1
المجلد الأول| التحضيرات لدخول الأكاديمية
Vol.1 Ch.001: هونغيارابوبو
مونيكا إيفاريت كانت مستلقية على مكتبها، غارقة في نومٍ هادئ، قلم في يدها اليمنى وكومة من الأوراق في يدها اليسرى.
استيقظت على وهج الصباح المتسلل عبر نافذتها، الذي اختلط برائحة الحبر العالق على أطراف أصابعها.
يبدو أنها قد أغفلت سحب الستائر، وانزلقت مرة أخرى في أحضان النوم العميق.
كما هو معتاد، حين تغرق مونيكا في حساباتها وأبحاثها، تتلاشى تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة، وكأنها غير موجودة. فشلها في إغلاق الستائر لم يكن إلا دليلًا على انغماسها المطلق في عملها منذ الفجر حتى غلبها النعاس في الليلة السابقة.
جلست ببطء، عيناها مثقلتان بأثقال النوم، وفركت جفنَيها، لتلاحظ خطًّا من الحبر على جانب يدها. أثار فضولها، فرفعت يدها إلى خدها لتكتشف الرسوم نفسها، وكأنها مرآة انعكست عليها من الورقة التي كانت تكتب عليها. وفي تلك اللحظة، دوّى صوت صاخب من فوقها:
“مونيكا! أنتِ في ورطة عظيمة! نقش غريب يزين وجهكِ! لا بد أن تكون لعنة التنين الأسود… ضحايا هذا الوباء الشرير سيحملون هذه الرموز على أجسادهم بأكملها، وسينامون أخيراً بعد ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ! لقد صادفتُ هذا في كتابٍ قديم!”
رفعت مونيكا رأسها ببطء نحو مصدر الصوت، تلمّحت عيونٌ ذهبية تتلألأ في الظلام بين عرائض السقف. رمشت مونيكا مرارًا، وشيئًا فشيئًا تعوّدت عينها على سواد المكان، حتى بدأت تدريجيًا تتكشف أمامها ظلال قط سوداء، مدمجة في العتمة وكأنها خُلقت من الليل نفسه. ذلك قط كان نيرو.
“…نيرو، أنها ليست لعنة”
أظهرت الورقة التي كانت تكتب عليها الصيغة، ورفعتها بجانب وجهها. مقارنةً بخدها، بدا واضحًا أن الحبر منسدل عليها فقط من كتابتها السابقة، وأن كل هذا الضجيج مجرد وساوس.
وبينما كانت ترفع الورقة، قفز نيرو برشاقة من عرائض السقف إلى مكتبها. لم يكن نيرو قطًا عاديًا، بل رفيقها السحري، يمتلك قدرة على فهم الكلام البشري، وكان مؤخرًا قد أبدا أعجابًا بالروايات الترفيهية، بينما كانت مونيكا تكافح مع صيغها المعقدة.
نظر إليها من على المكتب، مبتسمًا بسخرية، وقال:
“ذكاؤكِ فعلاً ناقص…”
ثم أضاف بلهجة تمزج المزاح بالجدية:
“يُقال إن لعنة التنين الأسود تُرفع بقبلة من أمير. هل تريدين أن أجربها عليكِ؟”
تنهدت مونيكا، متظاهرة بالجدية:
“أنت لست أميرًا نيرو… ممم… أظن أنني سأغسل وجهي أولاً…”
* * *
دارت مونيكا خلف المنزل، تحمل جسدها الصغير بجد إلى البئر لسحب الماء.
رغم التقدم الكبير في تكنولوجيا السباكة، ليس في المراكز الحضرية فحسب بل في القرى الريفية أيضاً، بقي هذا الكوخ المنعزل وسط الجبال خالياً من المياه الجارية، كما يُتوقع المرء.
في البداية، وجدت مونيكا، التي تربت في مدينة، هذا أمر مزعجاً، لكنها تكيفت تدريجياً مع بيئتها الحرجية. كان الهدوء والعزلة جذابين بشكل خاص لها.
بعد الحصول على دلو ماء للشرب، عادت مونيكا إلى الكوخ، ووقعت عيناها على شكل متكوّر في زاوية.
بناءً على اقتراح طيب لتحسين مظهرها، اشترت مونيكا على مضض طاولة الزينة، وهي إضافة فاخرة إلى مسكنها المتواضع.
