2
شعرت سيلينا بالذهول.
“هل تنوي أن تستخدم الأمر الإمبراطوري الذي مُنح لكَ كهديةٍ في يوم ميلادكَ من أجل هذا؟”
“نعم، لأنني يائـسٌ إلى هذا الحد!”
“هل أنتَ طفلٌ صغير؟ كيف لرجلٍ بلغ سن الرشد، وظهر في المجتمع، أن يُصدر أمرًا إمبراطوريًا لصديقته كي تتظاهر بأنها شريرةٌ من أجل فتاة؟ هل جننتَ؟”
“جننتُ، نعم! فقدتُ عقلي! لم أعد بكامل وعيي! كل من يقع في الحب يصير كذلك، ألا تعرفين؟ إن كنتِ لا تفهمين، فاذهبي وتعلمي! وبعد الزواج، ألن تضطري على الأقل إلى التظاهر بأنكِ تحبين وريث عائلة باتيل؟”
لم تستطع سيلينا الرد من شدة الغضب، ثم تجمّد وجهها ببرودٍ و حدة،
“بهذا الكلام وحده لن تجعلني شريرة، فكر مجددًا، واستفق قليلًا، و انضج بعض الشيء.”
لكن إيريك صرخ نحوها وهي تدير ظهرها،
“الحقوق الحصرية!”
فتوقفت سيلينا في مكانها.
“سأمنح تجارتكم دعمًا من القصر حتى بعد أن أصبح إمبراطورًا. عندما تتولين قيادة الشركة، سأمنحكِ الحقوق الحصرية لثلاث سلع. فقط ثلاث، كيف؟”
الحقوق الحصرية الممنوحة من العائلة الإمبراطورية — كانت تعني ثروةً هائلة تكاد لا تُقدّر بثمن.
وليس لسلعة واحدة، بل لثلاث. عندها استدارت سيلينا نحوه.
“وأنا من أحدد السلع، صحيح؟”
“طالما أنها ليست من الضروريات، كالقمح أو الملح. لا داعي لأن أشرح أكثر، فأنتِ تفهمين ما أعني. باستثناء ذلك، فلكِ ما تشائين من حقوقٍ حصرية.”
حتى والدها، الكونت آرسين، وهو رفيق سلاح الإمبراطور الحالي، لم يستطع حتى الآن الحصول على أي امتيازٍ من هذا النوع.
وبالنسبة إلى سيلينا، التي كانت تطمح لأن تصبح الوريثة وتقود عائلتها وشركتها مستقبلًا، لم يكن هذا عرضًا يمكن رفضه.
“اكتب عقدًا، حتى لا تتراجع لاحقًا.”
“أنا ولي العهد، أتظنين أنني سأتراجع عن كلمتي؟”
“قلتُ اكتب العقد.”
“حسنًا، سأكتب. لكن قومي بعملكِ على أكمل وجه. لو اكتشف أحدٌ أن ما بيننا كان اتفاقًا، فكل شيءٍ يُلغى. مفهوم؟”
“مفهوم. أنا أضع سمعتي على المحك، لذا تمسّك أنتَ أيضًا بوعدكَ.”
كان نصّ العقد بسيطًا،
[تتعاقد الآنسة سيلينا آرسين، الابنة الشرعية للكونت آرسين، مع ولي العهد الإمبراطوري إيريك كونستانتينوس غيبل من أسرة سافايا الملكية، وفق البنود التالية:
تتظاهر سيلينا آرسين بأنها تسيء معاملة الآنسة إنغريد هايزل، الابنة الثالثة لأسرة البارون هايزل، في كل لقاءٍ يجمعهما. وبذلك، تمنح ولي العهد إيريك سببًا مشروعًا للتقرّب من الآنسة هايزل.
في المقابل، تضمن سيلينا الحصول على الحقوق الحصرية لتجارة ثلاث سلع، باستثناء المواد الأساسية كالقمح والملح.
يُحاط هذا الاتفاق بسريةٍ تامة.
و تستمر مدة العقد حتى تتم خطوبة ولي العهد على الآنسة هايزل.
في حال أخلّ أحد الطرفين بالعقد، يتحمل المسؤولية الكاملة ويعوّض الطرف الآخر بما يتناسب مع الضرر.]
وقّع الاثنان، واحتفظ كلٌ منهما بنسخة.
هكذا باعت سيلينا سمعتها. من أجل حبٍ أحمق لصديقها، ومن أجل ضمان مستقبلها عبر تلك الحقوق التجارية.
و بدأت أعمال “الفتاة الشريرة” بخطواتٍ صغيرة.
‘أغمضي عينيكِ وافعلِيها، فلتكن مرةً واحدة.’
في إحدى الحفلات، تقدّمت سيلينا نحو إنغريد وهي تحمل عصيرًا من الفاكهة.
“أوه! عذرًا، لم أنتبه. لكن لحسن الحظ، لونه قريبٌ من لون فستانكِ، فلن يبدو واضحًا جدًا، أليس كذلك؟”
سكبت العصير عمدًا على فستان إنغريد البسيط ثم تصنّعت الاعتذار.
