أولها الزواج بإذن الإمبراطور. يبلّغ بيتا النبلاء الإمبراطور برغبتهما في الارتباط، ويحصلان على الإذن ثم يقيمان مراسم الزواج.
وكان زواج سيلينا ومورغان باتيل المثال الأبرز على ذلك. ولو لم يحدث فسخ الخطوبة لكان زواجًا نموذجيًا بلا أي مشكلة.
“لو أن ذلك الأحمق لم يفسخ الخطوبة فحسب.”
زمّ الإمبراطور على أسنانه متذكّرًا حماقة مورغان.
أما الطريقة الثانية فهي التوجه إلى المعبد وأداء نذر الزواج أمام كاهن رفيع.
“أصدروا أمرًا بإغلاق كل المعابد التي يوجد فيها كهنة من الرتبة العليا فورًا.”
“أوامركَ نافذة، جلالتك.”
وما إن خرج لوس حتى ضرب الإمبراطور مسندي الكرسي بقوة،
“لنرَ إلى أي حد تستطيعون الصمود.”
***
“لا شك أنهم الآن قد أغلقوا كل المعابد.”
“لابد أن المعبد مبتهجٌ هذه الأيام. فمنذ أن بدأ الناس يعرفون بقوة التنانين، وشعبية المعبد تتراجع يومًا بعد يوم. وسيكون هذا الحدث فرصةً لهم ليستعيدوا الأضواء.”
ضحكت سيلينا لحظةً من مزحة ويل،
“بفضل الفكرة الجميلة التي طرحها السيد الشاب تشيس، استطعنا الوصول إلى مكان إقامة مراسم الزواج دون لفت الأنظار. أنا حقًا ممتنّة.”
“لا داعي للشكر يا آنسة آرسين. فنحن في خدمة الدوقة المستقبلية. بل أنا من يشعر بالفخر. يا إلهي….لم أتخيل أن تكون رفيقته على هذا القرب فعلًا..…”
“إذا قررت لعب دور السائق، فركز وانظر للأمام وقُد العربة.”
“نعم، نعم، فهمت.”
وما إن ركّز وِيل أمامه يقود العربة حتى سألت سيلينا بعد لحظات.
“قبل قليل…..لم تكن تستعمل لغة الأوامر، صحيح؟”
“نعم. لقد تدربت كثيرًا على عدم استخدام القوة في حياتي اليومية.”
“لكن بما أنكَ لا تعرف متى قد تنفلت تلك القوة، فقد قلتَ أنكَ تقلل الكلام أمام الناس؟”
هزّ زينوس رأسه مؤكدًا على كلامها.
“كان الجميع يتساءل إن كان لديكَ سبباً ما.”
“وماذا عنكِ أنتِ يا آنسة؟”
“أنا؟ آه..…”
‘لم يكن لدي اهتمامٌ خاص…..لكن لو قلت ذلك له فسيُظهر ذلك الوجه الحزين…..أو ذلك الوجه كالجرو الضائع.’
وتذكّرت سيلينا نظرة الدوق عندما تحدثا عن عقد الخطوبة، فبادرت بسرعه،
“بالطبع…..كنت أكثر الناس فضولًا، نعم.”
ارتسمت على وجه زينوس ابتسامةٌ راضية، كأنه فرح باهتمامها، فاحمرّ وجه سيلينا قليلًا.
‘إنه شخصٌ قادر على أسر الناس بصوته….وبشكله أيضًا. خطر…..هذا خطر.’
ثم تنحنحت،
“لدي سؤال.”
“اسألي ما شئتِ. لن أكذب عليكِ أبدًا.”
“لو أنني تمسكتُ حتى النهاية برفض الزواج منكَ….ماذا كنتَ ستفعل؟ تقول أن لغة الأوامر لا تعمل على الرفيقة، صحيح؟”
كان نظر زينوس إليها رقيقًا حتى بدا وكأنه يقطر عسلًا.
“هل هذا ما تودين معرفته؟”
حتى وِيل، الذي كان يقود العربة، رفع أذنيه رغبةً في سماع الإجابة.
وفجأة وقف زينوس—الذي كان جالسًا بجوارها في صندوق العربة—وجثا على ركبةٍ واحدة.
