استمتعوا
توجهت خطوات كاليبسو الغاضبة مباشرة إلى غرفة أليشيا.
أما ديانا وآيسيل، فلم تتابعاه،
بل اكتفتا بالسخرية من اندفاعه نحو غرفة أليشيا كالثور الهائج.
لم يكن هناك داعٍ لأن تتبعاه وتزيدا من غضبه.
فمن الواضح أن صبره قد بلغ حدّه.
***
“أليشيا!”
صاح كاليبسو بغضب عارم، وفتح الباب بعنف.
كانت أليشيا جالسة إلى مكتبها، تقرأ كتبًا طبية وصلت حديثًا.
لاحظت على الفور أن تعابير وجهه غير طبيعية،
فأغلقت الكتاب ونهضت من مقعدها.
“ما الأمر؟“
رمى كاليبسو الخريطة في وجه أليشيا.
تطاير الرق المرسوم عليه وسقط أرضًا متهاويًا.
رفعت أليشيا الرق بتعابير وجه يملؤها الاستغراب،
وهي لا تفهم ما يجري.
كان الرق عبارة عن خريطة لداخل القصر،
وعليه علامة × باللون الأحمر.
“ما هذا؟“
“هذا هو الدليل على أنك سرقتِ حق التشغيل خاصتي والألماس،
أليشيا.”
اتسعت عيناها على وقع صوته البارد.
كانت تعرف أن أمرها سيُكشف،
لكنها لم تتوقع أن يكون بهذه السرعة.
“ما الذي تقوله؟ أي حق تشغيل؟“
لكنها لم تكن من النوع الذي يعترف بسهولة.
وبينما لم تكن تعلم شيئًا عن الخريطة المبعثرة التي تبدو كأن طفلًا رسمها، بادرت فورًا بالإنكار.
إنكارها زاد من غضب كاليبسو.
فمع وجود الدليل الواضح، لا تزال تكذب؟
كان الغضب يعتصره حتى كاد لا يتحمّله.
صرّ على أسنانه وأخذ نفسًا عميقًا.
كان يريد أن يقطع عنقها فورًا ويفتش الغرفة رأسًا على عقب،
لكنه أدرك أن الأفضل هو أن تجبر نفسها على الاعتراف.
“إن سلمتِها الآن، فسأُريْك بعض الرحمة.”
قال ذلك وهو يكتم غضبه.
أما أليشيا، فكانت ترتجف، وأخفت يديها المرتعشتين خلف ظهرها وهي تحاول تهدئة وجهها المتصلب وقالت:
“…لماذا تأتي إليّ وتتهمني؟ قلت لك إن لا علاقة لي بالأمر.”
لم تكن تدرك مدى خطورة الموقف، فأدارت وجهها عنه بازدراء.
فضرب كاليبسو مقعدًا بجانبه بقبضته.
ارتجف جسد أليشيا على وقع صوت الضربة العنيفة.
ثم اقترب منها بسرعة وخطف الرق من يدها.
“هل تعلمين ما هذا؟“
ضحكت أليشيا بخفة عند سؤاله.
ما الذي يعنيه هذا الرسم الغبي؟ فقالت بسخرية:
“لا بد أنه خريطة مزيفة وضعها أحدهم للعبث.”
“ها!”
ضحك كاليسو ضحكة ساخرة،
وارتسمت على فمه ابتسامة شريرة.
“خريطة مزيفة؟“
ضحك بسخرية وقال:
“هذه خريطة وضع عليها الماركيز بريتشي تعويذة سحرية!”
“ماذا قلت؟!”
“أجل. ذلك العجوز الدقيق لا يمكن أن يترك شيئًا دون أن يتخذ احتياطاته.”
بدأ فك أليشيا يرتجف وهي تفتح فمها ببطء.
فهي تعرف جيدًا الماركيز بريتشي، فقد عاشت تراقبه منذ صغرها.
كان غنيًا إلى حد لا يوصف،
لذلك لم يكن مستبعدًا أن يضع تعويذة سحرية على حق التشغيل.
“إذًا، هذا يعني…!”
“نعم، لقد أبلغ آيسيل مسبقًا بتعويذة تُستعمل عند ضياع حق التشغيل.”
أن يكون ذلك الرق البائس خريطة سحرية؟
كان الأمر بمثابة صدمة لها.
