ومع انحناءةٍ أنيقة وابتسامةٍ رقيقة، بدا على وجهها الهدوء التام، وكأن ما يجري لا يعنيها في شيء.
وحين ظهرت بهذه البهاء والاتزان، أصيب أفراد عائلة باتيل —الذين كانوا ينهشون اسمها– بالخرس لوهلة.
“أود أولًا أن أعتذر لعائلة آرسين وعائلة باتيل على هذا الموقف المؤسف. كل هذا تقصيرٌ مني أنا. كان يجب أن أحرص على ألا نصل إلى حدّ عقد اجتماعٍ كهذا.”
وبسلاسة وصدق، ألقت اعتذارًا جعل أصحاب الأصوات المرتفعة يتراجعون محرجين.
وما إن هدأت الأجواء قليلًا، انتقلت سيلينا مباشرةً إلى صلب الموضوع.
“أود أن أسأل من جديد. هل رغبة عائلة باتيل في فسخ الخطوبة نهائية؟”
وبينما تطرح السؤال، مسحت الابتسامة عن وجهها تمامًا.
“من الآن فصاعدًا…..إنها مواجهةٌ مباشرة.”
ظهرت بلا أي تعبير…..باردة، متعالية، كخنجرٍ حاد مصقول. فارتبك أفراد عائلة باتيل للحظة، ثم رفعوا أصواتهم مجددًا كي لا يظهروا ضعفاء.
“كيف يمكن التفكير بالزواج بينما سمعة الآنسة آرسين في الحضيض؟”
“حتى لو اعتذرت رسميًا للآنسة هايزل واستعادت سمعتها، فمورغان لم يعد قادرًا على تقبّل الزواج.”
“كيف نُجبره على الزواج دون حب؟”
وعندما بدا أن الاجتماع سيعود إلى الفوضى، تقدمت سيلينا خطوةً بوضوح،
“يكفي. فهمت آراءكم جيدًا. والآن أسأل سؤالًا آخر.”
وبعد أن حدقت في عيون كل فرد من عائلة باتيل، سألت:
“هل هناك من يساوي بين فسخ الخطوبة…..وإلغاء مشروع التجارة المشتركة؟”
“ماذا تعنين؟ كيف نتابع التجارة ونحن لا نتزوج؟”
“بالطبع الأمران مرتبطان! كيف تربط عائلتنا مصيرها بشخصٍ سمعتها بهذا السوء؟”
“يبدو أن المسؤولة الأولى عن الفوضى هي الآنسة نفسها. ما الذي تعتمدين عليه لتتكلمي بهذه الجرأة؟”
“كفى! إن كانت آنستنا قد أساءت فعلًا، فهاتوا الدليل واذهبوا بها إلى المحكمة الإمبراطورية!”
وعندما عاد الضجيج للاشتعال، نظرت سيلينا نحو الكونت آرسين، فأشار بشدّة.
“هدوء! ليصمت الجميع!”
“الآن…..أرجو منكم الإصغاء جيدًا. قدموا آراءكم بعد أن أنهي كلامي. واضح؟”
وحين خيّم الصمت، بدأت تتحدث بهدوء،
“تقولون أن مشكلتكم هي سمعتي…..لكن هذا تعاونٌ تجاري بين العائلتين، ولا يمكن أن يتحول أمرٌ شخصي إلى مسؤوليةٍ جماعية. فسيد العائلة الحالي ليس أنا، بل والدي. ولم يقل أحدٌ إنه سيسلمني منصب سيدة العائلة غدًا، لذا هذا ليس شأنًا عليكم القلق منه.”
“لكن…..أنتِ الوكيلة، ومن الطبيعي أن ترثي العائلة لاحقًا..…”
قاطعها رجلٌ ما، لكنه صمت فور أن رمقته بنظرةٍ حادة.
“أما بخصوص سمعتي…..فإصلاحها ليس صعبًا. لكن أسرع طريقة هي…..نعم، هذا هو الأنسب. فسخ خطوبتي من مورغان باتيل. ثم نمضي لإيجاد فرصةٍ أكبر وأكثر فائدة للعائلتين. ما رأيكم؟”
“ماذا…..ما الذي تخططين له؟”
“هل تقولين أنك موافقة على الفسخ الآن؟”
“نعم. أنتم من يطالب بفسخ الخطوبة، وأنا أوافق.”
في الحقيقة، كان سبب تحرك عائلة باتيل هو استياؤهم من أن حصتهم الربحية من المشروع أقل من حصة عائلة آرسين. فأرادوا استخدام ورقة فسخ الخطوبة للضغط والحصول على شروطٍ أفصل.
أما مسألة عدم رغبة مورغان، فقد كانت مجرد ذريعة؛ فزيجات النبلاء تبنى على المنفعة، لا على الحب.
وكان زواج مورغان وسيلينا هو الأساس الذي سيضمن تماسك المشروع التجاري بين العائلتين.
