استمتعوا
“ ماذا… ؟ قالت كاثرين ذلك؟“
ارتجف كتف كاليبسو قليلاً.
لم يكن صدمته بسبب انكشاف الخيانة،
بل لأن كاثرين نفسها أخبرت ديانا بذلك.
كان ذلك يعني أن كاثرين تخلّت عن والدتها التي تشاركها الدم،
وهو ما يعني أيضًا أنه قد يتم التخلي عنه هو الآخر من قلبها.
تلونت عينا كاليبسو البنفسجيتان،
اللتان ورثتهما كاثرين منه، بالصدمة.
ورغم أن الطاولة كانت تخفي الأمر،
فإن ديانا كانت ترى جيدًا أن يده كانت ترتعش.
“ قالت إنك كنت ترفضها.”
عند كلمات ديانا التالية، بدأ ارتعاشه يهدأ تدريجيًا.
يبدو أنها لم تذكر شيئًا يخصه تحديدًا.
كان وجهه كمن يقول: ‘ نجوت بأعجوبة‘ ،
حتى أن ديانا كادت تنفجر ضاحكة.
لقد ربحت مرتين.
فحتى كاليبسو لا بد أن يشعر بالنفور عندما يرى ابنته تحاول خنق والدتها بيديها.
كان هذا حيلة ممتازة لتدمير علاقة كاثرين بكاليبسو،
ودفع كاليبسو للتخلي عن أليشيا كذلك.
“ لماذا لم تخبرني؟ لو علمت بذلك، لما تدخلت أبدًا لحماية أليشيا من أخطائها تحت ذريعة أنها صديقتي.”
“… لم أردكِ أن تقلقي.”
أجاب كاليبسو بسرعة بكذبة.
كان ذلك مضحكًا جدًا، لكن ديانا تماسكت وتابعت الحديث.
“ سأتولى شخصيًا تقرير مصير أليشيا بعد أن أفكر مليًا.
لا تتدخل في الأمر. هل فهمت؟“
حدقت ديانا في كاليبسو بتركيز.
رمش كاليبسو سريعًا، وبدأ ينظر بين عينيها والشيك.
لم تكن أليشيا تعني له شيئًا.
ما يهمه فقط هو نجاح عمله.
“ افعلِي ما ترينَه مناسبًا.”
وفي النهاية، تخلّى كاليبسو عن أليشيا.
كل شيء كان يسير على أكمل وجه.
ابتسمت ديانا بلطف وقدمت له الشيك.
تألقت عينا كاليبسو وهو يتناول الشيك،
وكأن أليشيا لا وجود لها في عقله.
لم يكن يعلم أن هذا الشيك سيسلبه كل شيء.
كانت ديانا ترى بالفعل ملامح نهايته المأساوية تتراقص أمام عينيها.
***
ولتنفيذ أوامر ديانا، دخلت كاثرين إلى المطبخ فور أن افترقت عنها.
تفاجأت الخادمات اللواتي كنّ يحضرن العشاء عند رؤيتها.
فلم تكن كاثرين تُلقي نظرة حتى على المطبخ في العادة.
“ ماذا تنظرن؟ جئتُ لأخذ طعام.”
قالت كاثرين بفتور،
وهي تتظاهر بتفقد المطبخ بحثًا عن شيء لتأكله،
تحت نظرات الخادمات المستغربة.
توقفت جميع الخادمات عن العمل ونظرن إليها بحذر.
إحداهن جمعت شجاعتها وتحدثت:
“ سمو الأميرة، سأحضر لك الطعام إلى غرفتك.
هل ترغبين في شيء محدد؟“
“… همم .”
في داخل كاثرين، كانت تتصارع فكرتان:
‘ لكنها أمي في النهاية‘ ، و‘ كانت ستتسبب في دماري‘.
حسنًا، لقد طُردت إلى الكوخ، هذا يكفي.
على الأقل لنؤمن لها وجبة مناسبة.
مدّت كاثرين يدها نحو بعض الأطباق التي كانت الخادمات يُحضّرنها.
اختارت فخذ دجاج محمّص مغطى بالزبدة وسلطة خضار، ووضعتها على صينية، ثم نظرت حولها بحثًا عن شيء للشرب.
في تلك اللحظة، ظهر إكليبت خلفها.
كان يراقب كل هذا من بعيد بفضول.
‘ كاثرين.’
‘ هاه؟‘
‘ ما الذي تفعلينه؟‘
“ ماذا؟“
توقفت يد كاثرين في الهواء وهي على وشك رفع الصينية.
تمتم إكليبت وهو ينقر لسانه.
‘ تخلّي عن مشاعر البشر. والدتك كادت أن تدمّركِ.’