على عكس المرايا المصنوعة من البرونز المصقول، كانت هذه المرآة الرائعة مصنوعة من زجاج مطلي بالقصدير، مرآة طولية للغاية، إنها تحفٌ باهظة الثمن. لو اقتحم لصٌ الكوخ، لكانت هذه المرآة جائزته بلا شك.
انعكست في سطحها البراق، فتاة هزيلة ضئيلة الجسم، ذات شعر أشعث. رغم إعلانها سن سبعة عشر عاماً، كان جسدها النحيل يحمل شحوب الموتى.
شعرها البني الفاتح، المنسوج في ضفيرتين، كان جافاً وباهتاً كحزمة قش. تحت غرةٍ نامية، كانت عيناها محاطتين بهالات قاتمة، شاهدة على ليالٍ قلَّ فيها النوم. وعند نظرة خاطفة، أدركت مونيكا أنها بالكاد أغلقت جفونها ليلة أمس.
كوب قهوة ضروري على الأقل لتنقية عقلها المشوش.
أخرجت مونيكا علبة حبوب القهوة من مكتبها، التي كانت مدفونة نصفها تحت كومة الأوراق، وألقتها بلا مبالاة في المطحنة، كأنها تفصل نفسها عن كل شيء سوى رائحة القهوة المنتظرة.
أدارت مونيكا المقبض بحزم، متأكدة من ضبط الطحن على أدق مستوى.
على المكتب، راقبها نيرو بفضول، مستمتعًا بحركتها الدقيقة واحترافها الصامت.
“لطالما تساءلت… لماذا يغامر من لديهم معدة حساسة بتناول أطعمة كهذه؟ تلك الحبوب… هل تُحمص حتى تكتسب سوادها؟ يبدو لي طعمها مُرًّا للغاية. هل يستسيغها الناس؟”
“إنها لذيذة,” أجابت مونيكا بهدوء، وهي ترفع الإبريق المعدني بين يديها.
كان إبريق القهوة طويلًا ورفيعًا بشكل غير مألوف، مقسومًا عند المنتصف بعناية. سُكب الماء في الحجرة السفلية، ثم وُضع قمع مزوّد بفلتر معدني عليها، وأضيفت حبوب القهوة المطحونة ناعمًا لتكوّن طبقة متماسكة، قبل أن يُثبت الجزء العلوي بإحكام على السفلي.
رفعت مونيكا الإبريق، ووجّهت انتباهها إلى المدفأة الحجرية البدائية. بحركة معصم مدروسة، اندلعت لهب رقيق داخل الفرن، لم تكن نار الحطب التقليدية، بل لهب طويل وهادئ، نابع من تعويذة صاغتها يدها ببراعة.
وضعت مونيكا الإبريق على النار، ثم أخذت حفنة من المكسرات من البرطمان شبه الفارغ وأدخلتها إلى فمها، مستمتعة بالقرمشة الصغيرة بينما بدأ عبير القهوة يملأ المكان.
اقتربت نهاية الصيف، وبعد شهر ستغمر الغابة بالمكسرات، وحينها ستستدعي مونيكا نيرو لمساعدتها في جمعها.
وبينما كانت تتأمل ذلك بتشتت، بدأ الإبريق المعدني على النار يصدر صوت غرغرة خافتة. بحركة سريعة، أطفأت مونيكا اللهب وسكبت محتويات الإبريق في كوب معدني.
في مملكة ريديل، كانت القهوة مشروبًا نادرًا. لا تتجاوز عدد المقاهي في العاصمة حفنة، وغالب مرتاديها من الرجال، بينما تميل النساء إلى الشاي الأسود.
حب مونيكا للقهوة لم يكن مجرد ذوق، بل إرث من والدها الراحل. فقد صمّم هذا الإبريق المعدني خصيصًا بطلب منه، على يد حرفي ماهر، وأصبح اليوم تذكارًا ثمينًا منه.
نفخت مونيكا على الكوب وتذوقت محتوياته بحذر. رغم مرارته، كان طعمه نقيًا ومركزًا، وقدرته على طرد النعاس فورًا كان واضحة.
“مونيكا، أريد تذوق ذلك المشروب!” توسل نيرو، وهو يدور حول المكتب بعينين متلهفتين.
