استمتعوا
مرّت عدة أيام منذ أن هزموا إكليبت.
عاد رويري إلى برج السحر بعدما وعد بأنه سينتظر،
وكان لا يزال أمامه ما ينهيه مع المعبد.
أما ديانا، فقد جمعت كومة من الوثائق بين يديها،
ثم نظرت من النافذة.
كانت الشمس تشرق في الأفق.
بكل ما جمعته طوال الليل من كتالوجات وأوراق، توجهت إلى غرفة آيسيل.
“آيسيل.”
“هل أتيتِ؟“
رحبت بها آيسيل بابتسامة مشرقة، ثم مدت يدها نحو الأوراق التي تحملها ديانا وسألت:
“ما كل هذا؟“
“إنها مستندات تخص حفل تقديمك للمجتمع، يا صغيرتي.”
“واو…!”
جلست ديانا وآيسيل إلى الطاولة. ما جلبته ديانا كان كتالوجًا يضم أفخم الفساتين والمجوهرات الرائجة، بالإضافة إلى وثائق تتضمن تصاميم قاعات الحفلات التي لاقت رواجًا مؤخرًا.
“اختاري ما يعجبك. جدك قرر أن يقدم لك هدية الحفل بنفسه.”
“جدي؟“
“نعم، من الأفضل أن نذهب لزيارته قبل الحفل.”
“موافقه! لقد اشتقت إليه أيضًا.”
راحت آيسيل تتصفح الكتالوج بعينين تتلألآن من الحماس. التصميمات فيه كانت خلابة لدرجة تدير الرأس.
وبعد قليل، جاءت ميلان ووضعت أمامهما بعض الحلوى والشاي. شكرتها ديانا بنظرة هادئة، بينما تابعت النظر إلى آيسيل التي كانت تقلب الصفحات بسرعة.
ومن ذا الذي لا يحب الأشياء الجميلة؟ أكثر ما كان يؤلم ديانا هو أنها لم تستطع أن تفعل ذلك لها إلا بعد كل ما فعله كل من أليشيا وكاثرين.
زفرت بعمق، ثم تحدثت ببطء:
“أثناء تحضيرات الحفل، سأضطر إلى وضع أليشيا في غرفتك لبعض الوقت.”
“أليشيا؟“
اتسعت عينا آيسيل من المفاجأة.
“نعم.”
“لا بأس، لا يهمني.”
أجابت آيسيل بلا مبالاة، وكتفاها يرتفعان بهدوء. بل إن نظراتها أصبحت أكثر توهجًا من لحظة تفحصها للكتالوج.
أليشيا هي من حبستها لخمسة أعوام بين رفوف الكتب. حتى لو فعلت بها الشيء نفسه، لم يكن هناك مجال للشعور بالذنب.
“لكن لماذا؟ لماذا تضعينها في غرفتي؟“
لم تكن تعارض، لكنها أرادت أن تعرف السبب. فحاليًا، أليشيا كانت لا تزال محبوسة في الكوخ، وقد فقدت بصرها، وكل ذلك بسبب ابنتها كاثرين التي اعترفت بكل شيء.
ابتسمت ديانا بهدوء نحو ابنتها التي كانت تنظر إليها باستفهام.
مصير أليشيا كان في الواقع مأساويًا. ومع ذلك، لم تتعرض هي شخصيًا للخذلان من ابنتها. بل إن وضع آيسيل حينها كان أسوأ بكثير من وضع كاثرين الآن.
كانت آيسيل تجلب لها الخبز اليابس الذي يُوزع أسبوعيًا، بينما تختار أن تبقى جائعة. ورغم ذلك، بذلت جهدها لحماية والدتها.
أما كاثرين؟ فعندما أتيحت لها الفرصة، لم تقدم لها الطعام، بل تركتها تتضور جوعًا.
من حيث الشر، كانت كاثرين هي الأسوأ. تخلّت عن والدها وأمها دون تردد في سبيل طموحها.
ومثل تلك النهاية، كانت تستحق نهاية تليق بها.
“لأن هناك شخصًا آخر يجب أن يدخل ذلك الكوخ.”
فهمت آيسيل على الفور، وأجابت بصوت منخفض:
“كاليسبو، ذلك الوغد، أليس كذلك؟“
“صحيح.”
رفعت ديانا فنجان الشاي بأناقة.
“ما الذي ستفعلينه به؟“
“قبل حفل تقديمك، سيقوم كاليسبو بعرض تلك العشبة التي قدمتها له على الساحة الأكاديمية.”
