استمتعوا
جمعت بليندا جميع الأعشاب والجرعات الموجودة في خزانة أعشاب أليشيا داخل كيس.
ثم عادت إلى غرفة كاثرين وقدّمت الكيس إلى ديانا.
رفعت ديانا القارورة التي كانت كاثرين قد شربت منها من فوق الطاولة بجانب السرير.
رغم أنها كانت شبه فارغة، إلا أن بضع قطرات ما زالت في قاعها.
“بليندا،
أرسلي هذا الكيس مع القارورة إلى متجر الأعشاب لتحليلها.”
“نعم، امركِ.”
أخذت بليندا الكيس والقارورة وغادرت الغرفة.
قالت كاثرين بصوت مرتجف وهي ترتجف يديها:
“…أتقصدين أن من تسبّب في إصابة عينيّ… هي الطبيبة؟“
“لا يوجد تفسير آخر.
أليشيا، أنتِ أيضًا تعترفين بذلك، أليس كذلك؟“
لم تستطع أليشيا أن تردّ فورًا، وضغطت شفتيها بصمت.
رغم أنها كانت على يقين بأنها لم ترتكب أي خطأ،
إلا أن ذهنها بدأ يفرغ تدريجيًا ويغرق في الضباب.
“أ… أنا…”
تمتمت أليشيا، والدموع تنهمر من عينيها.
انهارت كاثرين على السرير.
كان كل شيء أمامها مظلمًا تمامًا.
لم تستطع أن تتخيل حياتها كامرأة عمياء للأبد.
شعرت وكأنها أصبحت فاشلة لا يمكنها فعل شيء.
“لو سأعيش هكذا، فأنا أفضل الموت!”
صرخت كاثرين بصوت حاد وهي تثور،
فاحتضنتها ديانا بشفقة شديدة.
“آه، صغيرتي… لا بد أن هناك حلًا ما.”
رفعت أليشيا رأسها المضطرب نحوهم.
وأخذت تكرّر في نفسها أن ذلك غير ممكن.
لا يمكن أن تكون قد ارتكبت مثل هذا الخطأ.
جميع الأعشاب والمواد المستخدمة كانت من أعلى جودة،
وكانت ديانا تحرص بنفسها على استيرادها،
لذا لا يمكن أن تكون هي المشكلة.
دخلت بليندا بعد قليل وهي تحمل تقرير الاعتماد من متجر الأعشاب.
وقفت ديانا وأليشيا على الفور وكأنهما كانتا تنتظران.
“ما النتيجة؟“
ناولت بليندا التقرير إلى ديانا بوجه كئيب.
وبينما كانت ديانا تقرأ التقرير، بدأت ملامح وجهها تزداد ظلمة.
“سموكِ…؟“
نظرت إليها أليشيا بعينين مليئتين بالرجاء،
وكأنها تتوسل إليها أن تقول إن الأمر لم يكن خطأها.
لكن عيني ديانا سرعان ما امتلأتا بالبرودة.
وكان ذلك كافيًا لأليشيا لتدرك أن الخطأ كان في تركيبة الأعشاب التي أعدّتها بنفسها.
“أليشيا.”
“…نعم.”
“هل استخدمتِ عشبة ‘سيان‘ مع دموع الحورية؟“
اتّسعت عينا أليشيا فجأة.
تلك العشبة معروفة بأنها تعزز الحيوية ولا ضرر من استخدامها على البشر.
ودموع الحورية أيضًا لم تكن مشكلة، فهي عبارة عن بلورات صغيرة من الطاقة السحرية توجد داخل زهور تشبه زنابق الوادي، لا تنبت إلا في البحر.
وكانت تُستخدم في إعداد الجرعات الراقية.
بل وسمعت من الخادمات أن تلك المواد عالية الجودة لدرجة أن حتى معظم النبلاء لا يمكنهم الحصول عليها.
لم يخطر ببالها أبدًا أن مواد ثمينة كهذه قد تكون ضارة.
“نعم… لقد كانت فقط…”
“ألم تكوني تعرفين أن خلط عشبة سيان مع دموع الحورية يؤدي إلى آثار جانبية؟“
انهمرت الكلمات في نبرة مليئة باللوم كالعاصفة.
اتسعت عينا أليشيا بذهول كأنها تلقت ضربة بمطرقة.
“ماذا؟ لم أسمع بذلك من قبل…”
“بحسب أحدث الدراسات، إذا تم خلط عشبة سيان ودموع الحورية بكمية معينة أو أكثر، فإنها تؤدي إلى فقدان البصر.”
رمت ديانا الرقّ الذي كانت تمسك به باتجاه أليشيا ووجهها محتقن بالغضب.
أخذت أليشيا الرقّ بيدين ترتجفان.
لم يكن هناك أي خطأ في كلام ديانا.
