استمتعوا
“يا لك من وقحة. بهذا الشكل، من سيظن أنك نبيلة بحق؟“
قالتها آيسيل بنبرة لطيفة،
وكأنها تمدحها، لكنها كانت تسخر من تصرفات كاثرين.
“أنتِ!”
استفاقت كاثرين من ذهولها واقتربت منها بخطوات غاضبة،
حتى صارت وجهيهما متلاصقين تقريبًا.
“لماذا لم تخبريني، ولم تخبري والدتي، بأن الأمير سوير سيأتي؟“
“هاه…”
انفلتت ضحكة ساخرة من فم آيسيل.
بالطبع، والدتها كانت تعلم، لكنها تعمدت ألا تخبر كاثرين.
لكن تصرف كاثرين تجاوز كل الحدود.
زيارة الأمير سوير كانت مسألة شخصية بحتة.
ولم يكن من واجب آيسيل أن تُبلغها بذلك أصلًا.
“هل أصبحتِ سكرتيرتي الآن؟“
“ماذا؟“
ظلت آيسيل تبتسم بشكل مستفز.
هذا ما أثار غيظ كاثرين أكثر، فعضّت على أسنانها بشدة.
“لماذا عليّ أن أخبرك عن أموري الخاصة؟ ألا تفهمين؟“
حتى أنها طرقت برفق على رأسها بسخرية،
مما جعل يد كاثرين ترتجف، وكأنها توشك أن تصفعها.
“أنتِ التي كنتِ تأكلين الخبز الجاف وتشربين الحليب المتعفن،
كيف تجرؤين!”
قالتها كاثرين وهي تحدق بها بعينين ممتلئتين بالكراهية.
لكن هذه المرة، لم يكن بوسع آيسيل أن تتجاهل.
كاثرين كانت لا تتوقف عن وصفها بـ‘الدنيئة‘،
لكنها نسيت أن الحقيقة هي العكس تمامًا،
فالدناءة لا تأتي من الدم بل من التصرفات والكلمات.
“كاثرين.”
خفت بريق عينيها الزمرديتين، وامتلأتا ببرود قاتل.
“من الأفضل ألا تعبثي معي.”
“أنتِ؟!”
“أنا أيضًا، كوني لم أبلغ سن الرشد بعد،
أجد صعوبة أحيانًا في كبح غضبي. تمامًا مثلك.”
بدأت الأرض تحت قدميها تتجمد ببطء.
وجه كاثرين بدأ يتشنج،
لكنها سرعان ما أطلقت طاقتها السحرية هي الأخرى.
فكمية المانا التي منحها لها إكليبت كانت وفيرة.
اصطدمت القوتان السحريتان بينهما.
وعلى الرغم من أن النوافذ لم تكن مفتوحة،
إلا أن الرياح العنيفة التي نشأت من السحر ملأت الغرفة.
نظرت كاثرين إلى علامة الساحر المبتدئ المتدلية من عنق آيسيل.
شعرت بالغضب يعتصرها.
لولا أليشيا، لكانت تلك العلامة على عنقها هي.
قطّبت حاجبيها بشدة وقالت:
“تظنين أنك الوحيدة التي تستطيع استخدام السحر؟ لو كنتُ قد شاركت في مهرجان السحر، لحصلت على مئة من تلك العلامات!”
“لو كنتِ شاركتِ… بالفعل.”
رفعت آيسيل حاجبها بسخرية.
مهرجان السحر كان يقام مرة واحدة فقط كل عام.
وهذا يعني أن كاثرين عليها الانتظار لعام كامل حتى تحصل على تأهيل الساحر المبتدئ.
بل، على الأرجح ستواجه العقاب أولًا على ما اقترفته من أفعال.
خفضت آيسيل يدها وسحبت طاقتها السحرية،
فما كان من كاثرين إلا أن لحقت بها، وتخلت عن طاقتها كذلك.
“لو كنت مكانك، لبدأت أستعد الآن قبل أن يصل الأمير سوير.”
“أنا…!”
نظرت كاثرين إلى فستان آيسيل الذي كان واضحًا أنه من أحدث صيحات هذا الموسم.
وفجأة، تساءلت كيف حصلت تلك الفتاة على فستان جديد وحدها؟
حاولت إخفاء فضولها وسألت بنبرة باردة:
“من أين لك هذا الفستان؟“
“هذا؟“
دارت آيسيل أمامها عمدًا،
فتطايرت الطبقات الموردة من التول كزهور متفتحة.
كان فستانًا جديدًا من أحدث الموديلات.
شعرت كاثرين وكأن قلبها ينكمش عند رؤية ذلك المشهد.
“أجبي فورًا!”
