إيجاد شريك زواجٍ مناسب…..كانت معظم فتيات النبلاء يحضرن عددًا لا يُحصى من تجمعات المجتمع المخملي بهدف تحقيق ذلك.
لكن الشابة الجالسة أمام فيليب، التي تتحدث بهدوءٍ واتزان، كانت مختلفةً عن بقية بنات النبلاء.
“أنا لا أعرف ما هو معنى الحياة السعيدة بعد الزواج، ولا أعرف ما هو معنى سعادة المرأة أو سعادة الأم.”
وبعد أن أدرك فيليب نواياها بالكامل، كشفت سيلينا كل شيءٍ بصراحة أمامه.
“والدتي توفيت عندما كنتُ في السادسة. بعد ولادتي تدهورت صحتها كثيرًا، وظلت تعاني حتى يوم وفاتها. أما والدي فكان دائم الخروج بحثًا عن دواءٍ لها، أو لجمع المال لعلاجها. لم أرَ الكثير من اللحظات الدافئة بينهما…..لم تكن كثيرة.”
احتسى فيليب الشاي بهدوء.
‘لم تكن طفولةً سعيدة…..ورغم ذلك فقد كبرت جيدًا وتعلمت جيدًا.’
تذكرت سيلينا اللحظة التي تركت أثرًا عميقًا في طفولتها وتابعت،
“بعد مرور عامٍ تمامًا على وفاة والدتي، أحضر والدي امرأةً ليتزوجها. إنها السيدة فلورا، زوجة الكونت آرسين الحالية.”
وعندما قالت ذلك مع تعبيرٍ ساخط قليلًا، فكّر فيليب،
‘إنها تخبرني بطريقةٍ مهذبة أنها ليست قريبةً من زوجة أبيها.’
فأومأ فيليب وكأنه فهم الأمر،
“لكن كان لديكِ خطيب، أليس كذلك؟ ألم تكوني ترغبين بالزواج حينها أيضًا؟”
“ذلك كان بمثابة شرطٍ قبلته عندما كنت في الرابعة عشرة لأصبح وكيلةً لسيد العائلة.”
“إذًا ما ترغبين به هو الاستمرار في إدارة أعمال متجر العائلة. وأنتِ تعتقدين أنه إن تزوجتِ ستصبحين من عائلة الدوق ولن تستطيعي إدارة متجر آرسين، صحيح؟”
“نعم، لذلك لا أستطيع الزواج.”
نظر إليها فيليب طويلًا ثم،
“ماذا لو سُمح لكِ بإدارة متجر آرسين بشكلٍ مستقل حتى بعد الزواج؟”
و تفاجأت سيلينا وسألت،
“هل هذا ممكنٌ حقًا؟”
وقد وجد فيليب شكل عينيها المستديرتين لطيفًا فأجاب بلطف،
“يا آنسة آرسين، العالم واسعٌ وفيه الكثير مما لا تعرفينه بعد. إذا كنتِ ترغبين حقًا أن تصبحي سيدة المتجر، فعليكِ أن تري وتتعلّمي أكثر. هناك الكثير من العائلات التي يدير فيها الزوجان أعمالًا منفصلة. اسألي والدكِ أيضًا. فهو حين اختاركِ نائبةً له بدل الابن، فهذا يعني أنه رأى وسمع الكثير ويعرف إمكانياتكِ.”
ابتسم فيليب بحرارة وأكمل،
“بصراحة، كل ما أريده هو أن يتزوج ابني من المرأة التي يحبها، ويعيشا بسعادةٍ وينجبا أبناءً، ويحظيا بحياةٍ طويلة. و رؤية ذلك…..هي حلمي. عندها سأستطيع مواجهة زوجتي الراحلة بوجهٍ يملؤه الفخر.”
“أنا.…”
“لكنني أيضًا أفهم مشاعر الآنسة آنسين حين كتبتِ هذا العقد. كلمةً كلمة…..أعرف جيدًا ما الذي دفعكِ لذلك. وبصفتي والدًا، ربما لا ينبغي قول هذا…..لكن—”
توقف قليلًا، ثم أكمل بجدية،
“ما رأيكِ أن نغيّر العقد من خطوبةٍ إلى زواج؟ تتزوجين من زينوس وتعيشان معًا لعامين دون طلاق. لن أطلب منكِ إنجاب أطفال، ولن أُلزمكِ بمهام السيدة الأولى، أو الدوقة. فقط عامان.”
