طرق بين باب مكتب سيد الأسرة بمظهرٍ أكثر ترتيبًا بقليلٍ مما كان عليه حين ركض إلى القصر.
و سلّم سيلينا التي فتحت الباب بنفسها التقرير الذي قدّمه لها، ثم ناولته مرهمًا.
“آنسة، تفضّلي باستدعاء أولئك الأشخاص. هناك أمورٌ يجب الاستماع إلى التقرير معًا والتحقق منها.”
“أولئك الثلاثة؟”
سألت سيلينا باستغراب.
“ما كلّفتكَ به هو التحقيق في ماضي إنغريد، أليس كذلك؟ هل له علاقةٌ بهم؟”
“أنا أيضًا تفاجأتُ أثناء التحقيق، لذا أحتاج إلى التأكد.”
قلبت سيلينا التقرير صفحتين أو ثلاثًا وقرأت بسرعة، ثم سألت بدهشة.
“قرية إتران؟ القرية إتران تلك؟”
“نعم، لم يكن أحدٌ يعرف اسم إنغريد هايزل، لذلك كنت أُريهم صورتها وأسأل واحدًا واحدًا.”
“ثم ظهر شخصٌ تعرّف على الوجه، وكان قد عاش قرب قرية إتران التي اختفت الآن ثم انتقل منها؟”
“نعم. وقرية إتران تلك….”
“موطن فلورا الأصلي.”
كان اسمًا رأته مرارًا أثناء التحقيق بعد أن أصبحت نائبة سيد الأسرة، خوفًا من أن تكون فلورا قد هرّبت ممتلكات العائلة.
“من المؤكد أن علينا سؤالهم مباشرة. ربما كانوا يعيشون في القرية نفسها. إن كانوا من البلدة ذاتها فلا بد أنهم يعرفون بعضهم جيدًا.”
“ذهبنا إلى موقع قرية إتران، لكن لم يبقَ سوى آثار احتراقٍ قديمة، ولم يكن هناك أحدٌ يعيش فيها.”
“حقًا لم يكن هناك أحد؟”
“نعم. وبعد أن أدركت أن أولئك الأشخاص هم الدليل الوحيد، عدتُ مسرعًا إلى القصر. أين هم الآن؟”
جلست سيلينا على الأريكة وهي تمسك رأسها كأن الأمر أصابها بالصداع.
“أنا أيضًا أريد أن أسألهم بنفسي، لكن يبدو أن ذلك لن يكون سهلًا.”
انتظر بين بهدوءٍ كلمات سيلينا التالية، فتنهدت.
“لقد اختفوا. فلورا، و براندون، و سباستيان. الثلاثة جميعًا.”
“ماذا؟”
“هل أنتَ متأكدٌ أنه لم يبقَ أحدٌ في قرية إتران؟”
“نعم. لم يكن هناك أحد، ولا حتى بيوتٌ صالحة للسكن. سألتُ الجوار فقالوا أن القرية احترقت بالكامل في حريقٍ كبير قبل نحو عشر سنوات، ولم يعد أحدٌ يعيش هناك منذ ذلك الحين.”
تنهدت سيلينا وأعادت قراءة التقرير مرارًا وتكرارًا. و مهما قرأته لم تستطع تصديقه.
‘هل يعقل أن أشخاصًا مرتبطين بإنغريد كانوا قريبين إلى هذا الحد؟’
وبينما كانت تفكر بعمق، ضربت سيلينا ركبتها فجأة.
“إذًا لهذا السبب كان الأمر كذلك.”
كانت فلورا قد رأت إنغريد بوضوحٍ لأول مرة في حفل الظهور الأول للايلا أندرسون. ومنذ ذلك اليوم، انعزلت في غرفتها ولم يعرف أحدٌ ما كانت تفعله.
‘كأنها شخصٌ يخشى شيئًا ما.’
أصبح واضحًا أن إنغريد كانت وجودًا مخيفًا بالنسبة لفلورا.
‘لماذا كانت تخافها إلى هذا الحد؟ شخصٌ كان مليئًا بالطموح ليستولي على هذا البيت، بل ويقف ضدي، فكيف انتهى بها الأمر إلى التخلي عن كل شيءٍ والفرار؟’
أرادت سيلينا أن تعرف إلى أي حدٍ كانت فلورا تعلم بأمر إنغريد.