“هذا… مستحيل…!”
مؤخرًا، وبسبب توتر علاقتها مع كاثرين،
والقلق من أن تكون ديانا قد اكتشفت علاقتها المشبوهة،
توقفت أليشيا عن لقاء الأطباء الآخرين.
فتنهّدت أليشيا بيأس.
“هذا غير معقول! لقد رأيت تركيبة الدواء في كتاب حديث!
انتظري لحظة واحدة!”
أسرعت إلى غرفتها وبدأت تفتّش على مكتبها،
لكن الكتاب الذي كان يجب أن يكون هناك، اختفى تمامًا.
“أين ذهب؟!”
كادت تنفجر من الغيظ.
وعادت في النهاية إلى غرفة كاثرين ويديها فارغتين.
ولم يكن ذلك غريبًا.
فقد أمرت ديانا شين مسبقًا بالتخلّص من الكتاب.
والحقيقة أن الكتاب كان مزيفًا من الأساس.
وضعت ديانا عمدًا أعشابًا باهظة الثمن في المستودع،
ونشرت شائعات بين الخادمات عن وصول مواد نادرة.
وكان من السهل توقّع أن أليشيا،
التي تؤمن بأن كل ما هو غالٍ لا بد أن يكون جيدًا،
ستقع في الفخ وتستخدمها.
“تكذبين مجددًا.”
قالت ديانا بصوت بارد كأنها فقدت كل أمل فيها.
“لماذا تفعلين هذا بي، وبكاثرين، أليشيا؟!”
“لا! لقد كان في الكتاب، أقسم!”
بينما كانت أليشيا تحاول الدفاع عن نفسها،
اندفعت كاثرين فجأة نحوها.
“بسببك! بسببك أصبحتُ عمياء! لم تساعديني يومًا في حياتي!”
رغم أنها لم تكن ترى، إلا أنها اندفعت نحو صوت أليشيا،
وأمسكت بياقة ثوبها وبدأت تهزها بعنف.
وكان جسد أليشيا يتمايل بلا مقاومة تحت قبضتها.
سواء كان الخطأ منها أو لا، لم يعد يهم.
كل ما كانت تفكر فيه هو كيف يمكنها استعادة بصر كاثرين.
لقد كانت ابنتها العزيزة التي لا تُقدّر بثمن.
ولم تستطع أن تترك عينيها بهذا الحال.
“ماذا أفعل…! ماذا يجب أن أفعل؟! كيف يمكنكم أن تصدقوني؟!”
أغلقت ديانا فمها بصمت وكأنها لن تغفر أبدًا،
لكن أليشيا توسّلت إليها مجددًا بحرارة.
كانت مستعدة لفعل أي شيء،
إن كان ذلك سيعيد بصر كاثرين ويجعل ديانا تصدّقها.
“سموكِ!”
نظرت ديانا بهدوء إلى أليشيا الجاثية أمامها،
ثم تكلّمت أخيرًا بصوت منخفض:
“…إذًا، فلنفعل هذا.”
“نعم، أي شيء!”
“أعطي بصرك لكاثرين.”
“…ماذا؟“
تلوّنت ملامح أليشيا بالدهشة والصدمة.
كانت تعلم أن بإمكانها نقل بصرها إلى كاثرين.
فشرط انتقال البصر كان الإخلاص والنية الصادقة فقط.
لكن ما فاجأ أليشيا لم يكن الطلب بحد ذاته.
فديانا كانت امرأة لا تتردد في التضحية من أجل الآخرين،
لكنها لم تكن تطلب من أحد أبدًا ما هو أكثر من طاقته.
ومهما أخطأت أليشيا،
لم يكن من طبيعة ديانا أن تطلب منها التخلّي عن بصرها.
“ماذا؟ لكن… إن كانت النية الصادقة هي كل ما يلزم… فإن سموكِ، كونك أمها، أولى بذلك…”
“أليشيا.”
توجّهت نظرة ديانا الباردة نحو أليشيا ببطء.
“هل تطلبين مني أنا أن أتحمّل نتيجة فقدان كاثرين لبصرها بسبب خطأكِ؟“
كانت كلماتها قاطعة كما لم تكن من قبل، فاهتزّ نظر أليشيا بشدة.
“ألا تملكين حتى هذه الدرجة من الإخلاص…؟“
وكانت كلماتها التالية تحمل تهكّمًا واضحًا.
سكنت كلمات ديانا الحادة في أذن أليشيا كالسكاكين.
فبلعت ريقها ببطء وكأنها قررت قرارًا نهائيًا.
ربما… لو أعادت بصر كاثرين،
قد تغفر لها ديانا الطيبة تلك الخطيئة.
أخيرًا، أجابت أليشيا بصوت مرتجف:
“…حسنًا، موافقة!”
