استمتعوا
أليشيا استأجرت العربة بحجّة شراء الأعشاب الطبية.
ثم أمسكت بالسائق الذي كان على وشك ركوب الحصان.
“لا تذهب إلى السوق، خذني إلى مقاطعة ماركيز بريتشي.”
“عفوًا؟ إلى مقاطعة الماركيز؟“
“هناك نوع من الأعشاب لا يوجد إلا في تلك المنطقة.”
كانت الخادمة قد أخبرته من قبل أنه يجب التوجه إلى السوق القريب.
حكّ السائق رأسه في حيرة.
مهما كانت علاقتها قوية بالدوقة،
فإن الذهاب إلى مكان غير مصرح به يمكن أن يوقعه في ورطة،
وقد يتحمل هو وحده العواقب.
“عندها سيتوجب الحصول على تصريح جديد.”
قال ذلك بعد تردد طويل وبنبرة جافة.
لكنها لم تكن من النوع الذي لا يتوقع مثل هذا الموقف.
أليشيا قالت كذبة دون أن ترمش.
“إنها مهمة شخصية من سمو الدوقة. أمرتني أن أعود سريعًا.”
ثم وضعت في يده عملة ذهبية متلألئة.
كانت تلك تعني ‘لا تسأل عن السبب‘ .
“هاه، يا له من موقف…”
أخيرًا، أدخل السائق العملة في جيبه،
ثم حكّ رأسه مرة أخرى وركب الحصان.
ابتسمت أليشيا وصعدت إلى العربة.
انطلقت العربة بسرعة حتى وصلت إلى مقاطعة ماركيز بريتشي.
أمسكت أليشيا بطرف فستانها ونزلت منها.
“انتظرني هنا.”
ثم توجهت بعيدًا عن أعين السائق نحو منطقة المناجم،
لا إلى السوق داخل المقاطعة.
دخلت إلى الغابة المنعزلة، وبدّلت ملابسها هناك.
كانت تنوي التخفّي حتى لو حدث خطأ ما،
كي لا يتمكن عمّال المنجم من التعرف على من سرق الألماس.
ارتدت زيّ الرجال، وغطّت وجهها بعباءة طويلة.
ثم أخرجت من جيبها تصريح التشغيل المحفوظ بعناية،
ودخلت المنجم.
وبعد قليل،
خرجت وهي تحمل كيسًا ممتلئًا بألماسات بحجم قبضات اليد.
***
“تمّ كل شيء.”
كالِيبسو رتّب الوثائق التي أعدها للمشروع الجديد.
كان قد حوّل جميع بذور ‘لوريل بندر‘ باستخدام الشيك الذي حصل عليه من ديانا.
كل ما تبقى هو الذهاب إلى المنجم بالتصريح،
والحصول على كمية ألماس تساوي ثمن الأرض.
وهكذا يكتمل كل شيء.
أخيرًا، آل إيرنست سيبدأون في التألق.
بدأ يشعر بودّ خفيف تجاه ديانا،
رغم أنه لم يكن يكنّ لها أي مشاعر من قبل.
ربما كنت مخطئًا بشأنها.
لقد كانت مخلصة تمامًا لعائلة إيرنست،
حتى أنها سرقت فكرة مشروع والدها من أجلهم.
بل، رغم مكانتها كدوقة، ذهبت بنفسها لاقتراض شيك من أجله.
كانت امرأة تضع كرامته فوق كل شيء.
ابتسم كالِيبسو بخفة وبدأ يجهّز حاجياته واحدة تلو الأخرى.
بعد أن وضع جميع الوثائق في الحقيبة،
بحث عن تصريح تشغيل المنجم.
كان عليه أن يُري التصريح لعمال المنجم كي يعطوه الألماس.
لكنّه لم يجد الكتابة الذهبية في أي مكان على مكتبه.
بدأت يداه تفتشان المكتب بلهفة.
فتش الأدراج أيضًا، لكن لم يجد التصريح في أي مكان.
“ما الذي يجري هنا…؟ أيها الخادم!”
“نعم، سموك.”
“هل قمتَ بإزاحة تصريح تشغيل منجم الألماس عن مكتبي؟“
“عذرًا؟ لا، لم أفعل ذلك.”
رفع الخادم نظارته وأجاب بوجه خالٍ من أي معرفة.
وبالفعل، لم يكن بإمكان الخدم فعل شيء بهذا التصريح.
فحتى لو امتلكوا المال،
لا يمكن لغير النبلاء امتلاك أو استخدام تصاريح المناجم.
مسح كالِيبسو شعره بعصبية وغادر الغرفة.
“حضّر العربة فورًا.”
ظنّ أنه ربما ترك التصريح في المنجم عند آخر زيارة،
لذا قرر التحقق هناك.
“قد بسرعة قدر الإمكان.”
“أجل، سموك.”