“إذن، حان الوقت أخيرًا.”
“أجل، تلك هي اللحظة التي سيتحول فيها إلى مجرم.”
ارتسمت على شفتي ديانا ابتسامة هادئة.
“حان وقت تفجير كل ما حضّرته طوال هذه الفترة، خطوة بخطوة.”
ابتسمت آيسيل رضًا، تمامًا كأمها.
كان الموعد قد اقترب، يوم تسديد كل الأحقاد المتراكمة التي كانت تظهر بوضوح بمجرد أن تغمض عينيها.
“إذًا، عليّ زيارة كاثرين أيضًا. فهي ستشاركك نفس يوم الحفل.”
“نعم، أمي. اذهبي.”
طبعت ديانا قبلة خفيفة على جبين آيسيل، ثم غادرت الغرفة.
توجهت إلى غرفتها، وأخذت الوثائق التي أعدّتها خصيصًا لكاثرين.
نظرت إلى الأوراق بين ذراعيها بنظرة راضية، ثم قرعت باب كاثرين.
“كاثرين.”
“أوه، أمي!”
رحبت بها كاثرين بفرح لا يقل عن آيسيل. فلم يتبقَ الكثير على حفلها، ولم تكن تملك من تعتمد عليه سوى ديانا.
لكن على عكس ابتسامتها، كانت عيناها تراقبان ديانا بحذر.
ربما أخبرت آيسيل ديانا أنها حاولت تسميمها، كما فعلت مع سيرينا.
لكن لحسن حظها، بدت ديانا وكأنها لا تعرف شيئًا. شعرت كاثرين بالارتياح، وأدخلت والدتها.
“هل يمكنني الدخول؟“
“بالطبع! تفضلي بالدخول!”
كانت كاثرين تبتسم أكثر من أي وقت مضى، لكن أظافرها كانت ممزقة لا تليق بمكانتها كابنة دوق.
بدت كأظافر خادمة، تمامًا مثلما كانت أظافر آيسيل حين كانت مسجونة في رف الكتب.
وتحت عينيها كانت هناك هالات سوداء، ووجهها شاحب كأنها مريضة منذ زمن طويل.
أسرعت كاثرين بسحب مقعد لأمها، ثم أمرت الخادمة التي كانت تنتظر في الممر بإحضار الشاي. بعدها جلست أمام ديانا.
بدأت تحك أظافرها بعصبية لا إرادية. منذ أن رأت آيسيل ولويري يواجهان إكليبت، لم يظهر ذلك الكائن مرة أخرى.
نادته مرارًا، لكن صوته تلاشى في الفراغ.
لم يكن اختفاؤه هو ما يخيفها، بل الأثر الذي تركه على راحة يدها.
ذلك الأثر، مهما غسلت يدها، لم يختفِ.
كانت خائفة من أن العقد الذي أبرمته معه لا يزال قائمًا.
كان قد وعدها بمنحها قوى سحرية، مقابل أن يأخذ وقتًا من عمرها. وكان هذا الثمن مقبولًا بالنسبة لها.
أن تعيش طويلًا لم يكن من أولوياتها. ما يهمها هو ألا تعيش ذليلة، خاسرة أمام آيسيل، تحمل وصمة الابنة غير الشرعية.
نظرت إلى راحة يدها ببرود، ثم قبضت يدها بقوة. لا فائدة من القلق، ما حدث قد حدث. إن كان الساحر وتلك الفتاة قد قضيا على إكليبت، فستتلاشى قريبًا أيضًا.
كل ما تحتاجه هو أن تحظى بحفل فاخر، ثم تجد زوجًا جيدًا وتتزوج فحسب.
تسلل بصرها إلى الكتالوجات التي تحملها والدتها.
كانت ذكية بما يكفي لتعرف ما بداخلها دون أن يُشرح لها.
اكتفت ديانا بابتسامة ساخرة في قلبها، ثم مدت لها الأوراق.
“تفضّلي، القي نظرة.”
لم تحتج كاثرين إلى شرح، وفتحت الأوراق بسرعة.
لكن ما إن رأتها، حتى تجعد جبينها من الغضب.
“ما هذا…؟“
“هل هناك مشكلة؟“
“هذه كتالوجات لمحلات فساتين رخيصة!”
صرخت كاثرين وكأنها على وشك أن تلقي بها أرضًا.
“كاثرين.”
ارتجفت كتفاها فجأة عند سماع صوت والدتها المنخفض. لكنها كانت مصممة، هذه المرة لن تتراجع.
