“انتظري، لا أفهم الأمر جيدًا. ماثيو أنتِ من دعوتِهِ بالتأكيد، فكيف يظهر شريكًا للايلا؟ كيف يمكن أن يحدث هذا؟”
قالت فاليري ذلك وكأنها على وشك التوجّه فورًا إلى قاعة المثول لمحاسبة الجميع.
“يا للعجب. يبدو أن الآنسة فيجِل، ابنة الماركيز، لا تفهم حتى هذا المنطق البسيط.”
مسحت إنغريد دموع الضحك المتجمعة عند طرف عينيها بمنديلها بخفة.
“لقد وصلت إلى السيد فيجِل دعوتان. دعوةٌ من سيلينا آرسين، ودعوةٌ من لايلا أندرسون. ومن الطبيعي أن من يتلقى دعوتين يملك حق اختيار أيهما يقبل.”
فاعترضت فاليري،
“تتحدثين وكأنكِ تعرفين كل شيء. حتى لو تلقى ماثيو دعوتين، فلا يمكن أن يختار الآنسة أندرسون ويترك سيلينا. لماذا يقبل دعوة شخصٍ لا معرفة سابقةً له به؟”
“حتى لو كنتما توأمًا، فهذا لا يعني أنكِ تعرفين كل علاقات السيد فيجِل الاجتماعية. هل تستطيعين الجزم بأنكِ تعلمين مدى عمق العلاقة بين هذين الاثنين؟”
كان كلامها مقنعًا إلى حد جعل فاليري تلوذ بالصمت.
‘وماذا سيحدث لي الآن؟’
كانت الدعوة الوحيدة قد أُرسلت إلى ماثيو، لكنه أصبح بالفعل شريك لايلا ووقف أمام الإمبراطورة.
‘كل ما كنت أرجوه أن أقف بجانب زينوس دون خجل.’
آنسةٌ وصلت إلى الدور النهائي للياقوتة الحمراء، لكنها أُقصيت لأن شريكها لم يلبِّ الدعوة.
كان ذلك أشبه بالحكم عليها بألا تظهر في أي تجمع اجتماعي بعد الآن.
‘ليته ينتهي عند هذا الحد.’
كانت تخشى أن يسمعوا فلورا وبراندون وسباستيان، الذين لا يُعرف مكانهم حتى الآن، بهذا الخبر فيعودوا مسرعين ليضايقوها من جديد.
“سننادي الآن على المشاركة التالية.”
“بهذه السرعة؟”
“كان هناك من انتهى حوارهم مع جلالة الإمبراطورة أسرع من ذلك بكثير.”
نظرت فاليري إلى سيلينا بعينين قَلِقتين. فابتسمت سيلينا ابتسامةً مصطنعة توحي بأنها بخير.
“والآن، الآنسة فاليري فيجِل، ابنة الماركيز، وشريكها.”
تعلّقت فاليري بيد سيلينا وكأنها لا تجرؤ على التقدّم.
“اذهبي بسرعة. عليكِ مقابلة جلالة الإمبراطورة.”
“وكيف أترككِ هنا وحدكِ؟”
نظرت فاليري نحو إنغريد ثم هزّت رأسها.
“لكن لا يمكنكِ عدم الذهاب. هذا ليس لعب أطفال، وجلالة الإمبراطورة تنتظر. اذهبي.”
وفي النهاية، عندما لم يُحتمل الموقف أكثر، تقدّم ويل حتى كاد يلاصقها ومدّ ذراعه. فشبكت فاليري ذراعها بذراعه بوجهٍ يكاد يبكي.
وما إن دخلا قاعة المثول، حتى اقتربت إنغريد وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة تحديدًا.
“أي حيلةٍ استخدمتِ؟ الشخص الذي دعوتِه أصبح شريك غيركِ، ومع ذلك ما زلتِ هنا.”
“هذا ما أودّ أنا معرفته أيضًا. لا أعلم كيف وصلتُ إلى هنا أصلًا.”
حين رأت إنغريد الصدق في عيني سيلينا، توقفت عن الاستجواب.