ركب كالِيبسو العربة وتوجه إلى المنجم.
كان العمال هناك يعملون بجد ويحملون المعاول.
أمسك بأحدهم، وتمنى في قلبه أن يجد التصريح في ذلك المكان.
“أنت…”
“أه، مرحبًا بك، سموك.”
رد العامل ووجهه مغطى بالتراب، ومسح العرق عن جبينه وانحنى.
لوّح كالِيبسو بيده كأن التحية قد تمت، ثم بلع ريقه وسأله:
“هل تركت تصريح التشغيل هنا في زيارتي الأخيرة؟“
“عفوًا؟ التصريح؟ ألم ترسل أحدًا لاستلام الألماس هذا الشهر؟“
“ماذا؟“
ارتسمت علامات الغضب على وجه كالِيبسو على الفور.
“جاء رجل وأخذ جميع الألماسات التي استُخرجت هذا الشهر.
أظهر لنا تصريح التشغيل… كان حقيقيًا بلا شك.”
“ما هذا الجنون…! هل رأيت وجهه؟“
“كان مغطى بعباءة… قال إنه ارسل من طرفك.
لم نشك، لأن التصريح كان حقيقيًا.”
شعر كالِيبسو بدوار.
ضغط على صدغه بقوة.
“الخاتم؟ لا بد أنه أظهر ختمًا يثبت نسبه النبيل!”
“كان خاتمًا نبيلًا بالتأكيد، لكني لا أعرف إلى أي عائلة ينتمي.”
في الإمبراطورية،
لا يمكن تزوير أختام النبلاء، لأنها محاطة بسحر خاص.
لكنه لم يركّز على شكل العائلة، بل فقط تأكد أنه أصلي.
تنهد كالِيبسو بعمق.
سُرق منه التصريح والألماس معًا.
وكأن مطرقة ضربت رأسه.
إنها كارثة حقيقية.
أطلق شتائم واستدار عن العامل، ثم عاد إلى العربة مسرعًا.
“عد فورًا إلى قصر الدوقية!”
“نعم، سموك!”
عاد إلى القصر، وتوجه مباشرة إلى غرفة ديانا بخطوات غاضبة.
“ديانا!”
فتح الباب بعنف، وملامحه تنضح بالذعر.
سلوكه كان خاليًا تمامًا من اللباقة، ما جعل ديانا تعقد حاجبيها قليلًا، ثم أعادت ترتيب ملامحها وسألته بلطف:
“ما الأمر؟“
“حدث أمر خطير!”
ما الذي يمكن أن يكون بهذا السوء؟ كان نادرًا ما يفقد هدوءه.
لكن هذه المرة، كان يتصبب عرقًا باردًا.
صمتت ديانا بانتظار أن يكمل.
“تصريح التشغيل…”
“نعم؟“
“اختفى…!”
كان يبدو عليه الإحباط الشديد.
هل فقد التصريح بهذا الغباء؟ وقفت ديانا بهدوء.
“أضعته؟“
“كنت قد وضعته على المكتب… وذهبت إلى المنجم فلم أجده!”
“إلى أين سيذهب؟ ابحث جيدًا.”
ردت ببرود وكأنها لا تريد أن تضيع وقتها معه.
وجوده في غرفتها كان يثير اشمئزازها.
“فتشت كل شيء ولم أجده!
شخص ما سرقه وأخذ الألماس أيضًا!”
بدت تجاعيد جبينه أعمق من أي وقت مضى.
“من يجرؤ على سرقته…؟“
حتى لو سرقه أحد الخدم، فهم ليسوا نبلاء،
ولن يصدقهم عمال المنجم إذا ادّعوا ملكيتهم للتصريح.
بمعنى آخر، التصريح لن يفيد غير النبلاء.
فجأة، خطرت لديانا فكرة: لا يمكن أن يكون السارق إلا شخصًا مرتبطًا بعائلة إيرنست أو بريتشي.
لم يكن هناك سوى احتمالين: كاثرين… أو أليشيا.
في تلك اللحظة، سُمع صوت طرق على الباب.
“أمي، أنا آيسيل.”
“تفضلي بالدخول.”
بإذن من ديانا، فتحت آيسيل الباب ودخلت.
وحين رأت كالِيبسو في الغرفة، تجمدت ملامحها تدريجيًا.
من الطبيعي أن تتفاجأ،
فهي أتت لرؤية والدتها، لا لمقابلة هذا الوجه البغيض.
لكنها ما لبثت أن احمرّ وجهها بحمرة خفيفة،
وأمالت رأسها ببراءة وسألت:
“أبي هنا أيضًا؟“
“…نعم.”
“هل أنت مريض؟ تبدو شاحبًا.”
اقتربت منه بإشفاق،
ممسكة بطرف سترته، ونظرت إليه بعينيها القلقتين.
