في مساء اليوم الذي يسبق مأدبة الحسم بثلاثة أيام، قررت سيلينا أن تحضر مع والدها مأدبة ميلاد الكونتيسة فيرناندو.
و كان الاثنان يعلمان جيدًا مدى أهمية ذلك المكان.
“لا تتوتري. حتى لو أشار إليكِ الجميع بأصابع الاتهام، فأنا وحدي أعلم أنكِ لستِ كذلك. سأجمع ما أستطيع من علاقاتي، ولن أدعكِ تتعرضين لأي إهانة.”
حين قال الكونت ذلك، شعرت سيلينا بالقوة تسري فيها.
“لا تقلق يا أبي. أنا أيضًا لستُ شخصًا يُداس عليه بسهولة.”
نظر الكونت إلى سيلينا التي أشرقت عيناها بثقة، فتذكّر زوجته الراحلة.
‘ديانا، لقد كبرت سيلينا إلى هذا الحد. إنها تزداد شبهًا بكِ يومًا بعد يوم.’
أدركت سيلينا من يكون والدها ينظر إليه من خلالها، فانتظرت بصمتٍ وصول العربة.
كانت تظن سابقًا أن والدها لم يكن على علاقةٍ عميقة بوالدتها الراحلة، إذ لم ترَ يومًا مظهرًا من مظاهر المودة بينهما.
لكن بعد أن باح الكونت بكل ما يتعلق بفلورا، صار يحدث سيلينا كثيرًا عن والدتها ديانا، عن أمورٍ لم يستطع قولها من قبل.
وعندما سمعت تلك القصص التي كتمها مراعاةً لوجود فلورا، أدركت سيلينا كم كان والدها يحب أمها.
‘لا بد أنه تألم كثيرًا، لأنه أحبها ولم يستطع حمايتها حتى النهاية.’
كانت سيلينا الآن تفهم جيدًا ما معنى أن يحب الإنسان شخصًا، وما الشعور حين يعجز عن حمايته.
‘لأن لدي أنا أيضًا شخصًا أود حمايته مهما كان.’
“لقد وصلنا.”
ما إن فُتح باب العربة حتى نزل الكونت آرسين أولًا، ثم مد يده لابنته.
وحين رأى الناس سيلينا تنزل من العربة، انطلقت عبارات الإعجاب.
“آنسة آرسين اليوم أكثر تألقًا من أي وقتٍ مضى.”
هل هو أثر الوقوع في الحب؟ كانت سيلينا تزداد جمالًا يومًا بعد يوم.
ومن بعيد، سعل فيليب سعالًا خفيفًا متعمدًا ليعيد شخصًا آخر غارقًا في جمالها إلى رشده.
“بهذا الشكل سيسيل لعابكَ.”
“ألا تعلم أنه لا يجوز أن تخاطبني الآن؟”
فأجابه زينوس ببرود.
“صحيح، فالأعين كثيرة، ويجب أن نكون حذرين.”
وهما أصلًا نادرًا ما يظهران في المجتمع، فكيف وقد حضرا مأدبة عائلة الكونت، حيث كانت الأنظار كلها متجهةً إليهما.
فتعمد فيليب أن ينتقل إلى مكان بعيد عن زينوس.
بعد انتهاء الجولة الرئيسية، توجه زينوس إلى فيليب وأخبره بما جرى ذلك اليوم، ثم قال بثقة.
“أليس ما حدث في غرفة الانتظار خلال الجولة الرئيسية كافيًا لإثبات أنه تجلٍّ ثانٍ؟ يا أبي، سيلينا هي شريكتي. وهي المرأة التي اخترتها. لذا أرجوكَ، لا تعارض بعد الآن.”
بعد أن استمع فيليب إلى القصة كاملة، بدا عليه الذهول للحظة،
“كانت الآنسة هايزل تثير لدي بعض الشكوك. بتلك القوة الغريبة أيضًا.”
عندها فقط أدرك فيليب خطأه، ولم يستطع إخفاء اضطراب عينيه وهو ينظر إلى زينوس.
