كانت المرأة التي رأتها عن قرب تبكي. كانت تهز رأسها بخفةٍ وتذرف الدموع، وكأن خروجها أمام الناس بملابس رثة وانتقادها لسيلينا لم يكن بإرادتها.
‘إذًا إنغريد كانت تحتجز الثلاثة.’
فكرت سيلينا بسرعةٍ في أنسب طريقةٍ لتجاوز هذا الموقف بأكبر قدر من الفاعلية.
“أمي! لقد عدتِ أخيرًا. لا تعلمين كم بحثتُ عنكِ.”
ثم احتضنت سيلينا فلورا بقوة، وكأنها سعيدةٌ للغاية بالعثور عليها، غير آبهةٍ بالرائحة الكريهة أو مظهرها البائس.
وبمجرد أن رأى الناس ذلك المشهد، بدأ الارتباك يتسلل إليهم.
“في الآونة الأخيرة، صارت أمي تنسى أشياء أكثر فأكثر، وأنا….آه….كنت حزينةً جدًا لذلك. لقد وعدتِني بأن نستدعي طبيبًا وتتلقين العلاج جيدًا، أليس كذلك؟ حتى لو كنتِ تكرهين الأمر، كيف تتركين المنزل هكذا؟ هل تعلمين كم كنتُ أنا ووالدي قلقين؟”
أومأ الكونت آرسين، وقد تلقى إشارةً من نظرات سيلينا، مؤيدًا كلامها.
“كنتُ في طريقي لإحضار طبيب من بلد بعيد، لديه خبرةٌ في علاج مرضى يعانون من أعراضٍ مشابهة لأعراضكِ. لم أكن أعلم أنكِ ستكرهين الأمر إلى هذا الحد. كل هذا خطئي.”
“أبي، لا تلُم نفسكَ. كم هو مطمئنٌ أننا وجدنا أمي ولو بهذه الطريقة. أظن أنه علينا أن نأخذها إلى المنزل أولًا. يجب أن تستحم، ونتأكد إن كانت مصابةً في أي مكان.”
أمام كلمات العناية الصادقة من الاثنين، لم تقل فلورا شيئًا، واكتفت بانهمار الدموع.
و تظاهرت سيلينا بالتربيت بلطفٍ على ظهر فلورا، بينما قرّبت بوجهها من وجهها. و تحركت شفتا فلورا.
“لا أستطيع الذهاب وحدي. ماذا عن براندون و سباستيان؟”
“حسنًا، اذهبي إلى المنزل أولًا. سنتحدث عن التفاصيل هناك.”
همست سيلينا بهدوء، ثم سلمت فلورا إلى الكونت آرسين. عندها بدأت فلورا تتظاهر بالمقاومة بصوتٍ مرتفع.
“لا أستطيع الذهاب! لا أستطيع! لن أعود إلى المنزل وحدي!”
ومع هذا المشهد، بدأ النبلاء يصدقون كلام الكونت وسيلينا أكثر فأكثر.
“يقولون أنها ستعود إلى منزل مريح مع الكونت، فلماذا تتصرف هكذا؟ يبدو أنها فعلًا غادرت بإرادتها.”
“ثم إن الآنسة آرسين وحدها، بينما الطرف الآخر….ثلاثة في صف واحد. طرد ثلاثة أشخاص وحدها وبدون سبب؟ كلما فكرتُ بالأمر، بدا صعب التصديق.”
“لو كانت سيلينا شريرةً فعلًا، ألن تطردهم دون تردد؟ من يضمن أن كلام تلك المرأة هو الحقيقة؟”
“في الواقع، لقد رأيتُ حالاتٍ مشابهة لتلك السيدة.”
فتحت الدوقة هيستينا فمها وتكلمت.
“إن كانت الأعراض بهذا الوضوح، فلا بد أن بعض معارفها قد لاحظوها. إن كانت هناك سيدةٌ في هذا المكان لها علاقةٌ بالكونتيسة آرسين، فلتتقدم وتتكلم.”
