وبينما كانت رسالة سيلينا الصغيرة مفتوحةً بينهما، واصل الرجلان حديثهما.
“لكن….لقد رفضت عرض الزواج….”
“ذلك لأنكَ فتحت موضوع الزواج فجأة، فارتبكت الفتاة لا أكثر.”
“صحيح…..إذًا كانت مشكلتي أنني كنتُ متسرعًا.”
هزّ زينوس رأسه بجدية.
“إن التقينا مجددًا، فلا بد أن أتجنب تكرار الأخطاء نفسها. والدي، ماذا أفعل؟ ماذا أرتدي؟ كان عليّ أن أسألها مسبقًا عن الألوان التي تفضّلها.”
كان من السهل تخيّل ذيلٍ غير مرئي يهتز خلف الابن الضخم من شدة الحماس.
وقد وجد فيليب ذلك المنظر لطيفًا إلى درجة أنه رغِب لا إراديًا في أن يحتضن ابنه، لكنه بالكاد أمسك بكتفَي ذلك الشاب الذي كبر فجأة،
“يا بني، عليكَ أن تهدأ قليلًا. لا يجوز أن تكرر الخطأ الذي ارتكبته قبل أيام.”
“نعم يا أبي. سأحاول أن أكون أكثر هدوءًا هذه المرة.”
“ولا يكفي أن تحاول فقط. تذكّر هذا جيدًا…..هذا أهم تفاوض في حياتكَ.”
“تفاوض..…؟”
فتلألأت عينا زينوس عند سماع الكلمة.
***
دخل زينوس المقهى وقد احمرّت وجنتاه قليلًا من رائحة سيلينا التي شعر بها من بعيد.
“آنسة آرسين.”
قال ذلك قبل أن يرافقه أحد، إذ دخل بخطواتٍ واسعة مباشرةً إلى الغرفة التي كانت فيها.
و ارتبك مدير المقهى وحيّا زينوس بانحناءة.
“سمو الدوق.”
سيلينا كذلك تفاجأت، لكنها أخفت ارتباكها وحيّته، ثم التفتت إلى المدير.
“لا بأس هنا، اخرج وجهّز لنا الشاي.”
“حاضر.”
خرج المدير، وجلس الاثنان متقابلين.
“سمو الدوق.”
“نعم يا آنسة.”
أشارت سيلينا له أن يبدأ بالكلام. و بعد لحظة صمت، جمع زينوس كلماته،
“أود قبل كل شيء أن أعتذر لكِ.”
“تعتذر.…؟”
“كان من الطبيعي أن ترفضي عرض زواجٍ من شخص لا تعرفينه جيدًا. لقد قصرتُ في التفكير. أنا آسف.”
وانحنى برأسه وهو يقولها.
‘رجلٌ يوقّره كل أبناء الإمبراطورية، ينحني لي ويعتذر بهذا الصدق..…’
تبعته بالانحناء، وفكرت سيلينا،
‘إن كان هناك شخصٌ قد يقبل رجائي…..فهو بالتأكيد هذا الرجل.’
بعد فسخ خطبتها مع عائلة باتيل، أمضت الأيام تبحث عن عائلةٍ مناسبة.
كانت سيلينا تُظهر ثقةً كبيرة خلال اجتماع رؤساء العائلات حين قالت أنها قادرةٌ على إيجاد أي خطيب مناسب، لكنها عندما همّت فعليًا بطرح الأمر، أثقل قلبها ما يلاحقها من سمعةٍ سيئة في المجتمع الراقي.
‘كم من الرجال سيقبلون الخطوبة مع امرأةٍ يعرفون سمعتها؟ ألن ينتهي الأمر بتدمير العلاقات التي حافظت عليها أصلًا؟’
بعد تفكيرٍ طويل، رتّبت هذا اللقاء. والآن، وهي ترى موقف زينوس، شعرت أنها أحسنت صنعًا.
وبعد أن خرج المدير مجددًا بعد إحضار الشاي، بدأت سيلينا الكلام،
“سمو الدوق، في الحقيقة…..جئتُ اليوم لأن لدي طلبًا.”
“طلب؟”
سألها زينوس وهو ينظر إليها بنظرةٍ لا تريد أن تفلتها من بين عينيه.
“نعم. وإن رفضت فـ….سأفهم ذلك. فطلبي ليس سهلًا.”
ظلّ زينوس ينصت باهتمامٍ تام، لكن الكلمات لم تسهُل على سيلينا.
‘هل أدور حول الموضوع؟ لا…..مثل هذه الأمور يجب أن تُقال بصراحة. لم أتخيل أنني سأقول مثل هذا لرجُل…..’
رطّبت حلقها بخفة، ثم،
“سأكون صريحة…..هلّا تتفضل بأن تخطبني؟”
***
ذلك المساء، بعد أن عادت إلى منزلها، عادت إلى ذهن سيلينا نظرة زينوس الشاردة التي بدت وكأن العالم انهار فوق رأسه بعد سماعه اقتراحها.
“هل…..يمكن أن تمنحيني بعض الوقت للتفكير؟”
“نولا.”
“نعم يا آنسة.”
“طعمه سيئٌ اليوم. خذيه.”
“ماذا؟ ولكن..…”
“الشاي الذي شربته في المقهى كان أفضل بكثير. هل كنتِ شاردةً اليوم؟ تضييع أوراق الشاي هكذا…..إنه إهدار.”
“……أعتذر.”
“لا بأس، خذيه معكِ.”
لقد كان الطعم مُرًا بالفعل.
لم تتخيل سيلينا أبدًا أن يتغير وجه زينوس بتلك الطريقة بسبب اقتراحها.
