اقتربت إنغريد قليلًا من الحكم الواقف أمامها وهمست في أذنه.
“بما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، فلتمنح زهرتكَ لي. لا يصح أن نجعل من هنا ينتظرون أكثر، أليس كذلك؟ وحتى لو صعد غيري إلى النهائيات فلن يبقى في النهاية ضمن المرشحتين الأخيرتين على أي حال.”
“يبدو كلامكِ وكأنكِ تقولين أنكِ ستصلين إلى النهاية؟”
“ولِمَ لا؟ أنا متأهلةٌ إلى النهائيات. أليس من الحكمة أن تختار الطرف الصحيح وتقف في صفه؟”
قالت إنغريد ذلك وهي ترسم ابتسامةً فاتنة.
“حتى سمو ولي العهد لن ينسى زهرتكَ.”
وعندها، وكأن تردده قد انتهى، مدّ الحكم الزهرة التي في يده إلى إنغريد.
“أصبحتُ أرغب في رؤية الآنسة ضمن المرشحين النهائيين. تفضلي، اقبلي زهرتي.”
وعلى هذا التقييم الذي لم يرق لها إطلاقًا، قبضت الإمبراطورة على مروحتها بقوة.
لكن التحكيم كان قد تم أمام الجميع بالفعل. وهكذا بلغ عدد الآنسات المتأهلات إلى النهائيات أربعًا وعشرين.
لايلا، وسيلينا، وإنغريد فقط حصلن على ثلاث زهرات لكل واحدة.
فتقدّمت الإمبراطورة لتنظيم المكان.
“أهنئ جميع الآنسات اللواتي حصلن على الزهور اليوم. أتطلع إلى النهائيات التي ستصنعنها بأيديكن. أما الآنسات اللواتي لم يحصلن على زهرة، فسأقدّم لهن لاحقًا هديةً تعويضية على حدة.”
“نتشرف بذلك.”
“والآن، عُدن جميعًا للراحة. ستُقام النهائيات بعد غدٍ في القصر الإمبراطوري مجددًا، فاحرصن على الحضور في الوقت المحدد.”
لم يكن امتياز الإقامة في القصر الإمبراطوري يُمنح لأي شخص.
وبما أن التصفيات قد انتهت، كان على كل واحدةٍ أن تبحث بنفسها عن مكانٍ تقيم فيه.
المتأهلات اللواتي لا يمتلكن قصرًا خاصًا في العاصمة، اضطررن إلى اللجوء حتى إلى بيوت أقارب بعيدين والاستعداد هناك للجولة التالية.
وسط الجموع المتفرقة، اقترب زينوس بهدوءٍ من جانب سيلينا.
“سيلينا.”
وعند سماع صوته من خلفها مباشرة، تصلّب جسد سيلينا.
“لكنّكِ تعرفين، أليس كذلك؟ لا يكون للوريث سوى شريكةٍ واحدة. عليّ أن أنقذ ابني.”
ترددت في ذهنها كلمات فيليب المتوسلة داخل العربة.
“تحدثي إلى زينوس وأقنعيه بالزواج من شريكته الحقيقية، الآنسة إنغريد هايزل.”
“سيلينا؟”
في النهاية، لم تستدر سيلينا نحوه، بل أسرعت إلى فاليري وشبكت ذراعها بذراعها.
“أنا متعبة. أريد أن أعود إلى المنزل وأرتاح حالًا.”
وتجاهلت بصعوبةٍ النظرات التي لحقت بها من الخلف، ومضت خطوةً بعد خطوة إلى الأمام.
***
ظل فيليب يحدّق طويلًا في ابنه الذي دخل بملامح غير جيدة، ثم بادر أخيرًا بالسؤال.
“سيلينا، أعني….هل التقيتَ بالآنسة أرسين؟”
“نعم. كان اليوم يوم التصفيات، وقد قدّمتُ لها الزهرة كما هو مخطط.”
“ذلك المخطط قد أُوقف بالفعل.”
قال فيليب ذلك بحزم، لكن زينوس أجابه بعد لحظة.
