“إن كان يصعب عليكِ الكلام أمام الآنسة آرْسين فلا بأس. أخبرينا على انفرادٍ بأي متجرٍ كان، وسنشتري منه نحن فقط.”
نظرت سيلينا إلى تلك الفتاة التي رفعت صوتها متعمدّةً لتسمعها، ثم ضحكت باستهزاءٍ هادئ،
“ولمَ تُصرّين على الكلام من وراء ظهري؟ حتى لو عرفتُ ذلك المتجر فلا يحقّ لي منعكنّ من الشراء. أنا أسأل فقط لأنني أريد أن أتعلم. فالعالم مليءٌ بالمتاجر الممتازة، وأحبّ أن أرى وأتعلم.”
“أظن أن هذه الروح في التعلّم جميلة.”
“لكن يبدو أنكِ بحاجةٍ لتعلّم الأخلاق أولًا.”
“بالضبط، عليك بدء التعلّم بعدم استخدام العنف ضد الناس.”
تجاهلت سيلينا كل تلك الكلمات غير آبهة، ثم سألت إنغريد مجددًا،
“من أي متجرٍ اشتريتهِ إذاً؟ أم هل هو هديةٌ من أحد الحاضرين هنا؟ ولهذا لا تعرفين من أي متجرٍ جاء؟”
فضحكت إنغريد في سرّها.
‘ظننتها أخيرًا تحاول إحراجِي، لكنها كالعادة تكتفي بالتمثيل على أنها الشريرة.’
وبما أنّ إنغريد لم تكن تعرف أصلًا ما يجب أن تقوله، فقد أمسكت بخيط النجاة فورًا عندما بدأت سيلينا الحديث،
“في الحقيقة، نعم. حصلتُ عليه هديةً من شخصٍ غير موجود هنا، لذلك لا أعرف من أي متجرٍ هو. وبسبب كثرة العيون حولي لم أستطع قول الحقيقة منذ البداية. أعتذر.”
لكن هذا الجواب جمّد وجوه مجموعة المقرّبات. فابتسمت سيلينا ابتسامةً ثابتة،
“أفهم. كنتُ آمل أن أتعلم شيئًا جديدًا اليوم، لكن يبدو أنه ليس يومي. على كل حال، نصيحةٌ صغيرة….من الأفضل ألا ترتدي ذلك الحُلي مستقبلاً، فهو يعكس لون عينيكِ بشكلٍ واضحٍ جدًا.”
وبهذا غادرت سيلينا نحو الآخرين لتبادل التحية.
ورغم انتشار الشائعات السيئة حولها، لم يكن الكثيرون يتجنبونها علنًا. فبعضهم كان يحترمها لقوة نفوذ عائلة آرسين، لكن معظمهم كان يفعل ما يفعله النبلاء دومًا: تصرّفٌ سياسي محسوب.
فعدوّ الأمس قد يصبح حليف اليوم، وحليف اليوم قد يتحول إلى عدو الغد….هكذا تعمل دوائر المجتمع الراقي.
‘ولهذا قبلتُ عقد الشريرة.’
عندما قبلت عرض إيريك لأول مرة، كانت سيلينا تعتقد أن من تعاملت معهم سابقًا لن يديروا ظهورهم لها بسبب بضع شائعات.
‘إنغريد ما تزال لا تفهم قواعد المجتمع…..بما أنه بلا شعار الإمبراطورية، فهو ليس هديةً رسمية. وبما أنني قلتُ أنه ليس من متجر آرْسين، فلا يمكنها الادعاء أن إيريك اشتراه. ومن النادر أن يجد المرء حُليًا يوافق ذوق أفراد العائلة الإمبراطورية بهذه الدقة.’
راقبت سيلينا وجوه مجموعة المقرّبات من بعيد وهي تفكر.
‘ومع ذلك….القول إنه هدية من شخصٍ غير حاضر….’
وبالنظر إلى وجوههن المتجمّدة، تأكدت من أنها زرعت الشك كما أرادت.
‘عادةً ما تكون هذه الهدايا بين العشاق، لذلك لن يخطر ببالهن أن امرأةً هي من أعطتها. وأنا نفسي لم أُرد الكشف أنني المانحة في البداية.’
وبينما كانت غارقةً في التفكير، اقتربت منها إحدى الفتيات.
“سيلينا، وصلتِ.”
“شكراً يا باترا على الدعوة.”
كانت عائلة روندايل هي المضيفة لهذا الاجتماع، وسيلينا التقت بباترا روندايل كثيرًا في مناسبات المجتمع، وتوثّقت علاقتهما مؤخرًا.
‘لم أكن أعلم أن عائلة روندايل من أنصار الدوق الأكبر.…’
وكانت سيلينا تتوقع ألا يعارض الكثيرون مشاركتها في المسابقة، لأنها كانت تعرف أنها ستحصل على دعمٍ خفي من النبلاء المنتمين للفصيل الدوقي.