“والدي هو من اشتراه لي.”
“ماذا…؟“
كان صدمة هائلة.
والدها رفض شراء فستان جديد لها بحجة انشغاله بتحضيرات مشروعه الجديد.
لكنه اشترى لآيسيل فستانًا جديدًا؟!
“أليس من الطبيعي؟ أنا مَن أعطاه حقوق تشغيل منجم الألماس.”
فتحت كاثرين فمها مذهولة.
أن تمنح آيسيل، التي لا تمت له بدم، منجم الألماس الذي ورثته من جدها؟ ذلك أمر لا يمكن تصديقه بالنسبة لكاثرين.
هي، شخصيًا، لم تكن لتفعل شيئًا كهذا.
ثم أضافت آيسيل كلامًا لاذعًا:
“من الطبيعي أن يحبني أكثر.”
“أبي يحبك أكثر؟“
كان كاليبسو يجهل أن آيسيل ابنته الحقيقية.
لم يكن من المعقول أن يحب فتاة لا تربطه بها أي صلة دم أكثر من ابنته الحقيقية.
“هذا مستحيل…”
“يقولون إن الرابط الحقيقي يكون بالقلب، لا بالدم.
أنا وأبي كذلك.”
كانت كاثرين على وشك الرد، لكن كلمات آيسيل قطعتها تمامًا.
في الأصل، لم تكن تفكر في أبيها كثيرًا.
كانت تظن أنه يحبها لأن ذلك واجبه.
لذا، لم تشعر نحوه لا بالامتنان ولا بالحب،
ولم تُظهر له أي من تلك المشاعر.
أما آيسيل، فكانت مختلفة تمامًا.
لم تتوقف أبدًا عن قول كلمات رقيقة له.
كان والدها قد وقع في فخ ذلك الشيطان ذي الوجه الملائكي.
“… سترين.”
رمقتها كاثرين بنظرات حاقدة ثم خرجت من الغرفة.
أما آيسيل، فقد ضحكت بازدراء خلفها وتوجهت إلى الشرفة للقاء اللورد سوير.
***
“ماذا علي أن أفعل لأتغلب على تلك الفتاة؟!”
كل شيء تعكر بسبب آيسيل.
استدعت الشيطان لأجل أن تتغلب عليها،
لكنها كانت تزداد ضآلة أمامها يومًا بعد يوم.
دفعت كاثرين الزجاجات والكؤوس على الطاولة لتتحطم أرضًا.
تطايرت شظايا الزجاج في كل اتجاه وهي تُصدر صوتًا مدوّيًا.
نظرت إلى الزجاج المتناثر وهي تلهث.
كانت تلك الشظايا تمثل حالتها بدقة تامة.
كانت تتمنى أن تصفع آيسيل الفقيرة التي كانت سابقًا وتأمرها بتنظيف تلك الفوضى.
“آه، كاثرين.”
اندلع لهيب أسود أمامها، ومن وسطه ظهر إكليبت، يبتسم بهدوء.
“هل هناك ما يزعجك؟“
كانت ابتسامته تدعو للغيظ، تشبه ابتسامة آيسيل كثيرًا،
مما فجّر الغضب داخل كاثرين.
“منذ أن جئت، لم يتغير أي شيء!”
صرخت في وجهه لتفرغ غضبها عليه بلا سبب.
لكن إكليبت ظل مبتسمًا، وكأن كلامها لم يزعجه على الإطلاق.
“بهذه الطريقة يمكننا فعلها.”
“ماذا؟“
ارتسم بصيص أمل خافت على وجه كاثرين الذي كان ممتلئًا بالانزعاج.
نظر إليها إكليبت بابتسامة وهو يربّت بلطف على ذقنه.
“سنستخدم السُم.”
“ماذا؟! هل تسمع ما تقول؟!
أنا سأكون زوجة الأمير سوير! أتقترح أن أسممه؟!”
“فكّري جيدًا.”
اقترب إكليبت من أذن كاثرين وهمس بكلمات حلوة كالعسل:
“إن حدث شيء ما للأمير سوير وهو هنا،
فمن تظنين سيتحمّل المسؤولية؟“
استدارت كاثرين بعيدًا عنه وهي تهزّ رأسها،
لكن كلمات إكليبت جعلتها تعيد النظر.
لو شرب سوير شيئًا مسمومًا أثناء شاي ما بعد الظهيرة مع آيسيل… فالمسؤولية ستقع كاملةً على عاتق آيسيل.
“…حقًا، معك حق.”
ارتفع طرف فم كاثرين بابتسامة ماكرة.
“لا وقت الآن للتزيّن أو التأنق.”