سكبت مونيكا القطرات الأخيرة من القهوة على ملعقة وقدمتها إلى نيرو.
كانت تعلم أن تقديم القهوة لقط أمر غير صحي، لكن نيرو لم يكن قط عادي، فكان احتمال الضرر ضئيلاً… أو هكذا اعتقدت.
“لقد قلتُ إنها مرّة.”
“كما تعلمين، أي كائن واعٍ يتخلى عن فضوله وميله للمغامرة محكوم عليه بالانحدار.”
“…هل هذا ما جاء في الكتاب؟”
“تمامًا، أعمال داستن غونثر. أنا مولع بها بشكل خاص.”
بينما ارتشف نيرو القهوة من الملعقة، ذكر اسم أحد الروائيين البارزين في العاصمة، وفجأة انتصب كل شعرة في جسده، وعيناه اتسعتا بدهشة.
“هونغيارابوبو—!”
(صورة)
أطلق نيرو صوتًا غريبًا، ليس إنسانًا ولا قطًا، وتدحرج على المكتب، وكما كان متوقعًا، لم تُناسب القهوة ذوق نيرو.
أخذ نفسًا متقطعًا، كالمحارب العائد من حافة الموت، ونظر إلى مونيكا.
كانت النكهة مُحفِّزة للغاية لبراعم تذوقه المغامرة. “لا بد أن حاسة التذوق لديكِ مُختلّة لتتحمّلي مشروبًا كهذا.”
“……”
كان الحليب والسكر سيزيدان الطعم إغراءً، لكنهما كانا سلعتين ثمينتين على الجبل. فجأة، تذكرت مونيكا أن اليوم هو موعد التسليمات الشهرية.
بخجلها ونفورها من التسوق، كانت مونيكا تعتمد على قروي سفح الجبل لتوصيل الطعام والمؤن إليها. ربما يمكنها الحصول على الحليب بهذه الطريقة، أما السكر الأبيض المكرر فكان شبه مستحيل، لكن العسل كان متاحًا نسبيًا، إذ كانت تربية النحل شائعة في المنطقة.
مزيج العسل والقهوة مسألة تفضيل شخصي، ولكنه على الأرجح سينال إعجاب ذوق نيرو أكثر.
بينما كانت تنظف وعاء القهوة، سمعت طرقًا على باب الكابينة.
“مونيكا، لقد وصلت مع مؤنكِ!”
“زائر. ربما عليّ أن أتقمص شخصية قطة… مواء.”
“جيد جدًا.”
أومأت مونيكا إلى نيرو، ثم فتحت الباب بتردد. أمام المدخل كانت تقف عربة، وبجوارها فتاة صغيرة لا تتجاوز العشر سنوات.
كانت فتاةً مفعمة بالحيوية، بشعر بني داكن مربوط عند مؤخرة رقبتها. هذه الفتاة من قرية قريبة، واسمها آني، وكانت المورد الدائم لمونيكا.
أطلّت مونيكا من خلف الباب وقالت: “مرحبًا”، وارتسم التوتر على وجهها. اعتادت آني على سلوك مونيكا، وبعد أن أنزلت البضائع من العربة، دفعتها برفق وفتحت الباب.
“دعنا ننقل أغراضكِ إلى الداخل. يمكنكِ مساعدتي في فتح الباب.”
“حسنًا…”
أومأت مونيكا بعصبية، وحملت آني البضائع بسرعة إلى الداخل.
كان كوخ مونيكا خاليًا من الأثاث تقريبًا، لكن الطاولة والأرضية مليئتان بأكوام من الأوراق والكتب، ما جعل المشي صعبًا. حتى سريرها كان مغطى بالأوراق، مما جعله غير صالح للنوم، فاعتادت مؤخرًا على النوم على كرسي.
“هل يمكنني التخلص منها؟”
“ك-كلها مهمة!”
نظرت آني إلى كومة الأوراق المتناثرة على الأرض بعينين متسائلتين.
“انظري… هذه معادلات، أليس كذلك؟ ما الذي تحاولين حسابه بالضبط؟”
كانت آني ابنة حرفي، نشأت على القراءة والكتابة، وكانت بارعة في الرياضيات. ورغم أن عمرها لم يتجاوز العشر سنوات بقليل، إلا أن ذكاءها كان حادًا مقارنةً بأطفال في سنها.
