الفصل 13
نعم، لا بدّ أنّ رايموند أخطأ في شيء ما. فهو، على أيّ حال، الرّجل المهذّب الذي لم يتعامل كثيرًا مع النّساء، أليس كذلك؟ —على الرّغم من أنّ رايموند، العريس الأوّل في المجتمع، تعامل مع عدد أكبر من النّساء مقارنة بريسيانثوس—.
لم يتفاجأ ريسيانثوس عندما استقبلته تيتانيا بطاعة.
لم يتفاجأ عندما لم تسأل “لماذا أنتَ هنا بدلًا من رايموند؟”، وبدلًا من ذلك جلست بأناقة عند الطّاولة تتظاهر بشرب الشّاي.
حتّى تجاهلها المتعمّد لاستفزازاته، رغم أنّها كانت غاضبة بالتأكيد، لم يفاجئه.
لكن…
“…لأنّني سكبتُ الماء على النّار، فمن الطّبيعيّ أن تنطفئ!”
منذ أن سكبت الشّاي على الغصن المشتعل بدلًا من ريسيانثوس نفسه، شعر بشيء غريب.
تلك العينان الخضراوان الماكرتان اللتان تنظران إليه، وكأنّهما تسألان “ما المشكلة؟”
بسبب ضجيج مساعد رايموند الذي كان يردّد أنّ “الأميرة غريبة”، ظنّ ريسيانثوس أنّ الشّجرة التي ضربت رأسها بها ربّما تحمل شيئًا مميّزًا، فكسر غصنًا منها فعلًا.
وفي تلك اللحظة، أراد أن يزعجها… فاستخدم قوّة أكبر من المعتاد.
النّار التي يشعلها عادةً هي نار عاديّة بحدّ ذاتها، يمكن لأيّ شخص إطفاؤها.
لكن النّار التي أشعلها بقوّة زائدة لا تنطفئ بسهولة، حتّى لو سُكب عليها الماء أو دُفنت تحت التّراب، فإنّ شرارتها تبقى مشتعلة لعشرات الدّقائق.
عندما أشعل النّار في الغصن، أدرك فجأة أنّه أخطأ.
فكّر أنّ إظهار “القوّة” في القصر الإمبراطوريّ ليس بالأمر الصحيح. وعلى الرّغم من أنّها بدت مجرّد نار حمراء عاديّة من الخارج، إلّا أنّه استخدم قوّة زائدة، فلم تكن نارًا يمكن إطفاؤها بسهولة.
ما لم يكن الشّخص يملك نفس القدرة، من الصّعب معرفة مقدار القوّة المستخدمة، لذا كانت مثاليّة لإزعاج الخصم.
لكن فجأة، شعر بالقلق.
هل سيوبّخه أخوه؟ ربّما يجب أن يطفئها فورًا ويتظاهر بأنّ شيئًا لم يكن؟
…لكن، بكميّة ماء من كوب شاي واحد رمتها الأميرة، انطفأت النّار في لحظة.
هذا مستحيل. لم تكن النّار زرقاء، لكنّها كانت نارًا مضغوطة بقوّة كبيرة.
لا يمكن أن تكون الأميرة قد أدركت قوّة حاكم الآن.
وحتّى لو أدركتها، لا يمكن أن تستخدمها بسهولة ويسر كهذا.
فكيف أطفأت النّار بمجرّد كوب شاي واحد؟
وعلاوة على ذلك، كان تصرّفها معه بأسلوب متعمّد ومبالغ في الأدب، وكأنّها تتعامل مع طفيليّ مزعج، أمرًا أكثر غرابة.
كانت تيتانيا دائمًا ترتجف غضبًا عند رؤية ريسيانثوس.
لكن تيتانيا الآن كانت تتصرّف وكأنّها تتعامل مع شخص مزعج.
اختفى كبرياؤها التي كانت تعتزّ بها، فأكلت السّكون بيدها العارية، واستلقت دون اكتراث.
لو كان الأمر يقتصر على هذه الأشياء، ربّما لم يكن ذلك مفاجئًا.
لكن عندما رأت تيتانيا محتويات الظّرف الذي أعطاه إيّاها والده، تغيّرت نظرتها فجأة إلى برود مخيف.