اهتزت عينا كاثرين عند كلماته.
رغم كل الكره، فقد كانت أمها التي تشاركها الدم.
كانت ترتكب الأخطاء باستمرار،
لكنها لم تكن لتدعها تموت جوعًا بيديها.
ولما لاحظ إكليبت ترددها، همس بصوت عذب:
‘ لم أطلب منكِ قتلها.’
‘… إذًا؟ ‘
‘ بل أن تعاقبيها بما تستحق.’
مرر يده برفق في شعرها الفضي.
كان قد اقترب منها في البداية لجعل هذه المسرحية أكثر إثارة فقط.
لكنها بدأت تشد انتباهه أكثر فأكثر.
كان يخطط لتحويل كاثرين إلى شيطان كامل.
‘… صحيح . أنت محق .’
غشى الظلام عيني كاثرين.
وفي تلك اللحظة، دخلت قطعة خبز يابسة في مجال رؤيتها.
تذكرت ‘ آيسيل‘ القديمة، وابتسمت بسخرية.
أخرجت الطعام الشهي من على الصينية،
وأبقت فقط على قطعة الخبز الجاف.
“ سمو الأميرة، ذلك الخبز قديم جدًا وجاف تمامًا. لا يليق بكِ…”
قالت إحدى الخادمات بقلق،
لكنها تجاهلتها وخرجت من المطبخ وهي تحمل الخبز.
‘ أحسنتِ. هكذا يجب أن تكوني. كاثرين.’
‘ أجل، أنت محق. أمي تستحق الألم.’
اصبح قلبها خفيفًا وكأن حِمله تبخّر.
توجهت كاثرين نحو الكوخ، حاملة قطعة الخبز بيدها.
كان على باب الكوخ قفل ضخم.
ولحسن الحظ، كان المفتاح موضوعًا على الأرض بجانب الباب.
أحدثت صوتًا معدنيًا وهي تفتح القفل.
عند سماع الصوت،
رفعت أليشيا رأسها من حيث كانت مستلقية كجثة.
“آه، آآه …!”
ظنّت أن أحدًا جاء ليقتلها،
فزحفت إلى الزاوية واحتضنت جسدها وهي ترتجف من الخوف.
نظرت كاثرين إليها من علٍ.
يبدو أنها بالفعل فقدت القدرة على الكلام.
كانت أليشيا في هذه الحالة بسبب كلمات خرجت من فم كاثرين.
وحتى لو كانت والدتها، فإن منظرها كان يبعث على الشفقة.
لكن لم يكن في عيني كاثرين أدنى شفقة.
كان الحقد والكراهية فقط.
“ ما هذا المنظر البائس؟“
“ آه، آآه!”
عندما سمعت صوت كاثرين،
حاولت أليشيا النهوض متلمسة الطريق بيديها.
اتجهت نحو مصدر الصوت بخطوات مترددة،
لكنها اصطدمت بكرسي صغير لم يكن في متناول يدها،
ووقعت بصوت عالٍ.
“آه …”
ارتطمت ركبتها بمسمار بارز في الأرضية، وبدأ الدم يتدفق منها.
خرج أنين ألم من بين شفتيها.
لكن كاثرين لم تفكر حتى في مساعدتها.
فقط عبست وهي تنظر إليها باشمئزاز.
لم تكن قادرة على الكلام، بدت غبية بنظر كاثرين.
فكرة أن دم هذه المرأة يجري في عروقها جعلتها تشعر بالقرف.
“ أحسنتُ حين تخلّيتُ عنكِ.”
كلمات كاثرين كانت كسكين طعن صدر أليشيا.
كانت تلك الكلمات أكثر إيلامًا من الدماء التي تسيل من ركبتها.
نهضت أليشيا وهي تبكي،
تحاول بأي وسيلة إيصال معلومة إلى كاثرين،
أن ديانا أصبحت تعرف كل شيء.
“أه …”
تعثرت خطواتها وهي تقترب منها.
ولحسن الحظ،
استطاعت هذه المرة الوصول إلى جانبها دون أن تسقط.
مدّت أليشيا يدها نحوها، وكأنها تطلب شيئًا.
لو أن كاثرين أحضرت ورقة وقلمًا،
لربما استطاعت أليشيا تحذيرها من الخطر القادم.
لكن كاثرين فسّرت الإشارة بشكل مختلف.
“ حتى في هذه الحالة، ما زلتِ جائعة على ما يبدو؟“
هزّت أليشيا رأسها بعنف.
ليس هذا ما أعنيه، كاثرين! أرجوكِ، أعطني قلمًا وورقة… أرجوكِ…!
لكن صرخاتها الصامتة تلاشت في الفراغ.
