استمتعوا
“نعم، من الطبيعي أن تشعري بالحقد!
لأن بداية كل هذه التعاسة كانت بسبب رويري، ذلك اللعين!”
إكليبت ضحك وهو يلهث كالمجنون.
أغمض رويري عينيه بقوة،
وكأنه مستعد لتحمل كل شيء.
لكن قلبه ظل يتألم.
لم يكن ينوي فك اللعنة بهذه الطريقة.
كان يريد فقط أن يحبها بكل ما أوتي من حب.
وكان يريد أن يجعلها تحبه بنفس القدر.
من البداية، لم يكن يريد أن تعود وهي تملك ذكرياتها.
كان ينوي أن ينقذ ديانا من ذلك القصر بمساعدة الماركيز،
بينما تكون قد نسيت كل آلامها.
من دمر كل شيء لم يكن هو، بل كان إكليبت.
نعم، لم يكن من المعقول أن ينصاع شيطان لأوامره.
ومع ذلك، لم يشعر رويري بالندم على ما فعله.
حتى لو لامته ديانا وآيسيل، فإنه كان سعيدًا فقط برؤية ديانا حية.
حتى لو اعتُبر ذلك أنانية منه.
اقترب رويري من ديانا،
وناداها باسمها كما كان يفعل من قبل.
“ديانا.”
نظرات ديانا، التي عرفت الحقيقة كلها، اهتزت كالموج.
نظرت إليه بعينين دامعتين وهو يقترب منها.
“…أكنتَ أنت من… من أعادنا من جديد…؟“
“…نعم.”
حتى لو وبخته وسألته عن السبب،
كان رويري مستعدًا لتحمل كل شيء.
فأجابها بصوت خافت منهك.
لم يكن يريد إيذاء ديانا. لم يكن يريد أن يُظهر لها أنانيته.
“أنا آسف، ديانا… لا، نونا…”
خفض رويري رأسه أمامها كأنه مذنب.
“كنت أعلم… أنكِ وآيسيل قد تكونان ترغبان في الراحة الأبدية… ومع ذلك…”
بدأت عيناه الزرقاوان تلمعان ببطء.
“لم أستطع… لم أستطع ترككما تموتان ظلمًا…!”
تجعد وجهه بألم.
“آسف لأنني جعلت الأمر أصعب… آسف لأنني آذيتكِ أكثر…”
قد لا يُغفر له مهما قال،
لكن إن كان بإمكانه فقط أن يكون أنانيًا قليلًا بعد،
فإنه أراد أن يُغفر له.
حتى لو كانت تلك أنانية منه.
“…سامحيني.”
أمسك بيد ديانا وتوسل إليها بصدق.
“أرجوكِ، نونا…”
لكن ديانا لم تجب لفترة طويلة.
بدأ إكليبت بالضحك وكأنه يستمتع بالمشهد الذي طالما أراده.
وسقطت يد رويري، التي كانت تمسك بيد ديانا،
كما تسقط ورقة الخريف من الشجرة.
هل كان الألم لا يُحتمل؟ لدرجة أنه يكره نفسه لأنه أعاد الزمن؟
لكن بعد لحظات، بدأت الدموع تتساقط بغزارة من عيني ديانا وهي تنظر إلى رويري.
تقلصت شفتا إكليبت المتبسمتين فجأة.
فتحت ديانا شفتيها ببطء.
“عندما… عندما أخبرتك بكل شيء عني…”
خلال موعدها مع رويري، كانت قد أخبرته بكل ما حدث قبل العودة.
حينها، قال لها بوجه حزين، لا بد أنه كان الأمر صعبًا.
تابعت ديانا حديثها بصوت متقطع بالبكاء:
“قلتَ لي إن الأمر لا بد أنه كان صعبًا عليّ وأنا وحيدة…”
“…نعم، قلت ذلك.”
كان إكليبت يبتسم برضا وهو يشاهدهم،
لكن كلمتها التالية أزالت تلك الابتسامة على الفور.
“لكن… كم كان صعبًا عليك وحدك، رويري…!”
قفزت ديانا مباشرة إلى حضنه.
والدموع تتساقط من وجهها الغارق في الحزن.
مع زوال اللعنة التي وضعها إكليبت،
أصبحت ديانا قادرة على رؤية كل شيء.
ليس فقط صورة رويري التي مُسحت من ذاكرتها،
بل ما فعله بعد موتها.