وفي اليوم التالي، وكما هو متوقّع، أرسل إيريك فستانًا جديدًا باسم “اعتذارٌ من صديقته”، بينما أرسلت سيلينا لاحقًا بعض الإكسسوارات الثمينة مع رسالة اعتذار، محاولةً تهدئة ضميرها.
كانت الإكسسوارات أغلى بكثير من ثمن الفستان الذي أفسدته، لكنها فعلت ذلك من تأنيب الضمير.
ومع مرور عامين على هذا التمثيل، أصبحت إنغريد ضيفةً مألوفة في مجتمع النبلاء، وتكدّست الهدايا التي أرسلها كلٌ من سيلينا وإيريك.
و كما ازدادت مطالب إيريك يومًا بعد يوم.
“ألا تملكين ذرة إبداع؟ توقفي عن حيلة العصير هذه، ألا يوجد أمرٌ أكبر قليلًا؟”
“أنا لا أفعل هذا لأنني أريد إيذاءها فعلًا! الناس لا يعرفون الحقيقة، لذا يكرهونني وحدي! يقولون أن سلوكي منحطٌ ويبتعدون عني، فهل ستتحمل مسؤولية ذلك؟”
“لهذا السبب قلت لكِ أن تكوني ذكيةً ولا تتركي دليلًا. افعليها دون أن تُكشفي!”
“وكيف لي أن أفعلها دون أن أُكشف؟ إن لم يكن الأمر علنيًا، فلن تتدخل أنتَ لتظهر بدور البطل!”
“افعلي شيئًا يجعلني أبدو بطوليًا أكثر، شيئًا يجعلها تقع في حبي.”
“سهلٌ عليكَ أن تقول ذلك! منذ عامٍ ظهرت جماعةٌ من المعجبين بالآنسة هايزل، يراقبونني في كل لحظة! إن أمسكتُ طعامًا بيدي يقفون حولها كجدارٍ بشري! أنا أتعب، أفهمتَ؟!”
“وهل تظنين أن منحي لكِ الحقوق الحصرية أمرٌ سهل؟ أنا خاطرْت كثيرًا من أجل ذلك! لا تظني الأمر بسيطًا!”
ظل الاثنان يتجادلان بشراسة، لا يتنازل أحدهما عن كلمة.
وفي النهاية، أدارت سيلينا رأسها بغضب،
“سألتزم بالعقد قدر استطاعتي، لذا أسرع أنتَ بالتحرك، يا سمو ولي العهد.”
فردّ إيريك بحدة مماثلة،
“ضربةٌ واحدة كبرى فقط، وإن فعلتِها، سأتحرك أنا سريعًا أيضًا، يا آنسة آرسين.”
وكانت “الضربة الكبرى” تلك هي حادثة النافورة قبل ثلاثة أشهر.
الجميع، بمن فيهم إيريك نفسه، ظنّوا أن سيلينا هي من افتعلت الحادثة، لكن الحقيقة أنها لم تكن الفاعلة.
***
كان ذلك اليوم يومَ احتفالٍ بعودة الدوق يوستيا ظافرًا من الحرب.
بينما كانت سيلينا تراقب إنغريد وهي تضع الدبوس والبروش اللذين أهدتهما لها، شعرت برضا داخلي.
كانت ترتشف النبيذ قرب النافورة وهي تتأمل ابتسامة إنغريد الصافية حين اقتربت منها فجأة، فارتبكت قليلًا.
أن تقترب منها وحدها مبتعدةً عن جماعتها المعتادة التي تحرسها دائمًا كان أمرًا غير متوقع.
بدا على إنغريد الخوف، لكنها شدّت قبضتيها كما لو كانت تجمع شجاعتها و تخدّثت بصوتٍ متردد،
“يقولون أنه يجب إلقاء التحية جيدًا إن أردنا أن نصبح أصدقاء…..آنسة آرسين، مرحبًا.”
في تلك اللحظة، دوّى صوت إيريك في ذهن سيلينا، “ألا تملكين أي إبداع؟ توقفي عن حيلة العصير، ألا يوجد أمر أكبر من هذا؟”
‘حسنًا، لنجرب الإبداع هذه المرة. سأعتذر لاحقًا، لا بأس. كل هذا ضروريٌ حتى يقترب إيريك من إنغريد.’
وبوجهٍ بارد ردّت سيلينا،
“ماذا قلتِ الآن، آنسة؟”
“قصدتُ أن…..إن أردنا أن نصبح صديقتين، فعلينا أن نُلقي التحية.…”
“ألا يدرّسون آداب التحية في بيت البارون؟”
رفعت سيلينا صوتها متعمّدة، فالتفت إيريك إليهما من بعيد.