كالِيبسو، خجلًا من النظر إلى عينيها،
تمتم بتردد، ثم قال وهو يزفر:
“…أنا آسف.”
“لماذا؟ ما الذي حدث؟“
“التصريح الذي أعطيتِني إياه… سُرق، وسُرق معه الألماس.
كنت سأوقّع عقد الأرض اليوم…”
بعد توقيع العقد، كان يخطط لزراعة البذور والجذور فورًا،
ثم الإعلان عن فوائد ‘لوريل بندر‘ علميًا،
وجمع تمويل إضافي من خلال الحجوزات المسبقة.
لكنه لم يتوقع أن تسير الأمور بهذا السوء.
لقد منحتْه آيسيل المنجم عن طيب خاطر،
وكان ينوي أن يردّ لها الجميل أضعافًا.
خفض رأسه وتجمّدت ملامحه،
إذ لم يجرؤ على النظر إلى وجهها.
لكن آيسيل نظرت إليه طويلًا.
كان وجهه مثيرًا للسخرية.
الوجه الأكثر إرضاءً بالنسبة لها على الإطلاق.
مليء باليأس والإحباط.
تمنت أن تدفعه إلى السقوط في الجحيم بالكامل.
لكي يتذوق طعم اليأس الشديد، لا مجرد الإحباط.
ولكن لم يحن الوقت بعد.
فكلما حلّق المرء أعلى، كان السقوط أكثر إيلامًا.
ابتسمت آيسيل ببراءة كالملاك، وأمسكت يد ديانا بقوة.
تلاقت عينا ديانا وآيسيل.
بدت آيسيل وكأن فكرة ما طرأت على ذهنها، فنادت على كاليبسو.
“أبي.”
“…نعم.”
“لا تقلق كثيرًا، هناك حل.”
“حل؟“
لمعت بارقة أمل في عيني كاليبسو.
كان وجهه الغبي يبدو وكأنه يستحق السخرية، حتى كادت آيسيل تضحك، لكنها أمسكت شفتيها بقوة وأكملت حديثها.
“حين سلمني جدي حق التشغيل، همس لي ببعض الكلمات.”
تذكّر الأمر بالفعل.
كان قد شعر بالفضول حيال ما قاله،
لكنه لم يسأل آيسيل في ذلك الوقت.
هز كاليبسو رأسه بصمت.
“قال إنه وضع تعويذة سحرية على حق التشغيل.”
“تعويذة؟“
سأل كاليبسو بدهشة.
في الحقيقة، لم يكن هذا متوقعًا.
لقد كان إجراءً وقائيًا من الماركيز، خشية أن يُخفي كاليبسو الحق في مكان لا يعرفه أحد، حتى آيسيل وديانا.
لم تكن تتوقع آيسيل أن يكون هذا الإجراء بهذه الفائدة.
تحدثت بثقة:
“نعم. قال إنه لو حاول شخص لا ينبغي له ذلك الاستيلاء على الحق، فسنستطيع استرجاعه منه.”
مع أن السارق الذي توقعه جدها كان والدها نفسه.
رغم ابتسامتها المشرقة،
كانت كراهية آيسيل لكاليبسو تفيض من قلبها.
أما كاليبسو، فلم يتخيل أبدًا حقيقة مشاعرها، وقال بإعجاب:
“يا له من بعد نظر لوالد زوجتي…!”
يا لسعادته.
فقد بدأ اللون يعود إلى وجه كاليبسو بعدما كان غارقًا في الظلام.
ظلت آيسيل مبتسمة،
ثم أمسكت برقّ أحد الرقوق الموضوعة على مكتب ديانا.
وبصوت خافت، همست بالتعويذة التي علّمها إياها جدها.
“ألفيندي، موردِياته.”
في تلك اللحظة، انبعث نور ساطع من الرق.
وحين انطفأ الضوء،
ظهرت على الرق خريطة، وعليها علامة × حمراء واضحة.
“هذا هو…”
“نعم، هذا هو مكان حق التشغيل.”
“إذاً، هناك فأر قذر يختبئ في القصر.”
لن يرحمه إن قبض عليه.
لمعت شرارة قاتمة في عيني كاليبسو البنفسجيتين.
“لكن…”
قالت ديانا وهي تحدّق في الخريطة.
“هذا المكان…”
ولم تكمل حديثها، إذ تعثّرت كلماتها فجأة.
عندها فقط نظر كاليبسو بعناية إلى الخريطة التي كانت آيسيل تحملها.
اتسعت عيناه في صدمة.
نظرت آيسيل نحوه بخفة، ثم قالت:
“إنه غرفة الطبيبة، على ما يبدو.”
ها أنت تغرق نفسك في الوحل بيدك.
تخيّلت ديانا وآيسيل أليشيا،
وهي تُنبذ حتى من حبيبها الذي وثقت به،
فالتقت نظراتهما وتبادلت الابتسامات.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 83"