استمتعوا
سقطت ديانا المغمى عليها مباشرة بين ذراعي إكليبت، الذي أمسك بها بخفة ثم اختفى بها عبر الانتقال الآني إلى مكانٍ ما.
وهناك، وضعها برفق على الأرض المفروشة بقماشٍ رقيق.
حدّق بعينيه الضيقتين نحوها.
اللعنة التي كانت تحيط بجسد ديانا بدأت تتلاشى تدريجيًا.
ما الذي يحدث؟
لم يكن هذا ممكنًا.
مهما بلغ الإنسان من قوة سحرية،
لا يمكنه كسر لعنة وُضعت بقوة شيطانية.
“……هذا غير ممكن.”
تمتم إكليبت لنفسه بصوتٍ منخفض تلاشى في الهواء،
ثم قبض على راحة يده بقوة وأرخاها مجددًا.
شعر بشيء ما… وكأن قوته أخذت تضعف تدريجيًا.
هل السبب هو وجودي في نفس المكان مع هذه المرأة؟
لمعرفة ما الذي يحدث، غادر الغرفة تاركًا ديانا وحدها.
***
“ما الذي علي فعله…!”
كانت آيسيل تتخبط في مكانها بعجزٍ تام أمام الموقف المفاجئ،
إذ اختفت والدتها أمام ناظريها، ولم تستطع إنقاذها.
بدأت تقضم أظافرها بتوتر.
منذ أن كانت تتلقى الضرب من كاثرين وتزحف إلى خلف الرفوف،
كانت دائمًا ما تفعل ذلك.
لكن منذ أن التقت بديانا،
لم تقرب أظافرها إلى فمها ولو لمرة واحدة.
والآن، عادت تلك العادة القديمة لتعذّبها من جديد.
استمرت آيسيل بقضم أظافرها بإلحاح، ثم فجأة أنزلت يديها بقوة.
بدأت حدقتا عينيها تهدآن تدريجيًا.
‘أنا لم أعد خادمة مختبئة خلف رف الكتب.
أنا ابنة ديانا بريتشي الشرعية،
وأنا الآن الآنسة النبيلة في هذا القصر.’
أخذت نفسًا عميقًا لتستعيد هدوءها.
في مثل هذه اللحظات، لا بد من التحلي بالاتزان والتفكير بعقلانية.
لم يكن في الغرفة سوى صوت تنفسها الهادئ.
وقد هدأ اضطراب أنفاسها شيئًا فشيئًا مع مرور الوقت.
وما إن هدأ قلبها قليلًا،
حتى بدأت آيسيل باستعادة مشهد ما جرى قبل قليل.
تلك الهالة السوداء التي أحاطت بوالدتها لم تكن سوى طاقة شيطانية مخيفة.
ولم يكن هناك من يمكن الاعتماد عليه سوى شخصٍ واحد.
“رويري.”
توجهت آيسيل إلى غرفة البريد، حيث يمكنها إرسال رسالة إليه،
وما إن دخلت حتى أمسكت الريشة بسرعة.
رغم إمكانية استخدام نفق المانا للوصول إلى برج السحر،
إلا أن المسافة تبقى بعيدة، وآيسيل لا تزال غير قادرة على استخدام سحر عالي المستوى كالتنقل الآني.
لذلك، كان أسرع خيار هو إرسال بريد باستخدام أداة سحرية تحتوي على المانا.
بدأت تكتب بيدٍ مرتجفة، تناديه من أعماق قلبها:
“……أرجوك، رويري……!”
وفجأة، ظهر أمامها رجلٌ محاطٌ بالضوء.
كان بشعره الأحمر المتطاير، إنه رويري.
“كـ، كيف…؟“
ابتسم لها ابتسامة خفيفة، ثم لمس الوسام المعلّق في عنقها بخفة.
“لقد وضعت تعويذة عليه مسبقًا.”
مهما كان، لا يمكن ررويري مراقبتهما باستمرار.
لذا قبل دخولهما إلى قاعة مهرجان السحر،
وضع تعويذة بسيطة على القلادة التي كانت سترتديها آيسيل.
حتى يتمكن من الشعور مباشرة إن حدث شيء لها أو لوالدتها.
رمشت آيسيل بدهشة، ثم بدأت تسرد له ما جرى قبل لحظات.
“كنا نتحدث في غرفة والدتي،
ثم فجأة أحاط بها دخان أسود واختفت…!”
ركع رويري على ركبته بجانب المكان الذي اختفت فيه ديانا،
ومرّر يده على الأرض.
