كان بعض خدم قصر الكونت آرسين تمتلئ جيوبهم بالمال بفضل سيّدة الدار التي صار قلبها سخيًّا.
أما بين ورفاقه المقرّبون من سيلينا فكانوا لا يزالون يقلقون على الآنسة المحبوسة، لكن في غياب الكونت آرسين لم يكن بوسعهم فعل الكثير.
وكان المتملقون وحدهم يستغلّون فرحة فلورا بدعوة النائب المؤقت لسيد العائلة، براندون، إلى القصر الإمبراطوري ثلاثة أيامٍ متتالية ليحصدوا مكافآتٍ سخية.
واليوم أيضًا، بينما كانت فلورا تمرّ، أثنت بإفراطٍ على جمال أزهار الحديقة وأمرت بمنح البستاني مكافأةً تزيد على ضعفي ما أعطته بالأمس.
وكان كبير الخدم لوري، الذي يتبعها ويحسب أموال القصر من الداخل، قد ازدادت التجاعيد على وجهه خلال هذا الوقت.
‘ليتها تضبط نفسها قليلًا.’
لم يكن في عائلة آرسين الآن من يستطيع كبح جماح فلورا. فخدم هذه العائلة كانوا يعرفون دائمًا من هو المالك الحقيقي ويتصرفون على هذا الأساس.
وكانوا قد خدموا الكونت آرسين لسنواتٍ طويلة. وكانوا يتغاضون عن قدرٍ من التبذير وتجاوز الحد لأن فلورا كانت زوجته الثانية.
لكن هذا كان الحدّ الأقصى. فالخدم، لأنهم هم أيضًا من عامة الناس، كانوا يشعرون بنفورٍ من خدمة سيّدةٍ عامية.
وكان الدليل على ذلك أن فلورا، رغم إقامتها الطويلة في قصر آرسين، لم تستطع تكوين جماعةٍ حقيقية من أنصارها.
لم يكن لفلورا ولا لبراندون أتباعٌ أوفياء مثل بين أو كاثي أو نورا.
لكن فلورا لم تكن تكترث. فبسبب أمر الكونت، كان الخدم على أي حال ينحنون لها. وكان ذلك كافيًا لها لتعيش راضية.
وبراندون لم يكن مختلفًا عنها. لم يفكّر قط في كسب قلوب من هم دونه.
ولهذا لم يكن هناك من يبلغهم كيف ينظر الناس إليهم، ولا من يطلعهم على حقيقة الإمبراطور، ولا على الأخبار المتداولة في الجناح الشرقي.
كانوا يعيشون راضين كسمكٍ محبوسٍ في حوض سعادة خاص بهم.
“أنتم ترون وتسمعون، أليس كذلك؟ براندون ابني ذهب اليوم أيضًا لمقابلة جلالة الإمبراطور في القصر. حتى عندما كانت سيلينا نائبة سيد العائلة، لم يكن جلالته يستدعيها بهذا التكرار. إن خدمتم براندون بإخلاص من الآن فصاعدًا-”
“سيدتي.”
كانت فلورا تصطفّ الخدم وتلقي عليهم خطابًا كعادتها، لكنها استشاطت ضيقًا عند ظهور لوري فجأة.
“ما هذا الذي تفعله الآن؟ ألا ترى أنني في حديثٍ مهم؟”
“سيدتي، لقد جاء شخصٌ من القصر الإمبراطوري. أمرٌ ينبغي أن تتأكدي منه بنفسكِ.”
فزعت فلورا عندما سمعت أن القادم من القصر، لكنها تمالكت نفسها و ردّت بتصنّع الهدوء.
“لا بدّ أن براندون أرسل من يحتاجه. دعيه يدخل.”
“ليس الأمر كذلك. اقرأِي هذا أولًا. سأمتثل لأمر جلالة الإمبراطور. أنتم، لا تقفوا هكذا، استعدّوا لاستقبال فرسان القصر.”
“فر…..فرسان القصر؟”
وعندما اقتحم جمعٌ من فرسان القصر الإمبراطوري قصر الكونت آرسين الذي كانت فلورا تتصرف فيه وكأنه عالمها الخاص، وقفت مذهولةً لا تفعل سوى فتح فمها.