لو علمت بوجود هذا التدبير، لما فكرت أصلًا في السرقة.
بدأ العرق البارد يتصبب على جبينها،
وشعرت بأن العالم يدور من حولها.
عليها أن تجد مخرجًا.
بدأ عقلها يعمل بسرعة.
لم يبقَ لها شيء سوى ورقتها الأخيرة.
رغم أن كاليبسو لم يعد يحبّها، لكن بينهما كانت كاثرين.
عليها أن تتمسك بكاليبسو بأي وسيلة.
أخذت نفسًا عميقًا لتثبت نفسها،
ثم أدارت ظهرها وسارت نحو رف مليء بالأعشاب الطبية.
أمسكت الرف بكلتا يديها ودفعته إلى الجانب بقوة.
فانكشف فجوة في الجدار، وفيها خزنة صغيرة.
“أخفيتِها في مكان كهذا…!”
جاءها صوته الغاضب من خلفها،
بينما فتحت الخزنة دون أن تنطق بكلمة.
في داخلها كان هناك وثيقة تشغيل مذهّبة صغيرة، وكيس جلدي قديم.
بيدين مرتجفتين،
سحبت أليشيا الوثيقة والكيس، ووضعتهما على الطاولة.
وسقط كيس الألماس محدثًا صوتًا مكتومًا وهو يرتطم بالسطح.
فتح كاليبسو الكيس أولًا، ليتأكد من وجود الألماس.
فإذا بها تلمع داخل الكيس، تنبعث منها أنوار براقة.
تلألأت عيناه بطمع ظاهر.
كانت الجودة والكمية كافيتين لإرضائه تمامًا.
لكن الألماس شيء، وما فعلته أليشيا شيء آخر.
سحب نظراته المتلذذة وأعادها إليها بنظرة باردة لا رحمة فيها.
أخفضت إليشيا رأسها بشدة.
ثم، وهي تراقب رد فعل كاليبسو، فتحت فمها ببطء.
“… كاليبسو.”
“اغلقي فمك. لا فائدة من أي عذر.”
لكن كاليبسو لم يكن يعتزم الاستماع إلى كلماتها على الإطلاق.
كان يخطط للعودة إلى الغرفة أولاً وحل المسائل العاجلة،
وبعد ذلك سيقرر ما العقاب الذي سيوقعه عليها.
استدار ببرود.
أمسكت إليشيا بمعطفه، متوسلة.
“لحظة، فقط استمع لي.”
“اغلقي فمك…”
“ديانا، هي تعرف عن علاقتنا!”
في لحظة،
تجمدت حركة كاليبسو التي كانت على وشك دفع يدها بعيدًا.
“ماذا؟“
بدأ رأسه يدور ببطء.
التقت عيون إليشيا الحمراء مع عيونه البنفسجية.
نجحت أخيرًا في جذب انتباهه،
فأمسكت بذراعيه وبدأت تروي له ما جرى.
“لقد سمعت كل شيء! ما تتحدث عنه الخادمات!”
“خادمات؟“
“خادمات ديانا المقربات!”
صرخت بدهشة.
“إذا كانت الخادمات يعرفن،
هل تعتقد أن ديانا لا تعلم؟ فكر في الأمر، هذا غريب!”
ظل كاليبسو صامتًا.
وظنت إليشيا أن صمته يدل على موافقته،
فبدأت في الحديث بحماس أكبر.
“حتى تصرفاتها الغريبة نحوي،
وجلبها لطفلة تُدعى آيسيل إلى هنا،
وتغيرها تجاه كاثرين! هي بالتأكيد تعرف كل شيء…!”
“ما الغريب في ديانا بالنسبة لك؟“
“ماذا؟ الأمر هو…”
ورغم أنها قالت هذا، لم يفهم كاليبسو.
شعرت إليشيا وكأنها تختنق.
ثم تابعت بتعبير غاضب:
“ما حدث لكاثرين في عائلة دوك آيبرك كان بسبب ديانا.”
“بسبب ديانا؟“
“نعم. رغم أنك لم تستمع لي… ديانا هي من جعلتني أعطي كاثرين تلك الزيوت…”
وأخيرًا، بدأ كاليبسو يُصغي لها!
تألقت عيون إليشيا وهي تشرح له ما حدث معها.
لكن القصة لم تستمر طويلاً.
“توقف عن الكذب، إليشيا!”