أي تعويذة مهما كانت تترك أثرًا بعد استخدامها.
بدأت مانا حمراء تتدفق من يده.
وما هي إلا لحظات حتى علق بيده ما يشبه التراب الأسود.
“……إكليبت، إذًا.”
الآثار السوداء التي تستجيب للمانا،
كانت السمة الأبرز للسحر الأسود.
ضغط على أسنانه غضبًا، ومع ذلك… شعر بأن ثمة شيء غريب.
حتى الآن، كان إكليبت يكتفي بمساعدة كاثرين خفيةً لإعاقة تحركاتهم، دون أن يظهر بنفسه.
ولكن أن يظهر فجأة ويأخذ ديانا بنفسه؟
لابد أن لهذا علاقة باللعنة التي أصابته هو وديانا.
“……آيسيل.”
“نعم؟“
“ديانا بالتأكيد اختطفها إكليبت.”
“إكليـ… ـبت؟“
حدق رويري بعيني آيسيل الشبيهة بوالدتها،
بينما كانت تعود به الذاكرة إلى ما جرى أثناء انفصاله عن ديانا.
***
“يمكنني الشعور بها من هنا.”
ما إن اختفى سحر الحجب الذي وضعه أماديوس،
حتى انطلق رويري مباشرةً للبحث عن المعبد.
فالمعبد الذي يضم الكاهن الأعلى يختلف تمامًا عن المعابد العادية التي يديرها كهنة متوسطو الرتبة.
كان مخفيًا بعناية خوفًا من تعرضه لهجمات من قِبل الهراطقة،
ومحاطًا بحاجز من الطاقة المقدسة.
ولأن الشخص العادي لا يمتلك القوة الروحية،
فلا يمكنه الإحساس بذلك الحاجز.
لكن السحرة العظماء كرويري،
يمكنهم الشعور به وإن كان ضعيفًا للغاية.
استشعر خيطًا من القوة المقدسة كالذرة،
فتوجه نحو مكانٍ لم يكن ليتخيل أحد وجود معبدٍ فيه.
ذلك المكان هو جبل ألبرتو المعروف بنشاطه البركاني.
“يمكنني الشعور بحرارة المكان بالفعل.”
كان جبل ألبرتو مكونًا من البازلت والغرانيت،
لا توجد فيه شجرة واحدة أو حتى عشب بسيط.
ولا تظهر فيه أية مظاهر للحياة.
ومع ذلك، شعر رويري بوجود طاقة مقدسة خافتة للغاية.
أمال رأسه متسائلًا، ثم واصل طريقه نحو الجبل.
وسرعان ما توقفت خطواته عند مدخل كهف كبير.
“هنا أشعر بالطاقة المقدسة بوضوح أكبر…”
دخل رويري الكهف المظلم، ورفع سبابته،
فانطلقت شعلة صغيرة من طرف إصبعه.
أضاءت تلك الشعلة الظلام الكالح أمامه.
سار رويري في الكهف،
مشككًا فيما إذا كان يسير في الاتجاه الصحيح.
لم يكن يُسمع سوى صوت خطواته المترددة يتردد صداه في الكهف.
وفجأة…
مع صوت خفيف مشتعِل، ارتجت الأرض ببريقٍ ذهبي،
وظهر رجلان يرتديان رداء الكهنة الأبيض.
“ما الذي يفعله ساحر من برج السحر هنا؟!”
وجّها صولجانهم المقدسة نحوه.
“سمعنا أن سيد البرج فكّ سحر الحجب،
يبدو أن الشائعات كانت صحيحة!”
كان الكاهنان في حالة تأهب قصوى.
لكن رويري لم يجب، ورفع كلتا يديه عاليًا ليُظهر أنه لا ينوي القتال.
“أتيت لمقابلة الكاهن الأعلى.”
قالها بأدبٍ شديد،
محاولًا أن يبدو محترمًا قدر الإمكان رغم رفع يديه.
ورغم أنه لا يستخدم صيغة الاحترام مع كبار النبلاء،
إلا أنه استخدمها الآن مع كاهنين عاديين،
ما يدل على شدة رغبته في مقابلة الكاهن الأعلى.
لكن على الرغم من كلامه المهذب،
نظر الكاهنان إليه بدهشة وسخرية.
فالجميع يعلم، حتى الأطفال،
أن العلاقة بين المعبد وبرج السحر كانت سيئة للغاية.
خاصةً مع القلادة التي يرتديها،
والتي تدل بوضوح على أنه ساحر عظيم.