“هل هذا يعني أن ظهور قوتكَ قبل زواجكَ من الآنسة هيازل دليلًا على أن ادعاء كونها شريكتكَ كان كذبًا؟ لكن تلك القوة، ما هي على أي حال….”
وردّ زينوس بحزم.
“شريكتي هي سيلينا. وأنا لا أعلم ماهية القوة التي تستخدمها تلك المرأة، لكن بالتأكيد ليست قوةً نابعة من كونها شريكة.”
“كيف حدث هذا….لا وجه لي أمام سيلينا ولا أمامكَ.”
فنظر زينوس إلى فيليب الذي طأطأ رأسه،
“اعتذر لها كما يجب، لا لي أنا.”
“سأعتذر، ليس بالكلام فقط، بل بالأفعال.”
“إذاً، سلّمها أولًا أفضل أراضي الإقطاع.”
“هذا ليس صعبًا.”
“وعليكَ أيضًا أن تعطي سيلينا كل الجواهر التي جمعتها كإرثٍ للعائلة.”
“كما تشاء. الجواهر لا تعني لي سوى عبء.”
“وأينما ذهبتَ، عليكَ أن تقول أنكَ تعتز بكنتكَ كثيرًا.”
“هي كنتي الوحيدة، أليس كذلك؟”
قال فيليب ذلك، ثم تريث قليلًا وصحح كلامه.
“فلنؤجل هذا إلى ما بعد أن نستغل هذه الفرصة جيدًا.”
“وما الذي تعنيه؟”
“المسابقة لم تنتهِ بعد، وآنسة هايزل لا تعلم بعد أنني عرفت الحقيقة.”
في ذلك المكان، وضع الاثنان خطة. تقرر أن يتظاهر فيليب بأنه لا يزال على خلافٍ مع زينوس، وأنه لم يسمع بما جرى في الجولة الرئيسية.
“ستكون الجولة النهائية مشهدًا مثيرًا.”
“أظهر نيتكَ في حضور هذه المأدبة كما خططت سيلينا.”
وهكذا، ركب الاثنان عربتين منفصلتين وتوجها إلى مأدبة عائلة الكونت فيرناندو.
“انظروا هناك، جميع أبطال القصة قد اجتمعوا.”
“يا إلهي، يا له من قولٍ فظ. أليست صاحبة هذه المأدبة اليوم هي الكونتيسة فيرناندو؟ إنه حفل ميلادها.”
لا يُعرف من أين وصلت الشائعة عن حضور سيلينا وإنغريد مأدبةً واحدة قبل الجولة النهائية، لكن عددًا كبيرًا من الناس تدافعوا إلى المكان.
“يجب أن أنفذ الأمر دون أي خطأ.”
رأت كونتيسة سوليدو أن الوقت قد حان، فقررت تنفيذ أمر الإمبراطورة.
“تشرفتُ بلقاء الدوقة هيستينا. هل كنتِ بخير طوال هذه المدة؟”
“أوه، ومن تكونين؟ آنسة فيكونتة بويتير….لا، بل كونتيسة سوليدو الآن، أليس كذلك؟ ابتعدتُ طويلًا عن المجتمع حتى أصبحت ذاكرتي سيئة. تفهمين ذلك، أليس كذلك؟”
حافظت الكونتيسة سوليدو على ابتسامتها بصعوبة، لكنها كانت تفهم تمامًا ما تنطوي عليه كلمات الدوقة هيستينا.
‘حين كنتُ صاحبة النفوذ لم تكوني سوى ابنة فيكونت، والآن بالكاد كونتيسة، فبأي جرأة تتظاهرين بالمعرفة؟ لسانها لاذعٌ حقًا.’
لكن تنفيذ أمر الإمبراطورة كان يقتضي استفزاز الدوقة هيستينا لا محالة.