ومع ذلك، لم تتمكن آني من فهم محتويات الأوراق، واكتفت بملاحظة أنها مغطاة بالأرقام والرموز.
استدارت مونيكا لتجيب، متجنبة الاتصال المباشر بعيني آني.
“حسنًا… هذه صيغة لحساب مدارات النجوم.”
“وماذا عن هذا؟ هذه الأوراق تحمل أسماء العديد من النباتات.”
“إنه… يستخدم لحساب وتصنيف خلطات الأسمدة للنباتات.”
“وهذه؟ هل هي حروف سحرية؟ تشبهها إلى حد ما…”
“إنها صيغة جديدة لسحر معقد، اقترحته البروفيسورة مينيرفا.”
اتسعت عينا آني، وهي تعبث بأكمام ردائها الضخم وهمست لمونيكا:
“وصفة سحرية؟ هل أنتِ قادرة على السحر يا مونيكا؟”
“حسنًا… هذا…”
تلعثمت مونيكا، وتنقلت نظراتها يمينًا ويسارًا بلا ثبات.
نيرو، الذي كان يتظاهر بالنوم على الرف، أطلق مواءً خافتًا، كأنه يقول: “مهلًا… هل أنتِ بخير؟”
وبينما كانت مونيكا تتحرك بلا توقف، وتعجن أصابعها بعضها ببعض، سعلت آني بخفة ثم ضحكت.
“بالطبع، من المستحيل أن تمتلكِ قدرات سحرية. لو كنتِ قادرة على ذلك، لما كنتِ تعيشين في عزلة بين الجبال، بل كنتِ تعملين في العاصمة.”
السحر، من خلال تطبيق أساليب محددة، يمكّن المرء من تسخير ظواهر معينة لإحداث تأثيرات غير عادية.
في السابق، كانت هذه التقنية سرية ومحصورة في الطبقة الأرستقراطية، لكن السنوات الأخيرة شهدت اتساعًا في إمكانية تعلمها لعامة الناس.
مع ذلك، للدخول إلى الأكاديمية ودراسة التعاويذ السحرية، كان يتطلب الأمر مستوى معينًا من الثروة أو الموهبة، مما يجعلها بعيدة عن متناول الشخص العادي.
في الواقع، كان يُعتبر أن يصبح الشخص العادي ساحرًا إنجازًا استثنائيًا.
على سبيل المثال، يمكن لساحر رفيع المستوى الحصول على وظيفة في فيلق السحرة، وهو الطريق المهني الأكثر شيوعًا بين السحرة. أما الساحر متوسط الرتبة فما فوق، فيمكنه العمل في مؤسسة متخصصة بأبحاث السحر، أو خادمًا لدى إحدى العائلات النبيلة.
حتى لو رغب المرء أن يكرّس حياته للبحث، لكان من المنطقي أن يفعل ذلك في العاصمة الملكية حيث تتوفر المرافق المتقدمة، لا في كوخ متداعٍ في أعماق الجبال كهذا.
كانت آني محقّة؛ فمونيكا التي تعيش في عزلة داخل كوخ خشبي متواضع، لا يبدو عليها مطلقًا أنها ساحرة.
“أتعلمين يا مونيكا؟ قبل ثلاثة أشهر، هاجم تنين الحدود الشرقية!”
ارتجفت كتفا مونيكا تحت عباءتها، وفي اللحظة نفسها فتح نيرو، الذي كان يتظاهر بالنوم على الرف، إحدى عينيه. كان ذيله المتدلي يهتز ببطء كرقّاص ساعة.
“لقد هبط سرب من التنانين المجنّحة على إحدى القرى! يُقال إن عددهم تجاوز العشرة!”
وكما يدلّ اسمها، فإن التنانين المجنّحة هي كائنات تشبه التنانين إلى حد ما، وإن كانت أدنى منها مرتبةً وأضعف ذكاءً. ومع ذلك، فإنها تصبح شديدة الشراسة إذا هاجمت في مجموعات، وغالبًا ما تُغير على الماشية، بل سُجّلت في السنوات الأخيرة حالات هاجمت فيها البشر بدافع الجوع.
“لكن الأمر لا يتوقف هنا! الأسود الأسطوري! ورغان، التنين الأسود الشهير، ظهر معهم!”
