استمتعوا
رويري رفض عرض أنثيا رفضًا قاطعًا،
وعاد إلى مقعده وجلس بجانب ديانا.
من خلال الإضاءة الخافتة، ظهرت ملامح وجهها.
كان الجو يبعث على البرودة بطريقة غريبة.
رويري حاول أن يمد يده نحوها ليقول شيئًا.
في تلك اللحظة،
صعد المشاركون في مهرجان السحر إلى المنصة واحدًا تلو الآخر.
اتجهت رأس ديانا نحو المنصة.
ولم يكن أمام رويري خيار سوى متابعة المشاركين أيضًا.
كانت هناك فتاة في عمر مقارب لآيسيل، وكان هناك أيضًا عجوز ذو لحية بيضاء يبدو أن قوته السحرية قد ظهرت في وقت متأخر.
راحت ديانا تحرك عينيها بسرعة باحثة عن آيسيل.
فقد كانت لا تزال منزعجة بعد أن سمعت حديث رويري مع الآنسة أنثيا، ابنة دوق إيبرك، قبل قليل.
لكن مع ذلك، لم يكن بوسعها أن تغفل عن رؤية ابنتها.
تماسكت ديانا رغم اضطراب مشاعرها ووجهت أنظارها نحو آيسيل. كانت ترتدي زيًا رسميًا وتبدو بارزة بشكل ملحوظ على المنصة.
كان جميع المشاركين قد ارتدوا زي السحرة الأبيض المزين بالذهب، الذي قدمته لهم برج السحر.
وذلك بهدف إلغاء التمييز بين النبلاء والعامة.
لكن من الطبيعي ألا يكون بين المشاركين الكثير ممن يتمتعون بمكانة عالية مثل آيسيل، لذا لم يكن هناك من يضاهيها في أناقتها وحضورها اللافت.
الهالة النبيلة التي أحاطت بها جعلت الجميع يدركون فورًا أنها من طبقة رفيعة.
إضافة إلى خطواتها الواثقة وابتسامتها المفعمة بالثقة،
والتي زادتها جمالًا.
كانت آيسيل بحق نجمة المنصة.
وبدأ وجه ديانا المظلم يشرق تدريجيًا.
ورغم شعورها بالذنب تجاه باقي المشاركين،
إلا أن عينيها لم تكن ترى أحدًا سواها.
“لا أرى سواها.”
همس كاليبسو وهو ينظر إلى ديانا.
فكرة أنهما تشاركا نفس الشعور جعلت ديانا تشعر بالانزعاج فجأة.
فلم ترد عليه، مكتفية بتقطيب شفتيها.
ولحسن الحظ، لم يتمكن من رؤية ملامحها بسبب الإضاءة الخافتة.
تظاهرت بأنها لم تسمعه، وركزت مجددًا على آيسيل.
كان مهرجان السحر ساحة للمشاركين لإطلاق طاقتهم السحرية بأقصى ما يستطيعون، مرة واحدة على المسرح.
وبما أن أشكال وألوان السحر تختلف حسب طاقة الفرد وخصائصه، فإن المتفرجين كانوا يستمتعون بمشاهد تبهج العين مثل الألعاب النارية.
كانت ديانا تميل برأسها محاولة التقاء نظراتها مع آيسيل،
حين شعرت بيد تربت على كتفها.
“أوه، سيدتي!”
“ها أنتِ! بحثنا عنك طويلًا.”
من لمس ديانا كانت سيرينا،
وبجانبها وقف سوير مرتديًا زيه الرسمي بعناية.
انحنى سوير بأدب أمام ديانا.
“هل كنتِ بخير؟ صاحبة السمو الدوقة.”
نظرت ديانا إليه بتمعن وكأنها تراقبه.
رغم كل شيء،
فقد بدا لها فتى مهذبًا ومناسبًا ليكون شريكًا لآيسيل.
حتى وإن لم تكن تعرف شعور آيسيل حاليًا، فإن اضطرت لاختيار عائلة نبيلة واحدة للزواج، فسيكون سوير هو الخيار المثالي.
ابتسمت له بلطف وأجابت على تحيته.
“نعم، كنت بخير. وأنت، هل كنت بخير أيضًا، ايها الأمير؟“
“بفضلك، كنت بخير.
لقد أرسلت رسالة إلى الآنسة أيضًا، هل وصلت؟…”
تساءل سوير في داخله ما إذا كانت آيسيل قد أخبرت ديانا بشيء، ونظر إليها مترددًا.
اتسعت عينا ديانا بدهشة من كلماته.
لم تكن تعرف بالأمر لأن آيسيل لم تخبرها شيئًا.