‘هل هربت لأنها عرفت أنها الشريكة الحقيقية للوريث هذه المرة؟ وما علاقتهم هم بذلك؟ لا، لا بد أن هناك شيئًا ما جعل فلورا تهرب. لكن….’
عند هذا الحد، خطرت لسيلينا فكرةٌ مرعبة دون وعي، فنظرت إلى بين بعينين قَلِقتين.
لم تكن فلورا تشبه أبدًا الأم التي غادرت جانب سيلينا مبكرًا. فكيف يجلب والدها فجأةً امرأةً كهذه، بل امرأةً لها ابنٌ من رجلٍ آخر، إلى أمام سيلينا؟
‘إلى أي حد كان والدي يعلم بأمر فلورا؟ بما أنهما كانا زوجين، فهل كان يعرف كل أسرارها؟ هل كان يعلم بحقيقة إنغريد أيضًا؟ ماذا لو طلب مني حتى أبي أن أتخلى عن زينوس؟’
وكأنه قرأ أفكارها، تحدّث بين بوجهٍ ثقيل.
“لا أعلم على وجه اليقين إن كان الكونت يعلم شيئًا. لا بد أن ننتظر، فالسفينة لم تصل بعد.”
فأومأت سيلينا برأسها. و شدّت قبضتها على التقرير من شدة القلق.
كانت حقاً ترغب في العثور على فلورا فورًا وسؤالها عن كل شيء.
***
“أمي، أليس من الأفضل أن نعود إلى بيتنا الآن على الأقل؟”
قال براندون ذلك وهو يجلس على كرسي غرفة الضيوف محدثًا صوتًا.
“اشكر حظكَ على ما ننعم به الآن. أم تفضل العودة إلى القرية التي كنا نعيش فيها؟”
“تلك القرية….لقد احترقت ولم تعد موجودة.”
“إن لم تكن تنوي الذهاب إلى تلك الأنقاض، فالتزم الصمت. هذا هو البيت الوحيد الذي قبلنا دون أن يحتقرنا، فكن هادئًا. مفهوم؟”
“أمي، متى سأتمكن من تلقي الدروس مرة أخرى؟”
عند سؤال سباستيان، مسحت فلورا وجنتي ابنها الممتلئتين،
“يا صغيري، هذه فترة استراحةٍ قصيرة من الدروس. ما زلتَ صغيرًا، ولا ينبغي أن ترهق نفسكَ. حسنًا؟ نحن فقط في زيارةٍ قصيرة مع أمكَ وأخيكَ، فلا تقلق.”
“نعم يا أمي. لكن لماذا لم تُحضري الأخت الكبرى معنا؟”
عند سماع كلمة “الأخت الكبرى”، كادت فلورا أن تصرخ، لكنها كبحت نفسها و ردّت بلطف.
“أختكَ سيلينا مشغولة. عليها أن تحمي العائلة بدلًا من سباستيان، لذلك لم تستطع المجيء للعب معنا.”
“وسباستيان أيضًا يجب أن يبقى إلى جانب أختِه ويحمي العائلة.”
“صحيح. لكن الآن، فلنرتح جيدًا هذه المرة، وبعدها نحمي العائلة معًا.”
كانت فلورا ترى أن سباستيان هو الوريث الحقيقي لأسرة الكونت أرسين. ولهذا كانت تحاول ألا تُظهر أي تصرفٍ غير لائقٍ أمام سباستيان.
“أليس خروج الكونتيسة آرسين من المنزل بحد ذاته مشكلة؟”
وحين سخر براندون من جانبها، لم تتمالك فلورا نفسها فضربته على ظهره.
“أمي! أنا ما زلتُ مريضًا!”
رغم أن ظهره لم يبقَ فيه سوى أثر ندبةٍ خفيفة، أخذ براندون يصرخ بأعلى صوته، لكن نظرة فلورا بقيت حادةً كما هي.
“وهل تتصرف هكذا وأنتَ أخ سباستيان؟ ألم أوصِكَ بألا تُري أخاكَ إلا ما هو حسن؟”
“إذًا لماذا نترك بيتًا يمكن أن نُريه فيه الأشياء الجيدة فقط و….”
