استمتعوا
خرجت كاثرين من غرفة أليشيا وتوجهت مباشرة إلى غرفة الدوق.
كانت تنوي أن تُحبط آيسيل في مهرجان السحر،
لكنّها لم تستطع حتى المشاركة فيه.
كان ذلك كافياً ليُفقدها صوابها من شدة الغيظ.
وفوق ذلك، حصول آيسيل على رتبة ساحرة منخفضة يعني أنها أصبحت تمتلك حق إدارة منجم الألماس الذي كان يملكه جدها.
تلك الألماسات كان ينبغي أن تكون لها، لا لآيسيل.
كانت تخطط أن تتزين بها من رأسها حتى أخمص قدميها يوم زفافها من سوير، وتأخذها كمهر زواجها.
كاثرين عضّت على أسنانها من الغيظ، وفتحت باب مكتب كاليبسو.
مزاجها كان سيئاً للغاية، لذا قررت أن تخرج للتسوق.
ظنّت أن شراء فستان جديد أو بعض المجوهرات قد يساعدها على تهدئة شعور الغضب الذي يغلي داخلها.
نادَت كاثرين على كاليبسو الذي كان منشغلاً بتقليب الأوراق.
“أبي.”
نظر إليها وقد رفع نظره عن الأوراق المثبتة على مكتبه.
“كاثرين؟“
كانت تبدو أفضل بكثير مما كان متوقعاً لمن كانت تتقيأ دماً.
“هل استعدتِ وعيك؟“
كان صوته بارداً إلى درجة أن كاثرين كادت تضحك من شدّة الدهشة.
لم يُبدِ أي قلق أو اهتمام بابنته التي كانت مريضة طوال هذه الفترة.
بدا وكأنه لا يهتم لأمرها إطلاقاً.
رغم أنه كان دائمًا رجلًا صارمًا، لكنه كان يُظهر لها بعض الحنان.
أما الآن، فقد بدا وكأنه ينظر إلى شخص غريب.
‘هل هذا بسبب آيسيل؟‘
اشتعلت شرارة الغضب في عيني كاثرين.
رغم أن كون كاليبسو يُفضّل آيسيل كان يزعجها،
فإنها لم تكن تهتم طالما حصلت على ما تريده.
كانت قد فقدت الأمل في والدها منذ أن أيقنت أنه لم يعد لديه ما يقدمه لها.
“نعم، أنا بخير الآن.”
جلست كاثرين على الأريكة في وسط المكتب،
ووضعت ساقًا فوق الأخرى وهي تخاطب كاليبسو.
“انتهى مهرجان السحر، صحيح؟“
“…نعم، لأنكِ لم تستعيدي وعيكِ حينها…”
“لم يكن بيدي أن أستعيد وعيي! لم يكن لدي خيار آخر!”
صرخت فجأة، والغضب يتفجر منها.
كلما تذكرت ما حدث، غلَت أعصابها.
“ماذا تقصدين؟“
نظر إليها كاليبسو بعدم فهم.
“أمي أعطتني دواء يجعلني أنام، ولم أستطع الاستيقاظ!”
قالت كاثرين وهي تقبض قبضتيها بشدّة.
“أليشيا؟“
“نعم… لولا ذلك، لكنت حصلت على الأقل على رتبة ساحرة منخفضة…”
قالت ذلك وهي تنظر إلى الأسفل، والغصة تعتصر وجهها.
دخلت الخادمة حاملة شايًا عطِرًا، ووضعته أمام كاثرين.
بعد صراخها، شعرت بعطش شديد.
مدّت يدها نحو فنجان الشاي،
لكنها توقفت عندما لامست يدها مقبضه.
انعكس حاجباها المعقودان على سطح الشاي الهادئ.
بدت مثل خاسرة.
خاسرة ترتجف بعد هزيمتها أمام آيسيل.
أشاحت بوجهها بعيدًا عن الفنجان،
وكأنها لا تطيق رؤية نفسها بهذا الشكل.
“لا بأس. لقد انتهى الأمر على أي حال.”
رغم أن الغضب ما زال يشتعل بداخلها،
إلا أنها لم تستطع العودة بالزمن.
وضعت ذراعيها بتقاطع،
وبدأت تتحدث عن السبب الحقيقي لقدومها.
“أريد بعض المصروف.”
“مصروف؟“
“نعم. أشعر بحزن شديد. لقد دمّرت أليشيا كل شيء.”
‘أليشيا؟‘
رغم أنها كانت ابنة عائلة نبيلة صغيرة، إلا أنها كانت أمّها.
كيف يمكنها أن تناديها باسمها بهذه البساطة؟
ارتفع حاجب كاليبسو ببطء وهو ينظر إليها.
ثم هز رأسه يمينًا ويسارًا.
منذ أن استعادت ديانا نظرها وقدمت آيسيل إلى القصر،
بدت كاثرين وكأنها أصبحت شخصًا مختلفًا تمامًا.
رغم أنها كانت مدللة بعض الشيء، لكنها لم تكن بهذه الوقاحة.