ربما خجلت من قول ذلك؟ رؤية هذين المراهقين الصغيرين بتلك البراءة أثارت عاطفة ديانا، وبدت عيناها أكثر دفئًا.
من الواضح أن سوير كان يحمل مشاعر أكبر تجاه آيسيل مما كانت تظن.
لكنها تمالكت نفسها سريعًا وابتسمت بهدوء.
ورغم معرفتها أنه يتحدث عن آيسيل،
فقد تظاهرت بالجهل وسألت بتردد.
“الآنسة، من تقصد؟…”
“آه، أقصد الآنسة آيسيل. لقد تقربنا قليلًا في الحفلة السابقة.”
قالها وهو يحمر خجلًا.
كان ينوي متابعة الحديث،
لكن فجأة انطلقت ألعاب نارية إيذانًا ببدء المهرجان،
وأُطفئت الأضواء في القاعة.
جلس كل من سوير وسيرينا بسرعة في مقعديهما.
عادت ديانا لتنظر إلى المنصة.
وبينما كانت تبحث عن آيسيل بعينيها، تلاشى القلق من ملامحها.
كانت آيسيل تطلق طاقتها السحرية بحرية،
مشكّلة أزهارًا من الضوء الأزرق.
رغم وجود مشاركين يمتلكون طاقة أكبر منها،
لم يكن هناك أحد يستخدم السحر بجمال مماثل لها.
البلورات الجليدية الزرقاء التي كانت تتلألأ كالجواهر،
تجاوزت الجمال لتبدو كأنها من عالم آخر.
“إنها… حقًا جميلة…”
التفتت ديانا إلى جانبها، وقد فُتنت بعرض آيسيل السحري.
وكان صاحب الصوت هو سوير،
الذي لم يتمالك نفسه وأطلق هذا الإعجاب بصوت خافت.
كان ينظر بتركيز شديد إلى آيسيل المضيئة على المنصة.
فسألته ديانا بذكاء، بينما عينيه لم تفارقا المشهد.
“السحر؟ أم آيسيل؟“
“آيسيل، أوه…!”
أجاب سوير بصراحة من دون أن يشعر،
لكنه تفاجأ بكلماته وسرعان ما وضع يده على فمه.
رغم الظلام، إلا أن خجله كان واضحًا، وقد احمر وجهه بالكامل.
ابتسمت ديانا ابتسامة صغيرة عندما رأت ملامحه المحبّة.
“أرجوكِ، أبقي الأمر سرًا… صاحبة السمو.”
قالها برجاء حقيقي،
بينما كان يحك رأسه بحرج.
وأومأت ديانا برضا وهي تبتسم له.
بعد قليل، انتهى عرض المشاركين.
وعادوا جميعًا إلى غرفة الانتظار.
ولم يتبق سوى التحكيم.
وقبل أن تنهض ديانا لتفكر في الذهاب إلى هناك،
بادرها رويري بالكلام.
“سأذهب الآن، نونا.”
كان عليه أن يشارك في التحكيم بصفته كبير السحرة في البرج.
وكان لا يزال ينظر إلى وجه ديانا وكأنه يراقب حالتها.
حاولت ديانا رسم ابتسامة، رغم ارتجاف شفتيها.
“…حسنًا.”
“الأسبوع المقبل، في الصف…”
بدت خطواته مترددة، وكأنه لا يريد أن يفترق عنها.
نظرت إليه ديانا بتمعن.
لا يجب أن تتردد أكثر.
فمشاعره تجاهها، ومشاعرها نحوه، كانت مختلفة تمامًا.
لا يجب أن تخلط بين اهتمامه بها وبين الحب الرومانسي.
لا، لا يجب أن أحبه.
يجب أن يلتقي بامرأة مناسبة لعمره،
ويعيش معها حياة زوجية سعيدة.
أغمضت ديانا عينيها بقوة ثم فتحتهما،
وأطلقت زفرة صغيرة.
ثم قالت وكأنها حسمت أمرها.
“لا.”
“هاه؟“
ظهر الارتباك في عينيه الزرقاوين.
“لم يعد هناك داعٍ لأن تأتي.”
كانت لهجتها حازمة، ولم تترك مجالًا للتفسير، وكأنها غاضبة.
تغير تصرفها فجأة جعل نظرة رويري تتشتت وتضطرب.
“ما الذي تعنينه؟ لماذا لا آتي؟“
هل قالت هذا لأن كاليبسو كان بجوارها؟
حاول رويري أن يلتقي بنظراتها.
لعل عينيها تخبرانه شيئًا يخالف كلماتها.
لكن ديانا لم تنظر في عينيه مطلقًا.
لا، بل لم تستطع النظر إليه، حتى لا يلحظ رجفة عينيها.