“حسنًا، لا بأس. على أي حال، بما أننا بقينا وحدنا، فهي فرصةٌ لنتحدث بجدية. عمّا ستفعلينه لاحقًا.”
لوّحت إنغريد بيدها، فغادرت الوصيفات الغرفة على عجل.
“لماذا ما زلتِ واقفة؟”
قالت إنغريد ذلك بحدة وهي تنظر إلى نورا التي بقيت في مكانها.
“تلقيت أمرًا بعدم مغادرة الشخص الذي أرافقه.”
كانت نورا قد وقفت بالفعل أمام سيلينا. فابتسمت إنغريد ابتسامةً ساخرة.
“حسنًا، إن لم تستطيعي الذهاب، فسنُبعدكِ.”
ثم فرقعت أصابعها، فاختفت نورا في لحظة.
“ما الذي فعلتِه؟!”
فصرخت سيلينا وقد فقدت رباطة جأشها.
“ما بكِ؟ هل تعلّقتِ بتلك الوصيفة فجأة؟ أم أنكِ دفعتِ لها رشوةً كبيرة؟ لا تقلقي، أرسلتها فقط خارج القصر الإمبراطوري.”
تحت نظرة إنغريد الفاحصة، حاولت سيلينا جاهدةً استعادة هدوئها.
‘نورا.’
لم يكن بوسعها سوى أن تأمل أن تكون بخير.
“ألهذه الدرجة يصعب مجرد الحديث؟ لا، بل أودّ أن أسمع انطباعكِ الصادق بعد أن رأيتِ قوتي بعينيكِ لأول مرة.”
عندها فقط أدركت سيلينا أن إنغريد قد أزاحت إنسانًا كاملًا من المكان في غمضة عين.
“قوة؟ أهذا هو نفوذكِ؟”
“نعم. هذه قوتي. كما رأيتِ، إزالة شخصٍ واحد أمرٌ سهل. فهل بدأتِ تشعرين برغبةٍ في إعادة زينوس إلى بيته؟”
‘إذًا لهذا السبب.’
لهذا أراد فيليب أن يجعل إنغريد كنّةً له، ولهذا وقف الإمبراطور في صفّها.
‘بسبب هذه القوة.’
كانت قوةً غامضة، شبيهةً بقوة زينوس. قوةٌ كهذه تجعل كل شيءٍ ممكنًا.
“نعم، لديّ هذه القوة. والآن، لا بد أنكِ تعرفين ما يجب عليكِ فعله.”
“وهل هناك ما ينبغي عليّ فعله بعد أن عرفتُ بقوتكِ؟”
“أنتِ بلا قوة، لذا انسحبي فحسب. إن فعلتِ ذلك، ستبقين على قيد الحياة.”
لو قالت سيلينا أنها لم تشعر بالخوف لكانت تكذب. فقد رأت نورا تختفي أمام عينيها.
“هذا كل ما تريدينه؟ أن أتنازل لكِ عن المكان الذي وصلتُ إليه بجهدي؟”
“نعم. لأنني سأستولي أنا على ذلك المكان.”
فأطلقت سيلينا ضحكةً قصيرة ساخرة.
“هل تدركين كم كان كلامكِ هذا مضحكًا؟”
و تجهّم وجه إنغريد من تلك الضحكة وسألت بحدة،
“وما المضحك في ذلك؟”
“حتى لو انسحبتُ، فلن يقبلكِ زينوس. أنتِ تعرفين ذلك جيدًا.”
“حتى لو لم يُرِد، فسيُجبر على القبول. ما دمتِ أنتِ غير موجودة.”
“أنتِ حقًا لا تعرفين زينوس.”
تأمّلت سيلينا إنغريد بهدوء.
“لا زينوس، ولا إيريك أيضًا. لم تحاولي حتى أن تنظري إليهما كما ينبغي.”
كان كلامها وكأنه يكشف كل شيء، فامتلأ وجه إنغريد بالامتعاض.
