جلست سيلينا على أريكة غرفة الاستقبال غارقةً في أفكارها بصمت.
حتى بعد عودتها إلى المنزل لم يكن من السهل أن تطمئن، فمصير هذه المسابقة سيحدد مستقبل سيلينا.
وبينما كانت تحصي الاحتمالات واحدًا تلو الآخر، حدث ذلك.
طرق طرق-
“لقد وصلتَ إذاً.”
فُتح الباب فورًا، وكأنها تعرف من الطارق.
“هل كنتِ تنتظرينني؟”
“عندما ناديتَني قبل قليل وغادرتُ دون أن أجيب جيدًا، توقعتُ أنكَ ستأتي لرؤيتي على انفراد.”
فتنحت سيلينا جانبًا.
“تفضل بالدخول واجلس. لنتحدث على مهل.”
في توقيتٍ مناسب، أحضرت كاشي الشاي وبعض الضيافة ثم انسحبت.
جلس زينوس على أريكة الجناح الشرقي، لكنه لم يعرف كيف يبدأ الحديث، فاكتفى بالصمت.
و راقبته سيلينا بهدوء، ثم ارتشفت رشفةً من الشاي.
“جئتَ لأنكَ قلق. تخشى أن يكون قلبي قد تغيّر، صحيح؟”
“سيلينا، أنا.…لو قلتُ أنني لم أتردد، لكنتُ أكذب.”
أومأت سيلينا برأسها.
“الأمر يتعلق بحياتكَ ومستقبلك، من الطبيعي أن أتردد.”
كانت يد سيلينا ترتجف ارتجافًا خفيفًا، ولم يفت ذلك نظر زينوس.
فاقترب وجلس قربها، و أمسك يدها المرتجفة وطبع قبلةً عليها.
“زوجتي هي أنتِ. أنتِ تعرفين ذلك.”
“….هذا ليس قرارًا يُتخذ بهذه البساطة. ربما تموت وحيداً بسبب تلك القوة. لو كان بوسعي إنقاذكَ، لو استطعتُ أن أخلّصكَ من مصير الموت الوحشي، لاخترتُ حتى خيار الدوق فيليب.”
“هل تعتقدين حقًا أن ذلك الإختيار من أجلي؟”
ثبتت عيناه الحمراوان عليها دون تردد.
“الاختيار الحقيقي من أجلي هو أن أعيش معكِ كزوجين حقيقيين، شهرًا كان أو أسبوعًا، بل حتى يومًا واحدًا يكفي. حتى لو انتهى بي المطاف محبوسًا وحدي بعدها، فسأعيش على الذكريات التي صنعناها معًا.”
ظلت سيلينا تنظر إليه بصمت، ثم كأنها لم تعد تحتمل، اندفعت إلى صدره.
“شكرًا لأنكَ أريتني صدق قلبكَ.”
“سيلينا.”
كانت الدموع قد انهمرت على وجنتيها دون أن تشعر.
“لكن لا تقل مثل هذا الكلام الحزين. مصير العيش وحيدًا؟ أنا سأكون دائمًا إلى جانبكَ. في أي لحظة، دائمًا معًا.”
“سيلينا، لا تبكي.”
لامست يدُه بحنان وجنتيها وحواف عينيها.
“أتعلم؟ طوال حياتي، كل ما أردته حصلتُ عليه بالاجتهاد. منحة الأكاديمية، المركز الأول، منصب القائم بأعمال سيد العائلة، وحتى لقب الدوقة الكبرى….نلتُه بالجهد، أليس كذلك؟”
“صحيح. لقد اجتهدنا معًا.”
“فلا يمكنني التخلي عن ذلك بسهولة.”
وضعت سيلينا يدها فوق يد زينوس، قابضة عليها بقوة، وكأنها لن تفرط بها أبدًا.
“الدوقة الكبرى في هذه الإمبراطورية واحدةٌ فقط. أليس كذلك؟”
فشدّ زينوس على يدها بقوة.
“نعم، سيلينا. لا أحد سواكِ.”
“ما دامت قلوبنا لا تتغير، سأبقى معكَ إلى الأبد.”