“المخطط لا يزال قيد التنفيذ.”
“أنت وحدكَ من يظن ذلك! آن الأوان أن تواجه الواقع!”
رفع فيليب صوته أخيرًا وقد نفذ صبره.
وفي تلك اللحظة، تذكّر زينوس ظهر سيلينا التي ابتعدت دون أن تلتفت إليه، رغم أنها سمعت صوته.
‘أيعقل.…’
“أبي، هل التقيتَ بسيلينا على انفراد؟ هل.…”
“إنها تعرف كل شيء. تعرف كل شيء! تعرف أن إنغريد هايزل هي الشريكة الحقيقية، و تعرف أيضًا أنني أنوي تزويجكَ من إنغريد هايزل.”
“……!”
كان مشهد ظهرها المبتعد كافيًا لإيلامه، فكيف وقد علم أن السبب ليس سوى والده، عائلته الوحيدة.
و في تلك اللحظة.
“يبدو أنني سأصبح فردًا من العائلة قريبًا. لم أتوقع أن أرى حتى مشهد رفع الأصوات بينكما بلا حرج.”
قالت إنغريد ذلك وهي تنزل الدرج من الطابق الثاني بهدوء.
“كنت متأسفةً لعدم حصولي على زهرة سمو الدوق اليوم، لكن بفضل رعاية والدي، سُمح لي بالبقاء في قصر الدوق حتى موعد النهائيات. أشكركَ جزيل الشكر.”
أومأ فيليب برأسه محاولًا رسم ابتسامة.
أما زينوس، الذي كان ينظر إليهما بنظرةٍ باردة كمن يشاهد مسرحيةً مملة، فقد استدار مبتعدًا. وكأنه لا يريد البقاء في المكان ذاته ولو لثانية.
“زينوس! هناك أمورٌ يجب تقبّلها.”
قال فيليب ذلك بصوت منخفض لا يسمعه سواه بعدما اقترب منه.
“زواجكَ من سيلينا لا يملك دليلًا قاطعًا أصلًا، ولا يعرف به سوى بعض النبلاء. إن أعلنتَ أنكَ وجدت الرفيقة الحقيقية وأظهرتَ قوة الآنسة هايزل، فسيتقبّل الجميع الأمر.”
و ظل زينوس صامتًا. لكن عينيه كانتا كافيتين. في نظرات الابن الذي طالما امتلأت بالاحترام، سكن الآن خيبة أمل.
و محاولةً منه لاستعادة قلب ابنه ولو قليلًا، وللتخفيف من شعوره بالذنب ولو قدرًا يسيرًا، واصل فيليب حديثه.
“سيلينا لم تكن تحبكَ منذ البداية أصلًا، أليس كذلك؟ هل نسيت عقد الخطوبة الذي استلمته؟ يمكننا تعويض الطرف الآخر تعويضًا لائقًا، وكل ما عليكَ هو أن تحسم أمركَ، وعندها يصبح كل ما حدث كأنه لم يكن.…”
“هل كنتَ تنظر إلى سيلينا بهذا الشعور طوال هذا الوقت؟”
“زينوس.”
“تعويض؟ كيف ستعوضها عن تلقيها أمرًا بالزواج من إيريك بسببي؟”
انكشف الغضب الهادئ الذي كان يبدو على زينوس للوهلة الأولى.
“وكيف ستعوضها عن تحديها أمر جلالة الإمبراطور في القصر الإمبراطوري واندفاعها خارجة بسببي؟”
“زينوس.…”
“وكيف ستعوضها عن المعاناة التي تكبدتها وهي تذهب حتى إلى أرض التنانين بسببي؟”
كلما واصل زينوس كلامه، اهتزت عينا فيليب.
“وكيف ستتصرف حيال تحوّلها إلى الشريرة سيلينا، بسببي؟”
“….…”
“وبسببي الآن! أعادت مسابقةً اندثرت، وراهنت بحياتها وبعائلتها، وتحدّت الأوامر….فكيف تنوي تعويض كل ذلك، يا أبي؟”
فتح فيليب فمه بصعوبة.