“نونا؟…”
أمال رويري رأسه،
وأمسك برفق بمعصمها محاولًا الحصول على إجابة.
ارتجف جسد ديانا من المفاجأة، لكنها ظلت تتجنب نظرته.
لم تكن تتوقع أن يكون رفضه بهذه الصعوبة.
سحبت يدها من بين يديه.
وانزلقت يد رويري عن معصمها ببطء مؤلم.
وبذلك الرفض الصريح، ظهرت الحيرة بوضوح على ملامحه.
لم يعد بإمكانه التظاهر بالمرح أو الجدية.
كانت ديانا المرأة الوحيدة القادرة على تحطيم كل أقنعته.
“لن أتعلم السحر بعد الآن. ما تعلمته حتى الآن يكفي.”
ولكن… لماذا؟ ألم تكن تبتسم له قبل قليل؟
ألم تدافع عنه حتى أمام كاليبسو؟
راجع كل تصرفاته لكنه لم يجد شيئًا خاطئًا.
لم يكن يطلب منها شيئًا.
كل ما أراده هو البقاء بجانبها.
إذا طلبت المساعدة، سيساعدها.
وإذا طلبت أن يعلمها السحر، سيفعل.
لم يكن يهمه ما يفعله، طالما كان لأجلها.
حتى يتمكن من كسر لعنة إكليبت.
لكن ما معنى هذا التصرف، بحق السماء؟
“نونا… انظري إليّ، أرجوكِ.”
توسّل رويري بصوت يملؤه التوسّل والرجاء.
وفي لحظة، تلاقت عينا ديانا ولويري.
لم تستطع ديانا أن تهرب من نظراته.
وجه رويري، الذي كان يضحك دائمًا،
بدا حزينًا وكأنه على وشك البكاء.
وفي عينيه الزرقاوين المغمورتين بحزنٍ عميق،
شعرت ديانا بقلبها يسقط ويتحطم كليًا،
وكأن ألمًا ممزقًا اجتاح صدرها.
“رويـ…”
في اللحظة التي كانت فيها ديانا تحاول أن تقول شيئًا آخر، أُضيئت الأنوار في قاعة الحفل بأكملها.
استدار رأس كاليبسو،
الذي كان يوجه بصره إلى المسرح، نحو ديانا ورويري.
“ألم تذهب بعد؟ يا لك من بطيء ومماطل بالفعل.”
سخر كاليبسو علنًا من رويري،
الذي لم يكن قد توجه بعد إلى التحكيم.
استغلت ديانا هذه اللحظة لتدير ظهرها نهائيًا عن رويري.
ظل رويري يحدّق في ظهرها الغارق بالحزن لفترة طويلة،
ثم استدار بهدوء يغلفه الأسى.
عندها فقط استدارت ديانا نحو الباب الذي خرج منه.
ألمٌ شديدٌ خنق صدرها حتى شعرت أنها لا تستطيع التنفس.
“سأذهب فقط لأرتب شعري قليلاً.”
لم تعد قادرة على كبح الدموع التي تدفقت بغتة.
هرعت ديانا مسرعة من قاعة الحفل وكأنها تهرب،
ولسعادتها، لم يكن غرفة تغيير الملابس بعيدة.
ركضت نحوها مباشرة.
وما إن دخلت الغرفة، حتى أغلقت الباب بقوة تصدر صوتًا عالياً، وأدارت المقبض لتغلقه، ثم انهارت جاثية على الأرض وكأنها سقطت.
خوفًا من أن يسمع أحد بكاءها، أمسكت فمها بكلتا يديها.
الدموع انهمرت من عينيها بلا توقف، والبكاء تسلل من بين شفتيها.
رغم أنها غطّت فمها، إلا أن جسدها كان يرتجف بالكامل من شدّة الحزن الذي اجتاحها.
هذا هو الحب إذًا. هذا، بالضبط، ما يسمّى حبًا.
رغم أنها قضت حياتها في الخدمة والعطاء، حتى لُقبت بالقديسة بين الناس، إلا أنها لم تذق طعم الحب الحقيقي من قبل.
بهذا العمق، بهذا الإحساس الذي يمزق القلب،
لقد تسلل رويري إلى أعماقها دون أن تدري.
المشاعر التي انفجرت من داخلها كانت كالسيل، لا يمكن إيقافها.
مثل مجرى الماء الذي لا يستطيع الصعود عكس اتجاهه،
لم تعد قادرة على العودة عن هذا الشعور.
“هُـ…هك…”
رغم أنها غطّت فمها بكفيها،
إلا أن شهقة بكاء خرجت دون أن تستطيع كبتها.
خارج الباب، كان رويري واقفًا، بوجهٍ يفيض بالقلق،
خلف باب مغلق يفصله عنها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 79"