عندها فقط خفّ القلق قليلًا من ملامح زينوس.
“هل أنتَ مستعدٌ الآن لأُرسك الجناح الشرقي الذي كنتُ أعيش فيه؟”
“هل يسمح لي بالتجول هناك؟”
“قد تمكث هنا في الجناح الشرقي لبضعة أيام، لذا من الأفضل أن تعتاد عليه.”
“هنا؟”
“سمعتُ أن العربة التي أقلّت الآنسة هايزل سرًا من البوابة الخلفية للقصر الإمبراطوري كانت تحمل شعار الدوقية.”
كانت سيلينا قد أرسلت من يراقب إنغريد بطبيعة الحال. فالشخص الذي قد يُقتاد إلى أرض التنانين لا بد من تتبع تحركاته.
“ظننتُ أنكَ لن ترغب في الإقامة مؤقتًا في قصر الدوق، لذلك طلبتُ الاستعداد.”
“لهذا كنتِ تنتظرينني هنا. كأنك قرأتِ قلبي كله.”
“ألا يجب أن أفعل هذا القدر لأقول بثقةٍ أنني زوجتك؟”
عندها لم يتمالك زينوس نفسه، فقبّل جبين سيلينا. و احمرت وجنتاها خجلًا، فأراحت وجهها لحظة على صدره، ثم ابتعدت قليلًا.
“تعال من هنا. سأرشدكَ.”
تبع زينوس سيلينا وهي تقوده في أرجاء الجناح الشرقي.
كان سعيدًا لأنها سمحت له بالدخول إلى عالمها. ففي كل زاوية من الجناح كان يشعر بوجود سيلينا.
حتى القلق الذي جاء به إلى هنا اختفى دون أن يشعر.
“أظن أنني أحسنتُ الاختيار حين تزوجتكِ.”
لم تفهم سيلينا كلامه المفاجئ جيدًا، فسألته: “نعم؟”
“فقط….أردتُ أن أقول أنني لا أستطيع العيش بدونكِ.”
***
لم يكن اليوم التالي هادئًا كما توقعت.
كان الجناح الشرقي، حيث استُقبل الضيف سرًا، ساكنًا، لكن الجناح الرئيسي كان يعج بالاضطراب.
أغمضت سيلينا عينيها أمام هذا الواقع الذي لا يُصدَّق.
“أعيدوا البحث مرةً أخرى جيدًا! الجناح الشرقي انتهى تفتيشه بالفعل، لذا ركّزوا على المبنى الرئيسي والجناح الغربي!”
“أمركِ.”
قالت سيلينا أن تفتيش الجناح الشرقي قد انتهى، خشية أن يُزعج الناس زينوس أثناء تفتيش القصر.
“إلى أين ذهبوا بحق؟”
وهي تنظر إلى الغرفة التي أضحت خاويةً تمامًا، هزّت سيلينا رأسها، إذ لم تستطع بعد تقبّل ما حدث.
“لا يوجد أحد!”
“ولا هنا أيضًا!”
عادت سيلينا وسألت آنا، التي كانت تعمل خادمةً لدى الكونتيسة آرسين.
“متى كانت آخر مرةٍ رأيتِهم فيها تحديدًا؟”
“حتى اللحظة التي قدّمتُ فيها الشاي لتهدئة أعصابها الليلة الماضية، كانت موجودةً في الغرفة بلا شك.”
ثم سألت الخادم المسؤول عن سباستيان، الذي كان يقف إلى جوارها.
“حين جئتَ هذا الصباح لتقديم الفطور للسيد الصغير، لم يكن في الغرفة، أليس كذلك؟”
“نعم. ظننتُ ربما خرج وحده في نزهةٍ صباحية، فتفقدتُ المكان من حولي، لكنه لم يكن موجودًا.”
وضعت سيلينا يدها على رأسها، وقد حوصرت بالمأزق.
“في الوقت الحالي، تأكّدوا مما إذا كان من بين الأغراض التي تركها الثلاثة شيءٌ قد يدل على مكانهم. و ابحثوا جيدًا إن كانوا قد تركوا ملاحظاتٍ مكتوبة.”
