استمتعوا
“سموكِ!”
اندفعت دوقة آيبرك إلى الداخل وهي تفتح الباب بقوة،
وقد علا وجهها القلق الشديد على ابنها.
“ما الذي يحدث بحق السماء!”
توجهت نظرات سيرينا مباشرة نحو سوير المستلقي على السرير.
وما إن رأت وجهه الشاحب حتى ارتعشت ساقاها من وقع الصدمة.
سارعت ديانا، التي لاحظت ارتجاف الدوقة،
إلى مساعدتها على الجلوس على الكرسي المجاور للسرير.
ثم تنهدت بعمق وبدأت في شرح ما حدث.
“وقع حادث أثناء حفل الشاي.”
“حادث؟!”
صرخت سيرينا وقد علا صوتها من شدة التوتر والانفعال.
ولم تكن ديانا ممن لا يفهم تلك المشاعر،
فخفضت رأسها بأسف عميق.
“يبدو أن أحدهم استخدم السم بهدف الإيقاع بآيسيل……”
“سـ، سم؟“
خرجت الكلمة الخطيرة من فم ديانا،
فما كان من سيرينا إلا أن ضغطت على صدغيها لتتمالك نفسها،
وكأنها على وشك فقدان وعيها.
منذ زواجها من دوق آيبرك،
لم يعرف هذا الطفل الراحة ولو ليومٍ واحد.
فالدوق، الذي لم يكن له ابن، علّق آمالاً كبيرة على سوير،
في حين أن أخته بالتبني، أُنتيا، التي تخشى على لقبها،
لم تترك فرصة إلا واستغلتها لإيذائه.
لكن سوير لم يكن يطمح لشيء،
فقط أراد أن يعيش بسعادة مع عائلته الجديدة.
وقد فرح بشدة عندما علم أن هناك فتاة تشبهه في ظروفها،
فاستيقظ مبكرًا ليرتدي أجمل ملابسه ويختار بعناية هدية ليقدمها لآيسيل.
وكانت تلك أول مرة منذ مدة طويلة يُرى فيها وجهه مشرقًا بالفرح.
ومن ثم، يحدث هذا!
بدأت دموع سيرينا تنهمر ويداها ترتجفان بشدة.
“من الذي… من الذي تجرأ على إيذاء طفلي سوير…؟“
“لحسن الحظ، مفعول الترياق كان جيدًا،
وسيكون بخير بعد يوم أو يومين من الراحة…”
توقف صوت ديانا وقد اختنق بكلماتها من شدة شعورها بالذنب.
ولكن خبر أن حالته ستتحسن خفف شيئًا فشيئًا من قلق سيرينا.
“وماذا عن الجاني؟ هل تم القبض عليه؟“
“نحن بصدد التحقيق لمعرفة من هو المسؤول.
ما حدث مؤسفٌ للغاية… أنا آسفة، سيرينا…”
“أقسم أنني لن أغفر لأي شخص داخل هذا القصر… أبدًا!”
“سيرينا…”
مدّت ديانا يدها لتُمسك بيد سيرينا.
“في الواقع، هناك شخص أظن أنه قد يكون الفاعل.”
“تعنين أنك تشكين بأحدهم؟ إذن، علينا فورًا…”
“انتظري لحظة، سيرينا.”
أوقفت ديانا سيرينا، التي كانت تنهض من مقعدها بعزم،
وأجبرتها على الجلوس مجددًا.
ثم ترددت قليلًا قبل أن تتحدث بنبرة قاتمة.
“قبل أن أخبرك بمن أشتبه به، هناك شيء يجب أن أقوله أولًا.”
“ما هو؟“
رمقتها سيرينا بنظرة مستغربة،
لم تعتد أن ترى تعبير ديانا بهذا الجمود.
تنفّست ديانا بعمق.
حتى لو تم الكشف عن أن كاثرين هي المجرمة،
لن تنال العقاب الذي تستحقه إلا بهذه الطريقة.
فكاثرين لا تستحق مجرد السجن.
بل يجب أن تنال عقوبة مروّعة، مثلما حدث لوالدتها.
بدأت ديانا تحكي بهدوء وبكامل رباطة جأشها.
كل ما مرّت به قبل عودتها بالزمن.
من لحظة فقدانها لبصرها، إلى حين رمتها أليشيا بجثة آيسيل، وحتى اللحظة التي جعلتها فيها أليشيا وكاثرين تشرب السم.
انفتح فم سيرينا من شدة الذهول.
لم تستطع أن تصدّق.
الدوق أقام علاقة غير شرعية مع ابنة بارون؟
وكاثرين كانت ابنتهما؟
مرت أمام عيني سيرينا صور كلّ من كاليبسو، أليشيا، وكاثرين.
تسللت القشعريرة إلى جسدها.
