“لا يزال ساري المفعول. وسأجعل تقييمكِ هو الأهم والأكثر تأثيرًا.”
راقب فيليب ذلك المشهد من مسافةٍ ليست بعيدة. ثم أرسل إشارة البدء إلى الشخص القريب منه.
‘بما أن جلالة الإمبراطورة أعلنت ذلك أمام الجميع، فلن يكون بوسعها التراجع عن كلامها الآن.’
كان فيليب عازمًا على مساعدة سيلينا بكل ما يستطيع في هذا الحفل. وقد شعر بعارٍ شديد على نفسه لأنه حتى لحظةٍ ما، كاد يقع في وهم قوّة إنغريد ويصدقها.
‘سواءً كانت حقيقية أم مزيفة، كان عليّ كأبٍ أن أحمي مشاعر سيلينا و زينوس اللذين يحبان بعضهما بصدق. كيف نسيتُ ما هو الأهم؟’
ندم بمرارةٍ لأنه لم يُصغِ جيدًا إلى كلمات ابنه الذي قال أنه يريد أن يعيش يومه سعيدًا فقط.
‘كنتُ أكثر الناس إدراكًا لتلك المشاعر….ومع ذلك تجاهلتها.’
تماسك فيليب من جديدٍ وركّز على خطة تعطيل إنغريد.
ووفقًا لرغبة إنغريد نفسها، كان قد جعل نبلاء فصيل الدوق الأكبر يحضرون إلى حفلة إنغريد. ثم بدأ يثير الارتباك بينهم من الداخل ويدفعهم سرًا للانتقال إلى حفلة سيلينا.
ورغم كل ذلك، ظلّ الفرق واضحًا في عدد الحضور.
‘سأوجه الضربة القاضية الآن.’
تألقت عينا فيليب، ودخل شخصٌ بدعوةٍ من فيليب مترنحًا من باب القاعة.
“إنغريد.”
كان إيريك، وقد كان ثمِلًا حتى الثمالة.
“إنغريد، أنا.…”
“سـ….سمو ولي العهد؟”
“نحيّي سمو ولي العهد.”
انحنى الناس احترامًا. و ارتبكت الإمبراطورة وأشارت للخدم كي يمنعوه.
“كيف تجرؤون وتمنعونني؟ ألا تعرفون من أنا؟ أنا هِك! ولي العهد! إن كانت أرواحكم كثيرةً فجربوا أن تلمسوا جسدي! هيا جرّبوا!”
ترنح إيريك حتى وصل إلى حيث تقف الإمبراطورة.
“يا إلهي، من هذه؟ أليست جلالة الإمبراطورة….واحدة….اثنتان….على كل حال، أحيّي جلالتكِ.…”
“ولي العهد! كفى تحيات. عُد إلى القصر حالًا. ما هذا المشهد المخزي؟”
ويبدو أن إيريك لم يرَ وجه الإمبراطورة المشتعل بالغضب، إذ التفّ فجأةً حول إنغريد ولف ذراعه بقوةٍ حول كتفها.
“إلى أين أذهب؟ حبيبتي هِك! هنا.”
كانت إنغريد تريد التخلص منه في الحال. لكن العيون الموجهة إليها كانت كثيرةً للغاية. لذلك نظرت إلى الإمبراطورة بنظرةٍ واضحة المعنى:
‘ألا يهمكِ ابنك؟ ألم أقل لكِ أن تحكمي قبضتكِ عليه جيدًا؟’
و فهمت الإمبراطورة الرسالة فورًا، فأشارت للخدم ليُبعدوا إيريك عن إنغريد.
“لمجرد أن تلمسوني! جرّبوا فقط! من يجرؤ على لمس جسدي!”
وبينما كان يصدر أصواتًا غريبةً كأنه يطرد ثعبانًا، كان يتملص من أيدي الخدم مستخدمًا إنغريد كدرعٍ يحتمي به، يدور بها هنا وهناك.
ثم فيما يبدو، شعر بالدوار فأسند رأسه على كتفها و تحدّث بصوتٍ مُتعب،
“إنغريد….لماذا تتهربين مني؟ أنتِ امرأتي.”
نظرت إنغريد بحذرً إلى الدوقة هيستينا الواقفة أمامها، ثم حاولت تهدئة إيريك،
“سموك، الجميع ينظر. رجاءً لا تفعل هذا الآن، لنتحدث لاحقًا.…”
“لاحقًا؟ ماذا؟ هل سنذهب إلى منزلكِ ونمضي وقتًا يخصنا وحدنا؟ مثل تلك الليلة؟”
بهذه العبارة الفاضحة تجمدت الأجواء وتوجهت كل الأنظار نحوهما. حتى الإمبراطورة ارتبكت ولم تعرف كيف تبرر الموقف.
وكانت أول من تحدث هي الدوقة هيستينا.
“ما الذي قلته للتو يا سمو ولي العهد؟ هل تقول أنكما أمضيتما الليل معًا بالفعل؟”
“من أنتِ حتى تكلّميني؟ هِك! ولكن بما أنكِ فضوليةٌ فسأجيب. نعم، لقد نمنا سويًا مرارًا.…”
لم تكترث إنغريد لنظرات الناس وسارعت بكل قوتها لتكمم فم إيريك. لكن ما لبث أن تحرر من يدها، ثم التقط أنفاسه،
“لماذا تفعلين هذا يا إنغريد؟ لم أقل شيئًا غير صحيح.”
فساد الصمت القاعة، ولم يجرؤ أحدٌ على الكلام.
“جلالة الإمبراطورة.”
التفتت الدوقة هيستينا نحو الإمبراطورة.
