استمتعوا
“ما الذي يحدث هنا!”
دخلت ديانا مسرعةً وهي تفتح الباب بقوة بعد سماعها خبر انهيار سوير وهو يتقيأ الدم.
كان سوير ممددًا على السرير، وجهه شاحب ويلهث بصعوبة.
“ماذا حدث؟!”
أمسكت ديانا بكتفي آيسيل،
التي لم تستعد رباطة جأشها بعد، وسألتها بقلق.
كانت عيناها ممتلئتين بالدموع التي أوشكت أن تنهمر.
حاولت تهدئة نفسها، لكنها لم تستطع نسيان مشهد سوير وهو ينهار أمامها ويتقيأ الدماء.
“لا أعرف… لقد شرب الشاي، وفجأة…”
في تلك اللحظة، دخل الطبيب الذي استدعته آيسيل على عجل.
وما إن دخل حتى بدأ بفحص حالة سوير، ثم قال بنبرة قاتمة:
“لقد تناول السم.”
عند سماع كلام الطبيب الهادئ،
صرخت آيسيل وقد بدت عليها الصدمة والإنكار.
“سم؟!”
أوراق الشاي التي شربها سوير كانت هدية من الماركيز،
وقد أخرجتها آيسيل بنفسها قبل قدومه،
فلم يكن هناك سبب يدعو للشك بأنها كانت مسمومة.
وبالطبع، جرى فحص إبريق الشاي والفناجين،
لكن لم يُعثر على أي مواد سامة.
فكيف، إذًا، دخل السم إلى جسد سوير؟
بل وحتى أماكن الجلوس بين آيسيل وسوير لم تكن محددة مسبقًا.
كيف حدث ذلك؟
كانت يدا آيسيل ترتجفان بخفة.
أمسكت ديانا بيدها بإحكام وقالت بهدوء:
“…ما نوع السم؟“
“ليس من النوع الذي يهدد الحياة… ولكن حتى مع تناول الترياق،
سيبقى فاقدًا للوعي ليوم أو يومين على الأقل.”
تنهدت ديانا بصوت منخفض.
لو كان بإمكانه استعادة وعيه سريعًا، لما كان هناك مشكلة كبيرة، لكن أن يظل غائبًا ليوم أو يومين فهذا يعني ضرورة إبلاغ دوقية آيبرك بالأمر.
والمشكلة أن سوير كان ضيفًا عند آيسيل،
وحدث ذلك أثناء جلستهما معًا لشرب الشاي.
“هل لاحظتِ شيئًا غريبًا؟“
“أبدًا… لا أدري أين كان السم، آه!”
وفجأة، خطرت فكرة في ذهن آيسيل.
“قطع السكر!”
“السكر؟“
أدارت ديانا رأسها إليها.
“شين!”
“نعم، سمو الأميرة.”
دخلت شين، التي كانت تنتظر في الخارج،
إلى الغرفة.
تحدثت آيسيل بسرعة:
“أحضر لي وعاء السكر من الشرفة، بسرعة.”
“امركِ.”
عادت شين سريعًا وهي تحمل وعاء السكر الذي كان لا يزال على الشرفة.
أسرعت آيسيل نحوه،
وأخذت قطعة سكر من الداخل وسحقتها بين أصابعها.
“هذا…”
اتسعت عينا ديانا وهي تراقب المشهد.
كان بداخل قطع السكر مسحوق أبيض أدق من حبيبات السكر،
من الواضح أنه السم الذي أسقط سوير.
أغمضت ديانا عينيها بإحكام.
من الذي قد ينصب لآيسيل فخًا كهذا هنا؟
“…إنه فخ.”
“ومن خطط له، نعرفه جميعًا.”
الشخص الوحيد في القصر الذي يعرف أن سوير يحب الأشياء الحلوة…
لم تكن سوى كاثرين.
تحدثت شين وكأنها تذكّر شيئًا:
“وردني تقرير بأن الآنسة كاثرين خرجت من القصر على عجل اليوم.”
“…هكذا إذن.”
يبدو أنها غيّرت خطتها بعدما شجّت ديانا وآيسيل بالكلام.
لابد أنها خرجت على عجل لتشتري السم.
حتى الشيطان سيخجل من قسوتها.
هزّت ديانا رأسها في يأس.
“لورد آيبرك!”
في تلك اللحظة، فتحت كاثرين الباب واقتحمت غرفة آيسيل.
نظرت إلى سوير الذي كان يلهث بألم، وعينها تمتلئان بالشفقة.
أما آيسيل، فحدّقت بها بدهشة وعدم تصديق.
لم تستطع أن تصبر أكثر.
تلك التي كانت تصرّخ دائمًا بأنها ستكون زوجة دوق آيبرك،
كيف لها أن ترتكب مثل هذا الفعل؟
حتى لو أرادت الإيقاع بها،
فإن كانت تحب سوير حقًا، لما تجرأت على إيذائه.