حدّق كاليبسو في كاثرين التي كانت تشرب الشاي.
ماذا بوسعه أن يفعل؟ حتى هذه الفتاة، رغم كل شيء،
تبقى ابنته التي تجري في عروقها دماؤه.
تنهد وهو يفتح الدرج،
وأخرج منه بعض قطع الذهب ووضعها على الطاولة.
“خذيها.”
قفزت كاثرين بفرح واقتربت بسرعة.
لكن ما إن رأت عدد القطع الذهبية، حتى تجمد وجهها فجأة.
“هذا لا يكفي.”
“لا يكفي؟“
تنهدت بوضوح،
وتحدثت بنبرة ساخرة كما لو أنها تشرح لطفل صغير.
“بهذا القدر من الذهب، لن أستطيع شراء حتى ميدالية مفاتيح صغيرة مرصعة بجوهرة واحدة.”
ثم دفعت الذهب على الطاولة مرة أخرى باتجاه كاليبسو.
“أنا أنوي شراء فستان جديد ومجوهرات. أريد شيكًا.”
وجه كاليبسو المتجمد صوّب نظره إليها.
كيف يمكن أن يكون الفرق بينهما كبيرًا هكذا؟
آيسيل، التي لا تربطه بها أي دم، أوكلت إليه منجم الألماس.
أما كاثرين، ابنته بالدم،
فكانت تتدلل بهذه الطريقة رغم أنها تعلم تمامًا ما تمر به عائلتهم.
“كاثرين.”
“نعم؟“
“هل تعلمين ماذا تنوي عائلة إيرنست أن تفعل الآن؟“
سأله بنبرة منخفضة.
لكن وجه كاثرين كان مليئًا بالجهل.
“ما الذي تنوي فعله؟“
تنهد من جديد.
كاثرين هي ابنته الوحيدة.
رغم أنه يحب آيسيل،
فإنه كان ينوي في النهاية أن يورث كل شيء لكاثرين.
فآيسيل لها الماركيز، على الأقل.
لكن الآن، بدأ كل شيء ينهار أمام عينيه.
“أمك، أي ديانا، اقترضت شيكًا لأجلي، وآيسيل…”
قبل أن يُكمل كاليبسو جملته، قاطعته كاثرين بعصبية:
“آيسيل؟ هل تنوي مقارنتي بتلك الفتاة، يا أبي؟“
لكن وجه كاليبسو ظلّ بارداً.
عندها عضّت كاثرين على أسنانها وغيّرت استراتيجيتها إلى لعب دور الضحية.
“أصبحت حزينة للغاية في الفترة الأخيرة، يا أبي.”
علّقت دموعًا كبيرة على أطراف رموشها، وكأنها على وشك السقوط.
“حتى أمي، الجميع يهتم بآيسيل فقط.”
بدأت دموعها تسقط ببطء مثل الجليد الذائب.
“ألم تفكر أبدًا في مدى حزني لعدم تمكني من المشاركة في مهرجان السحر؟“
صوتها المرتجف ملأ الغرفة بحزن،
لكن لم يظهر أي أثر للشفقة على وجه كاليبسو.
عندما رأت كاثرين ذلك، اضطربت قليلاً.
ثم فتح كاليبسو فمه ببطء.
“إذن، أنتِ…”
نظرت كاثرين إليه بترقب.
“ألا تشعرين بالقلق على والدك،
الذي يسعى لإعادة مجد هذه العائلة؟“
ردّت كاثرين بنبرة فيها نوع من الاستهزاء.
“لا يمكنني فعل شيء حيال ذلك. هذا عملك، يا أبي.”
“ماذا؟“
“لا يجب أن تتذمر وأنت تقوم بواجبك كرئيس للعائلة.”
تفكير أناني للغاية.
اعتبار أن واجبه كأب ورب أسرة أمر طبيعي، فلا داعي للشكوى!
حتى لو كان ذلك صحيحًا،
لم يكن هذا أسلوبًا مناسبًا للحديث أمام والدها.
بل واستخدمت كلمة ‘تتذمر‘ ! كيف يمكن أن تقول ذلك لأبيها؟
كان كاليبسو مصدوماً حتى كاد يضحك من شدّة الغرابة.
“المقارنة…”
حدّق بها وقال بصوت بارد كالجليد:
“لا مفر منها.”
“ماذا…؟“
اتسعت عينا كاثرين من الصدمة.
آيسيل لا يمكن مقارنتها بها بأي شكل من الأشكال!
“ما الذي تقصده الآن؟“
“لقد جمعت كل الأموال الموجودة وغير الموجودة من أجل المشروع الجديد. وفي هذه الظروف، فستان جديد ومجوهرات؟!”
ضرب كاليبسو الطاولة ونهض واقفًا.
كيف يمكن أن تكون ابنته الحقيقية هكذا؟ كم تختلف عن آيسيل!
وكل هذا… كان بسبب أليشيا.
دماء النبلاء البسطاء في عروق أليشيا جعلت من ابنتها شخصية أنانية كهذه، بلا شك.