‘أعرض عليه خطوبةً مؤقتة ثم نفترق بعدها، فلماذا يرمقني بتلك النظرة المليئة باللوم؟ هل لأنه شخصٌ محبوب في المجتمع؟ ومن الذي تقدم لي أولًا أصلًا؟ هل كان عرض الزواج ذاك مجرد كذبة؟’
تذكّرت سيلينا ملامح زينوس من جديد فعبست وزفرت بضيق.
‘كل ما طلبته هو خطوبةٌ مؤقتة، هل يستحق الأمر أن يجرحه هكذا؟’
“أين ذهبت تلك النظرات الحارة التي كنتَ توجهها لي؟”
“آنسة.”
“بن، يبدو أنكِ نسيتِ أن تطرقي الباب.”
كان بن قد طرق ثلاث مراتٍ لكنها لم تجب، فاضطر لفتح الباب والدخول، وردّ دون أن يظهر انزعاجه،
“الكونت يطلبكِ.”
“حسنًا، سآتي فورًا.”
طوت سيلينا أفكارها المزدحمة عن زينوس، وتوجهت مباشرةً إلى غرفة الكونت، فقد كان لديها ما تناقشه معه بشأن شؤون التجارة.
***
“ماذا تقول أنها تريد؟”
“الخطوبة يا والدي.”
“أليس ذلك أمرًا جيدًا؟ لقد وافقت على الخطوبة، الأمور تسير على خير ما يرام-”
“وتقول إنها تريد الطلاق لاحقًا.”
“ماذا؟”
“اقترحت خطوبةً بعقد. نرتبط ثم ننفصل. بعد عامين.”
“ما معنى هذا الكلام؟ انفصال؟ فسّر لي جيدًا.”
جلس زينوس على الكرسي محدثًا صوتًا واضحًا، ثم فك ربطة عنقه الضيقة بضجر.
“تقول أنها ممتنّة لأنني، بصفتي ذا مكانة وسمعة، تقدمتُ إليها أولًا. وبعد التفكير، تقترح أن نبدأ بالخطوبة.”
“وماذا بعد؟”
“كنت سأقول لها أنني لا أريد الخطوبة بل الزواج مباشرة، لكنني تذكرت ما حدث قبل أيام، فوافقت على الخطوبة.”
“جيد إلى هنا. لكن بعد الخطوبة من الطبيعي أن تتزوجا، فلماذا تصر على الانفصال؟”
“هذا ما لا أفهمه.”
تنهد زينوس وقد انسدل حاجباه بإحباط.
“كيف تطلب الانفصال قبل أن نصل حتى للزواج؟ تقول آنسة آرسين أنها لا تجرؤ على التفكير بالزواج الحقيقي مني.”
وضع يده على جبينه لحظة، ثم تحدّث وقد بدا عليه عدم الفهم،
“إذا كانت لا تريد الزواج، فلماذا تريد الخطوبة؟ بل وتضع شروطًا كثيرةً أيضًا. هل الارتباط بي أمرٌ صعب إلى هذه الدرجة؟”
لم يكن فيليب يعرف سبب تجنّب سيلينا للزواج، لكنه حاول تهدئة ابنه،
“آنسة آرسين تحتاج وقتًا لتفهم مشاعركَ وتنظر إليكَ بالقلب نفسه. ربما فوجئت، وربما لا تعرف حقيقة مشاعركَ بعد. وماذا أجبتها أنت؟”
أجاب زينوس بعد تنهيدةٍ طويلة،
“طلبت منها وقتًا لأفكر.”
“أحسنتَ. بما أنكَ كسبت الوقت فلنفكر بحل. هي تريد خطوبةً يعقبها انفصال، صحيح؟”
“بالضبط، وكل شيءٍ مكتوبٌ هنا.”
أخرج زينوس ظرفًا سميكًا من صدره.
“ما هذا؟”
“عقد الخطوبة الذي اقترحته الآنسة آرسين.”
“عقد خطوبة؟”
فتح فيليب الأوراق وبسطها على الطاولة.
كانت ثلاثة صفحاتٍ مليئة بما تريده من زينوس خلال العامين المقبلين، وما يقابله من تعويض.
‘كتبت كل شيءٍ بدقة…..لم أتوقع أن يتلقى ابني عرضًا كهذا.’
“وما رأيكَ؟”
نزع فيليب نظارته وسأل.
“بالطبع أريد الزواج منها فورًا. لا حاجة بيننا لمثل هذا العقد المرهق.”
“وماذا لو أصرت على هذا الشكل من الارتباط؟ وماذا لو طلبت الانفصال في النهاية؟ هل ستنفصل عنها بهدوء؟”
فكر زينوس لحظةً ثم هز رأسه بقوة.
“سأجعلها زوجتي مهما كان الأمر.”
أومأ فيليب عندما رأى عزم ابنه،
“هكذا يكون الموقف. لا يجب أن تتراجع. اعرف ما تريد بوضوح، ثم فكر بطريقةٍ للحصول عليه.”
نظر فيليب ثانيةً إلى عقد الخطوبة بشدة،
“فكّر في الأمر وحدكَ لبعض الوقت. أما أنا…..فعليّ مقابلة الآنسة آرسين بنفسي.”
كانت هذه ملامح فيليب، قائد فرسان هيلوا، الرجل الذي يخشاه قادة أوتوم الإمبراطورية في مفاوضات ما بعد الحرب.
________________________
صارت مفاوضات زواج زينوس اهم من الحرب
بسرعه رح لها قل بالله ما اعجبس ولدي؟
وزينوس بزر واضح متربي زين مع ابوه ينوس اول مهووس كيوت اشوفه😭
سيلينا تضحك بعد يعني شوفي من يقترح عقد خطوبه غير الروايات؟ طبيعي يستغرب
التعليقات لهذا الفصل " 11"