إحداها هي أسر الجيش التي تُخرِّج الجنود وتخرج بأنفسها إلى ساحة القتال، والأخرى هي الأسر السياسية التي تبقى في الإمبراطورية وتؤثر في الأوضاع.
ولو أردنا تصنيف عائلة الكونت آرسين، فهي أقرب إلى الأسر السياسية؛ إذ كانوا يحركون الموارد لتحقيق الأرباح ويتعاملون مع العائلات الأخرى بما يكسبونه.
لذلك لم تكن سيلينا بحاجةٍ إلى الذهاب إلى الأكاديمية. فالأكاديمية الوحيدة في الإمبراطورية كانت، في الحقيقة، مكانًا يضع الأساس لأبناء الأسر العسكرية.
وبشكلٍ طبيعي، كان الذكور أكثر عددًا فيها، أما الفتيات القلائل فمعظمهن بنات أسرٍ عسكرية.
ودخول سيلينا إليها، بل وحصولها على منحةٍ دراسية أيضًا، كان لتأثير كلمةٍ واحدة من إيريك دورٌ كبير فيه.
“هل يجب عليكِ حقًا العيش في ذلك القصر؟ لماذا تعيشين كل يومٍ وأنتِ ترين من يضايقونكِ؟ لماذا لا تخرجين وتعيشين بعيدًا عنهم؟”
فور مغادرة الكونت آرسين القصر بسبب عمله، كان تنمّر فلورا وبراندون يبدأ.
لا يعطونها طعامًا جيدًا، يرمون أشياءها الثمينة، ويؤذونها في مواضع لا تترك أثرًا. لكن سيلينا لم تخبر والدها بذلك.
ورؤية صديقة طفولته التي لا تتذمر حتى أمامه جعلت إيريك يتحدّث،
“أنا سأذهب إلى الأكاديمية ممثلًا عن العائلة الإمبراطورية. وهناك أيضًا سكنٌ داخلي، فلنذهب معًا. يمكنكِ تعلّم كيفية القضاء على من يضايقونكِ ثم تعودين أقوى.”
في الحقيقة، كان إيريك يقول ذلك لأنه لم يرغب في الذهاب وحده، لكن كلامه كان له تأثيرٌ جيد على سيلينا.
فهمت أنها ليست مضطرةً للبقاء منكمشةً وحدها، وأن هنالك طريقًا للنمو بعيدًا عن المنزل.
وعندما أدركت ذلك طلبت من الكونت آرسين أن تذهب إلى الأكاديمية.
“لا يمكن.”
و عارض الكونت آرسين الأمر بطبيعية.
“أنتِ ما زلتِ صغيرة. لو شاع أن فتاةً في العاشرة تركت عائلتها وعاشت في الأكاديمية، فلن يساعد ذلك في سمعتكِ. من الأفضل أن تدخلي المجتمع الراقي مبكرًا وتثبتي مكانتكِ..…”
“سيدي الكونت، دعها تذهب. هذه أول مرةٍ أرى فيها سيلينا تُظهر رغبةً في القيام بشيءٍ من تلقاء نفسها. ما دامت هي التي تريد، فستعود بشيءٍ ينفع العائلة. أليس كذلك، سيلينا؟”
لأول مرة، دعمت فلورا رغبة سيلينا. فقد اغتنمت الفرصة عندما قالت سيلينا –بشكل غير مباشر– أنها ستخرج من البيت الذي تزعجها فيه.
“لكن..…”
كانت الأكاديمية برنامجًا لا يقل عن أربع سنوات، وإن رسب الطالب، طال الأمر أكثر.
“لا يمكنني دفع مصاريف دراستكِ إلى الأبد. الأمر مستحيل.”
تذرّع بالرسوم، لكن الحقيقة أن الكونت آرسين كان يخشى أن تعيش ابنته الوحيدة بعيدًا عنه وحدها في الأكاديمية.