ووفقًا للمعلومات التي حصلت عليها من كاثي، كان معظم نبلاء هذا الفصيل من العائلات العسكرية.
ولحسن الحظ، كانت سيلينا قد بنت علاقاتٍ جيدة خلال أيام الأكاديمية، لذلك كانت تحظى بتقديرٍ كبير بين تلك العائلات.
“هل تظنين أن الأمور ستسير كما خططتِ؟”
“لقد بدأ التموج الأول فقط. سأحتاج لعدة هزّاتٍ أخرى. إن كان لدى أبناء تلك العائلات ذرة عقل، فلن يتبعوا الآنسة هايزل كبلهاء بعد الآن.”
هزّت باترا رأسها وهي تستمع لحديث سيلينا الهادئ.
‘لم يكن أبي مخطئًا في حكمه.’
فبعض عائلات الفصيل الدوقي كانت تعتبر سيلينا بالفعل زوجة زينوس المستقبلية وتعترف بها كدوقةٍ كبرى.
لكن أغلب الفصيل لم يُظهر تأييدًا مطلقًا بعد. فالكثيرون أرادوا مراقبة الأمور مع مرور الوقت.
فلو كانت فعلًا شخصًا مستقيمًا لما فعلت شيئاً يمكن أن يسيء إلى سمعتها من الأساس.
‘من المؤكد أن لسيلينا أسبابها الخاصة. وربما حادثة دفع الآنسة هايزل ليست إلا سوء فهم. لكن إن كان الأمر كذلك….لماذا لا تتقدم الآنسة هايزل للدفاع عنها؟ كأنها ترغب في رؤيتها تقع في المشاكل.’
اتجهت نظرة باترا الباردة نحو إنغريد.
وفي الوقت نفسه شعرت إنغريد بأن أجواء المكان تغيّرت قليلًا بعد مغادرة سيلينا.
“يبدو أنها لم يعجبها أنني أستخدم حُليًا فاخرةً من غير متجر آرْسين. أظن أنني جلبت لنفسي كراهيةً جديدة، ولا أعرف ماذا أفعل الآن.”
قالت إنغريد ذلك بحزنٍ مصطنع، بينما كانت تضحك في داخلها، متوقعةً أن يهاجم مقربوها سيلينا بالنيابة عنها كما يحدث دائمًا.
لكن صوتًا غير متوقع جاءها،
“يا آنسة….لم تكن الآنسة آرْسين تقصد ذلك أبدًا.”
“مـ….ماذا؟”
لم تلتفت تلك الفتاة حتى لترى وجه إنغريد المصدوم، بل تنهدت وغادرت.
فجمع أحد النبلاء شجاعته،
“في الحقيقة….لقد كانت نصيحة الآنسة آرْسين مناسبةً هذه المرة.”
“عليكِ التفكير في قلب الشمس الصغيرة أيضًا، آنسة هايزل.…”
لكنه لم يستطع إكمال كلامه وغادر هو الآخر. فتجمّدت إنغريد في مكانها.
هذه أول مرة يحدث فيها شيءٌ كهذا منذ دخولها عالم المجتمع الراقي.
فالمناسبات الاجتماعية هي ساحة تواصل بين النبلاء، وإظهار الهدايا أو الكشف عن مصدرها من أكثر الأمور حساسية.
فمن نوع الهدية وهوية مُهديها يمكن استنتاج طبيعة العلاقة، وهذا قد يؤثر بشدةٍ على سمعة آنسة غير متزوجة.
وفي الحقيقة….ارتداء إنغريد لثيابٍ ومجوهرات قالت إنها من هدايا ولي العهد إيريك لم يكن تصرفًا لائقًا جدًا.
لكن قصة “الحب الذي يتجاوز الفوارق الطبقية” جعلت الجميع يتغاضى عنها وينظر إليها كنبيلةٍ جميلة من طبقة البارونات.
ولهذا….وجود إنغريد هايزل اليوم وهي ترتدي ما قد يكون هديةً من رجل آخر غير إيريك كان أمرًا شديد الخطورة بنظر مقرباتها.
‘وفوق ذلك…..لقد ارتدت ذلك الحُلي مراتٍ عديدة.’
كان مقربوها يعرفون تفاصيل مظهرها جيدًا، وقد اعتادوا امتداح جمالها كلما ارتدت شيئًا من هدايا إيريك.
أما اليوم….فسيلينا أشارت تحديدًا إلى مجموعة الحُلي التي ارتدتها إنغريد مرارًا.
وفي البداية قالت آنها اشترتها بنفسها، ثم اعترفت لاحقًا أنها هديةٌ من شخص آخر غير ولي العهد.
التعليقات لهذا الفصل " 40"