“كم مضى على ظهوركِ في المجتمع، ولا تزالين لا تعرفين حتى كيف تلقين التحية؟ في مثل هذه المناسبات، من يملك المقام الأعلى هو من يكتفي بقول (مرحبًا)، أما الأدنى مكانةً فيجب أن يضيف بضع كلماتٍ بعد ذلك. عادةً يتحدث الناس عن الطقس مثلًا، فخذي هذا بعين الاعتبار.”
“أنا….أنا فقط كنتُ..…”
ارتجفت إنغريد وهي تتلعثم، فيما ابتسمت سيلينا برضا والتفتت مبتعدة.
لكن فجأة—
بلّـوش!
صوت ارتطام الماء دوّى خلفها، فاستدارت بدهشة لترى إنغريد غارقةً في النافورة حتى شعرها، مبللٌ من رأسها إلى قدميها.
فنهضت إنغريد مترنّحة، بالكاد تفتح عينيها، وتحدّثت بصوتٍ واهن،
“سأنتبه من الآن فصاعدًا، آنسة آرسين.”
ثم أسرع إيريك ومجموعةٌ أتباع إنغريد نحوها مذعورين.
“انقلوها إلى قاعة الاستراحة، بسرعة!”
أمر إيريك. وبدأ الهمس يدور بين الناس: أن سيلينا هي من دفعتها.
‘لم أدفعها…..لم أفعل.’
شعرت أن هناك شيئًا غريبًا. لم يكن أحدٌ بجانبها، فلماذا سقطت إنغريد في النافورة؟ إلا إن كانت قد سقطت بنفسها؟
تحت وطأة النظرات المليئة بالاتهام، لم تعد سيلينا تحتمل، فغادرت قاعة الحفل.
لم تستطع حتى أن تقدّم التهاني للدوق العائد منتصرًا من الحرب، لكنها لم تقوَ على البقاء أكثر.
“آه..…”
وبينما كانت تهمّ بالمغادرة مسرعة، اصطدمت بشخصٍ ما.
“هل أنتِ بخير؟”
أمسكها الرجل بسرعة ليمنعها من السقوط.
“أعتذر.”
و لم تنظر حتى إلى وجهه، بل أسرعت إلى عربة النقل وركبت عائدةً إلى المنزل.
***
مرت الأشهر الثلاثة التالية على سيلينا كأنها جحيمٌ لا نهاية له.
انتشرت الشائعات في مجتمع النبلاء أن إنغريد كانت تتعرض للإيذاء من سيلينا منذ أول ظهورٍ لها في الحفلات.
وبدأ أتباع إنغريد يطالبون باعتذار رسمي عن كل “جرائمها” السابقة.
لكن المصائب لم تتوقف عند هذا الحد.
“الآنسة سيلينا تبدو أكثر عنفًا يومًا بعد يوم…..أريد أن أفسخ خطوبتي.”
كانت الخطوبة بين عائلتي آرسين وباتيل نتيجة تعاونٍ تجاري بين الجانبين، لا أكثر.
‘الأمر مزعج، لم نوقّع عقد التجارة الرسمي بعد…..’
لم تكن سيلينا تكن أي مشاعر لمورغان باتيل، لكنها خافت أن يُلحق الفسخ الضرر بعائلتها، فحاولت إقناعه،
“الشائعات المنتشرة عني مبالغٌ فيها، صدقني. ما رأيكَ أن نؤجل الفسخ حتى أستعيد سمعتي؟”
لضحك مورغان بسخرية خفيفة،
“ألَا تفهمين أمرًا بهذه البساطة، آنسة آرسين؟”
“ماذا تقصد؟”
“أتظنين أنني أتيتُ إلى هنا بقراري؟ هذا قرارٌ وافق عليه كبار العائلتين. هل تدركين مدى فظاعة أن تُتَّهم خطيبتي بالشروع في القتل؟!”
شحب وجه سيلينا، وقبضت على يديها بقوة وهي تحاول ضبط أنفاسها.
لم تستطع فهم كيف وصل الأمر إلى هذا الحدّ.
“أتمنى أن تعيشي بطريقةٍ أطيب من الآن فصاعدًا.”
قال كلمته الأخيرة وغادر الغرفة، تاركًا سيلينا خلفه في صمتٍ بارد.
_______________________
اوه طلعت انغريد مسويه اهيء وانا الضحيه؟ وش ذاه مره مستقيده بتتزوج ولي العهد وتصير امبراطوره وهي عشانها اهيء؟
بعدين ابو سيلينا وش يسوي وسط كل ذاه؟ شكله زفت دامها ماطرته
المهم يارب تقطع علاقتها بإيريك طبعا بعد مايعطيها الحصري ذاه
Dana
Chapters
Comments
- 5 - هل يمكنني إرسال عرض زواج؟ منذ 14 ساعة
- 4 - يمكنكِ القول أنكِ كنتِ معي منذ 14 ساعة
- 3 - مع من كنتِ؟ منذ 14 ساعة
- 2 - أريد فسخ خطوبتي منذ 14 ساعة
- 1 - بأمرٍ إمبراطوري، كوني شريرة! منذ 14 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 2"