بدت غارقة في التّفكير وهي تحسب نقوش الدّبوس وتلمس الأشياء بأطراف أصابعها.
والأكثر من ذلك، بدت وكأنّها أدركت فورًا ماهيّة البطاقة عندما رأت الرّسالة.
تفاجأ ريسيانثوس وهو يراقبها.
كان يعتقد أنّه حتّى لو أعطاها والده تلك البطاقة، فإنّ ذلك مبالغ فيه.
هل ستعرف حتّى ما هي؟ ألن تشتكي أو ترميها لأنّها شيء غريب؟
ماذا لو احتجّت “حانة هيكاتي” لأنّهم تركوا هذه البطاقة الثّمينة تُرمى؟
رسوم استخدام “حانة هيكاتي” باهظة، وهويّتها سريّة.
كان أسياد العائلات النّبيلة العريقة في الإمبراطوريّة ينقلون هذه المعلومة سرًّا إلى خلفائهم عند تسليم مناصبهم.
لم يكن أحد يعلم، لكنّ المنظّمة كانت مرتبطة بدم عائلة الدوق كاستراين.
لذا، كانت ودودة مع عائلة الدوق كاستراين، لكنّها لم تكن كذلك مع الآخرين.
لكن عندما تلقّت تيتانيا تلك الأشياء، فاجأت ريسيانثوس بسؤالها عن التّفاصيل.
كانت كمن يتحقّق من وثيقة معاملة عاديّة. هذا ما أذهله.
“انقل شكري إليهم.”
كانت عيناها غارقتين في التّفكير.
عينان لا يمكن تخيّلهما على الإطلاق كعيني “تلك” تيتانيا.
عينان تحسبان شيئًا عميقًا وبعيدًا جدًّا.
كان ذلك مذهلًا وغريبًا في الوقت ذاته.
من هذه المرأة؟
“أنتِ تيتانيا، صحيح؟”
تيتانيا التي يعرفها أنانيّة، غبيّة، تفتقر إلى الحسّ السليم.
مهووسة برايموند إلى حدّ الموت…
طفوليّة وصبيانيّة لدرجة أنّه لم يستطع تحمّل رؤيتها…
في تلك اللحظة بالذات، رفعت تيتانيا رأسها ونظرت إلى ريسيانثوس.
كانت نظرة غريبة.
رطبة وباردة كالطّحلب على شاهد قبر.
حتّى الآن، كان ريسيانثوس يعتقد أنّ تيتانيا جميلة، لكن جمالها كان عديم الفائدة.
الدّمية، مهما تصرّفت بجمال، تبقى دمية.
لكن تيتانيا الآن بدت كشخص آخر تمامًا. كتمثال في معبد، شعر بغرابة.
شعرها الأشقر الفاتح، كأنّه منسوج من الصّقيع على حقل قمح بعد الحصاد، كان يتأرجح كحجاب.
عيناها الخضراوان، كزيتون يطفو فوق كأس مسموم، لمعتا بنقاء.
“لا. تيتانيا ماتت.”
ثمّ ابتسمت، كأنّها تمزح.
“لذا، من تتعامل معه الآن هو شبح تيتانيا.”
* * *
في تلك اللحظة، رأى ريسيانثوس مشهدًا غريبًا.
كان كلّ شيء مغطّى بالدّم.
“هو”، متجاهلًا الألم النّاتج عن الحرارة العالية، أمسك مقبض السّيف مجدّدًا.
كان المكان زلقًا، ساخنًا، ورطبًا. حتّى التّنفّس كان صعبًا.
“آه، آه، لم أقصد ذلك!”
أمامه…
كانت امرأة تصرخ باكية.
شعرها الطّويل كان مقطوعًا بشكل فوضويّ من جهة، وأطرافها التي تتلوّى تحمل آثار جروح واضحة.
كانت تزحف على الأرض، وجسدها المبلّل بالدّم يرتجف، كما لو أنّها تحاول الهروب.
سمع نفسه يطحن أسنانه ويلفظ شتيمة وهو يراقبها.
“أقسم، لم أكن أعلم أنّه سمّ! أنا فقط…”
“لا تمزحي.”