“هذا خطر، انهض.”
“أريد أن أتخذكِ زوجةً لي. أرجو أن تتقبّلي قلبي.”
مدّ زينوس يده إليها وهو ينظر إليها بحرارة.
‘ماذا لو سمع دقات قلبي الآن؟’
أدارت سيلينا وجهها المحمر قليلًا ووضعت يدها فوق يده. عندها فقط نهض زينوس، وأمسك يدها بقوة وجلس بجوارها،
“يقال أن الصدق يصل دائمًا.”
وبينما كان يبتسم بفرح، لم تستطع سيلينا إلا أن تبتسم بخفة، مستسلمةً لعفويته.
***
“لقد سقينا الخيول، لذا سنذهب للنوم الآن يا آنسة. غرفتنا بجوار غرفتكِ تمامًا، فإذا احتجتِ شيئًا فاصرخي فحسب.”
“شكرًا لاهتمامكم.”
وبعد أن غابت الشمس ودخلوا النزل، وبعد أن اغتسلت سيلينا واستلقت، أخذت الأفكار تتزاحم في ذهنها.
‘أنا…..رفيقة سموّ الدوق.’
كانت تعرف بوجود دوق يوستيا، حامل قوة التنين، لكن بالنسبة لها كان أقرب إلى شخصيةٍ أسطورية أو خرافية.
كان زينوس يعيش كما لو أنه مقيمٌ في ساحة الحرب، لذلك لم تكن لسيلينا أي فرصةٍ للقاء به، لا في تجمعات المجتمع الراقي ولا في اللقاءات الخاصة.
ورغم أن شركة آرسين التجارية كانت تتعامل ببعض الإمدادات العسكرية، إلا أنها لم تكن من منتجاتها الأساسية، ولهذا لم يكن هناك سببٌ للقاء بينهما من خلال العمل أيضًا.
كانت فكرة أن تتزوج شخصًا لا ينتمي لعالمها إطلاقًا أمرًا يبعث على ضيق خانق في صدرها…..ومع ذلك جلب لها نوعًا جديدًا من المشاعر.
“أريد أن أستنشق بعض الهواء…..لكن الخروج ليلًا سيشكل خطرًا، أليس كذلك؟”
ما إن همست سيلينا بذلك وهي تفتح النافذة، حتى صدر فجأةً صوت حركة من الغرفة المجاورة، تلاه طرقٌ خفيف على الباب.
“يا آنسة، أنا. سأرافقكِ.”
فقالت له أن ينتظر قليلًا، وبينما كانت تستعد انفلتت منها ضحكة.
‘لقد سمع ذلك بهذه السرعة…..’
رفعت شعرها ببساطة وغطّت ملابسها بالشال جيدًا، ثم فتحت الباب فمدّ زينوس يده إليها.
“هيا إذاً.”
عبر ممر النزل الضيق ونزولًا عبر الدرج خرجا معًا إلى الخارج.
“سمعتُ أن هناك بحيرةً جميلة قريبة. هل نذهب؟”
“نعم، أود ذلك.”
وبعد خمس دقائق من السير ظهرت البحيرة أمامهما.
جلست سيلينا عند ضفتها تحدق في سطح الماء الذي يتلألأ تحت ضوء القمر، فساورها فضولٌ وسألت،
“لكن…..يبدو أن سموّك لم يعد يجد مشكلةً في القدوم قرب البحيرة.”
“البحيرة؟”
“نعم.”
فكر زينوس قليلًا ثم سألها،
“لا يمكن، هل انتشرت في الإمبراطورية تلك الشائعة السخيفة بأنني أخاف البحيرات؟”
“لا، لا، أبدًا ليس كذلك.”
حدق فيها وكأنه لا يفهم المقصود.
“ألا تتذكر حقًا؟”
“هل هناك ما يجب أن أتذكره؟”
‘يا ترى…..هل يجب أن أخبر شخصًا لا يتذكر ذلك؟’
ترددت سيلينا للحظة.
“أخبريني، أي شيء. إن كان هناك ما نسيته…..أريد سماعه.”
نظرته إليها، بعيون تتلألأ كضوء القمر المنعكس على سطح الماء، أذابت ترددها.