“نعم، آنستي.”
لم تشعر يومًا بثقل لقب “سيدة القصر بالنيابة” كما شعرت به اليوم.
‘إلى أي حدٍ يمكن أن تتفاقم الأمور لتصل إلى هذا الحد؟’
قبضت سيلينا على يدها الفارغة بإحكام.
حين جاءت بعد تلقي تقرير الصباح، وجدت غرف فلورا وبراندن وسباستيان خاويةً تمامًا.
هل كان خطأها أنها تعمّدت ألا تتقاطع تحركاتهم أثناء انتقالهم للعيش في المبنى الرئيسي؟
لم تكن تعلم حتى متى ولا كيف غادر الثلاثة القصر.
نظرت سيلينا إلى غرفة الكونتيسة آرسين الخالية، وأطلقت ضحكةً واهنة خالية من المعنى.
‘كل هذا العناء لأجل أشخاصٍ يفرّون بهذه السهولة.’
كانت تظن أن مجرد خطأ صغير قد يؤدي إلى كارثة. وأن ذلك الخطأ التافه سيُمسك به ذريعة، فتفقد منصبها كسيدة للقصر، وتُباع لرجل نبيل عجوز، لا يملك سوى المال، في الريف.
هؤلاء الأشخاص الذين دخلوا حياتها وهي صغيرة، بوصفهم إخوةً غير أشقاء ودخلوا العائلة، كانوا من هذا النوع.
لكنهم، مع ذلك، كانوا عائلة.
وبوجود سباستيان، الذي وُلد بعد عامين فقط من الزواج، ظنّت أنها لن تعيش يومًا دون أن تضطر لرؤية هؤلاء الناس.
“لكنهم هربوا؟ إلى أين؟ هل كان لفلورا بيت أهلٍ لا أعلمه؟”
كانت قد تحققت سابقًا من احتمال أن تكون فلورا قد اختلست أموال أسرة آرسين.
لكن فلورا لم يكن لها أي أقارب. عائلتها الوحيدة كانت براندون الذي جاءت به معها عند زواجها. ولم تكن هناك أي دلائل على إرسالها المال إلى أحد.
“لذلك لم أستطع حتى الشك في وجود عشيق. من هذه الناحية كانت نظيفةً تمامًا. إلى أين ذهبت إذًا؟”
كان هناك من حافظوا على قدرٍ من الودّ معها بالنظر إلى ثروة أسرة آرسين، لكن لم يكن بينهم من يملك علاقةً وثيقة بما يكفي ليُخفي امرأةً مع ولديها الهاربين.
هزّت سيلينا رأسها لتطرد أفكارها، وركّزت من جديدٍ على البحث عن الثلاثة.
“سباستيان ما يزال صغيرًا. لن يكون من السهل الهرب به. لا بد أن أحدًا رآهم. يجب أن نبدأ بالبحث عن الشهود.”
توجّهت سيلينا نحو البوابة الرئيسية حيث يتمركز الفرسان المكلّفون بحراسة القصر.
“لو أنهم غادروا عبر البوابة الرئيسية، لما أمكن أن يفوتنا ذلك.”
قال قائد الحرس ذلك، لكن كلامه لم يكن مطمئنًا تمامًا.
‘مع أنهم فوّتوا دخول زينوس مرتين.’
وبينما كانت على وشك الرد، وقع بصر سيلينا على شخصٍ يندفع بسرعة على صهوة جواده نحو بوابة القصر.
“أخيرًا وصل.”
كان الشخص الذي كانت سيلينا تنتظره.
وعندما بلغ البوابة، ترجل عن جواده، وعدّل هيئته المبعثرة قدر الإمكان، ثم انحنى أمام سيلينا.
“عدتُ بعد تنفيذ أوامر الآنسة.”
_____________________
من ذاه؟
يضحك ذولا طقوا كله من انغريد؟ طيب ياحماره كان علمتي سيلينا وخلاص😭
المهم احب ورعاني ماخلوا حتى فرصة لسوء الفهم على طول فهموا بعض وضموا بعض والحياه حلوه😔🤏🏻
التعليقات لهذا الفصل " 57"