“يمكننا التفاوض مع الكونت آرسين وتحديد الأمر على نحو-”
“التفاوض مع الكونت أرسين، ها.”
عند نهاية نظرة زينوس الساخرة الممزوجة بالذهول، وقعت إنغريد التي كانت تراقب المشهد مبتسمة.
ذلك المنظر لم يكن بالنسبة إلى زينوس سوى شيءٍ مقزز.
“هل ترى هذا الخاتم؟”
مدّ الخاتم الذي كان معلقًا في عنقه نحو فيليب، فانحنى رأس فيليب تلقائيًا.
“يبدو أنكَ نسيتَ المشاعر التي منحتني بها هذا الخاتم.”
لم ينسَ فيليب تلك الأيام التي حُبس فيها داخل القصر الإمبراطوري، حين خطر له أنه قد يموت فعلًا هذه المرة.
ومع ذلك، لم يفصح عن المكان الذي ذهب إليه الاثنان.
وعندما عرف الإمبراطور موقعهما، كانا قد أتما مراسم الزواج بالفعل. وكانت عودتهما سالمين إلى العاصمة كافيةً لتشعره بالفرح.
كان يتمنى بصدق أن يكونا سعيدين.
“أليس هذا خاتم الزواج الذي تقاسمتَه مع أمي؟”
لم ينسَ فيليب هو الآخر المشاعر التي دفعته قديمًا إلى تسليم ذلك الخاتم الذي كان يتقاسمه مع كريستا.
“….ومع ذلك، فهذه مسألةٌ تتعلق بحياتكَ. في هذا الأمر لا مجال للتنازل أو المساومة. عليكَ أن تطيعني دون قيدٍ أو شرط.”
كان على فيليب أن يحمي ابنه الوحيد المتبقي، ولو من أجل كريستا.
فنظر زينوس إلى والده وهو يتحدث بإصرار، ثم هزّ رأسه.
“يبدو أن ضيفًا مهمًا قد حضر إلى والدي، لذا سأغادر وأقيم في الخارج.”
“إلى أين تذهب! وتترك بيتكَ؟”
“البيت سيضيق بالضيف، لذا أفسح له المكان. وعلى أي حال، هل هذا البيت يتسع كما يتسع قصر سمو ولي العهد؟”
ارتبك فيليب، الذي كان أصلًا يتحسس من العلاقة بين إنغريد وولي العهد.
“وفوق ذلك.”
أكمل زينوس ببرودٍ وهو يدير رأسه نصف إدارة.
“لا أريد لزوجتي أن تسمع شائعاتٍ غريبة فتتأذى.”
“زينوس، زينوس!”
ناداه فيليب مرارًا، لكن زينوس غادر قصر الدوق وخرج.
“اتركه.”
“الآنسة هايزل.”
“سيُدرك الواقع قريبًا، وسيعود من تلقاء نفسه.”
أومأ فيليب برأسه.
‘وإن لم يعد، فسنضطر لجعله يعود. الزوجة واحدةٌ فقط، صحيح؟ إن ماتت تلك، ألن يصبح المكان لي؟’
كان ما يختلج في صدر إنغريد مرعبًا. وكان فيليب، الحادّ الملاحظة، يدرك أنها تضمر نيةً أخرى.
‘ليست خصمًا عاديًا. أن تبقى ثابتة رغم كل ما رأت….تلك النظرة في عينيها تخفي مكرًا آخر. ولمَ تكون آنسةٌ كهذه هي شريكة زينوس؟….تعجيل انفصاله عن سيلينا هو الطريق الأفضل لهما معًا.’
و بدأ فيليب يفكر بجديةٍ في كيفية جعل زينوس يتخلى عن عناده.
_______________________
مب عناد يا بابا ذاه مشاعره وجع خييييييييرر
سيلينا بعد مسكينه مقدر اقولها ليه سفهته وصادق زينوس مستحيل يعوضونها عن كل الي سوته عشانه😔
و ودي حالياً يروج لسيلينا تكفى لو تتكي عند دريشتها ولا تدخل تكفى😔
التعليقات لهذا الفصل " 56"