“مجرد تذكركِ لوجهي شرفٌ كبيرٌ لي. ولا سيما أن ألتقي بكِ خلال مسابقة الياقوتة الحمراء، فهذا يسعدني كثيرًا. ألستِ الفائزة في الحقبة التي كانت فيها المسابقة مفخرةً بالتاريخ والتقاليد؟”
“أن يُتذكَّر مجدي الذي مضى، فهذا لطفٌ منكِ. أما الآن، فأنا مجرد امرأةٍ تعيش في إقطاعيتها، تستمتع بمشاهدة أحفادها.”
“أراكِ متواضعةً أكثر من اللازم. رغم غيابكِ الطويل، ما زالت رمزية الياقوتة الحمراء حيّةً في ذاكرتنا. جوهرة المجتمع في سيبايا، العذراء متعددة المواهب، زهرة المجتمع التي مثّلت جيلًا كاملًا.”
أومأت الدوقة هيستينا برأسها.
“يسعدني حقًا أنكم ما زلتم تذكرون ذلك.”
“أما الشرط الذي ذكرتِه آنفًا، فلا يمكنني تجاهله.”
تدخلت إنغريد في الحديث بصوتٍ مرتفع.
“آه، أرجو المعذرة على وقاحتي. تشرفت بلقاء الدوقة هيستينا.”
تقدمت إنغريد، وقد زُيّنت من رأسها حتى أخمص قدميها بالفستان والمجوهرات التي أعدها القصر الإمبراطوري، ووقفت بثباتٍ أمام الدوقة.
“اسمي إنغريد هايزل. وأنا إحدى المرشحات النهائيات في هذه المسابقة.”
“آه، إذاً أنتِ الثالثة من عائلة البارون هايزل.”
“نعم. لدي سؤالٌ أود طرحه على الدوقة في هذا المقام. هل تسمحين لي بذلك؟”
يبدو أن جرأتها نالت استحسان الدوقة، فأومأت برأسها بسخاء.
“تفضلي، اسألي.”
“فيما يخص شرط الجوهرة الحمراء. ما المقصود تحديدًا بكون المرشحة عذراء غير متزوجة؟”
لم تفهم الدوقة السؤال على الفور، فعبست قليلًا ثم أجابت.
“أي إنها لم تتزوج، بالمعنى الحرفي.”
“لم تتزوج، إذاً.”
كان الكونت آرسين يراقبهما من مكان بعيد، فقبض على يده بقلق.
‘هل تنوي إعلان زواج ابنتي من الدوق الأكبر هنا، وإفشال المسابقة من أساسها؟’
ظهر القلق في عينيه على سيلينا.
“لا بأس يا أبي. إنها ليست من النوع الذي يكشف ذلك بهذه الطريقة.”
كانت سيلينا تعرف إنغريد جيدًا.
“إنها تكره أصلًا الشائعة التي تقول أنني الدوقة التالية. لا تحتمل أن تكون التالية لأحد أو تحت أحد.”
وبينما كانت إنغريد تتفحص قاعة المأدبة، وقعت عيناها على سيلينا.
تلاقت نظراتهما. وكان من حولهما يراقبون المشهد في صمت.
“وماذا لو كانت هناك خطوبة؟”
“الخطوبة يمكن فسخها، لذا تُعد غير متزوجة.”
أجابت الدوقة بنبرةٍ توحي بأن السؤال بديهي.
“إذاً، ماذا عن عقد ما قبل الزواج؟ هل يُعد ذلك أيضًا ضمن غير المتزوجات؟”
بدت الدوقة متفاجئةً قليلًا، لكنها أومأت،
“ما دام مجرد وعد بين عائلتين دون تصديق رسمي من جلالة الإمبراطور أو توثيق كنيسي، فهي تُعد غير متزوجة.”
“حتى لو كان الطرف الآخر من العائلة الإمبراطورية؟”
قالت إنغريد ذلك وهي تقدم عقد ما قبل الزواج الذي أعدّته إلى الدوقة.
“أرى أن الآنسة سيلينا آرسين لا تملك الأهلية لتكون مرشحةً نهائية في هذه المسابقة.”
التعليقات لهذا الفصل " 70"