من بين جميع التنانين، تُعدّ تلك التي تحمل اسمًا لونيًا الأعلى رتبة والأخطر على الإطلاق. وأشدها رهبة هو التنين الأسود. اللهب الذي يزفره، المعروف بـ اللهب الأسود، يُقال إنه نارٌ من عالم آخر، تخترق ببساطة الحواجز السحرية التي يقيمها حتى كبار السحرة. وما إن يبدأ التنين الأسود في الهياج، حتى يُقال إن ممالك بأكملها احترقت عن بكرة أبيها.
“لكن لا تقلقي!” تابعت آني بحماس يلمع في عينيها. “لقد أُرسل فرسان التنانين لمواجهته، وانضم إليهم أحد الحكماء السبعة! أتعرفين الحكماء السبعة؟ إنهم أقوى سحرة في المملكة! على أي حال، إنها ساحرة المعجزة!”
“…أوه.” تمتمت مونيكا.
“إنها أصغر الحكماء السبعة سنًّا، تُدعَى الساحرة الصامتة! لقد أسقطت جميع التنانين المجنّحة وحدها… بل قتلت أيضًا التنين الأسود ورغان!”
في قرية ريفيّة معزولة، كان مثل هذا النوع من القيل والقال يُعدّ ضربًا من التسلية النادرة، بل ترفًا لا يُستهان به.
كانت عينا آني تتلألآن حماسًا، كمن تحكي أسطورة شاهدتها بأمّ عينيها… أما مونيكا، فكان وقع الكلمات عليها مغايرًا تمامًا. لم تشعر بالإثارة، بل بالغثيان يتصاعد في صدرها.
“الساحرة الصامتة هي الوحيدة في العالم التي لا تستخدم التعاويذ!” تابعت آني بحماس جامح. “الساحر العادي يحتاج إلى ترنيمٍ قبل الإلقاء، لكن الساحرة الصامتة… لا حاجة لها بكلمة واحدة! تطلق سحرًا مهولًا بصمت تام!”
ضغطت مونيكا على معدتها دون أن تجيب، وقد أحست وكأن خنجرًا لُفّ حول أحشائها وأُحكم شده.
رغم أن الصباح كان صيفيًا دافئًا على نحو لطيف، إلا أن العرق كان يتصبب من جبينها كما لو أنها تقف في قلب فرن.
“كم أتمنى لو أرى أحد الحكماء السبعة مرة واحدة فقط…” همست آني بحلم طفولي صادق.
نادراً ما يُصادف أهل الريف ساحرًا، فكيف بأحد الحكماء السبعة؟ ربما كان ذلك السبب في شغف آني المحموم بالسحر.
تكوّرت يد مونيكا حول بطنها بألم، ثم مدت يدها أخرى إلى الرف وأخرجت كيسًا جلديًا صغيرًا. حركته برفق حتى أحدث خشخشة معدنية، ثم استخرجت منه بضع عملات فضية، وقدمتها لآني مقابل المؤن.
“شكرًا… لكِ دائمًا… على جلب هذه الأشياء لي…” قالت مونيكا بصوت خافت وهي تضع العملة في يد الفتاة.
نقرت آني بطرف إصبعها على العملات وعدّتها بعناية، ثم مالت برأسها مستغربة.
“أنت تعطينني أكثر من المعتاد. هذه العملة وحدها تعادل ضعف قيمة ما أحضرته إليكِ تقريبًا.”
“ما دمتِ أنتِ من قامت بإيصالها… فيمكنكِ الاحتفاظ بالباقي… كمصروف لكِ يا آني.”
لو كانت طفلة أخرى، لأخفت العملات على الفور في جيبها وهي تكتم ابتسامة منتشية؛ لكن آني كانت أذكى من ذلك بكثير.
رفعت بصرها إلى مونيكا متفحصة، وقد ارتسم في عينيها سؤال لم تستطع كبته.
“ما نوع العمل الذي تقومين به يا مونيكا؟”
“أمم… المحاسبة؟” تمتمت مونيكا على نحو مبهم.
“أأنتِ أستاذة رياضيات إذن؟”
“أظن… أن الأمر يشبه ذلك… إلى حدٍّ ما… نعم.”
