بعد أن أعلنت الإمبراطورة بدء المرحلة النهائية، تفرّقت الآنسات كلٌّ إلى الغرفة المخصّصة لها.
“لقد انتهى أمري، انتهى تمامًا.”
قالت فاليري طلك وهي تدقّ الأرض بقدميها بعصبية.
“ما زلنا لا نعرف بعد.”
“كيف لا نعرف؟ ألم تسمعي ما قالته جلالتها قبل قليل؟ الإخوة غير مسموحٍ لهم. وليس لديّ خطيبٌ أصلًا.”
كانت فاليري، التي اعتادت حضور المناسبات الاجتماعية برفقة ماثيو، تتحسّر وهي تتساءل من أين لها أن تجد شريكًا فجأة.
‘أنا من يجب أن يحتار.’
فكّرت سيلينا في سرّها وهي تعقد حاجبيها قليلًا.
كان بإمكان سيلينا، بطبيعة الحال، دعوة زينوس، لكن المسألة كانت فيما إذا كان الإمبراطور سيتغاضى عن ذلك بسهولة.
‘سيحاولون بأي طريقة أن يفرّقوا بيني وبين زينوس.’
لو دعتْه شريكًا بشكلٍ علني، فلا أحد يعلم أي ذريعةٍ قد تُتخذ لمعاقبتهما.
‘والدي لم يعد بعد، وبوصفي الوصية المؤقتة على الأسرة فهناك حدودٌ لما أستطيع فعله. إن استخدموا سلطة العائلة الإمبراطورية للضغط، فلن يكون هناك سبيلٌ للرد.’
وبينما كانت سيلينا غارقةً في تفكيرها، نخزتها فاليري بمرفقها،
“وأنتِ، ما الذي تحتارين فيه؟ لديكِ زوج.”
“أخشى أن يؤدي استدعاء ذلك الزوج إلى نتيجةٍ عكسية.”
“إذًا، ما رأيكِ أن نتبادل الشركاء؟ أنتِ تدعين ماثيو، وأنا أدعو سمو الدوق الأكبر.…”
قالت ذلك ثم تخيّلت نفسها واقفةً إلى جانب زينوس، فهزّت رأسها بسرعة.
“لا، لا. انسَي الأمر. قلتُ كلامًا فارغًا. لا أريده. سأبحث عن شخصٍ آخر.”
تفاجأت سيلينا من ردّة فعل فاليري وسألتها.
“وما المشكلة في زينوس؟ بل على العكس، إن كان بهذه الوسامة واللطف والهيبة، فالجميع سيتمنّى وجوده إلى جانبه، مهما كان الفارق في المكانة.…”
لكن سيلينا لم تستطع إكمال جملتها حين رأت نظرة فاليري.
“يقال أن لكل إنسان نصيبه، لكنني لم أتوقّع أن تصبحي امرأةً لا ترى سوا زوجها. حقًا، هناك أشياء لم أرها فيكِ يا سيلينا.”
“لا، لا، أنا فقط قلتُ ما أراه صحيحًا.…”
“ماذا؟ قلتِ ما ترينه صحيحًا؟ يا للفضول! أتساءل ماذا يفعل بكِ سمو الدوق بالضبط. لم أركما معًا على نحوٍ واضحٍ من قبل.”
“الأمر ليس كذلك.”
“أين ذهبت المرأة الحديدية التي كانت، في الأكاديمية، تردّ على أي اعترافٍ قائلة: ’لا أملك وقتًا للعلاقات الآن، أعتذر‘ بلا تردّد؟”
“فاليري.”
قالت سيلينا ذلك وقد احمرّ خداها خجلًا.
“آنذاك كانت الرسائل من أناس لا يعرفونني جيدًا. ثم إن إيريك قال ذلك أيضًا، ألا نتباهى بمثل هذه الأمور.”
“وكأن كون وليّ العهد يمنحه الحق في التدخل حتى في عدد رسائل الاعتراف التي تصلكِ؟ مضحك.”