“هل تقولين إن ما مررتِ به… حقيقي بالفعل؟“
“…نعم. أعلم أنه يصعب تصديقه، لكن كلّه حقيقة.”
انهمرت الدموع من عيني ديانا،
ونظرت إليها سيرينا بعين يغمرها الأسى.
كانت تعرف ديانا جيدًا، لم تكن من النوع الذي يكذب.
وإن فعلت، فلن تكسب شيئًا من ذلك الكذب.
وإن كان كل هذا حقيقيًا… فإن ديانا إنسانة في غاية الشقاء.
لا يوجد نبيل في الإمبراطورية لا يعرف مدى حبها لأليشيا.
لكن أن تتلقى الخيانة من صديقة، وزوج،
وحتى من ابنتها التي ظنّتها ابنتها الحقيقية…
شدّت سيرينا على حافة فستانها وارتعشت يدها من شدة الغضب.
وكأن ما حدث وقع بها شخصيًا.
“لكن لماذا أبقيتهم أحرارًا طوال هذا الوقت؟ لو أبلغتِ الإمبراطورية والطبقة الأرستقراطية، لكانوا…”
“وماذا سأجني؟ سوى العار والفضيحة…”
انعكس حزنٌ عميق في عيني ديانا.
“الألم الذي عشته يفوق كل ذلك. لا أحد… لا أحد يمكنه تخيله.”
كلماتها وجدت صدى في قلب سيرينا.
أن تُلقى جثة طفلكِ إليكِ وأنت أم… لا يوجد ألم يفوق ذلك.
حتى لو مزقتهم إربًا، لن يهدأ غضبها.
“…أفهمك الآن…”
“التي وضعت السم لسوير… هي كاثرين، بلا شك.”
“الآنسة كاثرين؟ أعني، تلك اللقيطة؟“
سألت سيرينا بنبرة لا تخلو من الحذر والشك.
صحيح أن أليشيا كانت كذلك، لكن كاثرين كانت تحب سوير.
فكيف تجرؤ على تسميمه؟
مسحت ديانا دموعها وأجابت:
“أرادت أن تضع آيسيل في مأزق كي لا تنتهي بها الأمور مع سوير. لكي تكون هي دوقة المستقبل.”
“مستحيل… كيف يمكنها التفكير بهذا الشكل؟“
مهما أرادت أن تصبح دوقة، كيف تُقدم على تسميم من تحب؟
كم هو تفكيـر خبيث ومروع.
“أنا لا أؤمن بأن النُبل والانحطاط يُحددهما النسب أو الطبقة.”
تابعت ديانا حديثها بنبرة ممزوجة بالتنهيدة.
“لكن كاثرين… نسخة عن أليشيا.
تفعل أي شيء قذر لتحصل على ما تريد.”
“…فالدم لا يخون، كما يُقال.”
علّقت سيرينا بمرارة، فابتسمت ديانا بسخرية.
“لذا، لدي طلب.”
“نعم، قولي ما تشائين.”
“أريدك أن تتستّري على جريمة كاثرين.”
رمقت ديانا سيرينا بعينين زمرديتين حادتين، لم ترف لهما جفن.
بدت سيرينا وكأنها فهمت المغزى من حديثها، فأومأت ببطء وقالت:
“مؤقتًا فقط، صحيح؟“
“…نعم. بالضبط.”
كانت تطلب منها فترة قصيرة، مهلة محدودة فحسب.
“موافقة.”
ابتسمت سيرينا برقة وأجابت بإيجابية.
ما فعله أولئك كان يستحق العقاب الفوري،
لكنّها أرادت أن ترى سقوطهم المخزي بعينيها.
“إن احتجتِ لأي مساعدة، فأخبِريني. سأكون إلى جانبك.”
في تلك اللحظة، نزلت من عيني ديانا دموع من نوع آخر.
رغم أن ابنها مستلقٍ في سرير المرض بمنزل صديقتها،
إلا أن سيرينا ما زالت تثق بها وتعرض مساعدتها.
هكذا كانت الصديقة التي كان ينبغي أن تكون بجانبها.
لا كائنًا متوحشًا متقمّصًا جلد البشر مثل أليشيا.
“لا تبكي، سموكِ.”
“شكرًا… حقًا شكرًا لك…”
أمسكت ديانا بيد سيرينا بابتسامة دافئة صادقة.
فقابلتها سيرينا بيدٍ دافئة أيضًا.
“آه، بالمناسبة…”
كأن شيئًا خطر ببالها فجأة، فتحدثت ديانا مجددًا.
“نعم؟“
“قريبًا، سيُعلن كاليبسو عن نبتة جديدة.”
“نبتة؟“
“نعم. علاج رائع، وله رائحة جميلة.
ربما يُقرر الدوق أن يُحوّله إلى عطر أيضاً.”