لكن لم يتقدم أحد. فلم يكن هناك شخصٌ واحد يستطيع الادعاء بأنه كان مقربًا من فلورا.
حتى الرجل الذي أحضر فلورا اكتفى بشد قبضته وخفض رأسه دون أن ينطق.
فتقدمت سيلينا لتنهي الموقف.
“أعتذر لأنني أريتكم مثل هذا المشهد غير اللائق. أرجوكم، بدلًا من الحكم علينا من خلال هذا القصور، أن تشاهدوا الوليمة التي أعددناها للنهائي، وتحكموا من خلالها على رقي عائلتنا، وعلى ما إذا كنتُ جديرةً بأن أكون مرشحةً للفوز بالياقوتة الحمراء.”
“تجيدين الكلام حقًا. لكن رغم ذلك، ما حدث قد حدث بالفعل. لو كنتُ مكانكِ، لما استطعتُ رفع رأسي خجلًا. أليس من الواجب في هذه الحالة أن تنسحبي طوعًا من الترشيح؟”
“يبدو أنكِ تتمنين انسحابي بصدق، آنسة.”
هزت سيلينا رأسها.
“ما جرى اليوم، لديّ الكثير من الأسئلة حوله، وأود أن أبدأ بسؤالٍ واحد. من أين حصلتِ على عقد الزواج المزيف الذي عرضتِه قبل قليل؟”
تقدمت سيلينا خطوةً نحو إنغريد.
“ومن برأيكِ الشخص الذي وضع توقيعًا مزيفًا على تلك الوثيقة التي كتبها سمو ولي العهد؟”
فابتسمت إنغريد بسخرية، وكأن سؤال سيلينا، وهي تعرف كل شيء، يثير الشفقة.
‘اقتربي خطوةً أخرى فقط. كلما كثر الشهود كان أفضل.’
كانت إنغريد تخطط لصناعة حادثة نافورةٍ ثانية. لكن سيلينا لم تقترب أكثر، بل استدارت.
“كل شيءٍ سيتضح بعد إقامة وليمة النهائي. أما الآن، فعليّ أن أذهب للاطمئنان على صحة أمي.”
وأثناء توجهها نحو خارج قاعة الحفل، أعلنت سيلينا أمام الجميع وكأنها تصدر حكمًا.
“الشخص الذي دبر كل ما حدث اليوم سيندم حتمًا. سأجعله يدفع ثمن المساس بعائلتي.”
فبدأ الناس يتهامسون.
“يبدو أنها تقصد الآنسة هايزل بأنها من مست العائلة.”
“بالنظر إلى تصرفاتها الأخيرة، لا تبدو الآنسة هايزل شخصًا صالحًا تمامًا.”
“مهما كانت جادةً بشأن الياقوتة الحمراء، هل يعقل أنها مست بعائلة الآنسة آرسين؟”
تلاقت عينا سيلينا و زينوس للحظة، ثم غادرت قاعة الحفل.
أما إنغريد، فقد كتمت غضبها المتصاعد بصعوبة، إذ كانت الأنظار مسلطةً عليها.
‘حسنًا، كل شيءٍ سيتضح في وليمة النهائي.’
***
“أسرعوا! هيا، عودوا إلى المنزل فورًا!”
الضيف الذي أحضر فلورا لم يستطع في النهاية البقاء طويلًا، وغادر قاعة الحفل.
“لم أتوقع أن ينتهي الأمر هكذا. ظننتُ أن كل شيءٍ سيسير بسلاسة كما قال ذلك الرجل.”
تنفّس الصعداء عند سماع كلام السائق، لكنه ما إن فُتح باب العربة حتى صرخ مذعورًا.
“أأ، أين نحن؟! قلتُ لكَ عد بنا إلى البيت!”