“ومن تكونين أنتِ حتى تنظرين إليّ هكذا؟ ماذا تعرفين أصلًا لتتفوهِي بهذا الكلام؟”
عندها فقط رأت سيلينا إنغريد الحقيقية التي لم تكن تراها من قبل.
“تعلمين، في البداية كنتُ أتمنى فعلًا أن تسير الأمور على ما يرام بينكِ وبين إيريك. لذلك فعلتُ أشياء لم أكن أريد فعلها. على أمل أن تفهمي يومًا ما ما قمتُ به. حتى لو كانت الطريقة خاطئة، كنتُ أعتقد أن إدراككِ لها لاحقًا يكفي.”
“هاه، تقصدين ذلك التمثيل السخيف الذي لا يشبه الشريرات أصلًا؟”
“نعم. لم يكن الآخرون يهمّونني. كنتُ أريدكِ أنتِ أن تفهمي. أن تدركي أنني في الحقيقة لستُ شخصًا سيئًا، بل داعمةً خفية حاولتُ مساعدة حبكما.”
حين أدركت مدى عبث كل ما فعلته، أفلتت منها ضحكةٌ فارغة.
‘من أجل شخصٍ كهذا فقط شوّهتُ سمعتي، وعرّضتُ مكاني داخل العائلة للخطر. من أجل شخصٍ كهذا فقط.’
اجتاحها ندمٌ هائل، لكنها كبحت مشاعرها وتابعت،
“لو كنتُ أعلم أنكِ بهذا الشكل، لما وعدتُ يومًا بمساعدة إيريك.”
“الآن تقولين هذا؟ لا فائدة. سواءً كنتِ شريرةً مزيفة أم شريرةً حقيقية، من يهتم؟ ما أريده الآن هو منصب الدوقة الكبرى. وأنتِ تشغلين هذا المنصب، لذا تنحّي وارحلي.”
“وإن رفضتُ؟”
قالت سيلينا ذلك بحزم.
“وإن لم يكن لديّ أدنى نيةٍ لذلك؟”
كان أسلوبها في الكلام يذكّر بشخصٍ ما. فتلألأت عينا إنغريد بعنادٍ مشتعل.
“إذًا لن يبقى سوى حلٍ واحد.”
فرقعت إنغريد أصابعها خلف ظهرها.
“لا تلوميني كثيرًا. لقد منحتكِ فرصة الرحيل بوضوح.”
ارتجفت سيلينا. فيد بدا أن إنغريد تستخدم القوة نفسها التي أزالت نورا قبل قليل. و شدّت أعصابها إلى أقصاها.
لكن من ارتبك هذه المرة كانت إنغريد.
‘لماذا لا يحدث.…؟’
فرّقت أصابعها مرة أخرى. ومع ذلك، لم يتداعَ جسد سيلينا.
‘هاه، أتعنين أنني لن أستطيع قتلكِ بهذا؟’
وكأن العناد استبدّ بها، فرّقت أصابعها مجددًا. فظهر فوق رأس سيلينا أحد المزهريات الضخمة المصطفّة في الرواق.
وعندها فقط ارتسمت ابتسامةٌ على وجه إنغريد، إذ ظنّت أن كل شيء سينتهي الآن.
كون المسابقة لا تزال جارية، وكون سيلينا الابنة الوحيدة لعائلة كونت شهيرة، بل وحتى حقيقة أنها تزوّجت سرًا من زينوس وأصبحت بالفعل دوقةً كبرى، لم يكن لأيٍّ من ذلك أهمية.
كان الإمبراطور قد فُتن بقوة إنغريد بالفعل. وحتى لو قُتلت سيلينا بهذه الطريقة، فمن المؤكد أنه سيحمي إنغريد بأي وسيلة.
‘وداعًا.’
فرّقت أصابعها مرةً أخيرة، فسقطت المزهرية المعلّقة عاليًا فوق رأس سيلينا.
و لم يكن هناك حتى وقتٌ لرفع النظر إلى المزهرية الهاوية بسرعة.
“سيلينا!”
ثم دوّى صوتٌ مفجوع، بدا وكأنه صدر من أقرب مكانٍ ممكن.
التعليقات لهذا الفصل " 64"