كان حفل الديبوتان خاصًّا لا يحدث سوى مرة واحدة في العمر. لم يكن بوسعها التنازل عن الفستان الجميل، ولا عن المجوهرات، ولا عن أي شيء آخر.
“هل وصل بنا الحال إلى هذا الحد من الفقر؟“
“لقد اضطررنا لذلك بسبب مشروع والدك التجاري. حتى هذه الأشياء بالكاد استطعنا تحضيرها.”
لم يكن في كلام ديانا أي ذرة كذب. لقد كانت الحقيقة. فالمبلغ الذي كان من المفترض أن يعطيه كاليبسو لدوقة الدوق باسم مصروف المعيشة، قد انقطع أصلًا منذ الشهر الماضي.
“ولماذا بدأ هذا المشروع بالذات وقت حفل ديبوتاني؟! ألم يكن لديكِ مال شخصي من جدي…؟ حتى ذلك…”
هل يوجد ابن عاق أكثر من كاثرين على وجه الأرض؟
شعرت ديانا بالذهول، حتى كادت تضحك من شدة السخرية. أن تطالب ابنتها بثروة والديها من أجل حفلها، كأنه حق طبيعي لها. فقالت ديانا بمرارة، وكأنها تعتذر:
“أعطيتُ كل شيء لوالدك ليستثمره في مشروعه.”
“ماذا… ماذا قلتم…؟“
غشى الظلام عيني كاثرين اللتين كانت تشتعلان بالطمع. تذكرت مجوهرات الألماس التي أعطاها لها جدها. لو كانت لا تزال تملكها، لما احتاجت إلى التذلل والتوسل بهذا الشكل البائس.
وكان هذا أيضًا ذنب أليشيا، التي أخذت تلك المجوهرات لتتخلص من آيسيل، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا.
صرّت كاثرين على أسنانها وقالت:
“لو توسلتُ إلى جدي…”
“كاثرين. المشروع الذي يعمل عليه والدك هو ذات المشروع الذي كان جدك يعمل على إطلاقه، وقد سرقه منه. الآن ليس وقتًا مناسبًا للحديث مع جدك.”
تبدد آخر بصيص من الأمل. نظرت كاثرين إلى الكاتالوجات التي أحضرتها ديانا بنظرة خاوية. لم تحتج إلى فتحها لتعرف أن هذه الملابس لا تليق أبدًا بابنة دوق من عائلة إرينست.
لاحظت ديانا ذلك، ثم تكلمت بصوت هادئ:
“أو… ما رأيك في حل آخر؟“
“ما هو هذا الحل؟“
“قال والدك إنه سيقوم بإعلان اكتشافه العشبي الجديد في المؤتمر الأكاديمي، وقد جهز بالفعل لبيعه مباشرة بعد الإعلان.”
“يعني إذا انتظرتُ فقط حتى يتم الإعلان، فسيستطيع والدي أن يشتري لي فستانًا أفضل؟“
جمعت كاثرين يديها بطريقة لطيفة جدًا وسألت بأقصى درجات الرقة المصطنعة.
“نعم، ذكية جدًا.”
ابتسمت ديانا لها بلطف، رغم أن نفاق كاثرين كان واضحًا كالشمس في رابعة النهار.
‘ذلك الذكاء، وتلك الأنانية… هي ما سيدفع بكِ إلى قاعٍ أعمق يا كاثرين.’
أخفت ديانا نواياها الحقيقية بعناية. فقد شعرت أنها لو لم تفعل، لكان وجهها قد تجمد من الغضب. تماسكت بجهد، وانتظرت جواب كاثرين.
وطبعًا، لم يخالف جواب كاثرين ما توقعته ديانا.
“سأنتظر!”
“أعتقد أن كل شيء سيكون على ما يرام، ولكن، إن حدث عكس ذلك، فقد تضطرين إلى اختيار فستان من كتالوج أقل جودة من هذا. هل أنتِ حقًا موافقة؟“
ارتعش جسد كاثرين قليلًا من القلق، لكنها سرعان ما أجابت بثقة:
“… نعم!”
“جيد. فلننتظر قليلًا بعد، إذن.”
ابتسمت ديانا لها ابتسامة مشرقة.
“أنا متأكدة أن كل شيء سيكون على ما يرام.”
“نعم، أمي! كل شيء سيكون رائعًا!”
لم تكن كاثرين تتخيل ولو للحظة ما الذي ينتظرها قريبًا، وكانت تحلم بأبهى إطلالة في حفل ديبوتانها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 99"