نظرت فلورا إلى براندون، وتنهدت ثم فاضت عيناها بالدموع.
“يبدو أنكَ نسيت كل شيءٍ حقًا. كيف كنا نعيش.”
و حين رأى ذلك، ارتبك براندون.
“أ-أمي، لماذا تبكين؟”
“سأقولها مرةً واحدة فقط، فاستمع جيدًا. حين دخلتُ أسرة الكونت أرسين، كنتَ في عمر سباستيان الحالي.”
“أتذكر هذا.”
في سن الثامنة، خرج براندون للمرة الأولى إلى مكانٍ يُدعى العاصمة.
بالنسبة لبراندون، الذي عاش يراقب وجوه الناس في قريةٍ صغيرة وسط الغابة، كانت العاصمة مكانًا واسعًا وضخمًا على نحوٍ لا يُصدق.
مكانٌ تعج فيه العربات التي بالكاد كان يراها مرةً في الأسبوع، وتنتصب فيه المباني الكبيرة في كل مكان.
ولم يتمكن من النزول من العربة إلا بعد أن وصلوا إلى أكثر البيوت ضخامةً بينها.
في الداخل كان هناك رجلٌ يُدعى الأب، وطفلةٌ ستصبح أخته الصغرى.
كان يدرك من النظرة الأولى أنها مختلفةٌ عن فتيات القرية. كأنها إنسانةٌ صُنعت من شيءٍ مختلفٍ تمامًا، من رأسها حتى أخمص قدميها.
شعر بالفارق، فاختبأ دون وعي خلف طرف تنورة فلورا. و رمش بعينيه مرارًا.
‘لعل كل هذا مجرد حلم؟’
وحين يفتح عينيه من جديد، ألن يجد نفسه محبوسًا في بيت لا يحتاج إلى أكثر من بضع خطواتٍ ليصل إلى بابه؟
قضى أيامًا وهو يفكر أن احتراق القرية ربما كان هو الآخر حلمًا ليس إلا.
كانت فلورا تظن أن براندون نسي كل شيء، لكن الحقيقة أن من لم يستطع نسيان ذكريات الطفولة كان براندون نفسه.
“لم يكن قراري بالزواج من الكونت آرسين قرارًا سهلًا أبدًا.”
لم تنسَ فلورا ما الذي ضحّت به كي تأتي إلى قصر الكونت آرسين.
“من كان يظن أنني سألتقي بتلك المرأة هنا.”
ما زال الخوف الذي شعرت به حين رأت تلك المرأة ترقص على مسرح حفلة الظهور الأول لا يفارقها.
“علينا أن نهرب، بأي طريقةٍ كانت. إن كُشف أمرنا الآن فلا أعلم أي مصيرٍ سينتظرنا.”
“لكن ماذا لو تركنا كل شيء وراءنا؟ كان يمكنني أنا وسباستيان أن نتقاسم كل ما يخص أسرة الكونت آرسين.”
“وماذا إن متنا قبل ذلك؟”
كان براندون يحتفظ هو الآخر بذكريات طفولته، ولذلك كان يعلم ما الذي تخشاه فلورا.
لكنه لم يكن يفهمه إلا بعقله لا بقلبه.
“ربما لم تكن تلك السيدة مخيفةً كما نتصور. ربما إن سمعت قصتنا ستساعدنا-”
“كفّ عن هذا الكلام الفارغ. اسمع جيدًا، إن صادفتم تلك المرأة مرة أخرى، فلا تذكروا أبدًا أمر قريتنا.”
كررت فلورا الوصية التي قالتها مرارًا قبل مغادرتها المنزل.
“إن علمت أن من أحرق القرية هو نحن، فلن تتركنا تلك المرأة وشأننا أبدًا.”
____________________
واااااااات؟؟؟ حسبت انغريد هب الي حرقت 😂
بعدين ليه يقولون تلك المرأة؟ ماقالوا تلك الفتاة🌝
المهم يارب يلقونهم بسرعاااااااه الحيوانه فلورا متى تعلم سيلينا
التعليقات لهذا الفصل " 58"