“…….”
“إن تمكنتِ خلال هذين العامين من الحصول على ما تريدين، وتمكن زينوس من أن يعيش سعيدًا لعامين…..فذلك مكسبٌ لكليكما. وبعد عامين، إذا أردتِ الطلاق حقًا، فتعالي إليّ ومعكِ العقد المعدل، وسأساعدكِ على الطلاق كما تشائين.”
تزعزعت مشاعر سيلينا.
‘كنتُ فقط أخطط للخطوبة مع الدوق لفترة قصيرة حتى أُغير سمعتي السيئة قليلاً…..’
كانت بحاجة لرأي الشعب: كيف يمكن أن تكون المرأة الشريرة حقًا هي نفسها التي خطبها الدوق المحبوب لدى الإمبراطورية؟
وعندما يحين وقت كشف الحقيقة مع إيريك، سيكون وجود زينوس بجانبها دليلاً قويًا يجعل الناس يصدقونها.
‘الزواج…..’
وما إن لاحظ فيليب ترددها حتى دفعها،
“ما رأيكِ في رهان صغير؟ أنا أراهن أنكِ بعد عامين لن تأتي بالعقد إليّ. وإذا خسرتُ، فسأمنحكِ أرضًا في منطقتنا تُعرف بكونها أفضل الأراضي وأكثرها قيمة.”
***
في مساء اليوم التالي، دخل كونت آرسين الغرفة التي أعدّها الإمبراطور للطعام.
“أوه، الكونت آرسين، تفضل.”
“سمعت أن جلالتكَ طلبتَ حضوري، فجئت على الفور. هل كنتَ في وسط الطعام؟”
“كان لدي الكثير من الارتباطات اليوم، ولم أتمكن من تناول الطعام إلا في هذا الوقت المتأخر. هل تود الانضمام إلي؟”
ورغم أن الإمبراطور قال ذلك بلباقة، إلا أنه كان يعلم مسبقًا أن الكونت لم يتناول طعامه، ورتب هذه الدعوة خصيصًا من أجله.
وقد امتلأت المائدة بالأطباق التي يحبها الكونت، وبأصناف متنوعة. حتى الكونت آرسين أدرك فور رؤيته لمائدة الطعام ما يجري.
‘يبدو أن جلالته لديه طلبٌ يرغب بطرحه عليّ.’
وبفضل هذا الفهم السريع نجا طوال هذه السنين بجانب الإمبراطور الحالي.
في ساحة المعركة ضحّى بكتفه من أجل الإمبراطور، واضطر بعدها للتخلي عن سيفه. ومنذ ذلك الحين كان يتولى أصعب المهام قبل أن يتكلم الإمبراطور حتى.
ولم يكتفِ بذلك، بل كان في كل رحلةٍ بحرية يجلب للإمبراطورية أشياء نادرة من القارات الأخرى، لذلك لم يستطع أحدٌ أن يكرهه.
“سمعتُ أنكَ مشغولٌ هذه الأيام بسبب مشروع التجارة المشتركة؟”
“لقد عملنا عليه لمدة ثلاث سنوات، والآن يكاد ينهار، لذلك أبذل كل ما أستطيع لإنقاذه.”
“يا للأسف….الطرف الذي تتعاونون معه هو…..عائلة الكونت باتيل، أليس كذلك؟ ليس لديهم أي بصيرة. من أجل مستقبل العائلتين سمحتُ بذلك الزواج، ثم يقومون بإفساده. ما الذي ينقص سيلينا ليهدروا نصيبهم هكذا؟ هل تريدني أن أعاقبهم نيابةً عنكَ؟”
كان تدخل الإمبراطور في هذا التوقيت خطيرًا، خاصةً وأن مشروع التجارة لم ينتهِ تمامًا بعد.
ورغم أن الكونت آرسين كان يعرف أن الإمبراطور قال ذلك عمدًا، فقد انحنى وردّ بجهد،
“جلالتك…..لا داعي لأن تتورط بسبب رجلٍ مثلي. سأحاول حل هذا الأمر بين العائلتين.”
