استمتعوا
مرّت عدة أيام منذ وقوع حادثة سرقة أليشيا لحق التشغيل والألماس.
ومنذ ذلك الحين،
انتشرت شائعة بين خدم القصر تفيد بأن أليشيا قد سرقت ممتلكات سيدها، ما جعلها في عزلةٍ تامة.
لم يرغب أحد في التحدث معها.
كان الجميع يخشون أن يُساء فهمهم أو تُثار حولهم الشكوك إن تحدثوا معها.
حتى الخادمات اللواتي كنّ يحضرن لها الطعام،
كنّ يملأن وجوههن بالاشمئزاز لمجرد أنها ‘لصة‘.
وكنّ يُقدمن لها وجبات دون أي عناية أو اهتمام، ووجوههن عابسة.
وكان اليوم كذلك.
حساء مائي لا يحتوي على أي قطع من الطعام،
وسلطة خضار ذابلة ولينة، وشرائح لحم باردة وقاسية،
وبطاطا مهروسة تجمد سطحها.
رفعت أليشيا ملعقة الحساء،
فانسكب الحساء المائي منها بسهولة دون أن يلتصق بها شيء.
طرقت الملعقة بعصبية على الطاولة.
كيف يتجرؤون على تقديم هذا الطعام لي،
وأنا على وشك أن أصبح دوقة!
كانت عينا أليشيا محمرتين كمن لم ينم لعدة ليال.
وفي تلك اللحظة، شعرت فجأة بالغثيان.
“أوهغ!”
وضعت يدها على فمها.
لقد كان هذا الواقع الجحيمي يكاد يجعلها تتقيأ من شدة القرف.
وفي تلك اللحظة، طرق أحدهم الباب.
“من هناك؟“
“…وصلت طرد.”
دخلت خادمة وسلمت أليشيا طردًا صغيرًا.
وكانت ملامح الخادمة تُظهر بكل وضوح أنها لا ترغب بتسليم شيء يخص أليشيا.
انتزعت أليشيا الطرد من يدها كما لو كانت تنتزعه عنوة.
“حسنًا، اخرجي الآن.”
وما إن غادرت الخادمة، حتى سارعت أليشيا بفتح الطرد.
أخيرًا، لقد وصل ما طلبته! حدقت أليشيا برضا في الكرات الصغيرة التي كانت في الداخل.
ثم أدارت عينيها ببطء نحو القارورة التي أعدّتها قبل أيام.
“اليوم، سأبدأ.”
تلألأت عيناها بلون أحمر كالدم.
تركت أليشيا طعامها وبدأت تبحث في خزانة الأعشاب خاصتها.
تلك الخزانة لم تكن تحتوي فقط على الأعشاب بل على أنواع مختلفة من أوراق الشاي أيضًا.
وضعت ورقة نظيفة، وخلطت أوراق الشاي التي كان كاليبسو يفضلها، لتصنع مزيجًا خاصًا.
ثم جمعت الأوراق المعطرة بكفيها،
ووضعتها في قارورة زجاجية صغيرة.
“تم الأمر.”
وضعت أليشيا على صينية إبريق الشاي، وكوبًا،
والقارورة الزجاجية التي تحتوي على أوراق الشاي.
ثم قامت بدهن حافة الكوب الذي ستقدمه لكاليبسو بمستحضرها السري بكل حرص وعناية.
بمجرد أن تلمس شفتاه حافة الكوب،
سيدخل الدواء الذي صنعته إلى جسده.
ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيها.
حملت الصينية وتوجهت نحو مكتب كاليبسو.
وأثناء مرورها في الردهة، همست لواحدة من الخادمات.
كانت الخادمة تبدو غير راغبة في تنفيذ أوامر أليشيا،
لكنها في النهاية مجرد خادمة وهي انسة من النبلاء.
لم يكن أمامها خيار سوى تنفيذ الأمر والتوجه إلى غرفة ديانا.
تجرؤ تلك الحثالة على معارضتي؟!
حين أصبح دوقة، سأطيح برؤوس تلك الخادمات أولًا.
كانت أليشيا تحدق بوجه جامد كالشمع في ظهر الخادمة المغادرة، ثم استدارت بعنف وصعدت إلى الطابق الثاني.
أدارت وجهها بسرعة لتتأكد من خلو الممر من أي شخص.
وحين تأكدت أن لا أحد يمر، دخلت إلى الغرفه وخبأت الكرات الصغيرة التي وصلتها اليوم في مكان مخفي بعناية.
تنهدت بعمق وهي تنظر حول الغرفه،
ثم نزلت مجددًا إلى الطابق الأول وتوجهت نحو مكتب كاليبسو.
وعندما وصلت أمام باب المكتب، طرقت الباب بخفة،
لكنها لم تنتظر الإذن ودخلت مباشرة.
رفع كاليبسو رأسه عند سماعه صوت الباب،
بعدما كان منشغلًا في مطالعة الأوراق.