لا يمكن لساحر بهذا المستوى أن يكون غافلًا عن العلاقة السيئة بين المؤسستين.
“الخلاف بين المعبد وبرج السحر… سببها شيخ البرج الكهل!”
عند سماعه إهانةً بحق أماديوس، انكمشت ملامح رويري بغضب.
قبض على يده بقوة.
لم يكن ليتضايق من إهانةٍ موجهة له،
لكنه لم يحتمل أن يُهان من يعتبره كالأب.
اهتزت أجساد الكاهنين قليلًا من ملامحه المتجهمة.
ففي الواقع،
لم يكن بإمكانهم مجاراة ساحر عظيم كهذا إن قرر استخدام قوته.
ووجهه أوحى لهم بأنه قد يفعلها في أية لحظة.
لكن ما خرج من فمه كان مفاجئًا.
“……أرجوكم.”
انحنى برأسه عميقًا.
حتى وإن جُرحت كرامته،
لم يكن يهم… فديانا كانت أهم من كبريائه.
“وإن كنتم قلقين، سأقوم بختم سحري بنفسي.”
شعر الكاهنان بالخجل من تصرفهما.
فهما من يخدمان الحكام، وكان عليهما ألّا يفرقا بين الناس أو يحكموا عليهم بناءً على خلفيتهم.
ومع ذلك، وجهوا سلاحهم لشخصٍ يدخل بانحناءة فقط لأنه ساحر.
أسقطا صولجانهم وقالا بلهجة جافة:
“لا داعي لختم قوتك. الكاهن الأعلى ليس بالشخص الذي يتأذى من سحر ساحر عظيم مثلك.”
ثم مدّ أحدهما يده خلفه.
انطلقت من راحة يده هالة ذهبية أخذت تتصاعد كالغيوم،
ثم سرعان ما تبددت مع نسيمٍ خفيف.
فكشفت عن معبدٍ مذهل، مصنوع من الرخام الأبيض،
كان مخفيًا خلف الضباب الذهبي.
“تفضل بالدخول.”
حينها فقط، قام الكاهنان بتحية الزائر.
“……شكرًا لكم.”
تبعهم رويري إلى داخل المعبد.
وكانت نظرات الكهنة في الداخل تجاهه مليئة بالدهشة والريبة،
وكأنهم لا يصدقون وجود ساحرٍ حقيقي هنا.
تجاهل رويري تلك النظرات الفضولية تمامًا،
وواصل سيره دون أن يحيد عن طريقه.
حتى وصل إلى تمثال ضخم للحاكم، مصنوع من العاج واللؤلؤ.
قاداه إلى غرفة خلف التمثال.
“هنا.”
طرق أحدهم الباب.
وسرعان ما جاء صوت جهوري ومهيب من الداخل:
“ادخل.”
“تفضل.”
انحنى رويري للكاهن الذي رافقه شكرًا له،
ثم أمسك بمقبض الباب وفتحه بهدوء.
كانت الغرفة بسيطة بشكل مفاجئ،
على غير المتوقع من غرفة الكاهن الأعلى.
لم تكن تحوي سوى رفوف ضخمة مليئة بالكتب.
دخل بخطى حذرة.
وفي زاوية الغرفة، جلس الكاهن الأعلى ذو اللحية البيضاء على مكتبه يقرأ كتابًا ضخمًا مليئًا برموز الرون.
“من أنت…؟“
نظر إليه بنظرات حادة من فوق نظاراته المنخفضة.
“تحية طيبة—”
وقبل أن يكمل انحناءه، نهض الكاهن الأعلى واقفًا فجأة.
“أيها الوغد!”
مع صرخة ضخمة تكاد تجعل الأذنين يفقدان السمع،
اقترب منه على الفور.
كان من الصعب تصديق حركة هذا العجوز.
نظر لويري إليه بعيون مليئة بالدهشة.
كان وجه الكاهن الأكبر مليئًا بالغضب الشديد.
فورًا، مد يده.
وفي تلك اللحظة، انفجرت طاقة مقدسة ذهبية قوية من راحة يده.
“آه!”
بسبب الهجوم المفاجئ، ارتفع جسد لويري في الهواء قبل أن يصطدم بجدار الرخام بصوت مدوٍ ويسقط على الأرض.
بدا أن بعض الأضلاع قد كسرت.
أمسك لويري بجنبه بصعوبة، محاولًا النهوض.
بينما كان الكاهن الأكبر يقترب منه ببطء،
كانت عينيه المشبعة بالغضب تتلألأ بين حاجبيه الأبيضين.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 96"