شرب الإمبراطور رشفةً من الماء ثم بدأ بالكلام الذي كان قد جهّزه مسبقًا.
“بصراحة، ما يُقال عن سيلينا في المجتمع هذه الأيام….يجعلني أغضب كثيرًا. هل يمكن لهؤلاء أن يعرفوها أكثر مما أعرفها أنا؟ سيلينا فتاةٌ لطيفة، حكيمة، تعرف الصواب. أنا شخصيًا لا أمانع أن أقبلها ككنّة.”
فرفع الكونت آرسين رأسه بصدمة.
‘كنّة؟’
“لماذا تتفاجأ هكذا؟ ألم نتحدث عن هذا الأمر عرضًا قبل سنوات؟ وقتها كانا طفلين صغيرين رفضا الأمر رفضًا لطيفًا، وضحكنا. لكن الآن…..لم يعودا في سن يحقّ لهما فيه الرفض بهذه العفوية.”
ضحك الإمبراطور، أما الكونت فلم يستطع حتى مجاراة ذلك الضحك.
و انحنى بسرعة بقلق،
“جلالتك…..كان ذلك مقبولًا عندما كانا طفلين، أما الآن فالأمر مختلف. عائلتنا…..متواضعةٌ جدًا. أن تصبح ابنتي زوجةً لولي العهد…..هذا مخيفٌ بحق.”
“صحيح، إن تزوجت من ابني ستصبح أعلى منزلةً منكَ. لا بد أن ذلك مخيفٌ فعلًا. هاهاها.”
“جلالتك..…”
رفع الكونت رأسه ينظر برجاء أن يسحب الإمبراطور كلامه، لكن الإمبراطور أجابه بلا مبالاة،
“سمعت أنها خُطبت ثم فسخت خطوبتها، فأصبحت قلقًا عليها. هكذا…..كيف ستجد خطيبًا مناسبًا بعدها؟ أنا أحاول فقط أن أساعدكَ، يا آرسين.”
“لكن سيلينا..…”
‘إن ذهبت إلى العائلة الإمبراطورية، فلن ينتظرها سوى طريقٍ مليء بالأشواك. المسافة بيننا وبين العائلة الإمبراطورية يجب أن تبقى كما هي—لا قريبةً جدًا ولا بعيدة جدًا.’
“ما زال الوقت مبكرًا.”
“ماذا يعني ذلك؟ سيلينا في السابعة عشرة.”
“أعلم، لكن…..هناك شخصٌ يجب أن يتزوج في منزلنا أولًا. ولا يمكن أن نرسل سيلينا وحدها إلى مكان مرتفع كهذا..…”
فسأل الإمبراطور بنبرةٍ منزعجة،
“تقصد ابن زوجتكَ؟”
“نعم. لقد زار القصر حين كان صغيرًا مع سيلينا.”
“إذاً زوجتكَ العامية شديدة الغيرة والحسد. لا بد أن سيلينا تعاني كثيرًا في المنزل.”
ابتسم الكونت بصعوبةٍ ولم يجب.
“لكن كلامكَ لا يأخذ كل الجوانب بعين الاعتبار. فكّر جيدًا. لو أصبح أخو زوجة ولي العهد، فسيتقبل النبلاء أصله العامّي بسهولةٍ أكبر.”
اشتعل صدر الكونت بنار القلق.
‘أن يضغط عليّ لهذه الدرجة يعني أنه اتخذ قراره بالفعل…..هل هناك سببٌ خاص يجعله يريد سيلينا بالتحديد؟’
رغم شعوره بالاختناق، لم يستطع إلا أن يحني رأسه موافقًا.
“لن نقيم حفل خطوبة. لندخل مباشرةً في مراسم الزواج.”
ثم راح الإمبراطور يخطط ويرتب بحماسة، أما الكونت آرسين فلم يصل إلى أذنيه شيءٌ مما قيل.
___________________
ياحماااااااااااااااار
الكونت كل فصل يثبت انه رخمه
حتى الامبراطور الزفت ذاه لاحظ ان فلورا حماره مع سيلينا
التعليقات لهذا الفصل " 13"