ألقت أليشيا قطعة الخبز التي جلبتها على الأرض.
“ كُليها بشهية.”
قالت كاثرين تلك العبارة فقط، ثم خرجت.
فانهارت أليشيا على الأرض حيث كانت تقف.
قطعة الخبز اليابسة التي تركتها كاثرين خلفها،
بدت بائسة ومُهملة تمامًا مثل أليشيا نفسها.
***
منذ الصباح الباكر، كانت الخادمات يتحركن بعجلة ونشاط.
كن يزين الشرفة ويقطفن أجمل الزهور من الحديقة لنقلها إلى المزهريات.
ومن المطبخ،
انتشرت رائحة حلوة تدل على تحضير نوع من الحلويات.
كاثرين التي خرجت في نزهة خفيفة،
بدأت تحرّك أنفها وهي تشمّ الروائح.
لم يكن وقت إعداد الوجبات الخفيفة قد حان بعد.
وعندما رأت الخادمات منشغلات بهذا الشكل، اقتربت من إحداهن التي كانت تمر حاملة ذراعًا من الورود، وسألتها باستغراب:
“ ما الذي تفعلينه؟“
“ نعم؟ آنستي، ألم تعلمي؟“
“ أعلم ماذا؟“
“ يبدو أن لدينا زائرًا اليوم…”
زائر؟ عبست ملامح كاثرين.
كانت هذه أول ما تسمعه عن الأمر.
“ أي نوع من الزوار؟“
نظرت الخادمة حولها بحذر قبل أن تهمس بخفوت:
“ الأمير آيبرك.”
“ ماذا؟“
في لحظة، انكمش وجه كاثرين كما لو كان ورقة مجعّدة.
وبدا أنها ستفجر غضبها في أي لحظة،
فانسحبت الخادمة بسرعة من أمامها.
احمرّ وجه كاثرين كما لو كان سينفجر.
كيف يمكن أن تعرف جميع الخادمات بهذا الأمر بينما هي نفسها آخر من يعلم؟
تقدمت بخطى غاضبة نحو غرفة ديانا.
فتحت الباب بعنف دون حتى أن تطرق.
فرفعت ديانا، التي كانت تقرأ كتابًا،
حاجبيها بتأفف من هذا التصرف الوقح.
“ ما هذا التصرف؟“
دوّى صوت ديانا البارد في الغرفة.
لكن كاثرين، رغم وضوح الغضب في صوتها،
لم تكترث واقتربت منها مباشرة.
“ هل صحيح أن الأمير سوير سيأتي اليوم؟“
رغم أن ديانا كانت تعلم بالأمر جيدًا، إلا أنها تظاهرت بالجهل وسألت:
“ الأمير سوير؟“
“ الخادمات في حالة فوضى، هل يعقل أنك لم تعرفي؟“
“ لم أكن أعلم شيئًا على الإطلاق.”
امتلأ وجه كاثرين بالإحباط.
تبادلا الرسائل، وها هو الآن يُدعى إلى القصر!
هل وصل الأمر إلى هذا الحد من القرب؟
وحتى لو كان ذلك صحيحًا، لو علمت مسبقًا بقدوم ابن الدوق، لكانت قد استعدت منذ الفجر وتهيأت بأجمل حلة.
كانت واثقة من جمالها،
ولم تكن لتخسر في مقارنة بينها وبين آيسيل.
ولكن، فات الأوان على كل شيء.
نظرت كاثرين إلى الفستان الذي ترتديه.
كان من الموسم الماضي.
كاليبسّو، بسبب تحضيراته لمشروعه التجاري الجديد،
رفض شراء أي فساتين جديدة لها بدعوى قلة المال.
حين نظرت إلى فستانها البالي،
لم تستطع كبح جماح الغضب المتصاعد في صدرها.
خرجت من غرفة ديانا وهي تغلي من الغيظ، دون أن تنبس بكلمة.
ثم توجهت مباشرة إلى غرفة آيسيل.
فُتح الباب فجأة بصوت حاد.
لم يعد بالإمكان أن تُجهز نفسها من جديد،
لذا على الأقل كانت تنوي صفع آيسيل.
لكن ما إن فتحت الباب حتى اتسعت عيناها بالذهول والفراغ.
“ما هذا …؟ “
أكثر من الزهور التي تملأ صدر الفستان المرصع بالجواهر،
وأكثر من الأقراط الماسية المتدلية من أذنيها،
كانت ملامح آيسيل، الشبيهة بديانا، تشع بجمال فائق.
بهذا المظهر، بدت وكأنها تقول بوضوح إنها النبيلة الحقيقية.
لم تستطع كاثرين أن تنطق بكلمة واحدة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O ━O ━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 91"