توقّفت ذراعه التي كانت تهمّ بتلويح السّيف دون تردّد تجاه خصم غير محميّ.
كان قد استخدم قوّة كبيرة، حتّى إنّ عروق ذراعه بدت واضحة.
“لم تعلمي أنّه سمّ؟ أيتها الغبيّة.”
“…”
“حتّى لو كان سمًّا، لم يكن ذلك يهمّك، أليس كذلك؟ بل، ربّما لم تكوني في حالة ذهنيّة لتفكّري في ذلك؟ أنتِ، تريدين أن يختفي كلّ ما يحبّه رايموند من هذا العالم، أليس كذلك؟ ألا تريدين أن يكون العالم مكوّنًا منكِ ومن رايموند فقط؟”
“لا، لا، ليس كذلك…”
“لا تمزحي.”
القتل رحمة كبيرة. الحياة هنا أصبحت أسوأ من حياة الحشرات.
قال وهو يدقّ المسمار الأخير، كمن أدرك ذلك:
“أنتِ بذرة فاسدة من جذورها. حتّى لو متّ ووُلدتِ مجدّدًا، مهما حدث، لن تحصلي أبدًا على حبّ رايموند.”
اتّسعت العينان الخضراوان المذهولتان. تجمّد وجهها، الملطّخ بالدّموع والرّماد والدّم، كما لو أنّه محنّط.
اعتقد أنّ الأمر مضحك.
كانت خصمًا خسر كلّ شيء. لم يعد لديها شيء.
الصراخ عليها الآن مجرّد تنفيس. العقل المدبّر الحقيقيّ كان يضحك من بعيد في هذه القضيّة أيضًا.
كانت غبيّة جدًّا، لدرجة أنّها لم تعلم أنّها استُخدمت كأداة، وسحبت نفسها إلى هذه الحالة.
كان يحتقرها بصدق، لكن حتّى بعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحدّ، كان تصرّفها عند سماع اسم “رايموند”…
غير ممتع.
كيف يمكن لإنسان أن يكون غبيًّا إلى هذه الدرجة؟
كان هناك غضب يغلي في صدره، لا يمكن تهدئته بأيّ شيء.
“لو لم تكوني موجودة من الأساس، لكان ذلك أفضل بكثير لرايموند!”
طقّ.
سُمع صوت كأنّ شيئًا ما قد استقرّ في مكانه.
* * *
“لماذا تبدو مشتّتًا هكذا، يا سيّد ريسيانثوس؟”
“…”
رمش ريسيانثوس بعينيه المذهولتين.
ما الذي رأيته للتوّ؟ ما…
تداخلت صورة المرأة التي كانت تبكي ومغطّاة بالدّم مع صورة الفتاة التي تنظر إليه بعينين متعجّبتين أمامه.
بالتأكيد، كانتا متشابهتين في المظهر.
المرأة التي كانت تبكي في حالة يرثى لها، مغطّاة بالأوساخ، كانت تملك شعرًا أشقر فاتحًا وعينين خضراوين، وإن كانتا غامضتين.
لكنّه لم يستطع أبدًا أن يعتبرهما الشّخص نفسه.
كما لو أنّ كلّ ضوء في العالم قد سُلب منها…
بينما كان غارقًا في شعور غريب وغير قادر على استعادة رباطة جأشه، استمرّت تيتانيا في استجوابه.
“هل هناك شيء آخر نقلته عن الدّوق كاستراين؟”
“نعم.”
“إذن، أتيتَ فعلًا فقط لتسليم أغراض الصّفقة؟”
هل كان يأمل، بعد أن ظنّ أنّها تغيّرت، أن يأتي رايموند بنفسه؟
بينما كان الغضب يتصاعد فجأة وهو يفتح فمه ليتحدّث بنزق، قالت تيتانيا.
“إذن، قبل أن تذهب، لمَ لا تلعب دور الكلب المجنون قليلًا؟”
“…ماذا؟”
ابتسمت تيتانيا ببراءة كطفل يخطّط لمقلب سيّء.
يقسم ريسيانثوس أنّه لم يرَ وجهها بهذا القدر من البهجة من قبل.
“لنجعل الجميع لا ينسون ما يحدث عندما نلتقي. لنُحدث فوضى!”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"