كم كان يحبها ويهتم بها، وكم تألم بسبب وفاتها.
“كم عانيت وحدك…؟“
كانت تدرك الآن، لدرجة جعلت صدرها ينفطر ألمًا.
حتى لو اختفى أثره من ذاكرتها بالكامل،
فإن صدقه في رغبته في إنقاذها كان واضحًا.
كان لديها آيسيل، لتشاركها الألم والحزن.
لكن رويري… لم يكن لديه أحد.
ظل يحاول بصمت، أن يحمي امرأة لم تعد تذكره.
كيف يمكن أن تلوم رجلاً كهذا؟ على العكس، لقد منحها فرصة للانتقام من الذين خانوها، وجعلها تشعر من جديد بالحب والمحبّة.
لم تستطع أن تجد كلمات تصف امتنانها له.
لم يكن أنانيًا.
بل إن ألمه وحزنه كانا لا يقلان عن ألمها وآيسيل.
رغم أنه كان يعلم أن المرض لا يُشفى،
اختار أن يمشي في الطريق الأصعب.
مسحت ديانا دموعها، وحدقت في إكليبت بعينين تتقدان.
“هل ظننت أنني سأكرهه…؟“
ارتجف طرف عين إكليبت وكأنه تفاجأ.
“مـ… ماذا؟“
“أنا…”
عينا ديانا اللتان بدتا ضعيفتين قبل لحظات،
تألقتا بقوة لا مثيل لها.
“أنا أحبه.”
رغم أنها كانت تبكي، إلا أن كلماتها كانت حازمة.
وبمجرد أن قالتها، اهتزت حدقة عيني رويري بعنف.
“لن تسير الأمور كما أردت!”
بدأت هالة ذهبية تنبعث من جسد ديانا مجددًا.
وانضم رويري إلى الهجوم على إكليبت، ومعه آيسيل.
أولئك الذين تشاركوا الألم، كانوا الأقوى.
“هذا… مستحيل…!”
بدأ إكليبت بالمقاومة،
لكن قوته السحرية تراجعت بسرعة، وجسده خارت قواه.
“فلتمت، إكليبت.”
قالت ديانا ببرود.
جمعت هي، وآيسيل، ورويري كل طاقتهم السحرية.
وامتزجت قواهم في لحظة واحدة.
“آااااااااااه!”
صرخة حادة صدحت، بينما أحاط السحر الثلاثي بجسد إكليبت.
واشتعلت النار الذهبية فيه بقوة.
واصل الثلاثة هجومهم بلا توقف.
وأطلقوا سحرهم بكل قوتهم حتى بدأ العرق البارد يتصبب منهم.
“لا… لاااااا…!”
وفي وسط اللهيب الذهبي، تفتت جسد إكليبت إلى رماد أسود.
وبصوت خافت كهمس، انهار الثلاثة معًا.
أُنهكوا من استخدام طاقتهم بالكامل، وأنفاسهم باتت متقطعة.
احتضنوا بعضهم بشدة.
لم تُستثنَ منهم عين واحدة من البكاء.
كان الفرح بكسر اللعنة،
ومشاعر الشفقة على رويري، تجتاحهم معًا.
في النهاية، من كسر اللعنة لم يكن أحد غير إكليبت نفسه.
كان يظن أن رويري سيتلقى اللوم بعد إعادة الزمن،
لكنه كان مخطئًا تمامًا.
ما لم يدركه إكليبت هو ‘ الزمن ‘.
الزمن الذي قضته ديانا مع رويري.
كان هو مصدر الثقة المتبادلة والقوة الحقيقية.
لم يكن يعلم أن ديانا،
في لحظة موتها، كانت تتمنى لو أنها تستطيع إعادة الزمن.
لتنتقم ممن خانوها وتحمي ابنتها.
صحيح أن ديانا وآيسيل بعد عودتهما لم يكونا سعيدتين بالكامل.
فأن ترى بأم عينيك من خانك أمرٌ مؤلم.
حتى الحب والرغبة في حماية بعضهما البعض تحولت أحيانًا إلى ألم، وكان الحمل ثقيلًا عليهما.
لكن، ما لم يكن يدركه إكليبت هو كم يصبح الإنسان قويًا أمام الحب.
ربما، لم يدرك ذلك حتى لحظة موته.
“شكرًا… لأنك أنقذتنا… لأنك أنقذتنا…”
همست ديانا وهي تحتضن رويري وآيسيل.