وحين رمقتها ديانا بنظرة ثابتة، واصلت أليشيا كلامها بهدوء:
“سأقوم بذلك، سموكِ. لديّ قلب يفيض بالإخلاص أكثر من أي أحد آخر. أستطيع فعلها.”
“بليندا.”
“نعم، سموكِ.”
“هلّا حضرتِ العربة؟“
“حسنًا، امركِ.”
أدارت ديانا رأسها مبتعدة عن أليشيا،
ثم طلبت من بليندا إعداد العربة.
لقد أعادها مشهد أليشيا إلى أيامها الماضية،
مما جعلها تشعر بالاشمئزاز.
ومع ذلك، ظهر في ذهنها وجه أليشيا وهي تغرق في اليأس والفقدان كما فعلت هي ذات يوم.
أيتها الغبية، أليشيا… أخيرًا ستذوقين الانتقام بنفس الطريقة التي ذقته أنا.
“كاثرين، أمسكي بيدي.”
“…حاضر.”
ساعدت ديانا كاثرين التي لا ترى على ركوب العربة،
وتبعتها أليشيا وهي تمشي كالمذنبة.
ساد الصمت داخل العربة كهدوء الفجر.
لم يتكلم أحد.
كانت أليشيا مطأطئة الرأس،
أما كاثرين،فكانت تكز على أسنانها غيظًا في عتمتها الخاصة.
كرهت أليشيا كرهًا شديدًا بسبب أخطائها المتكررة.
كيف لطبيبة أن تتسبب في هذا العمى؟
قبضت كاثرين على أطراف فستانها بقوة.
إن استعادت بصرها، فلن تتركها وشأنها أبدًا…!
قبضت كاثرين على يدها المرتجفة من شدة الغضب.
بينما نظرت ديانا إلى كاثرين، لم تستطع إلا أن تسخر في سرّها.
داخل هذه العربة، كانت الوحيدة التي ترفع رأسها بثبات.
كان مشهدًا غريبًا بحق.
أن تمثل كاثرين العمى ثم تصاب به فعليًا،
وأليشيا، التي كذبت بشأن نسب ابنتها،
تتخلى عن بصرها لصالح تلك الابنة، كان أمرًا يدعو للضحك.
كيف يمكن أن تُخفي ابتسامتها وسط هذا العبث؟
أدارت ديانا وجهها إلى النافذة، تخفي ضحكتها الخافتة عنهم.
وبعد وقت من السير،
توقفت العربة أمام معبد صغير داخل قصر الدوق.
دخل الجميع المعبد معًا.
في الداخل، كان كاهن متوسط العمر،
بشعر بدأ يغزوه الشيب، يصلي أمام تمثال الحاكم.
عندما شعر بوجودهم، توقف عن الصلاة ونهض من مكانه.
“ما الذي أتى بكم إلى هذا المكان؟“
أجابه ديانا، وهي تضع يدها على كتف كاثرين:
“عينا ابنتي…”
ضيق الكاهن عينيه وتفحّص عيني كاثرين ببطء.
كانت عيناها فاقدتين للبصر تمامًا.
“علمت أن هناك طريقة لاستعادة البصر باستخدام القوة المقدسة.”
لأنني اختبرت فقدان البصر بنفسي… أخفت ديانا هذه الكلمات داخلها، وخفضت رموشها كأنها حزينة.
تفاجأ الكاهن من كلامها ورفع حاجبيه دهشةً:
“هل تنوين حقًا منحها بصركِ؟“
“نعم. أليشيا.”
“…نعم، سموكِ.”
نادت ديانا على أليشيا، فتقدّمت إلى الأمام.
كانت ترتجف من الخوف، لكن أحدًا لم يشعر بالشفقة تجاهها.
بل على العكس، شعرت ديانا بنشوة غريبة،
إذ لم تزل نار انتقامها مشتعلة.
“أريدك أن تنقل بصر هذه الانسة إلى ابنتي.”
“هناك شروط لنقل البصر.”
“أعلم، النية الصادقة. أنا واثقة من أنها ستنجح.”
نظر الكاهن إليهم بذهول،
يتأمل ديانا وأليشيا وكاثرين على التوالي.
من الغريب أن تكون النية الصادقة من غير الأم،
من شخص آخر يسعى لإنقاذ الطفلة.
لكن الكاهن سرعان ما أومأ برأسه.
ربما رأى أن لا داعي لتدخله.
“حسنًا، اركعي.”
ركعت أليشيا أمام الكاهن، وأجلست ديانا كاثرين إلى جانبها.
استدعى الكاهن قوته المقدسة، وبدأ الضوء الأبيض يتدفق من يده.
الضوء الناعم اتجه مباشرة نحو عيني أليشيا.
أغمضت أليشيا عينيها بإحكام.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 88"