“أعتقد أنني رأيتُ ما يكفي في هذا الحفل. هل يمكنني الذهاب الآن لتقييم الحفل الآخر؟”
عندها اسودّ وجه إنغريد في لحظة.
‘لماذا لا توقفينها فورًا؟!’
كان ذلك ما تصرخ به عيناها. وفهمت الإمبراطورة قصدها،
“لا….لا داعي للذهاب إلى القاعة الأخرى، أليس كذلك؟”
“بالطبع يمكنني عدم الذهاب ومع ذلك أقدم تقييمي.…”
اشتد بريق عيني الدوقة هيستينا قليلًا ببرود،
“لكن يبدو أن بقائي هنا بلا معنى….لذا قلتُ ذلك.”
‘جيد….لقد تم الأمر.’
هتف فيليب في داخله ابتهاجًا. ثم أشار بإشارةٍ تفيد بضرورة سحب إيريك من هناك.
“سموك، الأفضل أن نغادر الآن.”
“قلتُ اتركوني! لن أذهب، لن أذهب!”
“يا ولي العهد، كيف تجرؤ على إحداث هذه الفوضى في هذا المكان! أسرعوا وخذوه فورًا! واعلموا أنكم ستنالون عقابكم لعدم قيامكم بواجبكم نحوه كما ينبغي!”
***
“الدوقة هيستينا تدخل.”
مع الإعلان عن دخولها، رحبت سيلينا بالدوقة وهي تقف إلى جانب زينوس.
“نشكر حضور الدوقة هيستينا.”
“أشكركما على هذا الاستقبال اللطيف، يا سمو الدوق….ويا آنسة آرسين.”
“بل نحن من يتشرف بخدمتكِ. تفضلي من هنا.”
وأثناء دخولها القاعة برفقة سيلينا، همست الدوقة،
“كما قالت الآنسة تمامًا.”
فابتسمت سيلينا بثقة،
“منذ أن خطرت لي هذه الخطة، كنتُ أفكر في الطريقة المناسبة لإقناعكِ بها.”
“الأهم الآن هو اللوحة التي سنرسمها معًا من هذه اللحظة فصاعدًا. أليس كذلك؟”
أومأت سيلينا قليلًا ثم وقفت أمام الكونت آرسين وفلورا لتقديم الدوقة لهما.
ومن بعيد، التقط زينوس إشارة أحد الخدم فعلم أن ما خطط له فيليب قد نُفِّذ بنجاح.
وبحلول ذلك الوقت، كانت قاعة الحفل التي أعدتها سيلينا قد امتلأت بالناس. وكان مشهد الضيوف وهم يتحدثون بودٍ و وداعة مشهدًا جميلًا.
“والآن بما أن الضيوف قد تجمّعوا، أظن أنه حان الوقت لتقديم الهدية التي أعدها بيت الكونت آرسين.”
قالت سيلينا ذلك وهي تقف في وسط القاعة.
“هذه الهدية كان قد أعدها والدي بعد أن عاد من صفقةٍ عقدها في قارة أخرى. يمكن لكل واحدٍ منكم أخذ واحدة.”
كانت داخل الأكياس المطرزة الصغيرة أشياء بسيطة، إلا أن هناك شيئًا واحدًا كان يلفت الأنظار بشكل خاص.
“ما هذا؟”
“إنه تميمة حظ. أعددناه بدافع الأمل أن يحالف الحظ كل من حضر اليوم. يمكنكم تعليقه واستخدامه كحُليٍ أيضًا.”
“يا لها من فكرة! تميمة حظ تُعلَّق كزينة! لم أر مثل هذا من قبل.”
“لقد اخترنا أشياء لم يُعرض مثلها من قبل، لذا تأكدوا من أخذ واحدة.”
انبهر الجميع بالألوان الجميلة للتمائم.
“سيلقى هذا رواجاّ جديدًا بلا شك.”
أما فلورا وحدها فقد شحب وجهها بشدة.
“هل من الصواب توزيع هذه الأشياء بهذه الطريقة؟”
سألها براندون بصوتٍ مرتجف وقد اصفر وجهه هو الآخر.
“على….أي حال القرية لم تعد موجودة.”
“لكنهم لم يسمحوا بإخراجها من القرية عبثًا، فلا بد أن لذلك من سبب!”
“هذه ليست حقيقية. مجرد شكلٍ مشابهٍ فقط. قالوا أنها بلا فائدة إن لم يمتلكها شيخ القرية بنفسه.”
قالت فلورا ذلك محاولةً طمأنة نفسها بالقوة.
“لا تتركوا أحدًا من دون واحدة. تفضلوا.”
واستمرت سيلينا بتوزيع تمائم قرية إتران من غير أن تلقي بالًا لقلق الاثنين.
“أنا أيضًا! أعطوني واحدة!”
حتى الذين أتوا متأخرين بعد انتقالهم من الحفل الآخر مدوا أيديهم.
“كيف الأجواء هناك؟”
“لا تسأل. بالنسبة لي، لم أدخل ذلك الحفل اليوم أصلًا.”
“موجة الفوضى هناك مرعبة. إن كنت تحب حياتكَ فالهروب أفضل حل.”
وأومأ الحاضرون موافقين.
وسرعان ما انتهى وقت الحفل. و رتبت سيلينا المكان وبدأت بتوديع الناس.
كل من حضر الحفل حصل على وردة. وعند المغادرة كان عليهم وضعها في السلة ليتم عدّ عدد الحضور من خلال عدد الأزهار.
ودعت كل شخص بعناية، ثم خاطبت الدوقة هيستينا التي كانت آخر المغادرين،
“حتى لو منحتِني تقييمًا جيدًا، قد أخسر في النهاية.”
التعليقات لهذا الفصل " 78"