كانت بالفعل رقصةً فريدة لم يسبق لأي من الحكّام أن رأى مثلها.
“تشبه نوعًا ما رقصات البلاد البعيدة.”
“الحركات العنيفة تتلاءم مع هذا اللحن.”
كانت الرقصة التي تؤديها إنغريد لا بد أن تبدو مبتكرةً وغريبة على أبناء سيفايا. فهي لم تكن سوى تقليدٍ تقريبي لرقصاتٍ شاهدتها عدة مراتٍ في قارة بعيدة تركتها خلفها.
تلك الراقصة التي أدت الرقصة بإتقانٍ كامل، استطاعت في النهاية أن تأسر حتى قلب إمبراطور تلك البلاد.
ورغم أن إنغريد كانت تقلدها بإتقانٍ ناقص، إلا أن الرقصة نفسها كانت مميزةً بما يكفي لتجذب الأنظار.
و تذكر بعض الحكّام كيف استخدمت إنغريد سلطة إيريك بثقة أمام بوابة القصر الإمبراطوري.
“لم يكونا حتى مخطوبين، ومع ذلك استخدمت سلطة سمو ولي العهد دون أن تتعرض لأي عقاب.”
“بهذا الشكل، ألن تصبح كل صلاحيات سمو الأمير إيريك في المستقبل بيد تلك الآنسة؟”
فتلألأت عيون الحكّام.
“بفضل الآنسة هايزل، يبدو أن تنوع الرقص قد اكتمل.”
“صناعة موضة جديدة هي أيضًا أحد أدوار زهرة المجتمع.”
“إذا فكرنا في الأمر هكذا، فهي فعلًا تستحق أن تنال زهرة.”
انتهى اللحن الذي بدا أطول قليلًا من غيره. و اتخذت الآنسات وضعية الحركة الأخيرة، ثم اصطففن من جديد بأدب وهن يتلقين تصفيق الحكّام.
و قد ظهرت الإمبراطورة مرة أخرى وبادرت بالتصفيق.
“أحسنتم جميعًا. لقد تأثرتُ كثيرًا وأنا أشاهد هيئاتكنّ الجميلة.”
“نتشرف بذلك.”
“حسنًا، لكن عدد من يمكنهم دخول النهائيات لا يتجاوز ثلاثين. وسنحدد الآن من هنّ. فليتقدم كل واحد من الحكّام ويقدم الزهرة ويشرح السبب.”
“نعم، جلالة الإمبراطورة.”
كان الحكّام اليوم يضعون أقنعة، أي أنهم سيقيّمون من دون الكشف عن هوياتهم. ولهذا لم يُرتب دور التقييم بحسب الرتب.
“سأقدم زهرتي للآنسة لايلا أندرسون، لأنها أظهرت الأناقة مع اللحن البطيء، والحيوية مع اللحن السريع.”
كانت لايلا أول من نالت زهرة.
“شكرًا لتقييمكم الكريم. إنه لشرفٌ لي.”
ثم قدم اثنان آخران زهورهما إلى لايلا.
وبحصول شخصٍ واحد على ثلاث زهرات، تقلص عدد المتأهلات إلى النهائيات أكثر. فأظلمت وجوه الآنسات اللواتي لم يحصلن على أي زهرة.
وعندما توجه الحكم الرابع مرةً أخرى إلى الصف الأمامي، انحنت باقي الآنسات برؤوسهن تمامًا.
“كانت رقصةً فريدة. إن أتيحت لي الفرصة، أود تعلمها يومًا ما.”
قال ماثيو ذلك وهو يضغط على أسنانه.
فمهما كان، كانت فاليري توأمًا له، لم يكن يحتمل أن تخرج من دون زهرةٍ واحدة.
و تعرفت فاليري عليه فورًا، فتسلمت الزهرة.
“رغبتكَ في التعلم رائعةٌ فعلًا. وبما أنني تلقيتُ الزهرة، فسأعلّمكَ اليوم الرقصة التي قدمتها.”
فأضحك الحوار بينهما بعض الحاضرين بخفة.
“حسنًا، ليتفضل الحكم التالي بتقديم الزهرة.”
قالت الإمبراطورة ذلك مبتسمة. و بعد ماثيو، قدم عدة حكّام زهورهم إلى آنسات الصف الخلفي، كل واحدةٍ نالت زهرة.
ومع ازدياد عدد المتأهلات تدريجيًا، وقف أحد الحكّام أمام سيلينا.
“لقد وقعتُ في حب رقصة الآنسة. إلى درجة أنني أود طلب رقصةٍ خاصة منكِ إن أتيحت الفرصة.”