لكن ما إن رأى من دخل، حتى عبس وجهه بشكل واضح.
لم يكن يرغب حتى في الحديث معها.
لا يزال مترددًا في تحديد العقوبة التي يستحقها ما فعلته.
تجاهلها تمامًا وكأنها غير مرئية،
وعاد إلى تركيزه على الوثائق أمامه.
كان الوقت ثمينًا، فقد بدأ عمله فعليًا وكان بحاجة لكل لحظة.
لقد سلّم الألماس لدوق فريديريك، الذي رشحته ديانا بحماس،
باعتباره يمتلك أكثر الأراضي خصوبة في الجنوب.
وبالمقابل، منح الدوق له مساحة شاسعة من الأرض دون تردد.
وخلال الأيام الماضية، تم توظيف فلاحين لزراعة الجذور،
وستُحصد قريبًا، وما إن يعلن عن فوائد عشبة ‘لوريل بندر‘ في الجمعية العلمية ويتلقى الطلبات، ينتهي كل شيء.
بلا شك، سيتكدس المال بين يديه.
رسم كاليبسو ابتسامة راضية، متخيلًا نفسه وسط الذهب،
دون أن يُلقي بأليشيا أي اهتمام.
لكن أليشيا لم تكن من النوع الذي يُهزم بهذه السهولة.
وضعت الصينية على الطاولة وبدأت بتحضير الشاي.
ارتفع حاجب كاليبسو من تصرفها الوقح،
وبدا عليه الانزعاج الشديد.
“ما الذي تفعلينه؟ اخرجي حالًا.”
قالها ببرود وهو يعبس بوجهه.
لكن أليشيا واصلت سكب الشاي الجميل في الكوب دون أن ترد عليه.
وقدمت له الكوب الذي دهنت حافته بالدواء مسبقًا.
“أتيت لأن لدي ما أود قوله.”
“إن كنت ستثرثرين مجددًا بكلام لا معنى له…”
“إنه أمر يتعلق بالمال.”
“المال؟“
تغيّرت ملامح كاليبسو فورًا عند سماعه كلمة ‘مال‘.
كما توقعت.
المال هو أكثر ما يثير اهتمامه.
وكانت تلك فرصتها لجعله يستمع لها.
“في المرة الماضية كنت متهورة جدًا.”
تابعت أليشيا حديثها وهي تحدق في كوب الشاي الذي يتصاعد منه البخار.
“ظننت أن ديانا تعرف كل شيء، ففعلت ما فعلته لحماية كاثرين.
لم تكن لدي نية سيئة أبدًا.”
مد كاليبسو أصابعه نحو مقبض كوب الشاي الموضوع أمامه.
“تحدثي عن المال فقط.”
تلألأت عينا أليشيا.
رفع الكوب ببطء حتى وصلت شفتاه إلى حافته،
وفي تلك اللحظة ارتسمت على شفتي أليشيا ابتسامة حادة.
“قبل وفاة والدي، ترك لي قطعة أرض صغيرة.”
“أرض؟“
توهجت عينا كاليبسو عند سماعه الكلمة.
فحتى قطعة أرض صغيرة قد تفيده في توسيع تجارته.
“نعم. وإن كنت بحاجة لتلك الأرض… فسأمنحك إياها.”
“وكم تبلغ مساحتها؟“
“حوالي 98 مارك فقط…”
“هاه، أتمزحين الآن؟“
كان الرقم صغيرًا جدًا لدرجة السخرية.
لم يتردد كاليبسو في الضحك منها.
“تظنين أن تلك المساحة ستفيدني؟! مضحك فعلًا!”
لم تكن تتوقع منه أن يُعجب بأرضها،
لكنها لم تشعر بالارتياح مع ذلك.
“رغم ذلك، أردت فقط أن أكون ذات فائدة لك…!”
“لِم لا تزرعين زهورًا فيها بدلًا من ذلك؟“
قالها كاليبسو بسخرية فاضحة، لكن أليشيا لم تُجبه.
فهو قد لمس بالفعل حافة الكوب،
مما يعني أن المرحلة الأولى من خطتها نجحت.
“…فهمت.”
استدارت أليشيا كما لو كانت ستغادر.
لكنها فجأة تحدثت وكأنها تذكرت شيئًا.
“آه، بالمناسبة، قابلت ديانا في طريقي إلى هنا،“
كاليبسو لم يرفع حتى رأسه، بل ظل مركزًا في أوراقه.
لكنها تابعت كلامها دون أن تبالي.
“قالت إنها تود أن تراك في الغرفة الصغيرة في الطابق الثاني.”
“الطابق الثاني؟“
نظر إليها باستغراب.
فالغرفة الصغيرة في نهاية الطابق الثاني كانت مخصصة للضيوف، وبها فقط سرير وطاولة وبعض الأثاث البسيط.
لماذا تطلب مقابلته هناك تحديدًا؟
وعندما لاحظت أليشيا شكوكه، سارعت بالرد.