فغمرتهما مشاعر الدفء وكأنهما استعادا كل شيء أحبّاه.
***
وضع رويري آيسيل، التي غرقت في النوم، على السرير.
ومع صوت تنفسها اللطيف،
ابتسمت ديانا وهي تمسح شعرها بلطف.
ثم خرجت مع رويري من الغرفة، وتوجها إلى غرفتها.
كانت متعبة، لكنها كانت تملك الكثير لتقوله له.
ديانا أخرجت جرعة الشفاء التي سبق أن حضرتها في ساحة سحرها، وناولتها إلى رويري.
فحتى لو كان ساحرًا عظيمًا، فإن طاقته السحرية كانت محدودة.
وقد بدا عليه التعب الشديد بعد أن استخدم الكثير من سحره في القضاء على الشيطان.
لكن رويري أعاد إليها الجرعة التي ناولته إياها،
ودفعها بلطف نحوها من جديد.
“اشربيها أنتِ أولًا، نونا.”
“نونا؟ ألستَ تناديني باسمي كما كنتَ تفعل سابقًا؟“
قالت ديانا بابتسامة خفيفة، وكأنها تمزح.
نظر إليها رويري مطولًا ثم فتح فمه متحدثًا.
“…في هذه الحياة، كنت أريد أن أفعل كل ما تأمرينني به.”
“صحيح… لقد طلبتُ منك أن تناديني نونا.”
ابتسمت ديانا بسعادة وهي تسترجع الذكريات التي بدأت تتدفق واحدة تلو الأخرى.
“وقلتَ أيضًا إن ضحكتي جميلة جدًا…”
“…صحيح.”
ابتسم رويري بدوره بهدوء، مشاركًا إياها ذلك الشعور.
“كل شيء عاد إلى ذاكرتي الآن.”
اقتربت ديانا ببطء من رويري الجالس على الأريكة.
“رويري.”
في ذلك اليوم الأول، كان طفلًا صغيرًا وكأن به جراح،
يلوّح بشعره الأحمر الجميل كالورد.
كان دائمًا إلى جانبها، يعتني بها بإخلاص وقلق صادق.
والآن، هو يحبني… وأنا أحبه.
رويري، الذي أحبه.
“بما أن اللعنة قد زالت، هل يمكنني أن أقولها الآن…؟“
“…تقولين ماذا؟“
“أنا أحبك.”
عندما سمع رويري اعترافها،
وقف من مكانه وكأنه لا يصدق ما سمعه.
“أنا أحبك، رويري.”
قالت ديانا ذلك وهي تلامس خده،
معيدة ما أرادت قوله دومًا، ولم تتمكن.
كان وجه رويري أشبه بمن يعيش حلمًا جميلًا.
رغم أنه عرف بمشاعرها في السابق،
إلا أنه لم يظن أن يومًا ما سيأتي ليسمعها بهذا الوضوح،
أمامه مباشرة.
احتضنت ديانا خصره بصمت، ثم أسندت رأسها إلى صدره.
“شكرًا لأنك حميتني طوال هذا الوقت.
لا توجد كلمات في العالم يمكن أن تعبّر عن مشاعري.”
تابعت ديانا كلامها وهي تشعر بدفئه.
“…وأنا أيضًا،“
“لن تعرفي أبدًا، كم أنا سعيد الآن. نونا…”
“أحبك، أحبك. نونا…”
رفع رويري يده الكبيرة، ومسح بخدها الأحمر المتورد،
واقترب ببطء من شفتيها وكأنه يريد تقبيلها.
لكن ديانا أوقفت شفتيه بأطراف أصابعها برقة.
“انتظر فقط قليلًا.”
ثم مسحت خده بلطف وقالت.
“عندما يأتي اليوم الذي أستطيع فيه الوقوف أمامك بفخر… سأمنحك قبلة أشد حرارة من أي قبلة.”
نظر رويري في عينيها مطولًا،
ثم أومأ برأسه بصمت، كما لو أنه يقبل برغبتها.
فهي، على كل حال، ما زالت مرتبطة قانونًا بكاليبسو.
ولم تكن تريد أن تُلبس رويري،
الذي أصبح عزيزًا عليها مثل آيسيل، وصمة الخيانة.
قريبًا، سينتهي كل شيء.
في أحضان ذلك الرجل،
بدت عينا ديانا تلمعان بقوة أكثر من أي وقت مضى.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 98"