استمتعوا
كانت ديانا تقرأ كتابًا وهي مستلقية على الكرسي براحة وبمزاج لطيف بعد أن أرسلت كاثرين.
“جلالتك، إنها شين.”
عند سماع صوت شين من الخارج،
أغلقت ديانا الكتاب الذي كانت تقرأه.
“ادخلي.”
دخلت شين الغرفة بعد أن حصل على الإذن،
وتبعتها امرأة غريبة الملامح.
كانت امرأة ذات شعر بلون السماء الصافية في الخريف،
وعيناها بلون أوراق القيقب، ما كان يتناسب تمامًا مع شعرها.
عند ظهور هذه الشخصية الغريبة، أمالت ديانا رأسها قليلًا.
بدأت شين تشرح بصوت هادئ.
”هذه الفارسة التي طلبتها، بليندا. لم تُسجَّل رسميًا.”
“لأكون دقيقة، لقد تم تسجيلي، ثم تم فصلي.”
قالت بليندا ذلك بخفة، وكأن الأمر لا يزعجها.
ابتسمت ديانا برقة وسألتها:
”ولماذا تم فصلك؟”
“لأني رفضت رشوة.
رشوة من أحد النبلاء طلب مني أن أتغاضى عن جريمته.”
إذن، لهذا كانت بهذه الثقة.
نظرت ديانا إلى شين، فأومأت برأسها مؤكدة كلامها.
“إنها صديقة طفولة نشأت معي في نفس البلدة.
مهارتها ممتازة، لكنها حادة الطباع قليلًا.”
“شين!”
بدت بليندا محرجة وهي تحك شعرها بخفة.
شخص يحمل مثل هذا الإيمان في حياته،
رأت ديانا أنه شخص يمكن الوثوق به.
“حسنًا، بليندا. سأقوم بتوظيفك رسميًا. كفارسة سرية لي.”
“لقد سمعت كثيرًا عن شهرة سمو الدوقة.”
لمعت عينا بليندا وكأنها ترى شخصية مشهورة.
“في الحقيقة، أنا من خريجي دار الأيتام في تلك المقاطعة.”
“حقًا؟ أهذا صحيح؟”
فتحت ديانا عينيها على اتساعهما من السعادة.
قبل زواجها، كانت تزور دار الأيتام كثيرًا.
دعمتهم بقوة والدها وموارده،
وكانت تشتري للأطفال ما يحتاجونه من مصروفها الخاص.
بعد الزواج، لم تستطع الذهاب بنفسها،
لكنها واصلت الدعم المالي باستمرار.
“نعم. وبما أني كنت أتردد كثيرًا على مركز التدريب حينها،
لم أحظَ بفرصة لرؤيتك شخصيًا… لكنني سمعت كثيرًا عنك من المديرة. قالوا إنك قديسة بريتشي.”
“ليس إلى هذا الحد.”
شعرت ديانا بالإحراج حين سمعت هذا النوع من الكلام،
واحمرّ وجهها.
سعلت قليلاً لتستعيد هدوءها.
ورأت أنه من الضروري أن توضح باختصار ما مرت به،
لبليندا التي تؤمن بها بهذا الشكل.
“بليندا.”
“نعم، جلالتك.”
“أنا لست قديسة. لم أعد… كذلك.”
“…ماذا؟”
عندما تلقت عرضًا من شين في البداية،
كانت فرحة جدًا بفكرة أنها قد تصبح فارسة لديانا المشهورة.
لكن الآن، لم تفهم ما تقصده. كيف ليست قديسة؟
“هل تعلمين ما هو الشيء الذي يفوق الشيطان رعبًا؟”
“أمم… لا أعلم، سموك.”
هزت بليندا رأسها بعد تفكير طويل.
قالت ديانا بصوت منخفض مليء بالمرارة وهي تتذكر أولئك الأشخاص غير البشريين.
“البشر. أولئك الذين يملكون رغبات قذرة جدًا.”
حدقت بليندا في وجه ديانا.
كانت قد مرت بما يجعلها تتفهم ذلك جيدًا.
فقد رأت النبلاء القذرين الذين ارتكبوا جرائم،
ومع ذلك رفضوا نيل جزائهم.
“أظنك تعلمين ذلك أيضًا. إن كنتِ قد مررتِ بتجربة مشابهة.”
“نعم. هذا صحيح.”
“أنا عازمة على معاقبتهم.”