بدا أنها نسيت مشاعرها تجاه سوير تمامًا تحت وطأة رغبتها في الانتقام من آيسيل.
عينها الغارقة والهائمة تشبهان عيني وحش مفترس.
أخذت حقيبة يدها وغطاء وجهها واندفعت نحو الخارج،
ثم أمسكت بخادمة تمر في الردهة وأمرت:
“جهزي العربة. فورًا.”
“نـ… نعم! حالًا!”
لطالما كانت الطرف المتلقّي للضربات.
لكن هذه المرة، حان وقت الهجوم.
امتلأ قلب كاثرين بالحماس لفكرة إيقاع آيسيل في ورطة.
ركبت العربة التي أعدّتها الخادمة بسرعة وخفة،
بينما ظلّ إكليبت واقفًا يبتسم بهدوء خلفها.
***
“أهلًا بك، سوير.”
“مضى وقت طويل، آيسيل.”
“من هذا الطريق.”
كانت هذه أول مرة يلتقيان فيها منذ مهرجان السحر الأخير.
احمرّ وجه سوير بخفة بينما تبع آيسيل إلى الشرفة.
كانت الشرفة قد أُعدّت مسبقًا بأنواع شتى من الحلوى وأوراق الشاي التي رتّبها الخدم.
“هممم، الشرفة جميلة جدًا.”
رغم أنها لا تُقارن ببذخ حديقة دوقية آيبرك،
أطلق سوير هذا التعليق العشوائي لملء الصمت.
كانت آيسيل اليوم أكثر جمالًا من يوم المهرجان.
بل، بدقة أكبر، كانت تملك نوعًا مختلفًا من الجمال.
في المرة السابقة، بدت كـحاكمة عندما ارتدت زيّ السحر الأبيض،
أما اليوم، فقد بدت كـجنية وردة بفستانها الأنيق.
شعر وكأن نظارته مشوشة تمامًا من شدة الإعجاب.
ضحك سوير في نفسه من هذا التغيّر الغريب في مشاعره.
“لا مجال للمقارنة مع دوقية آيبرك.”
“لكن هناك جمال في البساطة أيضًا.”
ابتسم لها سوير بنعومة،
ما جعل آيسيل تبتسم بدورها دون أن تشعر.
صحيح أن اقترابها منه كان بتأثير كاثرين،
لكنه كان إنسانًا لطيفًا بحق، بشكل يجذب الآخرين إليه.
نظر سوير إلى الطاولة على الشرفة وسرعان ما هرع ليسحب الكرسي من أجل آيسيل.
“تفضّلي بالجلوس، آيسيل.”
“شكرًا لك، سوير.”
بدا الاثنان كأنهما زوجان حديثا العهد بالحب.
جلسا متقابلين يضحكان لبعضهما البعض.
“لا أعلم إن كان ما أعددته يناسب ذوقك.”
“يبدو كل شيء شهيًا.”
حتى النظرة السريعة تكشف أن كل شيء أُعدّ بعناية.
شعر سوير بالامتنان لأن آيسيل بذلت جهدًا في تحضير هذا اللقاء من أجله.
“حضّرت شايًا نادرًا يليق بضيف نادر.”
سكبت آيسيل الماء الساخن في الفنجان الذي كانت قد وضعت فيه أوراق الشاي مسبقًا.
وسرعان ما تفتّحت زهرة بيضاء داخل الفنجان ناشرة عبيرًا عذبًا.
“يا له من منظر رائع!”
خرجت كلمات الإعجاب من فم سوير دون أن يشعر.
“تفضل.”
ناولته آيسيل الفنجان.
نظر حوله للحظة ثم جذب إناء الزجاج المملوء بمكعبات السكر نحوه.
سبق أن لاحظت في الحفلة السابقة أنه يحب الحلويات رغم مظهره الجاد.
“يبدو أنك تحب الأشياء الحلوة.”
“نعم. أظنني لم أنضج كليًا بعد.”
ابتسم سوير بخجل وأسقط مكعّبي سكر في فنجانه وبدأ بتحريكه بالملعقة الصغيرة.
“حسنًا، دعيني أتذوّق الشاي الذي حضّرته آيسيل بنفسها.”
رفع الفنجان بنبرة مرحة.
كانت آيسيل تنظر إليه بعينين راضيتين.
ثم، في اللحظة التي لامس فيها الشاي شفتيه…
طنطنة!
سقط الفنجان من يده وتهشّم على الأرض.
تغيّر وجه آيسيل تدريجيًا إلى لون رمادي باهت.
كان الدم يسيل من فم سوير.
“آه…!”
“سوير!”
صرخت آيسيل في ذعر، بينما فقد سوير وعيه وسقط أرضًا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 92"