياة سعيدة في حياتي السابقة، لكن بيبي عانت كثيرًا، والآن فقط بدأت تسير في طريق الزهور.
وعائلة كاستراين، بدون بيبي، مجرّد أغبياء لا يعرفون معنى السعادة.
كانت تلك نهاية سعيدة.
「ومع ذلك، يجب على الإنسان أن يعيش كإنسان.」
نعم، إذا متّ أنا لأنقذ بيبي وأنقذ مستقبل هذا العالم، فهذا صفقة مربحة.
كم كانت نهاية تيتانيا بائسة في الأصل؟
إذا فكّرتُ بهذه الطريقة، ربما إدراكي لحياتي السابقة فجأة كان من اجل إنقاذ بيبي هنا.
“والدتي… في الحقيقة، ليست مريضة. إنّها تتناول السم سرًا. ربما تعتقد أنّني لا أعلم، لكنّها تفعل ذلك بسببي… ظلّت صامدة في القصر الإمبراطوري حتى الآن. لكن يبدو أنّها أرادت البقاء حتى أصل إلى سن الرشد. ربما شعور بالمسؤولية…”
لذا، أنا لا ألوم الإمبراطورة الثانية إيلين.
حياتها في القصر كانت مليئة بالألم.
تزوّجت من الإمبراطور من أجل الرجل الذي أحبّته، لكن عائلتها قتلت حبيبها.
وافق الإمبراطور على ذلك ضمنيًا.
اضطرت لإنجاب طفل من الإمبراطور الذي تكرهه، وعاشت في القصر طوال حياتها…
عاشت فقط لضمان ألّا أقع تمامًا في قبضة الإمبراطورة الاولى أو الإمبراطور. حتى أصل إلى سن الرشد.
راقبتني.
كان ذلك آخر جهودها. كان ذلك أقصى ما استطاعت تقديمه.
عاشت حياة أسوأ من الموت في وسط الألم.
تيتانيا فقط لم تكن محظوظة.
ليس كل الآباء والأبناء يحبّون بعضهم بعضًا. ليس كل طفل يولد في بيئة مباركة.
عدم قدرة إيلين على حبّ تيتانيا ليس ذنبها.
حتى لو لم تكن “تيتانيا” التي نشأت في القصر تعرف ذلك، أنا، التي أدركتُ حياتي السابقة، أعرف الآن.
“…لذا، أريدكِ أن تخبري والدتي أنّها يمكن أن ترتاح الآن. هذا هو طلبي الوحيد.”
تجمّد وجه بيبي.
“لذا، كل شيء سيكون على ما يرام.”
انعكس وجهي، الذي كنتُ أجبر نفسي على الابتسام فيه، في عيني بيبي. وجهٌ شاحب كأنّه على وشك الانهيار.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"