“بنفسك، تقصدين؟”
على عكسها، كانت ديانا تملك قوة عائلة بريتشي ومكانتها،
لذا كان بإمكانها فعل ذلك.
ابتسمت ديانا كما لو أنها قرأت أفكارها، ثم أجابت ببطء:
“أحيانًا، القانون وحده لا يكفي. وأيضًا…”
أكملت حديثها بمرارة.
“أحيانًا، لا يتناسب العقاب مع الجريمة التي ارتكبوها.”
قبضت ديانا على قبضتها بإحكام.
كان عليهم أن يتألموا أكثر.
لا يمكن أن تنتهي الأمور بمجرد غرامة وبعض الهمسات من الناس.
كان يجب أن يعانوا أكثر من ما عانته هي.
فكت ديانا عصابة عينيها.
وعندما رأت بليندا أن عينيها تبدوان سليمتين، أظهرت تعبيرًا حائرًا.
ثم شرحت ديانا باختصار ما تعرفه شين عن حالتها.
وعندما سمعت بليندا كل شيء، غضبت وكأن الأمر يخصها.
“كيف يمكن أن يحدث شيء كهذا!”
عندها فقط، فهمت كل شيء.
حتى إن كانت تُلقب بالقديسة،
كيف يمكنها تحمّل خيانة زوجها وأعز صديقاتها بعقل سليم؟
لقد كانت قوتها الذهنية في شرح الأمور بهدوء، ببساطة مدهشة.
“بليندا.”
“نعم، سموك.”
“هل يمكنك فعل أي شيء من أجلي؟”
لمعت عينا بليندا كعيني وحش.
شعرت بإحساس قوي بالعدالة يتفجر في صدرها.
لم تستطع أن تغفر لأولئك الذين فعلوا أشياء لا يفعلها حتى الحيوانات.
اقتربت بليندا من ديانا وركعت على ركبة واحدة. ثم قالت بعزم.
“أُقسم بالولاء، سموكِ.”
لمعت عينا ديانا بعزم ردًا على بليندا.
هكذا كانت تخطط، أن تُعدّ العدة للانتقام خطوةً بخطوة.
لم تكن هناك حاجة للعجلة.
رغم أن ذهنها كان يعج بأفكار قاسية لا توصف،
إلا أن ديانا كانت تبتسم كالملاك.
***
“آه، كم هذا مزعج!”
عادت كاثرين إلى غرفتها،
وأخيرًا استطاعت التعبير عن غضبها بحرية.
بدأت برمي أشياء غرفتها وهي تصرخ.
كانت الدوقة اليوم غريبة جدًا.
ربما أصبحت أكثر حساسية بسبب فقدانها لبصرها؟
كلما فكرت بالأمر، ازداد غضبها.
حتى سن العاشرة، كانت كاثرين تظن أنها ابنة ديانا الحقيقية.
كانت تعتقد أنها فتاة نبيلة تشبه والديها الأنيقين.
لكن في أحد الأيام، وبالصدفة، رأت والدها وهو يقبّل أليشيا.
في البداية، شعرت بخيانة مؤلمة من والدها.
شعرت بالشفقة على والدتها.
لكن أليشيا اقتربت منها وهي تذرف الدموع.
“كاثرين.”
“كيف تجرؤ طبيبة على الاقتراب من نبيلة!”
“…أنتِ ابنتي.”
“ماذا قلتِ؟”
نظرت كاثرين إلى كاليبسو، لكنه فقط أومأ برأسه بصمت.
امتلأ وجهها بالذهول.
لم تستطع تصديق أنها وُلدت من علاقة غير شرعية مع ابنة أحد النبلاء.
بدأت يداها ترتجفان. فأمسكت أليشيا بيدها وقالت:
“ماذا تعتقدين سيحدث لو علموا أنكِ لست ابنة ديانا الحقيقية؟”
“…”
“فهمتِ، أليس كذلك؟ فتاة ذكية.”
تذكرت ديانا التي لطالما أحاطتها بحب لا محدود.
لكن، هل كانت ستفعل ذلك لو علمت أنها ليست ابنتها؟
هل كانت ستعاملها هكذا لو كانت تعلم أنها ابنة صديقتها الخائنة؟
فكرت كاثرين بسرعة. ثم غيّرت طريقة مناداتها.
من ‘أمي’، إلى ‘ديانا’.
وهكذا بدأت علاقتها مع أليشيا كأم وابنة من جديد.
ثم سألت كاثرين عن ابنة ديانا الحقيقية.