“لا تلُم سائقكَ. أليس ذنبه الوحيد أنه نفّذ أوامركَ بأمانة؟”
ما إن أدرك الرجل صاحب الصوت المفاجئ حتى انهمر العرق البارد على ظهره.
“لقد عدتَ إلى البيت. إلى البيت الذي أقيم فيه أنا.”
المكان الذي توقفت فيه العربة كان الجناح الشرقي من قصر الكونت آرسين.
“لم أتوقع أن يكون الجاني هو أنتَ.”
“سيلينا، أظن أن من الأفضل أن تتركي مثل هذه الأمور لي ولويل.”
قال زينوس ذلك بقلق.
“بما أنني أنا من وفّر المكان، فمن حقي أن أراقب كل ما يجري.”
هزّت سيلينا رأسها بحزم.
“هذا شأنٌ يخص عائلتنا أيضًا. بينما يتولى والدي رعاية زوجته، يجب عليّ على الأقل أن أبحث عن أخي وأخي الصغير.”
قالت ذلك وهي تنظر ببرودٍ إلى الرجل الذي لم يستطع حتى الآن النزول من العربة.
“عليكَ أن تشرح لي. كيف انتهى الأمر بكَ تحمي أفراد عائلتي. ومن هم الأشخاص الذين يعرفون بهذه الحقيقة. وإن كنتَ قد تصرّفت بأوامر أحد، فمن هو بالضبط. كل شيء.”
حاول الرجل بالكاد أن يفتح فمه للاعتراض، لكنه ارتجف حين تلقى نظرةً حادة من زينوس.
و أمام تلك النظرة القاطعة، تجمّد الرجل في مكانه من شدة الخوف.
“زينوس، أرجوكَ. هل يمكنكَ أن تجعل هذا الرجل ينزل من العربة فورًا ويخبرنا بنفسه أين يوجد إخوتي؟”
“ليس أمرًا صعبًا.”
اقترب زينوس من العربة أكثر و تحدّث بصوتٍ مشحونٍ بالقوة.
“اخرج من العربة حالًا.”
فتحرك جسد الرجل من تلقاء نفسه. و تلاقت عينا الرجل المرتبكتان بعيني السائق الواقف بجانب العربة.
كان السائق لا يزال يحك مؤخرة رأسه وكأنه لا يفهم حتى الآن لماذا جاء إلى هذا المكان.
“والآن، ستخبرنا أين يوجد براندون وسباستيان آرسين، أليس كذلك؟”
هزّ الرجل رأسه رافضًا، لكن فمه تحرك وحده وأصدر الصوت.
“في غرفة الضيوف في الطابق الثاني من قصرنا.”
“غرفة الضيوف في الطابق الثاني. يبدو أن المعاملة لم تكن سيئةً إذًا.”
أصدرت سيلينا أمرًا إلى أحد فرسان عائلة آرسين القريبين.
“أبلغ القائد، وخذ معكَ قوة دعم. اذهب مع ذلك السائق وأحضر الشابين. مهما حصل، يجب أن تعود بهما.”
“أمركِ، نائبة سيد العائلة.”
تحرك الفرسان بسرعة.
وفي تلك الأثناء، ما إن حاول الرجل أن يخطو خطوةً مبتعدًا باتجاه العربة حتى شُلّ مكانه بأمرٍ من زينوس.
“إلى أين تظن نفسكَ ذاهبًا، أيها السيد باتيل؟ لا يزال لدي الكثير لأقوله لكَ، فتعال إلى هنا.”
فامتلأ وجه مورغان بالرعب، وبالرغم من إرادته، كان جسده قد وصل بالفعل إلى أمام زينوس.
_____________________
ذاه مب انه الي كان خطيب سيلينا؟ وعوه بعد هو اغرته انغريد
احب ذكاء سيلينا الوضع انقلب بدل لاتخرب سمعتها هي خرّبت سمعة انغريد😭
التعليقات لهذا الفصل " 72"