لكن بما أن سيلينا وافقت مباشرةً على الفسخ…..فقد فقدت عائلة باتيل ورقتهم الوحيدة، ولم يجدوا ما يقولونه.
“سيلينا، ما الذي تفعلينه؟”
سأل الكونت آرسين بقلق.
“أبي، لدي الكثير من العلاقات الجيدة من الأكاديمية. صحيحٌ أنهم أبناء عائلاتٍ عسكرية، وبالتالي نشاطهم الاجتماعي منخفض، لكنهم أصدقاء أوفياء يدعمونني حتى في الظروف السيئة. إن أخبرتني بالعائلة التي تراها مناسبة، فسأرتب فورًا لقاءً لمناقشة خطبةٍ جديدة. ولدينا عدة بضائع عسكرية ضمن منتجات قافلتنا التجارية، أليس كذلك؟ سيخدم ذلك مصالحنا أيضًا.”
“نعم…..هذا صحيح، لكن.…”
“إذاً أنتِ تقولين أنك ستفسخين الخطوبة مع عائلة باتيل لمجرد أن قافلة آرسين وحدها ستكسب؟”
وحين سألت عائلة باتيل بنبرةٍ مصدومة، سألتهم سيلينا ببراءة مصطنعة،
“ألم تكن عائلة باتيل هي من قال أولًا أن التعامل مع عائلة آرسين التي تضم شخصًا سيئ السمعة مثلي هو خسارة؟ وأنكم تريدون فسخ الخطوبة وفسخ العقد التجاري معها؟ هل فهمت شيئًا خطأ؟”
“لا، لكن مع ذلك…..كيف تقولين أمامنا مباشرةً أنكِ ستختارين خطيبًا جديدًا؟”
“أنتم من بدأ الحديث عن فسخ الخطوبة. وأنا فقط قلت أنني أوافق.”
وبدا على وجه سيلينا أنها حقًا لا تعلم ما الخطأ، فلم يجد أفراد عائلة باتيل ما يردّون به.
راقبتهم لثوانٍ بينما يخرج منهم صوت “يا للعجب..…” ثم تابعت،
“لكنني أرى أن التجارة المشتركة وفسخ الخطوبة أمران منفصلان. وإذا ارتبطت عائلتنا—عائلة آرسين—بأسرةٍ راقية أكثر، فسيعود ذلك بفائدةٍ عظيمة على شركائنا التجاريين…..أي عليكم. ولذلك، بعد فسخ الخطوبة…..سأخطب إلى عائلةٍ أعلى شأنًا.”
‘هذا يعني أن أرباحكم ستزيد!’
لكن أحدًا منهم لم يستطع قول هذا بصوتٍ مرتفع، فاكتفوا بعضّ شفاههم.
“وأنا أعلم أن الشاب مورغان باتيل يكرهني كثيرًا. أليس كذلك؟ لقد جاء وأخبرني بذلك بنفسه.”
“ماذا؟ قال لكِ ذلك بنفسه؟”
وتحوّل وجه الكونت آرسين إلى ظلامٍ دامس حين عرف أن أحدهم تجرأ على قول هذا لابنته الوحيدة.
“سمعت منه بنفسي. قال أنه صدّق شائعات المجتمع من دون أن يفحص حقيقتها…..وطلب مني أن أعيش حياةً صالحة، ثم غادر.”
وازداد وجه الكونت آرسين قسوةً، بينما تحول لون الكونت باتيل—والد مورغان—إلى الأبيض.
“بل قال لي بثقة أن هذا الفسخ هو أيضًا رغبة كبار العائلة. في هذه المرحلة…..أليس من حقي أيضًا أن أفكر في سعادتي بعد الزواج؟”
وحين ابتسمت سيلينا بخفة، أدرك أفراد عائلة باتيل أن الأمور بدأت تنقلب ضدهم تمامًا.
“لا يعقل! قال مثل هذا الكلام؟”
“يا له من وقح! كيف يجرؤ على التعامل مع عائلتنا بهذا الشكل؟”
“الرجاء الهدوء.”
وبكلمةٍ واحدة من سيلينا، هدأت عائلة آرسين فورًا.
“أكرر مرة أخرى…..أرى أن موضوع التجارة وموضوع الخطبة أمران منفصلان. صحيحٌ أننا سنفسخ الخطوبة بسبب سمعتي..…”
‘لكننا لم نقل أننا سنفسخ! ولم نتبادل حتى رموز الفسخ!’
شعرت عائلة باتيل بالغضب والاختناق، لكنهم لم يستطيعوا الرد.
“ولكي لا تشعر عائلة باتيل بخيبةٍ جديدة…..سأرتبط بعائلة راقية، وأستعيد سمعتي بسرعة. عندها… لن يكون لديكم أي اعتراضٍ على متابعة التجارة المشتركة، صحيح؟”
التعليقات لهذا الفصل " 9"