كانت عينا آيسيل تشتعلان غضبًا.
“سمعت أنك خرجت اليوم، كاثرين.”
قالت ديانا ببرود لكاثرين،
التي أمسكت يد سوير كما لو كانت حبيبته.
“…نعم. ذهبت إلى السوق.”
“ولماذا؟“
“لأتفقد الفساتين.”
كذبت كاثرين دون أن يرف لها جفن.
“فساتين؟“
“نعم. والدي يشتري الفساتين الجديدة لأختي آيسيل فقط،
فأردت على الأقل أن أراها بنفسي.”
تحدثت وكأنها مظلومة، وهي ترفرف برموشها.
“قلتِ أنك زرتِ متجر فساتين؟“
سألت آيسيل، وهي تحدّق بها مطولًا.
رفعت كاثرين حاجبًا واحدًا وأجابت بتحدٍ:
“أجل. هل هناك مشكلة؟“
“سوير قد شرب سم.”
“سم؟ ألم يكن مجرد إغماء؟“
أجابت كاثرين وكأنها لا تعلم شيئًا.
قبضت آيسيل يدها من شدة الغضب.
“كان السم مخفيًا داخل السكر.”
“…حقًا؟“
“برأيك، من في هذا القصر يعرف أن سوير يحب الأشياء الحلوة، كاثرين؟“
كان وجه آيسيل يعبر عن غضب شديد لا يُحتمل.
كانت كاثرين تدّعي الضعف أمام والديها، لكنها تتصرف بتعجرف وثقة أمام آيسيل… وأخيرًا، تحطّمت تلك الواجهة.
كانت عواطفها تنكشف على وجهها.
لكن كاثرين لم تهتز، بل ابتسمت برضا.
وكأنها انتقمت أخيرًا.
منذ أن دخلت آيسيل إلى هذا القصر كابنة بالتبني،
لم ترَها تنهار بهذه الطريقة.
“أعتقد…”
قالت كاثرين بنبرة هادئة وهي تحرّك عينيها ببطء.
“…أنها أختي.”
“…هاه.”
ضحكت آيسيل بسخرية من وقاحة كاثرين.
“أنتم حتى تراسلتم بالرسائل، أليس كذلك؟“
ضحكت كاثرين بسخرية.
“سأكشف الحقيقة مهما كلفني الأمر.”
قالت آيسيل ذلك،
ثم حدّقت في كاثرين للحظات قبل أن تغادر الغرفة.
تنهدت ديانا وغادرت بدورها لتتصل بعائلة دوق آيبرك،
وتبعها الطبيب وشين.
لم يتبقَ في الغرفة سوى كاثرين.
مدّت يدها تربت برفق على وجه سوير المغلق العينين.
“آسفة على إيذائك، لورد.
لكنني لا أستطيع أن أتحمل رؤيتك تتزوج بآيسيل، حتى لو مت.”
كانت نظراتها مليئة برغبة التملك.
لا يُعرف إن كان ما تشعر به حبًا أم جنونًا.
حتى وهو نائم،
بدا وجهه رائعًا جدًا! احمرّ وجهها وهي تهمس في أذنه:
“يجب أن تتزوجني، لورد.”
ضاقت عيناها، وابتسمت بابتسامة باردة:
“وسأفعل أي شيء لتحقيق ذلك.”
***
“ماذا؟“
تجعد وجه آيسيل حين سمعت كلام بليندا،
التي أُرسلت إلى السوق بأمر منها.
“…نعم. بقيت وقتًا طويلًا في متجر الفساتين،
ثم عادت إلى القصر فورًا.”
كان من المفترض، وفقًا لتفكير آيسيل، أن تدّعي كاثرين ذهابها لمتجر الفساتين ثم تستغل الفرصة لشراء السم.
لكن بليندا أكدت أنها لم تزر سوى المتجر.
قبل أن تأتي دوقة آيبرك إلى القصر لأخذ سوير،
كان يجب كشف الفاعل وتدارك الموقف.
صحيح أن والدتها ستساعدها في شرح الوضع للدوقة،
لكن لا يمكنها تجاهل الأمر ببساطة.
يجب العثور على دليل واضح يثبت أن كاثرين اشترت السم،
كي تنال العقاب الذي تستحقه.
وضعت آيسيل يدها على ذقنها وسألت من جديد:
“أي متجر فساتين كان؟“
“ذلك الموجود في أقصى زاوية السوق.”
لكن سلوك كاثرين كان مريبًا؛ فهي لم تزر المتجر الفاخر المعتاد،
بل متجرًا متواضعًا في طرف السوق.
أمالت آيسيل رأسها بتفكير.
“هل ذكرتِ شيئًا غير معتاد عنها؟“
“آه، نعم. قالوا إنها لم تخلع الرداء الطويل حتى داخل المتجر.”