“بموجب أمر جلالة الإمبراطور، سنصطحب الآنسة سيلينا آرسين إلى القصر الإمبراطوري.”
“….…”
“يجب أن تقولي: نمتثل لأمر جلالة الإمبراطور.”
وعندما لقّنها لوري الكلام إلى جوارها، استعادت فلورا وعيها،
“نـ….نمتثل لأمر جلالة الإمبراطور.”
“تحرّكوا.”
“نعم.”
وانطلق فرسان القصر نحو الجناح الشرقي دون أن يحتاجوا إلى أي إرشاد.
“بعد أن توقّعي على الوثيقة التي سُلّمت قبل قليل، عليكِ إعادتها إلى ذلك الفارس.”
“وما هذه التي يُطلب مني أن أوقّع عليها؟”
كانت فلورا تقرأ الوثيقة لكنها لم تفهم معناها على وجه الدقة.
“نظرًا لغياب الكونت آرسين فترةً طويلة وما ترتب على ذلك من اضطراب في أمن العائلة، رأت العائلة الإمبراطورية أنه لا يمكن ترك الأمر على حاله، فسيتم تعيين نائبٍ رسمي لسيد العائلة وتحديد نطاق صلاحياته حفاظًا على استقرار بيتٍ أخلص طويلًا للقصر الإمبراطوري….ما كل هذا؟”
“يعني أن جلالة الإمبراطور هو من سيقرّر ما إذا كان نائب سيد العائلة سيكون الشاب براندون أم الآنسة سيلينا.”
“ما معنى هذا؟ نائب سيد العائلة هو براندون ابني! ثم إن جلالته استدعاه ثلاثة أيامٍ متتالية، وتحادثا بل وتناولا الطعام أيضًا!”
وبسبب كلام فلورا المرتفع من غير أن تلتفت إلى ما حولها، تحدّث لوري وهو يتصبّب عرقًا باردًا،
“اخفضي صوتكِ. يكفي أن يُسمَع لفظ ‘جلالة الإمبراطور’
يُقال ثم سيقتلوننا هؤلاء فورًا.”
“أنا لم أنطق بكلامٍ خاطئ، فلماذا تُنزِلُون العقاب بي؟!”
“في أي مكان، إذا تجرّأ أحدٌ على ذكر ذوي المقام الرفيع بلا تحفظ، فالعقاب بانتظاره. لقد أتيتِ إلى هذا البيت بفضل والدي الكونت منذ زمنٍ طويل، ألا تزالين تجهلين أن هناك جريمةً تُدعى الإساءة إلى العائلة الإمبراطورية، يا فلورا؟”
“آه!!”
حين سمعت فلورا الصوت الذي تكرهه أكثر من أي شيء آخر، سدّت أذنيها وراحت تصرخ بجنون.
لم يبقَ في تصرّفها أدنى أثر لهيبة سيّدة قصر نبيل.
“أنتِ! من سمح لكِ أن تخرجي إلى هنا؟ ألن تعودين فورًا؟ ماذا تفعلون أنتم جميعًا؟ أيًّا كان، اذهبوا حالًا وأعيدوا تلك إلى الجناح الشرقي!”
فضحكت سيلينا بسخريةٍ من فلورا التي كانت تثور وتصرخ كالمجنونة، ثم تحدّثت،
“جلالة الإمبراطور قَلِقٌ لأن نظام قصر الكونت آرسين لم يعد منضبطًا كما ينبغي، ولذلك قرر أن يتدخل بنفسه ليعيّن نائب سيد العائلة مباشرة، فهل ترفضين الآن الامتثال لكلامه، يا فلورا؟”
“كفّي عن مناداتي بفلورا! من تكونين أنتِ حتى تثرثري هنا؟ مكانكِ الوحيد أن تُحبسي في ذلك الجناح الشرقي!”
تجهمت سيلينا قليلًا وكأن أذنيها تؤلمانها، ثم تجاهلت فلورا واختفت في الاتجاه الذي أرشدها إليه فرسان القصر.
ومن بعيد، راقب بين ما جرى وتنفس الصعداء.
‘يا للراحة، لقد خرجت قبل أن تمضي أسبوعان.’