تفاجأت قليلًا من التعليق الذي بدا مشوبًا بالمشاعر، لكنها ابتسمت بلطفٍ وتسلّمت الزهرة.
“أشكركَ على هذا الإطراء الكبير لمهارتي المتواضعة.”
تنفست الصعداء لبلوغها النهائيات.
وفي تلك اللحظة، تقدم حكمٌ واحد ذو قامة وبنية طاغيتين بخطواتٍ واسعة. و الحكم الذي سبقَه تمتم بدهشة وتراجع دون وعي.
حتى مع إخفاء أكثر من نصف وجهه بالقناع، لم تستطع سيلينا ألا تتعرف على الملامح الوسيمة خلفه.
‘زينوس.’
وبسبب التشديد الصارم على التواصل مع الخارج أثناء المسابقة، لم تكن قد ناقشت بعد أمر فيليب.
“أثناء رقصكِ، لم أستطع أن أرى أي شخصٍ آخر. أود أن أقول بلا تردد أنكِ الأولى في التصفيات.”
جثا على ركبةٍ واحدة، وقدم الزهرة بكلتا يديه.
“أرجو أن تتفضلي بقبول هذه الزهرة.”
وكأنها مسحورة، تسلمت سيلينا الزهرة وشكرته. ومن خلف القناع الأسود، قيدت عينا زينوس الحمراوان نظرتها.
كانت لحظةً خاطفة، لكنها بدت وكأن الجميع في قاعة الاحتفالات الكبرى قد اختفى، ولم يبقَ سواهما.
“هذا أقرب إلى.…”
“طلب زواج، أليس كذلك؟”
على همسات الآنسات من حولها، استعادت سيلينا وعيها أخيرًا. و كان زينوس لا يزال واقفًا أمامها.
“لقد أحببتها إلى درجة أنني لا أرغب في أن تشاركِي رقصكِ مع أي شخص آخر مستقبلًا. لقد كان جميلًا بحق.”
همس لها بصوتٍ لا يكاد يسمعه سواها، ثم غادر مكانه.
وعندها علقت الإمبراطورة بكلمةٍ واحدة.
“كان تعليقًا تحكيميًا حماسيًا حقًا. لسببٍ ما، حتى أنا احمرّ خدّي خجلًا وأنا أتابع.”
وبهذا المزاح الذي ليس مزاحًا تمامًا من الإمبراطورة، لان جوّ القاعة.
“لنواصل التحكيم.”
تقدم بقية الحكّام واحدًا تلو الآخر، وكلٌ منهم يحمل زهرةً ويوزعها على الآنسات.
‘لم يتبقَّ سوى خمس زهرات.’
كانت لايلا الوحيدة التي حصلت على ثلاث زهرات، تلتها سيلينا بزهرَتين.
أما إنغريد فلم تحصل بعد على أي زهرة. وبينما كانت تطحن أسنانها في داخلها من شدة الإهانة، وقف أخيرًا أحد الحكّام أمامها.
“كانت حقًا رقصةً فريدة. ولا سيما الحركات التي استخدمتِ فيها الشال، كانت رائعة. أرجو أن تتقبلي زهرتي.”
فابتسمت إنغريد ابتسامةً مشرقة وتسلّمت الزهرة.
“من يملك عينًا ثاقبة يختلف فعلًا عن غيره. أشكركَ وسأتقبلها بسرور.”
لكن نظرة الإمبراطورة التي كانت تراقب ذلك لم تكن ودّية.
كان عدد الحكّام الذين قيّموا رقصة إنغريد الغريبة عاليًا أكثر مما توقعت، لكنهم في النهاية اختاروا منح زهورهم لغيرها. والسبب أن الإمبراطورة كانت أمامهم.
حتى الإمبراطورة لا يمكنها أن تنكر تقييم الحكّام علنًا.
ومهما لم يرق لها الأمر، أصبحت مضطرةً لرؤية إنغريد مرةً أخرى في النهائيات.
‘يبدو أنكِ لم تستفيقي بعد مما حدث في تلك الغرفة. سأجعلكِ تندمين حتى على صعودكِ إلى النهائيات.’
من دون أن تدرك ما يدور في خاطر الإمبراطورة، كانت إنغريد تبتسم ببهجةٍ وهي تمسك بالزهرة.
و لم يتبقَّ سوى أربعة حكّام.
‘إذا قدّم ثلاثةٌ منهم زهورهم لي، فسأكون الأولى.’
وما إن خطرت الفكرة ببال إنغريد حتى اقترب الحكم التالي.
التعليقات لهذا الفصل " 55"