“فاليري، نحن في القصر الإمبراطوري. انتبهي لكلامكِ.”
“على أي حال، لا داعي لكل هذا القلق. قدّمي طلب الشراكة لسمو الدوق وحسب. لا تضيّعي بطاقة الدعوة الوحيدة.”
لكن سيلينا لم تستطع أن تهزّ رأسها موافقةً على كلام فاليري بسهولة.
***
“ليست في الغرفة؟”
سألت الإمبراطورة بدهشة بعد أن سمعت تقرير الخادمة المكلّفة بمراقبة إنغريد.
“نعم. أخذتها إلى الغرفة نفسها هذه المرة لأتأكد بعيني من تغيّر لون الماء الأزرق. وكنت أسمعها تُحدث ضجيجًا في الداخل، فتركتها على حالها، ثم فجأة عمّ الصمت، وعندما دخلت….لم يكن هناك أحد.”
حين سمعت الإمبراطورة أن إنغريد اختفت فجأةً من ذلك المكان الشبيه بالسجن تحت الأرض، أخذت تفكّر.
‘لا يوجد في تلك الغرفة ممرّ آخر. الباب كانت تحرسه الخادمة، ولا أثاث هناك لتختبئ خلفه.’
“وعندما تعود، فتّشي جسدها وصادري أي أداةٍ سحرية تحملها.”
فأومأت الخادمة وقد بدت عليها علامات الفهم.
“سأنفّذ أمر جلالتك.”
وبعد خروج الخادمة، ضربت الإمبراطورة مسند الكرسي بعنف.
“جلالتك، ستؤذين يدكِ.”
“تلك الوقحة! كيف تجرؤ على دخول القصر الإمبراطوري ومعها أدواتٌ سحرية! ومع ذلك، هذا غريب. يفترض أن تكون هناك دوائر مانعة للسحر في أرجاء القصر.”
“أستميح جلالتكِ عذرًا، لكن لدوائر السحر حدودًا لنطاق تأثيرها. ربما كانت تلك الغرفة خارج النطاق.”
“يا لها من امرأة محظوظة. ومع ذلك، أتجرأ على استخدام أداة سحرية داخل القصر؟ ياله من تصرّفٍ يتجاوز كل منطق. يجب أن نُخرج إيريك بأي وسيلة من مخالب تلك المرأة.”
هزّت الإمبراطورة رأسها بضيق.
“جلالتك، أليست هذه المرحلة النهائية كفيلةً بأن تجعلها تدرك حقيقتها؟”
“صحيح. وهل تظنّين أن لديها أصلًا نبلاء يمكنها دعوتهم؟ وحتى لو دعت، هل سيستجيب أحد؟ لقد جلست طويلًا، وبما لا يليق بها، إلى جانب إيريك. آن الأوان لتُلقَّن درسًا حقيقيًا عن موضعها.”
ابتسمت الإمبراطورة ابتسامةً راضية.
‘انتظروا وستَرَون. خلال ثلاث سنوات، لن يبقى أحد يتذكر تلك المرأة الوضيعة. سأجعل الجميع يعتقد أن المكان إلى جانب إيريك هو من نصيب لايلا.’
***
المكان الذي ذهبت إليه إنغريد مستخدمةً قوتها لم يكن سوى قصر البارون هايزل.
كان قصر البارون الواقع عند أطراف العاصمة مكانًا مثاليًا لتدبير الأمور بعيدًا عن أعين الناس.
“لنبدأ بتفقد الأخبار المتراكمة.”
خلال الأسبوع الذي غابت فيه إنغريد، كان البارون هايزل قد رتّب بعناية الرسائل والهدايا التي وصلت.
ومن بين الرسائل والهدايا المكدّسة في أحد أركان الغرفة، التقطت إنغريد رسالةً واحدة وابتسمت بوضوح.
كانت رسالةً من الجهة التي كانت تنتظرها. ففتحت إنغريد الرسالة على الفور.
[لقد أمّنا العائلة التي ذكرتها. يمكننا الآن التحرك وفق الخطة.]