كانت سيلينا قد أعطت بين مسبقًا عدة تعليماتٍ تحسّبًا لإن تجاوز احتجازها أسبوعين.
فإذا فشلت كاشي في التواصل مع الدوق الأكبر، أو إن أبدى الإمبراطور صبرًا أطول مما توقّعت، كان على بين أن يصنع ذريعةً تُخرج سيلينا من الجناح الشرقي.
وأضمن الطرق كانت إحداث أمرٍ لا يستطيع براندون ولا فلورا احتواءه، ويُلحق ضررًا بالعائلة نفسها.
وذلك كان أشبه بطلب خيانة البيت من بين الذي عاش خادمًا في بيت الكونت آرسين جيلًا بعد جيل من أجل سيده.
‘لا بدّ أن أنفّذ الأمر لأنه أمر الآنسة، لكن الشعور بالذنب كان سيثقل قلبي كثيرًا. من الجيد أننا لم نصل إلى تلك المرحلة. عودي سالمة، يا آنستي.’
لم يقلق بين من أن يصبح براندون نائب سيد العائلة وتُحبس سيلينا مجددًا في الجناح الشرقي.
فما لم يكن الإمبراطور يرغب حقًا في تدمير عائلة آرسين، فإن القرار الذي سيتخذه بَين سيلينا وبراندون كان واضحًا.
“أنا أيضًا يجب أن ألتقي بجلالة الإمبراطور! خذوني معكم! هذه مسألة يجب أن يُصغى فيها إلى كلامي أنا، بصفتـي سيّدة هذا البيت!”
تعلّقت فلورا بفارسٍ من فرسان القصر وهي تصرخ بهذا التهور، لكن لوري أسرع وسحبها مبتعدًا عنها،
“ليس شخصًا يُقابَل لمجرد أن أحدًا أراد ذلك. الآنسة سيلينا ستذهب أولًا، ولن يصيب الشاب براندون أذى.”
“بل على العكس! أليس ذهابها هو ما سيجلب الأذى لبراندون ابني؟!”
“أما زلتِ تجهلين من تكون الآنسة سيلينا؟ كفى هذا العبث!”
وحين رفع لوري صوته على فلورا لأول مرة، أُصيبت بالارتباك وأطبقت فمها.
وبعد أن تأكد لوري من مغادرة فرسان القصر كلهم من القصر وأغلق الأبواب بإحكام، اقترب من فلورا و تحدّث بهدوء.
“رغم تجاوزي لحدودي، أرفع نصيحةً واحدة. العائلة الإمبراطورية لا ينبغي الاقتراب منها كثيرًا ولا الابتعاد عنها كثيرًا. هذا ما كان سيدي يردده دائمًا.”
قال ذلك بصدق، على أمل أن تدرك فلورا حقيقة الوضع.
“كثرة ذهاب الشاب براندون إلى القصر الإمبراطوري ليست أمرًا حسنًا على الدوام، فلا أحد يعلم ما الذي يجري في الداخل. أما إذا رافقته الآنسة سيلينا، فستمنع ما قد يضرّ بالعائلة، وتحمي حياة الشاب براندون أيضًا.”
ورغم أن لوري تحدث بإخلاصٍ كامل، فإن فلورا فكرت لحظة، ثم صفعت لوري على خده،
“أيعني كلامكَ أن براندون ابني سيقع لا محالة في خطأ أمام الإمبراطور ويصل إلى حافة الموت؟ كيف تجرؤ على تحريك لسانكَ بهذا الشكل الوقح! ومن تكون أنتَ حتى تتطاول هكذا؟”
كانت تقول ذلك وهي تجهل أن الإمبراطور في تلك اللحظة نفسها كان فعلًا قابضًا على مصير حياة براندون بين يديه.
_____________________
نعم لموت براندون يصير ضغط الغثيثين اخف
وسيلينا تضحك وهي مستانسه وطالعه تسب ياناسو عاقة بزوجة ابوها🤏🏻
المهم لوري يجنن جعل يد فلورا الكسر مفروض اشكره لو ماوقفها كان رقبتها طايره بعد
التعليقات لهذا الفصل " 32"