“…أين هي ابنة ديانا الحقيقية؟”
ابتسمت أليشيا من طرف فمها وأجابت:
“تلك الفتاة؟ إنها تكبر بين العامة. في قاع المجتمع.”
“قاع المجتمع…”
“نعم. كلما نشأت تلك الفتاة في ظروف أكثر بؤسًا،
كلما كنتِ أنتِ أرقى. إن أردت أن تصبحي الأميرة الحقيقية.
أنتِ الحقيقية، كاثرين.”
“أنا… الحقيقية…”
عادت نظرة كاثرين إلى تلك اللحظة، وبدأت عيناها تغيمان.
دفعت كؤوس الزجاج الموجودة على الطاولة نحو الأرض.
تحطمت الكؤوس الزجاجية كما هو متوقع.
“آيسيل!”
بينما كانت تحدق في شظايا الزجاج،
صرخت باسم شخص ما وضربت خزانة كتبها بقوة.
عندها، انفتح أحد رفوف الخزانة بهدوء.
خلفه كانت هناك غرفة سرية لا يعرفها سوى كاثرين وأليشيا.
“…نعم.”
من خلال فتحة صغيرة، خرجت فتاة هزيلة بالكاد تبلغ من العمر اثني عشر عامًا، تُدعى ‘آيسيل’.
حدّقت كاثرين في تلك الطفلة كما لو كانت تنظر إلى ديانا،
ثم أشارت إلى الشظايا بأصبعها.
“نظّفي.”
“…نعم، انستي.”
بدأت آيسيل تلتقط الشظايا بيدها النحيلة،
ودست كاثرين بعضها بقدمها عمدًا، مما أدى إلى جرح يد الفتاة.
رفعت آيسيل رأسها ونظرت إلى كاثرين.
عبر خصلات شعرها الفضي الباهت،
ظهرت عيناها الخاليتان من أي شر.
عيناها الزمرديتان كانتا تشبهان تمامًا عيني ديانا.
“ما هذه النظرة؟ هل لديك اعتراض؟ أيتها الحقيرة.”
“لا، انستي.”
ابتسمت كاثرين بسخرية، فخفضت آيسيل رأسها مجددًا.
بالطبع، كيف لا؟ لقد درّبتها جيدًا منذ أن كانت في العاشرة.
لم يكن أحد يعلم بوجود تلك الطفلة سوى أليشيا وكاثرين.
حتى كاليبسو كان يظن أن ابنة ديانا قد ماتت.
عندما علمت كاثرين بكل شيء، أحضرت لها أليشيا الطفلة آيسيل.
وقالت لها: استمتعي باللعب معها.
حدّقت كاثرين في آيسيل التي كانت منكفئة تلتقط الشظايا، وابتسمت بسخرية.
كلما أصبحت تلك الفتاة أكثر حقارة، أصبحت هي أكثر رقيًا.
ترددت كلمات والدتها في أذنيها.
كانت الحصة التي تُعطى لآيسيل من الطعام هي قطعة خبز جافة واحدة في الأسبوع، مع حليب متعفن.
ولهذا كانت أصغر حجمًا وأنحف من الأطفال في سنها.
وكان هذا يرضيهم تمامًا.
كانت الطفلة تكبر بطريقة بائسة، كما أرادت أليشيا وكاثرين.
على عكس كاثرين التي كانت تكبر كفتاة نبيلة أنيقة.
“انتهيت من التنظيف.”
“حسنًا؟ إذًا عودي لمكانك. لا تخرجي حتى أناديك.”
“نعم… انستي.”
أجابت آيسيل بصوت خافت، ثم عادت إلى داخل الخزانة.
وكان جسدها مليئًا بالجروح.
كلما مرّت كاثرين بيوم سيئ، كانت تُفرغ غضبها على آيسيل.
لم يكن هناك سبيل للهروب.
ففي كل مرة تخرج فيها، كانت كاثرين تقفل الخزانة من الخارج.
ما زال جسد آيسيل يؤلمها.
دخلت إلى غرفتها السرية وأغلقت الخزانة خلفها.
ثم جلست تحدق طويلًا في بابها المغلق.
لكن عينيها هذه المرة لم تكونا كما في السابق.
العينان اللتان كانت تفتقران دومًا إلى الحياة،
بدأتا الآن تلمعان بضوء واضح.
كان ذلك الضوء… تمامًا مثل ضوء عيني ديانا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 8"