صحيحٌ أن المسافة بينهما زادت بعد زواجه من فلورا، لكن سيلينا كانت ما تزال ابنته العزيزة المحبوبة.
وبعد ولادة سيباستيان، اعتقد أن بقاء الجميع في منزل واحد هو السبيل لجمع العائلة.
لكن تلك كانت رؤيته وحده. فمنذ أن وضعت فلورا عينيها على هذه العائلة لتكون ملكًا لابنها، لم يعد خيار التعايش مع سيلينا موجودًا بالنسبة لها.
وسيلينا الصغيرة كانت تدرك ذلك ضمنًا.
“ادفعوا فقط رسوم السنتين الأوليين.”
كان من المضحك أن تشتهر عائلة الكونت آرسين بالغنى ثم يقلقون بشأن المال، لكن سيلينا تحدّثت بثقة،
“سأحصل على منحةٍ لبقية السنوات مهما كان.”
وعندما سمع إيريك خطتها قلق.
“لو عرف الناس أن ابنة عائلةٍ غنية مثل عائلتكم تستخدم نظام المنح، فسوف ينتقدونكِ. سيقولون أنكِ تأخذين فرصة شخص آخر.”
لكن سيلينا ردّت كما لو لم يكن هناك ما يدعو للقلق.
“مال عائلة آرسين ليس لي بعد. وبوسعي تحمل همسات الناس. ثم سأُري الجميع بثقةٍ أنني أستحق المنحة.”
وبإصرارها هذا، لم يستطع الكونت آرسين ثنيها. وفي النهاية التحقت سيلينا بالأكاديمية.
“غريب…..لأول مرة تتفق مشاعرنا. حسنًا، إن لم نتوافق ونحن تحت سقفٍ واحد، فربما العيش كلٌّ في مكانه هو الحل. على أي حال، سأطلب من الكونت أن يدفع رسوم السنوات الأربع كاملة.”
قالت فلورا ذلك بلطفٍ مصطنع عندما كانت وحدها مع سيلينا، لكنها نظرت إليها ببرود،
“سنتان فقط تكفيني. سأحصل على دعم المنحة في السنتين الباقيتين.”
“أنتِ صغيرةٌ ولا تدركين، لكن الناس لهم أعين. كيف يكون حال عائلة الكونت آرسين إن كانت ابنتهم طالبة منحة؟ ما الذي سيظنونه بنا؟”
“سيظنون أننا نمرّ بظرفٍ مالي يمنعنا من دفع كامل الرسوم. وهذا أفضل مئة مرة. لذا لا تتصدقي عليّ بدفع الرسوم. حتى لو كان المال كله بيدكِ، لن أقبل أن أتسوله.”
وبينما كانت سيلينا تمر بجانب فلورا، توقفت والتفتت إليها.
“ثم لنكن دقيقين…..عندما تقولين (عائلتنا)، قد يظن السامع أنكِ والدتي.”
فصرخت فلورا بغضب، ووجهها محمر، خلف سيلينا التي كانت تبتعد.
“حسناً! افعلي ما تشائين! سنرى حتى متى ستصمدين!”
وهكذا ذهبت سيلينا إلى الأكاديمية.
وخلال حياتها في الأكاديمية، كانت الرسوم الدراسية التي أرسلتها العائلة لا تتجاوز رسوم سنةٍ واحدة فقط. ولم يكن من الضروري سؤال من الذي خطط لهذا.
ولذلك، حتى عندما عادت إلى المنزل مرتين كل عام، كانت تتجنب عمدًا الحديث عن الرسوم.
“كان يمكنني دفع رسوم سنةٍ أخرى لكِ فقط.…”
“لا حاجة. سأدبر أمري بنفسي.”
مدّ إيريك يده مجددًا، لكن سيلينا رفضت فورًا. كان رفضها خفيفًا كأنها كانت تتوقع هذا مسبقًا.