صرخ كاليبسو بحدة.
“هذا ليس كذبًا… ليس كذبًا!”
“هل تقولين إن ديانا هي من جعلت الزيوت تصل إلى كاثرين؟
هذا مضحك! هل استخدمت السحر؟
أم أنها ربطت خيوطًا في يديك؟“
سخر كاليبسو بشدة.
“كاليبسو!”
“هل تعتقدين أن شخصًا اكتشف علاقتنا سيأخذ فكرة أعمال والدها ويقترض مني المال؟“
“ربما تكون هذه تحضيرًا للانتقام منا…!”
“اصمتي.”
من كلمات كاليبسو، شعرَت إليشيا ببرودة مفاجئة.
رغم ذلك، كانت بينهما أيام مليئة بالحب.
سواء كان الحب متعلقًا بالقلب أو الجسد.
كيف وصلوا إلى هذه المرحلة، حيث أصبح كل شيء محطمًا؟
تساقطت دموع إليشيا من عينيها المغلقتين.
“صدقني، كاليبسو. أنا أفعل هذا من أجلك!”
“من أجلي؟“
“بالطبع، ليس من أجلي، بل من أجلك أنت، إليشيا.”
نظر إليها كاليبسو مباشرة.
“منذ البداية، لم تحبيني.”
“ماذا تعني؟“
“أنتِ أحببتِ ‘رجل ديانا‘ .”
كأن سيفًا حادًا اخترق قلبها.
بالطبع، كان على حق في البداية.
لكن مع مرور الوقت،
أصبحت مشاعر إليشيا تجاه كاليبسو حقيقية.
وولدت كاثرين، ابنة تشبهه، فزاد حبها له.
أرادت أن تكون سعيدة.
أرادت أن تكون دوقة.
وأرادت أن تُحَب.
من كاثرين، أو من كاليبسو.
هزت إليشيا رأسها رافضة كلماته.
“لقد أحببتك! لا، أنا أحبك حتى الآن!”
صرخت بإحساسها العميق،
وأمسكت بحافة معطفه.
لكن الرد كان أبرد من الجليد.
“لقد تعبت.”
دفع كاليبسو إليشيا بعيدًا عنه بقسوة، ثم استدار مغادرًا.
حدقت إليشيا في ظهره الذي بدا ضخمًا، ثم صرخت بصوت مبلل:
“بيننا كاثرين! حتى وإن أنكرتني، هذا لا يمكن إنكاره…!”
لكن كاليبسو لم يلتفت، وخرج من الغرفة دون أن يسمع.
انزلقت إليشيا على الأرض.
كانت أظافرها تخدش الأرض بصوت حاد.
شعرت أن كل شيء كان بسبب ديانا.
تلك المرأة دمرت كل شيء.
ابنتي، حبيبي، وحياتي كلها!
كانت عينا إليشيا تملؤها الكراهية،
ودماؤها كانت تتلون بلون عيونها.
لقد قررت أن تنتقم من ديانا.
لم تكن تبدو كإنسانة بعد الآن.
قفزت إليشيا فجأة من مكانها، وبدأت تبحث في صندوق الأعشاب.
في الزاوية البعيدة،
أخذت نباتًا ذا أوراق وردية مع توت أحمر صغير.
لقد كانت مخبأة لوقت طويل لدرجة أن الغبار بدأ يغطيها.
صبت إليشيا الماء المقطر في قدر صغير، وبدأت تغلي الأعشاب.
ثم أضافت مسحوقًا لامعًا، وقطعًا صغيرة من النجوم،
وحتى جمجمة صغيرة مرعبة.
بدأ الدخان الوردي يتصاعد من القدر.
“… ليس لدي خيار.”
لم ترغب في استخدام هذا الأسلوب،
ولكن بما أن كاليبسو لم يثق بها،
فإنها لا تملك سوى اللجوء إلى هذه الوسيلة.
ارتدت إليشيا قفازات سميكة، وصبّت المزيج بحذر في وعاء بلوري.
كانت الأدوية تبدو حلوة مثل غزل البنات، وكانت تتلألأ في الزجاج.
نظرت إليشيا إلى الدواء بابتسامة شيطانية قصيرة.
لم تعد تعرف ما الذي تريده حقًا.
في عينيها، كان الضوء قد اختفى منذ وقت طويل.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 84"