“الرداء؟“
كان الطقس في الإمبراطورية هذه الأيام في أشد حالاته حرارة،
حيث يسبق موسم الأمطار.
حتى وإن كان المتجر باردًا، فمن الغريب ألا تخلع الرداء.
“نعم، ولهذا قال صاحب المتجر إنه تذكرها جيدًا.”
في تلك اللحظة، ومض شيء في ذهن آيسيل،
فتألّقت عيناها بذكاء.
“أظن أنّني بدأت أستوعب الصورة الآن.”
“عذرًا؟“
“بليندا، هل يمكنك من فضلك أن تستدعي جميع الخادمات اللاتي في مثل عمري إلى غرفتي؟“
“حالًا.”
غادرت بليندا فورًا، ثم جمعت الخادمات الشابات اللواتي كنّ في عمر آيسيل تقريبًا في غرفتها.
دخلت الفتيات وهنّ يتبادلن النظرات المتسائلة، لا يفهمن ما يجري.
تنهدت آيسيل وهي تنظر إليهن وبدأت بالكلام.
“لا بدّ أنكن جميعًا على علم بما حصل اليوم.”
بدأت الخادمات اللواتي كنّ مطأطئات رؤوسهن ينظرن لبعضهن البعض بتوتر.
ما علاقة حادثة تسمم الابن الأكبر لعائلة آيبرك بهن؟
هنّ مجرد خادمات.
“إحدى الموجودات هنا متورطة.”
“عذرًا؟“
سألت إحدى الخادمات بدهشة.
لم تكن تفهم، فهن لا يملكن دافعًا لإيذاء أحد من عائلة الدوق.
“لأكون دقيقة، فهي شريكة في الجريمة.”
أضافت آيسيل.
لكن علامات الاستغراب والذهول لم تفارق وجوه الحاضرات.
“من منكن خرجت اليوم برفقة كاثرين؟“
بمجرد أن طرحت آيسيل السؤال، خيّم الصمت التام على المكان، وساد جو مشحون بين الخادمات اللواتي تبادلن النظرات من دون أن تجرؤ إحداهن على رفع يدها أو الرد.
“من المؤكد أنها أمرتكن بالصمت.”
كان ذلك متوقعًا.
لا بد أنها أغرتهن بشيء، ربما جوهرة، لتضمن صمتهن.
“لكن، عليكن أن تتكلمن الآن.”
في صوت آيسيل كانت برودة تنذر بالخطر.
راحت تنقل نظرها من واحدة لأخرى، وتابعَت ببطء:
“بينكن من تنكرت بشخصية كاثرين،
بينما كانت كاثرين تحضر السم لإطعامه لسوير.”
ارتفعت رؤوس الخادمات فجأة بدهشة.
كلمات آيسيل نزلت عليهن كالصاعقة.
هذا يعني أن كاثرين هي التي سمّمت سوير بالفعل.
“بالطبع لم تكن تعرف كل التفاصيل.
لم تخبرك بكل شيء، أليس كذلك؟“
ابتسمت آيسيل ابتسامة خفيفة،
وتحدثت بلطف كما لو أنها تخاطب طفلة.
“إن اعترفتِ الآن، فستُعتَبرين مجرد خادمة أطاعت أوامر سيّدتها،
لا شريكة في جريمة.”
بدأت الخادمات يتبادلن النظرات بقلق.
كان واضحًا أن بينهن من تعرف من خرجت مع كاثرين.
“سأساعدك لتخرجي من هذا المأزق.”
نظرة آيسيل كانت مفعمة بالثقة.
“……أنا، انستي.”
رفعت إحدى الخادمات يدها المرتجفة، وقالت بصوت يكاد لا يُسمع.
كانت عيناها ممتلئتين بالدموع، والعرق يتصبب من جبينها خوفًا من أن تُدان بتهمة التواطؤ في التسميم.
“أقسم أنني كنت فقط أطيع الأوامر بالصمت… وهؤلاء أيضًا!”
قالت ذلك وهي تشهق بالبكاء.
“أعلم. إذا اتبعتِ تعليماتي،
فسأجعل الأمر يمر وكأنه لم يحدث أبدًا. مفهوم؟“
ابتسمت آيسيل بابتسامة ملائكية وهي تمسك بيد الخادمة المرتجفة، ما جعل الخادمة تنظر إليها براحة ظاهرة، كأنها وجدت طوق نجاة.
ظنت أنكِ ستفلتين بتقديم عذر كاذب،
لكن لا وجود لسر يدوم في هذا العالم.
تمامًا كما عرفت أنا ووالدتي أنكِ مزيفة.
وبينما كانت تستعد لكشف كل جرائم كاثرين واحدة تلو الأخرى،
ارتسمت ابتسامة خفيفة في طرف شفتي آيسيل.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 93"