كانت الأوراق المكدسة في الكوخ تشهد على ما هو أكبر من مجرد محاسبة؛ فإلى جانب حساب مدارات النجوم وخلطات الأسمدة، كانت هناك سجلات تتعلّق بالتركيبة السكانية، وأخرى لإيرادات الضرائب، وثالثة لمبيعات السلع… أرقام متداخلة ومتفرقة في فوضى لا يفهم ترتيبها إلا مونيكا وحدها.
ويبدو أنّ آني اقتنعت – مؤقتًا – بعذر “أستاذة رياضيات.”
“همم، إذًا الشخص الذي جاء لقريتنا أمس… هو أيضًا أستاذ رياضيات.”
“…هاه؟”
“جاء رجل يقول إنه زميلك، وكان يبحث عن منزلك، فدللته على الطريق. أعتقد أنه سيصل في أي لحظة.”
زميل.
عند سماع الكلمة، بهت وجه مونيكا كمن سُحبت منه الدماء.
سألت آني بصوت متهدّج، وقد بدأت ترتجف تحت ردائها الفضفاض:
“مممم-م-م… هـــل… هــو… ذلك النوع من الأشخاص؟”
“إنّه يشبهني تمامًا.”
جاءها الرد من خلفها بصوت واضح رنان.
تسارعت نبضات قلبها كطبول حرب. التفتت ببطء، لترى رجلاً ذا شعر كستنائي لامع مضفّر، يتكئ على الباب بابتسامة واثقة. وبجانبه امرأة شقراء فاتنة ترتدي زيّ خادمة تقليدي.
كان يرتدي معطفًا فاخرًا، ويحمل عصا أنيقة، ويضع على عينه عدسة أحادية. في كل شبر منه، كان يبدو كنبيل متأنّق… بملامح رقيقة كافية لإسقاط نصف نساء العاصمة صريعات الغرام.
لكن بالنسبة لمونيكا، لم يكن سوى وحش مرعب، أشبه بتنين أسود يزحف نحوها.
اتسعت عيناها وجاهدت لتكتم صرخة:
“آآ– آآآ– لو-لو-لو… لويس… س–سان… هــيييك…!؟”
تنهد الرجل بخفة:
“أرجوك، كفّي عن اختراع ألقاب غير لائقة مثل لو-لو-لو لويس.”
“هــيييك– أنا آسفة! أنا آسفة!”
التفت لويس إلى آني مبتسمًا، غير مكترث بمونيكا المتجمدة في مكانها، ثم أمسك بيد الفتاة ووضع فيها قطعة حلوى ملفوفة بورق ملون.
“شكرًا لإرشادي، آنسة. لقد كنتِ عونًا لا يُقدّر بثمن.”
“يشرفني ذلك.”
انحنت آني برشاقة مبالغ فيها – كأنها تحاكي سيدات البلاط الملكي – ثم خبأت الحلوى في جيبها بعناية.
“حسنًا، لن أُطيل عليكِ أكثر. أراكِ في الشهر القادم، يا مونيكا!”
وغادرت بخفة خطوات لم تعهدها فيها من قبل، كما لو أن ملامسة يد رجل وسيم نقلتها إلى سنّ المراهقة قبل أوانها.
راقبتها مونيكا حتى توارى صوت العربة في البعيد، ثم التفتت ببطء نحو الرجل الواقف أمامها، والدموع تتجمع في عينيها رغمًا عنها.
كان معطفه الفاخر في الحقيقة عباءة ساحر طويلة، والعصا في يده عصا سحرية رفيعة الصنع، أما تلك المرأة الهادئة خلفه فلم تكن خادمة… بل روحًا متعاقدة.
“لقد مضى زمن طويل… لويس-سان.”
ما إن همست باسمِه بصوت متهدج، حتى وضع يده اليمنى على صدره وانحنى بانسيابية راقية.
“بالفعل… لقد مر وقت طويل، يا آنسة مونيكا إيفاريت – الساحرة…”
نهاية الفصل…
ترجمة: يوكي
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 4 - Vol.1 Ch.004 2025-10-18
- 3 - Vol.1 Ch.003 2025-10-18
- 2 - Vol.1 Ch.002 2025-10-18
- 1 - Vol.1 Ch.001 2025-10-18
- 0 - Ch.000 2025-10-18
التعليقات لهذا الفصل " 1"