“نعم، كما توقعت. كل شيءٍ يسير حسب إرادتي.”
بعد أن قرأت الرسالة، نقرت إنغريد بأصابعها وأحرقتها، وقد ازداد إشراق ملامحها.
“الدوق الأكبر وولي العهد كلاهما لي. لا يمكن لسيلينا آرسين أن تنتزع ذلك مني.”
وبنقرة إصبع كوّنت ردًا، ثم نقرت مرةً أخرى وأرسلته.
وبقلب راضٍ استخدمت قوتها وعادت إلى تلك الغرفة الشبيهة بالسجن في القصر الإمبراطوري.
وفي اللحظة التي وصلت فيها، اندفعت خادمتها المكلّفة وأصدرت أمرًا صارمًا.
“اقبضوا فورًا على من تجرأت على استخدام أداةٍ سحرية داخل القصر الإمبراطوري!”
في لمح البصر، اقتحم الفرسان المكان، و قيّدوا إنغريد، و وضعوا كمّامةً في فمها، وغطّوا رأسها بكيس.
وحين حاولت إنغريد نقر أصابعها لتفعيل قوتها، لوى أحد الفرسان ذراعيها بقوةٍ إلى الخلف، فضاعت اللحظة الحاسمة.
“تباً!”
كان الأمر لا يحتاج إلا إلى نقرة واحدة. لكن مع إمساك الفارس بكلتا يديها، لم تستطع تحريك أصابعها.
تأكد الفارس من عدم وجود أدواتٍ سحرية مخبأة في أكمامها، ثم أومأ برأسه إلى الخادمة.
“خذوها.”
وبأمرٍ من الخادمة، اقتاد الفرسان إنغريد إلى أمام الإمبراطورة.
بدا أن منظر إنغريد وهي مغطاةٌ بالكيس قد راق للإمبراطورة، فانفرجت ملامحها قليلًا.
“أزيلوا الغطاء عن وجهها.”
وعندما نُزع الكيس، كانت إنغريد، وفمها مكمّم، تحدّق في الإمبراطورة وكأنها تريد افتراسها.
“أتجرئين على استخدام أداةٍ سحرية داخل القصر الإمبراطوري؟ هل تدركين حجم الجريمة التي ارتكبتِها؟”
ورغم ذلك، لم يخفُت بريق عيني إنغريد. بل راحت تتلوى محاولةً الإفلات من قبضة الفرسان.
وفي اللحظة التي همّت فيها الإمبراطورة بإنزال العقاب بها، دوّى إعلانٌ مفاجئ.
“لقد وصل جلالة الإمبراطور.”
في توقيتٍ سيئ للغاية، حضر الإمبراطور.
ثم نظر إلى إنغريد المقيّدة والمكمّمة دون أن يرمش.
“يبدو أنني جئتُ في وقتٍ غير مناسب. هل أعود لاحقًا؟”
كان الإمبراطور يتغاضى بسخاءٍ عن كل ما يحدث داخل القصر، ما دامت الإمبراطورة لا تتجاوز الحد.
وقد تعرّف فورًا على هوية إنغريد.
‘إنها المتسببة في إظهار إيريك بمظهر الضعف داخل بيت الماركيز أندرسون.’
المرأة التي دفعت بيت أندرسون، المعروف بولائه المطلق ودعمه الكامل للأسرة الإمبراطورية، إلى تقديم عريضةٍ تنتقد سلوك ولي العهد.
وهكذا انطبع اسم إنغريد هايزل في ذهن الإمبراطور.
“أبدًا يا جلالة الإمبراطور. لقد تفضلتَ بالمجيء رغم انشغالكَ، وأنا من يجب أن يعتذر لأنني أظهرتُ لكَ هذا المشهد.”
وفي اللحظة التي أشارت فيها الإمبراطورة بيدها لإلقاء إنغريد في السجن تحت الأرض، نجحت إنغريد أخيرًا في نقر أصابعها.
التعليقات لهذا الفصل " 60"