لو لم يمت طفل ديانا،
لكان أكثر رصانة وذكاءً من هذه الفتاة، بكل تأكيد.
ربما كان سيكون مثل آيسيل.
“كاثرين! لا تزالين طفلة تافهة!”
تجمّدت ملامحه بغضب عميق وهو يصرخ عليها.
لو أنها فقط طلبت الفستان والمجوهرات بطريقة دلع عادية،
لما غضب بهذا الشكل.
لكن كاثرين جعلت كل جهوده من أجل العائلة بلا قيمة،
بجملة واحدة فقط.
كان لا بد من أن يصرخ عليها.
“أبـ… أبي…!”
ارتبكت كاثرين وتلعثمت.
لم ترَ والدها بهذه الغضب من قبل.
لكنه كان قد جلس مجددًا ورفع عينيه عنها.
“ليس لدي أي ذهب لأعطيكِ. غادري الغرفة فورًا.”
كان صوته قاسيًا كالجليد،
ولم تجد كاثرين مفرًا سوى أن تغادر الغرفة كمن طُرد منها.
ركضت كاثرين نحو غرفتها وهي تضرب الأرض بقدميها.
من بعيد، رأت أليشيا.
رأت أليشيا تعبير وجهها المتجهم فمالت برأسها بفضول.
كانت متأكدة أن كاثرين خرجت للتو من مكتب كاليبسو،
لكن يبدو أن شيئًا مزعجًا قد حصل مجددًا.
رغم الكلمات الجارحة التي طعنت قلبها،
لم تستطع أليشيا أن تكره كاثرين.
فهي ابنتها التي أنجبتها من رحمها.
مرّت كاثرين بجوارها ببرود ودخلت غرفتها.
وقفت أليشيا في الممر مكان ظلال ابنتها التي رحلت،
ثم دخلت إلى مكتب كاليبسو بعزم واضح.
كان قد مضى وقت طويل منذ أن زارت مكتبه آخر مرة.
أغلقت الباب بحذر خلفها.
رغم أن كاليبسو كان يعلم تمامًا أن أليشيا قد دخلت الغرفة،
إلا أنه لم يرفع رأسه.
“…كاليبسو.”
منذ الحفلة، وهو لا يزال يحافظ على بروده معها.
“هل… هل زارتك كاثرين؟“
سألت أليشيا بصوت خافت ومنهك.
فقد كانت تتلقى معاملة باردة من كلٍّ من حبيبها وابنتها التي تحبها، ولم يكن لديها أي طاقة متبقية.
كاليبسو مسح وجهه بيديه كما لو أنه يحاول طرد التعب والإرهاق.
كان أمامه الكثير ليفكر فيه قبل انطلاق مشروعه الجديد، ولكن زيارة كاثرين ثم مجيء أليشيا زاد من توتره وأثقل كاهله بالضغط.
“أنا مرهق. لنتحدث لاحقًا.”
ما زال صوته باردًا، فانخفضت كتفا أليشيا وهي تشعر بالانكسار.
لم يعد لديها حتى قوة للجدال.
قلبها كان قد تهشّم بالفعل بسبب كاثرين.
“…فقط، أرجوك، اعتني بكاثرين قليلًا. حسناً؟“
“كفى. أرجوك توقفي.
بسببك أنتِ، أصبحت تلك الفتاة بهذه الوقاحة!”
“…كاليبسو.”
كان عليها أن تخبره أن ديانا قد علمت بعلاقتهما المحرّمة.
لكن كاليبسو وقف فجأة من مكانه،
وهزّ رأسه كما لو أنه يشعر بالاشمئزاز،
ثم مرّ بجوارها دون أن يلتفت.
وسرعان ما دوّى صوت الباب مغلقًا خلفه كأنه زلزال.
“…هاه.”
تنهدت أليشيا تنهيدة عميقة وهي واقفة وحدها في الغرفة الفارغة.
لم يكن المتعب حقًا هو كاليبسو، بل هي.
كأن جسدها مليء بالجروح التي تنزف،
ولا شيء كان يؤلم أكثر من قلبها في تلك اللحظة.
أرادت أن تحمي كاثرين.
والآن بعد أن اكتشفت ديانا أمر علاقتها،
كانت بحاجة لأن تمتلك شيئًا في يدها.
وفي تلك اللحظة، لفت انتباهها وميض حروف مذهّبة.
“…ما هذا؟“
كانت وثيقة تشغيل منجم الألماس،
التي كانت آيسيل قد قدمتها إلى كاليبسو.
ابتلعت أليشيا ريقها الجاف.
إن حصلت على تلك الوثيقة،
فلن يستطيع كاليبسو التخلي عنها ولا عن كاثرين.
نظرت حولها بحذر في الغرفة الخالية،
ثم التقطت الوثيقة ووجهها مشدود بتوتر شديد.
وضعتها بعناية في صدرها وهي ترتجف من الخوف،
ومع ذلك ظهرت على شفتيها ابتسامة باهتة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 82"