“حتى إن نسيتَ…..فهذا أمرٌ مفهوم. فقد كان ذلك منذ زمن بعيد، وكنا طفلين صغيرين….كنتَ في الخامسة من عمركَ.”
“عندما كنتُ طفلًا….وبالقرب من بحيرة….لا يمكن..…”
“نعم. يومَ سقطتَ في بحيرة قصر ولي العهد.”
أظلم وجه زينوس فجأة.
“معظم ما أعرفه عن ذلك اليوم…..هو مما سمعته من الآخرين.”
“ألا تتذكر شيئًا؟”
“لا أتذكر ما كنتُ أفعله قبل أن أسقط في الماء. كل ما أتذكره أنني ذهبت نحو قصر ولي العهد لسببٍ ما…..وعندما فتحت عيني وجدتُ نفسي في سريري. قالوا أنني لم أستيقظ لثلاثة أيام. و كنتُ على وشك الموت غرقًا، و-”
“وسمعتَ أيضًا أن ولي العهد هو من أنقذكَ، صحيح؟”
“نعم، سمعتُ ذلك.”
“وبفضله بدأ الناس يقولون أنه ولي العهد صاحب البركة…..الذي يحيي الموتى.”
“لكن…..كيف تعرفين كل هذا أنتِ تحديدًا؟”
سألها زينوس ذلك، ثم تابع بنبرةٍ تحمل قدرًا من المرارة،
“أنا….لم أكن أعرف شيئًا حقًا…..وكنتُ أصدق كل ما يقوله القصر الإمبراطوري.”
“وماذا قالوا لك؟”
“قالوا أن ولي العهد…..ومعه رفيقتي قد أنقذاني. وأن رفيقتي هي من منحتني قوة التنين التي أعادتني للحياة. لكنهم لم يكونوا يعرفون من هي، فلم يمسكوا بها.”
عندما ظلّ زينوس غائبًا عن الوعي ثلاثة أيام، ظن الإمبراطور أنه سيموت، فاستدعى فيليب.
وبينما كان فيليب يعتني به، كشف تفاصيل ما حدث.
“ابنة أحد العامة، جاءت مع والديها لمساعدة عمال التوريد للقصر، رأت ولي العهد وهو يصرخ طالبًا الإنقاذ. كانت تعرف السباحة، فقفزت إلى الماء وأنقذتني. وعندما تأكدت من أنني ما زلت أتنفس…..رفضت أي مكافأة وغادرت القصر.”
تابع زينوس حديثه ببرودٍ هادئ.
“ومنذ ذلك الحين، كان والدي يبحث عن تلك الرفيقة التي يتحدثون عنها. لكن الأمر لم يكن سهلًا. فالعائلة الإمبراطورية نشرت الكثير من المعلومات المزيفة لعرقلة الأمر.”
لقد كان العثور على الرفيقة أشبه بقدرٍ لازمٍ لفيلب وزينوس.
وإن لم يجدوها، فسيواجه نفس مصير جده…..أن يُلتَهم بواسطـة قوته ويموت ميتةً مؤلمة.
“لابد…..أنكَ عانيتَ كثيرًا.”
ومع كلمات المواساة مرّرت سيلينا يدها على ظهره بلطف، فأسند زينوس ذقنه بهدوء على كتفها الصغير،
“لم أعرف معنى أن تكون الرفيقة حقيقية…..إلا عندما التقيت بكِ.”
احمرّ وجه سيلينا مرة أخرى، ولوّحت بيدها لتستجمع نفسها ثم تلعثمت،
“و…..وما الذي يختلف؟”
“منكِ…..تفوح رائحةٌ لا يمكن مقاومتها.”
“رائحة؟”
رفع زينوس رأسه من على كتفها، ونظر في عينيها بعمق، ثم وضع يده فوق يدها المستندة إلى الأرض وأكمل بهدوء،
“وعندما أشم تلك الرائحة…..كل ما أريده هو أن أبقى هكذا…..قريبًا منكِ.”
__________________________
خلاص حلالك هي اقعد معها اربع وعشرين ساعه
بس لحظه كيف سمعها يوم قالت ابي اطلع؟😭
المهم وش باقي سالفة البحيره؟ به باقي اظن ولا شلون درت هي
التعليقات لهذا الفصل " 18"