كانت كاليبسو على وشك أن يعلن في الأوساط الأكاديمية عن الفوائد العلاجية لنبتة تُدعى ‘لوريل بندر‘ .
“لكن…”
قالت ديانا بحزم:
“يجب ألا تشتري هذه النبتة تحت أي ظرف.”
“لماذا…؟“
إذا كانت عشبة ذات فوائد عظيمة وتتمتع بعطر لطيف،
فلا يوجد سبب وجيه لعدم شرائها.
نظرت سيرينا إليها بعينين مستغربتين وأمالت رأسها قليلاً.
أطلقت ديانا كلماتها ببطء:
“تلك النبتة…”
وكانت كلمتها التالية كفيلة بأن تدفع سيرينا لإطلاق شهقة دون وعي منها.
“إنها نبتة سامة.”
“هاه! نـ، نبتة سامة؟!”
“بل هي نبتة تُحدِث أعراض التسمم عند التعرض لها.”
إذا كان ما قالته صحيحًا،
فلا شك أنه يجب الامتناع تمامًا عن شرائها.
النباتات السامة كانت من المحظورات داخل الإمبراطورية.
والأسوأ من ذلك أن هذه النبتة تُحِدث التسمم كأثر جانبي قاتل.
ما الذي تخطط ديانا لفعله؟ لابد أنه شيء فظيع.
اندهشت سيرينا بشدة حتى إنها لم تستطع مواصلة الحديث،
وظل فمها يتحرك دون صوت.
لو انتشر مثل هذا المنتج في السوق، فمن يدري أي فضيحة ستحل بالأوساط الاجتماعية وحتى عامة الناس.
ومع ذلك، لم تسألها سيرينا شيئًا،
بل آثرت الانتظار حتى تتابع ديانا حديثها.
فديانا التي تعرفها لم تكن يومًا لتضحي بغيرها من أجل نفسها.
“لا تقلقي. فقبل أن تُطرح هذه النبتة في السوق…”
قالت ديانا بابتسامة خفيفة، وكأنها قرأت أفكار سيرينا.
“سيُكشف عن حقيقتها بالكامل.”
وعندها تحولت نظرات ديانا إلى البرودة الشديدة.
بدت عيناها وكأنهما تحملان كل الألم والمآسي، مما جعل سيرينا تقشعر من الداخل، وفي الوقت ذاته تشعر بالأسى.
وأصبحت أكثر فضولًا من أي وقت مضى… كيف ستكون نهاية هؤلاء الأشخاص؟
“وسيكون مصير أعمال كالبيسو الدمار الكامل.”
فتحت سيرينا فمها بدهشة من ضخامة الخطة.
تابعت ديانا حديثها:
“لن يكون لديه القدرة على سداد الديون الضخمة التي راكمها.
وبعد إفلاسه، لن يتبقى له شيء على الإطلاق.”
“لكن، مع ذلك… أليس لديه لقب دوق؟“
حتى لو أفلس عمله، فإن لديه ما زال أرضه ونفوذه.
وهذا يعني أنه حتى لو كان الوضع صعبًا الآن،
فقد يتمكن من النهوض مجددًا في المستقبل.
“حتى هذا، لن يتبقى له.”
“ماذا؟“
“لقد رهن لقبه وأملاكه كلها كضمان للدين.”
ظلت سيرينا تحدق بها وشفتيها لا تزالان مفتوحتين بدهشة.
“وبعد ذلك،
سأتقدم بنفسي لتعويض كل من تعرض للضرر بسبب كالبيسو…”
توقفت ديانا لوهلة، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة:
“ثم سأكشف عن خيانته الزوجية.”
إذا كانت ديانا ستعوض بنفسها جميع من خُدعوا في قضية كالبيسو، فمن الطبيعي أن ترتفع سمعتها، التي كانت جيدة بالفعل، إلى عنان السماء.
وحينها، عندما يُنظر إليها كقديسة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ستُفجر فضيحة خيانة كالبيسو، لتجعله يبدو شريرًا خالصًا.
لقد كانت خطة مثالية لتدميره بالكامل من دون أن تُلحق الضرر بأي شخص آخر.
“سأضحك عليه وهو يسقط إلى القاع فاقدًا كل شيء.”
ابتسمت ديانا لسيرينا بابتسامة طاهرة كابتسامة الملاك.
ما زالت، بحق، المرأة التي تستحق لقب ‘قديسة بريتشي‘،
امرأة جميلة تكرس نفسها للآخرين.
لكن تجاه كالبيسو، كانت شرًا مطلقًا.
بل ربما أكثر من الشيطان نفسه.
ومن جعلها كذلك، لم يكن أحدًا سوى هم.
وبرغم التغيّر في ديانا،
لم تستطع سيرينا إلا أن تتفهم كل شيء فيها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 94"