ومنذ سنتها الأولى، كانت سيلينا تستعد لمثل هذا. فخلال الفصل كانت تعمل عملًا مكتبيًا لدى محاضري الأكاديمية، وفي العطل كانت تؤدي أعمالًا بسيطة في متجر آرسين التجاري.
وبعملها لدى المحاضرين، أصبحت قريبةً منهم وتعلمت منهم طرقًا فعالةً لدراسة كل مادة.
وبمساعدة المتجر، تعلمت أيضًا مهاراتٍ عملية ستحتاجها مستقبلًا في إدارة شؤون العائلة.
ومع تحسن درجاتها تدريجيًا، بدأ الطلاب يطلبون منها دروسًا خصوصية.
وهكذا، كانت نتيجة عملها الدؤوب لمدة ثلاث سنوات ونصف: التخرج المبكر بالمركز الأول.
***
لم يكن الأمر أسهل مما توقعه الآخرون، لكن حياتها في الأكاديمية كانت ممتعة.
ولم تستطع التركيز على دراستها وحدها دون دعم كامل من العائلة، لكنها في المقابل تعلمت الكثير واكتسبت أكثر.
أما الواقع الأكثر قسوة فقد بدأ بعد دخولهت في المجتمع الراقي.
“لن أنسى أبدًا.”
فكرت سيلينا وهي تضع صندوق الأقلام الريشية في مكانه.
وعلى الرغم من تخرجها الأول على دفعتها، كانت نظرات الناس نحوها باردة.
إصرارها على الذهاب للأكاديمية رغم اعتراض والديها. وحصولها على منحة دراسية هناك وكأنها انتزعت فرصة غيرها. كل ذلك ظل يلاحقها منذ لحظة دخولها الساحة الاجتماعية، وكأنه عيب لا يمحى.
ولهذا كان مورغان باتيل دائمًا يتصرف كما لو أن خطوبته لسيلينا خسارةٌ كبيرة له.
فلو لم يكن هناك مشروع التجارة المشتركة، ولو لم تُجبر على خطبته، ولو لم تقبل دور “الشريرة”، لما تقدم أحدٌ لخطبتها أصلًا.
“أكثر من استفاد من هذا المشروع التجاري المشترك هي سيلينا. فقد حُلّت مشكلة خطيبها أيضًا، أليس كذلك؟”
تذكرت سيلينا ضحكة فلورا وهي تقول ذلك أمام عائلة باتيل، فقبضت يدها بقوة.
‘وبعد الخطوبة قالت ماذا أيضًا؟ هل قالت أن المرأة بمجرد زواجها ومغادرتها المنزل ينتهي كل شيءٍ بالنسبة لها؟ حسنًا…..سترين. سأصبح سيدة العائلة مهما كان، وسأعيش هنا أتمتع بحقي بكل فخر.’
تعهدت سيلينا بذلك وهي تنظر من النافذة نحو المبنى الرئيسي للقصر الذي يلمع تحت ضوء القمر.
‘ذلك مكاني. ولن أسمح لأحد بأخذه. وخاصة إن كانا فلورا وبراندون.’
لم تعد سيلينا تلك الطفلة ذات العشر سنواتٍ التي تتحمل كل شيء وتنكمش صامتة.
بل أصبحت فتاةً بنيةٍ واضحة، قادرةً على فعل أي شيء لتحقيق هدفها، وقد نضجت بقوةٍ وصلابة.
_______________________
واو ردودها على زوجة ابوها وهي عشر سنوات بس حلوه😭
وابوها اذا كان صدق يحبها مستحيل مايعرف يعني مب عذر انه يسافر ولاش كم سنه ولا يدري عن شي؟ مستحييييييل يع اكره الي كذا
المهم اخوها الصغير من ابوها يارب انه حبيب خير غش وش ذا العائله الخايسه
التعليقات لهذا الفصل " 6"