“نعم. تقول إنها تود الحديث عن الماركيز. إذًا، سأغادر الآن.”
وغادرت الغرفة.
إن سارت الأمور وفق خطتها، فسيبدأ كاليبسو قريبًا بتصديقها.
خطواتها نحو غرفتها كانت خفيفة جدًا، كما لو أنها تطير.
***
“…لماذا تلك الغرفة بالذات؟“
“فقط طلبت مني أن أوصل الرسالة هكذا.”
“حسنًا، فهمت.”
ماذا تنوي أن تفعل هذه المرة؟
تمتمت ديانا وهي تميل برأسها بتساؤل قبل أن تنهض من مقعدها.
حين بدأت العلاقة بين كاليبسو وأليشيا تنهار، تعمدت أن تسرب إليها معرفتها بعلاقتهما الآثمة، حتى تجعل نفسها في موضع المقارنة كمن تقدم له الدعم باستمرار، ولتجعل ثقته بأليشيا تتلاشى.
وبالفعل، كما خُطط له، وُضعت أليشيا في الزاوية، فقامت بأمر لم يكن في الحسبان: سرقت حق التشغيل والألماس من كاليبسو.
كان من الطبيعي أن تنهار علاقتهما تمامًا.
لكن الآن، أليشيا طلبت من ديانا أن تأتي إلى غرفة صغيرة في الطابق الثاني، زاعمة أن لديها أمرًا مهمًا لتقوله.
ليست غرفتي، ولا غرفتها… لماذا اختارت تلك الغرفة بالتحديد؟
ربما كانت قد أعدّت فخًا جديدًا هناك.
ورغم شكوكها، إلا أن ديانا كانت تعلم أن لديها الآن من القوة ما يكفي لسحق أليشيا، فانطلقت ببطء نحو الطابق الثاني.
في ممر الطابق الثاني، كانت الخادمات يسرن بخطى سريعة.
دخلت ديانا الغرفة وجلست على الكرسي، تنتظر وصول أليشيا.
وبعد مرور وقت قصير،
صدر صوت صرير بطيء من الباب وهو يُفتح.
لكن من دخل لم تكن أليشيا… بل كان كاليبسو.
“كاليبسو؟ لماذا أنت هنا؟“
سألته ديانا بوجه مليء بالحيرة.
غير أن كاليبسو بدا أكثر ذهولًا منها وهو يجيب:
“سمعت أنك من طلب رؤيتي.”
“أنا؟ من قال هذا؟“
“…أليشيا.”
ما الذي كانت تنوي فعله؟ لمَ جمعت بيني وبينه؟
وفي غرفة مهجورة في الطابق الثاني تحديدًا؟
هز كاليبسو رأسه بتعب واضح،
وكأن هذه خدعة سخيفة أخرى من أليشيا.
“أعتذر منك، لكن…”
“نعم؟“
“لا أظن أنه يمكننا إبقاء أليشيا في هذا القصر أكثر من ذلك.”
لقد تجاوزت كل الحدود، فكر كاليبسو.
صحيح أن كاثرين ما زالت موجودة، لكن ما باليد حيلة.
علاوة على ذلك، علاقتهما لم تكن جيدة من الأصل.
“…لكنها صديقتي.”
تحدثت ديانا بصوت مرتجف،
وكأنها تتوسل من أجل صديقتها.
لم يكن من الممكن طرد أليشيا بعد.
ما زال هناك عقاب أكبر ينتظرها.
“السرقة، ثم هذه الألاعيب… لا يمكنني احتمال المزيد.”
“من أجلي، تحمّل قليلًا فقط. لدي ترتيباتي الخاصة.”
“…حسنًا. لكن لا تطيلي عليّ. لنخرج من هنا.”
أدار كاليبسو ظهره، وأمسك بمقبض الباب.
لكن الباب لم يُفتح.
كان مغلقًا بإحكام من الخارج.
“…ما هذا؟“
“الباب…”
نهضت ديانا من الكرسي واقتربت من الباب.
هزته بيديها.
وبالفعل، لم ينفتح.
لماذا تفعل هذا؟!
بدأت ديانا تطرق الباب وتصرخ:
“افتحوا الباب! هل يسمعني أحد؟!”
بما أن هناك خادمات في الممر،
فلا بد أنهن سمعن صوتها وصوت الطرق.
لكن على الرغم من سماعها لخطواتهن بوضوح من الخارج،
لم يفتح أحد الباب.
“ما الذي يحدث…؟“
توقفت ديانا عن الطرق، واستدارت نحو كاليبسو.
وفي تلك اللحظة، اتسعت عيناها من الصدمة.
“كاليبسو…؟“
كان يتنفس بصعوبة، والشفتان اللتان احمرّتا بشكل غير طبيعي، تتسرب من بينهما أنفاس مرتفعة.
“هاه…”
كما لو أنه تناول نوعًا من المهدئات… أو شيئًا آخر.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 85"